Skip to main content

Full text of "الدماغ أسطورة التكوين"

See other formats




أسطورة التكوين 


ديفيد إيجلمان 


0 فا 


ترجمة: د. خليل شحادة القطاونة 








«الدماغ.. أسطورة التكوين, (دراسة) 
تأليف: ديفيد إيجلمان ]30161031١‏ 031/10(ا (كاتب أميركي) 
الترجمة من الإنجليزية ؛ د. خليل شحادة القطاونة (أكاديمي ومترجم أردني) 


الطبعة الأولى 7١11‏ 
© حقوق الطبع محفوظة 7١1١4‏ 
copy right ©‏ 2018 


4 الآن ناشرون وموزعون 
hl < 2‏ بغ ALAAN PUBLISHERS‏ 


المدير العام: جعفر العقيلي. 

الأردن؛ عمّان؛ شارع الملكة رانياء بجانب صحيفة ,«الرأي» 
عمارة البيجاوي :)1١91(‏ ظ7 

)+۹٦1۲( 101۲۰۷۲۲۷۹۷111۷۰ هاتف‎ 


alaan. publish@gmail. com 
www. alaanpublish. com 


التصميم وال خراج الفتي؛ بسام حمدان 


This book is a full translation of the book: The Brain: The Story of You. 
Copyright © 2015 by David Eagleman 
Artwork copyright © 2015 by Blink Entertainment trading as Blink Films 


All rights reserved. No part of this book may be reproduced, stored in 
a retrieval system or transmitted im any form or by any means without 
prior permission in writing of the publisher. 





جميع الحقوق محفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أي جزء منه أو تخزينه 4 نطاق استعادة 


المعلومات أو نقله باي شكل من الأشكال؛ دون إذن خطي مسبق من الناشر. 


يتحمل المؤلف كامل المسؤولية القانونية عن محتوى مصنفه ولا يعبّرهذا المصنّف عن رأي المكتبة الوطنية 


أوأي جهة حكومية أخرى. 
رقم الايداع لدى المكتبة الوطنية الأردنية , (3971/8/2018) 


ISBN: 978-9923-13-032-2 


الدماع 
أسطورة التكوين 


ديفيد إيجلمان 


عم » 


David Eagleman 


الترجمة من الإنجليزية 
د. خليل شحادة القطاونة 


يم 
02» 
w۷‏ 


الآن ناشرون وموزعون 


ALAAN PUBLISHERS & DISTRIBUTORS 


الدماغ أسطورة التكوين 





الدماغ 
أسطورة التكوين 


الترجمة العربية لكتاب 
The Brain: The Story of You‏ 


ديفيد إيجلمان 


عيبم © 


David Eagleman 


صاحب كتاب .التخفي.؛ الحياة السرية للدماغ, 
الأكثر رواجا ب الولايات المتحدة الأميركية 4 عام 7١11‏ 


الفهرس 
مقدمة ... 


شكر وتقدير ---.--.-. 

الفصل الأول : من أفا9---- - 

الفصل الثاني : ما الواقع 9.... 

الفصل الثالث: من يتولى القيادة9--. -... 
الفصل الرابع: كيف أتخن قراراتي؟ 
الفصل الخامس : هل أنا بحاجتك؟ 

الفصل السادس؛ كيف سنكون ف ا مستقبل؟ 
سرد المصطلحات -.... 


١١ 


ه: 


44 


۱۳۹ 


206 


1 


في ظل التطورات السريعة في ميدان علم الدماغ, نادراً ما نعود إلى الوراء 
قليلا لتحديد النقطة التي نقف عليهاء لكي نستطيع ربط الدراسات التي 
نقوم بها في الحياة التي نعيشهاء ولكي نميزء بوضوح» وبساطة. أهميتنا 
بوصفنا كاثنات حيّة. يحاول هذا الكتاب أن يحقق هذا الهدف. 


وعلم الدماغ من العلوم المُهمّة جداء وامادة الحسابية الغريبة التي في 
جماجمناء هي وسيلتنا للإدراك؛ فبها نجوب العام ومنها تصدر قراراتناء 
ويتشكل خيالنا. كما أن أحلامناء ووعيناء ينشآن من مليارات الخلايا 
سريعة الاتصال. إن فهمنا للدماغ يلقي الضوء على ما نعده حقيقة 
في علاقاتنا الشخصيّة. وما نعده ضروريا في حياتنا الاجتماعية: كيف 
نكره؟ وماذا تُحِب؟ وما نعده مسلمات صحيحة. وكيف ينبغي أن نري 
(الأجيال). وكيف ينبغي أن نقيم علاقات اجتماعية أفضل؟ وكيف ينبغي 
أن تكون أجسامنا للعيش في القرون القادمة؟ ففي الدوائر الصغيرة 
المجهريّة للدماغ, يقبع تاريخ البشرية ومُستقبلها. 


ورُغم أهمية الدماغ في حياتناء إلا أنني أتعجّب من عدم اكتراث 
مُجتمعاتنا بالتطرّق إليه» وبدلاً من ذلك تراهم يملؤون الفضاء الصوتي 
بثرثرات عبثية» وبرامج واقعيّة. ولكنيء» الآن» أعتقد أن عدم اهتمام الناس 
بالدماغ هو ليس عيباء وإنما هو لغزء يُعني أننا مُحاصرون في واقعناء 
بصورة مُفرطة» يصعب معها التصديق بأننا مُحاصرون. وللوهلة الأولى» 
لا يبدو أن هناك شيئا يستحق الحديث عنه. فالألوان» طبعاء تُوجد 





في المحيط الخارجيء والذاكرة» بالطبع» تسجل كل شيء مثل كاميرات 
الفيديوء وأنا أعرف الأسباب التي دفعتني إلى تلك الاعتقادات. 


في صفحات هذا الكتاب» سنضع هذه الافتراضات كلها تحت المجهر. 
فأثناء تأليفي له. وددثٌ أن أخرّج عن النموذج المألوف في تأليف الكتب 
المُقرّرةَ للبحث عن مستوى أعمق من التنويرء وأقدّم إجابات لأسئلة 
مثل: كيف نُقَرّر؟ وكيف نُدرك الواقع؟ ومن نحن؟ وكيف ندير حياتنا؟ 
وماذا نحتاج الآخرين؟ وإلى أين نحن ذاهبون بصفتنا كائنات ما لبثت 
أن تمسك بزمام أمورها؟ يُحاول هذا المشروع سد الفجوة في أدبيات 
الموضوع, والحياة الواقعية التي نعيشهاء بصفتنا أصحاب لتلك العقولء 
والمنحى الذي انتهجته هنا يختلف عن الكتابة للمجلات العلمية 
الأكادهية» ويختلف أيضا عن تأليف كُتب علم الأعصاب الأخرى؛ لأنه 
يستهدف جمهوراً مُختلفاً لا يتطلّب أي معرفة مُتخصّصة في ال موضوع, 
وكل ما يحتاجه لقراءة هذا الكتاب هو بعض الفضولء والرّغبة في 
اكتشاف الذات. 


والآنء استعدٌ معنا في جولة سريعة لخوض غمار هذا الكون الداخلي. 
أتمَنّى أن تكون قادراً على المضي معناء لفهم بعض الأمور التي لا تتوقع 
أن تراها هناك في عام يتألّف من عدد غير مُتناه من العقد العصبية 
الكثيفة لمليارات الخلايا الدماغية, وتريليونات من الوصلات العصبيّة. 
هذا الكون هو: أنت! 


كما يحدث الوعي (البشري) من تآزر عمل مناطق عديدة في الدماغ, جاء 
هذا الكتاب - الدماغ: أسطورة التكوين - والمسلسل الوثائقي التلفزيوني 
الذي تم تحويل الكتاب إليهء نتيجة لتظافر جهود عدد كبير من الأفراد! 
أتقدم بجزيل الشكر والامتنان للسيدة جينفر بيميش Jennifer)‏ 
طونصةء8) أحد ركائز هذا المشروع الأساسية» التي أدارت المشاركين في 
المشروع بلا كلل أو ملل. كانت بيمش تحمل محتوى الكتاب في رأسهاء 
وتعيد إنتاجه في مسلسل تلفزيوني رائع» كما كانت تجسر الهؤّة بين 
الشخصيات المختلفة للمشاركين في العمل - وكل هذا في وقت واحد. 
لولا السيدة بيمشء لما رأى هذا المشروع النور! كما أشكر السيد جوستين 
كيرشو (830ط25ء1 neنiاون[)-‏ الركيزة الأساسية الثانية في هذا المشروع 
- على خبرته الكبيرة وشجاعته الفائقة في إدارة المشاريع الكبيرة. وإدارة 
شركتة (811305 علط811) المنتجة للعملء وإدارته الرائعة لحشود من الناس 
الذين شاركوا معنا في هذا العمل ... كل هذه الصفات جعلته مصدر 
إلهام كبير لي. 


سررت بالعمل مع فريق من المخرجين الموهوبين أثناء تصوير ا مسلسل 
التلفزيوني وعلى رأ أسهم: «Toby Trackman‏ وبرععة)5 Julians «Nic‏ 
„Johanna Gibbons «Cat Galeg «Johnes‏ كم كنت مندهشا من 
قدراتهم على الإدراك الكلي للعملء وتبديل المشاعرء والألوان» والإضاءة 
والضبط والنغمات لتتناسب مع كل مشهد من مشاهد الفيلم. وكان 
من دواعي سروري أيضا العمل مع خبراء السينما (العام المرئي)» 
ومديري التصوير أمثال «Andy Jacksons «Duane McClune‏ و 
.MarckSchwartzbard‏ أما زخم الحماس المتواصلء والطاقة الإيجابية 
اليومية فقد برع في تقدهها لنا أثناء العمل مساعدو امنتج: 4116 
.Emma Poundg «Chris Barong «Smith‏ 





كما سرني أيضا العمل - أثناء تأليف هذا الكتاب - مع صتهلاه؟ رأة و 
Jamie Byng‏ من دار »Cannongate Books‏ وهی من أشهر دور النشر 
العالمية وأكثرها انتشارا على الدوام! وكان من دواعي سروري أيضا العمل 
مع ا محرر الأميري (Dan Frank)‏ من ثركة ))Pantheon Books‏ الذي 
كان لي بمثابة الصديق والمستشار في آن واحد. 


كم آنا ممتن لوالديّ اللذين ألهماني فكرة المشروع - أبي بصفته طبيب 
نفسي» وأمي مدرّسة الأحياء - اللذين وقعا في غرام التعليم والتعلّم. 
فلهما يعود الفضل في تحفيزي باستمرارء وتشجيعي على المضي في طريق 
البحث والمعرفة. وعلى الرغم من أنني كنت ممنوعا في طفولتي من 
مشاهدة التلفزيونء إلا أن والدّي كانا يُجلساني طمشاهدة برنامج «الكون» 
(09صزوه0)لمقدمه (مدعد5 01 )”". والحقيقة أن الجذور العميقة 
لهذا المشروع تعود إلى تلك الأمسيات التي كنت أشاهد فيها ذلك الفيلم. 


أشكر طلبتي المجتهدين المبدعين» والمتميزين وطلبة الدراسات لدرجة ما 
بعد الدكتوراه في مختبري لعلم الأعصاب الذين تأقلموا مع برنامج حياقي 
المقلوب رأساً على عقب أثناء تصوير مشاهد المسلسل وتأليف الكتاب. 


وأخيراً والأهم من ذلك. أشكر زوجتي الجميلة «سارة» على دعمها 
ودعائها الدائم لي. وصبرها عليٌء وعنايتها ببيتي أثناء انشغالي بهذا 
المشروع. أنا رجل محظوظ لأن سارة آمنت بأهمية هذا المشروع كما 


آمنت أنا به. 


)١(‏ برنامج تلفزيوني يتألف من ٠١‏ حلقة يعرض مشاريع علمية عديدة عن نشأة الحياة ومكانة 
الإنسان في الكون (مترجم). 








الفصل الأول 





الدماغ أسطورة التكوين 





إن جميع خبراتك في الحياة - من حديثك الفردي إلى ثقافتك العامة - تُشكّل في 
مجموعها التفاصيل الدقيقة لدماغك. ومن وجهة نظر علم النفس العصبي» تعتمد 
هويتك الحالية على ماضيك. فدماغك هو الأداة الفاعلة التي تعمل على تشكيل 
هويتك, وإعادة تشكيل الدوائر الكهربائية باستمرارء ولأن خبراتك فريدة, ولا تُشبه 
غيرهاء فإن تفاصيل الأنماط الضّخمة في الشبكة العصبية لدماغك هي أيضاً فريدة, ولا 
تشبه شيئاً سواهاء ولأنها مُستمرّة في تغيير جميع تفاصيل حياتك» فإن هويتك تتغير 
باستمرار» ولن تصل إلى حالة واحدة مستقرة. 


ورغم أن علم الأعصاب أصبح تقليداً في حيان» إلا أنني أشعر بالدهشة في كل مرة معن 
النظر فيها بدماغ بشريء وما يُدهشني ليس وزنه الأساسي (يزن دماغ الشخص الراشد 





الفصل الأول: من أنا؟ 


ثلاثة أرطال(١))‏ فلا قوامه الغريب (يشبه المادة الهلامية)» ولا مظهره المُتعرّج (يشبه 
تضاريس الأودية العميقة)ء بل التركيبة الماذية العريبة للدماغ: تلك لل الهلامية 
غير المألوفة» التي لا تبدو بحالة انسجام مع العمليات العقلية التي يقوم بها الدماغ. 


إن أفكارنا وأحلامناء وذكرياتناء وخبراتناء كلها تأي من تلك ل العصبية الغريبةء 
وهوياتنا تنشكّل من أتماط نشاط السيالات الكهروكيميائيةء التي تطلقها تلك المادة, 
وعندما يتوقف هذا النشاطء تتوقف حياتكء وعندما يتغيّر نشاطها بسبب الإصابات 


أو استخدام العقاقير» فإن شخصيتك ا 0 
أجزاء جسمك» فلو أتلفَّ جزء بسيط من الدماغ» فإن شخصيتك على الأرجح ستنغير 
تغيراً جذرياً. ولي نفهم هذاء دعونا نعلن البداية. 








4 
الحياة - بكل ما فيها من 
لدّات وآلام تحدث في 
هذه الكتلة الهلامية التي 
لا يزيد وزنها على ثلاثة 
أرطال 


الدماغ أسطورة التكوين 





يُولد الدماغ غير فكتمل 


يولد البشر عاجزين! فيقضون سنة على الأقل غير قادرين على المشيء وينتظرون سنتين 
لكي يستطيعوا توليد فكرة. وسنوات عديدة أخرى» وهم غير قادرين على رعاية أنفسهم. 
نحن البشر نعتمد اعتماداً كلياً على من حولنا في حياتنا لكي نعيش» ولإثبات ذلك دعنا 
تُقارن حياة الإنسان بحياة الثديّات. خُذ مثلاً حيوان الدولفين الذي يولد وهو قادر على 
السباحة» والزرافة التي تستطيع الوقوف في غضون ساعات» وصغير الحمار الوحشي الذي 
يستطيع أن يركض في غضون خمس وأربعين دقيقة من لحظة ولادته. إِنَّ جميع الكائنات 
في المملكة الحيوانية قادرة على الاعتماد على ذاتها بشكل مُذهل بعد فترة وجيزة من 
ولادتها. 


وهذا يعني أن هذه ميزة عظيمة تتمتع بها بقيّة الكائنات الحيةء لكنها تعد تحذّياً كبا 
للإنسان. فصغار الحيوانات تر بسرعة؛ لأن ا قادرة على التشْكُّلء وفقاً لبرنامجها 
الفطري مسبق الإعداد. لكن هذا الاستعداد الفطري عند الحيوانات» يسلّب منها ميزة 
ال مرونة. تخيّل أن حيوانا مسكينا مثل وحيد القرن وجد في إقليم التندرة أو في جبال 
الهملاياء أو في ضواحي طوكيوء فإنه لن يكون قادراً على التَكيّف (وهذا هو السبب في 
عدم وجود هذه الحيوانات في تلك المناطق). إن فكرة ولادة كائن حي ن بدماغ مُبرمج ‏ سلفاً 
تعني أنه سيعيش فقط داخل إقليم محدّد ف النظام البيئي» وإذا أخرج منه» فإن فرصته 
في الحياة ستتضاءَل. 





1€ 


الفصل الأول: من أنا؟ 





وبالمقابل» فإن البشر قادرون على الصراع من أجل البقاء» والعيش في بيئات مُختلفة, تمتد 
من مناطق التندرة ال متجمدةء مروراً بأعالي الجبال. وحتى المناطق الحضرية الحيوية. 
وهذا يبدو مُستحيلاً دون ولادة الإنسان بدماغ غير مُكتمل. فبدلاً من أن يُولد الدماغ وهو 
مُكتمل تماماً (كما يحدث للحيوانات) فإن الدماغ البشري يسمح لنفسه بالتشگل» وفق 
تفاصيل خبرات الفرد الحياتيةء وهذا يستدعي فترات طويلة» من اعتماده على الآخرين» 
أثناء نمو دماغه بصورة بطيئة, وفقاً للبيئة التي يعيش فيهاء وهنا يمكننا القولء إن الدماغ 
البشري يتم تجهيزه بطريقة «حيّة ومُباشرة». أما في الحيوانات, فيأقي جاهزاً. 


التقليم في فترة الطفولة: الكشف عن تمثال من الرّخاه ها 


ما السر في مرونة الأدمغة البشرية في فترة الشباب؟ إن ذلك لا يدل أبداً على نمو خلايا 
جديدةء خاصة إذا ما علمنا أن عدد خلايا الدماغ متساوية عند الأطفال والراشدين» لكن 
السرّ يَكمن في الطريقة التي تبدأ خلايا الدماغ فيها بالاتصال مع بعضها بعضاً. 


فعند الولادة تكون الخلايا العصبية للدماغ (العصبونات) للطفل مُنفصلة عن بعضها 
بعضاً وتبدأ في أول سنتين بالاتصال مع بعضها بعضاً بصورة سريعة جداً أثناء استقبالها 
للمعلومات الحسية من البيئة المحيطة فيها. وعليه تتشكّل حوالي ما لا يقل عن اثنتي 
مليون وصلة جديدة في كل ثانية في دماغ الطفلء وما أن يصل الطفل إلى عمر السنتين 
حتى يكون دماغه قد وصل إلى مئة تريليون وصلة عصبيةء وهذا العدد هو ضعف العدد 
الموجود في دماغ الشخص الراشد. 


() تخيّل نَحَات يحفر صورتك على لوحة صخريّة من الرخام» فأثناء عملية نحت ملامح الوجه على الصخرة لا بد من 
التخلص من بعض مادة الصخر الرخامي لكي تظهر الملامح» وهذا يعني أن المادة الصخرية التي تخلّصنا منها هي التي 
شكّلت ملامح وجهك على اللوحة الرخامية. وعليه؛ فإن هويّاتنا هي حاصل المادة التي ذهبت من اللوحة الرُخامية 
وليس المادة المتبقية منها. امترجم). 





16 


الدماغ أسطورة التكوين 
ل يس ټم 


التشكيل الح للذماغ 


تُولد معظم الحيوانات مجهّزة سلفاً ببرنامج ورائي - أو قُل برنامج ثابت» يساعدها في 
تلبية غرائزها وتوجيه سلوكياتها الأخرى. وتوجه الجينات عمليات بناء الأجسام والأدمغة 
عند الحيوانات من 'خلال عدة طرق تحدد هوياتهاء وكيفية تصرفاتها - تماماً كما تهرب 
الذبابة حينما يغشاها الظل. أو كما يقوم طائر الحناء بالطيران باتجاه الجنوب في فصل 
الشتاء» أو كحالة السبات الشتوي للدب القطبي» أو كغريزة الكلب في حماية صاحبه. كل 
هذه الغرائز والسلوكيات تأي جاهزة في البرنامج الورائي للحيوانات. وهي التي تسمح 
لتلك الكائنات بالتحرك مثل أمهاتها تماماً منذ اللحظة الأولى» وهي التي تمكنهاء في بعض 
الحالات» من تغذية نفسها بنفسها والاعتماد على نفسها في كل شيء تقريباً. 


أما بالنسية للإنسار فلأمر مختلف تماماً. يولد الإنسان محملاً ببعض البرامج الوراثية 
الجاهزة التي تساعده في عمنيات أساسية «مثر التنفسء والصياح» والرضاعة: والعناية 
بالوجه» والقدرة عنى تعلم تفاصيز اللغة الأم): وعند ممّارنة ذلك بالرنامج الورافي عند 
الحيوانات» فإننا نجد أن الدماغ البشري يأقٍ ناقصاً نمائياً بشكل غير اعتيادي ويكون 
المخطط التفصيلي للوصلات في الدماغ غير مُبرمج, وبدلاً من ذلك تقوم الجينات بإعطاء 
تعليمات عامة لتخطيط الشبكات العصبية, وتقوم الخبرات الفردية بتنظيم بقية الوصلات 
العصبية. وتسمح لها بالتكيف مع المعطيات البيئية. 


إن قدرة الدماغ البشري على تشكيل نفسه. وتكيّفه مع العام المحيذ. تُتِيح نذا فُرصة العيش 
في جميع الأقاليم البيئية على وجه البسيطة» والبدء بالانتقال إلى المجموعة الشمسية. 





11 


الفصل الأول: من أنا؟ 


وبذلك يكون قد وصل الدماغ إلى ذروته» وأصبح لديه المزيد من الوصلات التي لا يحتاجها 
كلهاء وعندئذ يكون العدد الزائد من الوصلات العصبية قد تم التخلص منه في عملية 
دماغية تُدعى «التقليم العصبي». فما أن يصل الفرد إلى سن البلوغ حتى يكون قد تخلّص 
من 0۰ من الوصلات العصبية الزائدة. 


والآن ما الوصلات العصبية التي تبقى؟ وما تلك التي يتم التخلص منها؟ عندما تشترك 
الوصلة العصبية بنجاح في وش كهربائيةء فإنها تُعرّز وتقوى» وعلى العكس من ذلك 
تضعف الوصلات العصبية غير ا مستخدمة. ويتم التخلص منها. وهذا يُشبه ا ممرّات التي 
يُنسّقها البستاني في الغابات» أي أن الوصلات غير المستخدمة يتم التخلص منها. 


وبهذا المعنى» فإن العملية التي تُشكل هويّتك تُحدّد بالإمكانيّات المتوفرة في الحاضر. 
فأنت» تُصبح أنتء ليس بما تبقّى من خلايا في دماغك, وإنما بما ذهب منها في عمليات 


التقليم. 


وأثناء فترة الطفولة. تقوم البيئات ا محيطة بنا بتشكيل دماغنا بطريقة تنسجم مع ما 
نتعرّض له من مؤثرات البيئة ا محيطة. وهكذاء فإن أدمغتنا تتشكل من وصلات قليلة 
لكنها قويّة. 


الوصلات العصبية عن الرضيع 
منفصلة وبعد مرور عامين 

أو أك تنمو الفروع وتصبح 
الخلايا أكثر ترابطاً بشكل 
مضطرد. ثم بعد ذلك تُقلم 
الوصلات الزاندة. وتصبح 
الوصلات أقل عدد عند البالغين 
ولكنها أكثر قوة. 





مولود جد ید 





1۷ 


الدماغ أسطورة التكوين 


کک 


ومثال على ذلك فان اللغة التي يتعرض لها الطفل (دعنا نفترض اللغة الإنجليزية مقابل 
اليابانية) تُشكل قدرة الطفل على سماع أصوات مُحدّدة من لغته» وتهمل قدرته على سماع 
أصوات تنتمي للغات أخرى غير لغته. وهذا يعني أن الطفل الذي ولد ف اليابان» وقرينه 
الذي ولد في أميركاء يستطيع كل منهما سماع الأصوات الخاصة بلغته الأمء والاستجابة 
لهاء ومع الزمن» فإن الطفل الذي ترعرع في اليابان» سيفقد قدرته على التمييز بين صوت 
الراء واللام على سبيل المثالء وهما صوتان غير مُنفصلين في اللغة اليابانية. فنحن أسيرون 
للمكان الذي نعيش فيه. 


مُقامرة الفطرة 

خلال فترة الطفولة المُمتدّة للإنسانء يقوم الدماغ باستمرار بتقليم الوصلات في عملية 
يعيد فيها تشكيل نفسه حسب خواص الطبيعة التي يعيش فيهاء وهذه ميزة ذكيّة يقوم 
بها الدماغ لكي ينسجم مع البيئة التي د يعيش فيهاء ولكن هذا لا يعني أن هذه العملية 
تمر دون خطورة! 

فإذا حرمت الأدمغة الثامية من النشأة في بيئات مُناسبة أو متوقعة على الأقلء أي في بيئة 
يغذّى فيها الطفل ويعتنى به والاعتناء به فإن الدماغ سيّحاول النمو بطريقة طبيعية. 
وهذا شيء لمسته عائلة جنسن (ه76856) من ولاية وسكانسن في أميركا عندما قام كارول 
وبيل جنسن بتبني ثلاثة أطفال محرومين في سن الرابعة من أعمارهم هم توم وجون 
وفكتورياء وهم أيتام تعرضوا قبل أن تتبناهم عائلة جنسن إلى ظروف قاسية ف إحدى 
دور الأيتام الحكومية في رومانياء أثْرت على نمو دماغهم. 


فعندما استلمت عائلة جنسن الأطفالء واستقلّت بهم سيارة أجرة خارج رومانياء سألت 
مدام كارول سائق التاكسي أن يترجم لها حديث الأطفال» فأجابها السائق على الفورء أن 
حديثهم مُجرّد رطانة غير مفهومة: أي لغة لا يكن فهمهاء وهذا يعني أن الأطفال قد عانوا 
من شح في التواصل الاجتماعي الطبيعي» أدى إلى تطور لغة غريبة عندهم» وعندما كبروا 
عانوا من إعاقات في التعلّم كان مُجملها بسبب الحرمان أثناء فترة الطفولة. 

فعلى سبيل المثال لا يتذكر أي من الأطفال أي شيء عن حياتهم في رومانيا. وفي المقابل» 
فإن الدكتور شارلز نلسون (2ه71»15 22165ط0) طبيب الأطفال هو الذي يتذكر كل شيء 
عن هذه المراكزء فقد زارها لأول مرة عام ٩۱۹۹ء‏ وقد ساءه ما رأى! فقد كان الأطفال 





1۸ 


الفصل الأول: من أنا؟ 


ينامون في أسرّة دون أي مؤثرات حسّيّة. وكان هناك مُربّية واحدة لكل ٥١‏ طفلء وكان 
لديها تعليمات بعدم لمس الأطفال» أو إبداء أي عاطفة نحوهم حتى في حالة البُكاء. خوفاً 
من أن ذلك قد يقود الأطفال إلى طلب المزيد من الموظفين في أماكن يتعذر فيها زيادة 
طاقم الرعاية. وفي هذا السياق» تراكمت هذه الأشياء تراكماً كبيراً وكان الأطفال يوضعون 
على مراحيض بلاستيكية لقضاء حاجتهم وكانوا ينالون شكل حلاقة الشعر نفسها بصرف 
النظر عن جنسهم, > ويرتدون الثياب نفسهاء ويُطعمون وفق جدول واحد» وكانت هذه 
الإجراءات تتم بطريقة آلية ثابتة. 


فالأطفال الذين كان يُكاؤهم لا يُقابّل بأي استجابة: تعلّموا أن لا يبكونء وم يتم حملهم 
أو اللعب معهم, رُغم أن حاجاتهم الأساسية كانت تُوفر لهم (أي تُقدّم لهم خدمات 
التغذية والغسيل والملابس)» غير أنهم كانوا محرومين من الرعاية العاطفية, والدعم» وأي 
شكل من أشكال التحفيزء ونتيجة لذلك فقد تطورت لديهم مشاعر عدم الألفة. . ويوضح 
الدكتور نلسون (هه5اع21). أنه أثناء ذهابه إلى غرفته» كان مُحاطاً بأطفال صغار م يِرَهُم 
من قبلء كانوا يرغبون في القفز بين ذراعيه» أو الجلوس في حضنه أو الإمساك بيده أو 
المشي بجانبهء ورغم أن هذا النوع من السلوك اللاتمييزي. يبدو جميلاً للوهلة الأولى, إلا 
أنه مُثل طريقة لتكيّف الأطفال المْهمَلينء وهي طريقة تتفق مع قضايا خاصة بالتعلّق”. 
وهذا سلوك مميز للأطفال الذين ينشأون في دور الرعاية. 


وانطلاقاً من فهمهم لتلك الظروف المأساوية التي شاهدها الدكتور نلسون» فقد عمد هو 
وفريقه إلى تأسيس برنامج للتدخُل المبكر في بوخارست» حيث قاموا بتقييم ٠١١‏ حالة 
من الأطفالء تبلغ أعمارهم ما بين ستة شهور وثلاث سنوات مُقيمين في دور الرعاية منذ 
الولادة. في البدايةء كان واضحاً أن مُعدّلات الذكاء لهؤلاء الأطفال جاءت في الستينات 
والسبعينات عند مقارنتها معدل الذكاء ل ٠٠١‏ طفل آخرينء وقد أبدى الأطفال علامات 
تدل على عدم اكتمال نمو دماغهم, ؛ وتأخّْر في نموهم اللغوي. مما دعا الدكتور نلسون إلى 
طلب فحص تخطيط الدماغ للأطفال لقياس النشاط الكهربا في أدمغتهم» > وقد كانت 
المفاجأة عندما وجد النشاط العصبي لديهم مُنخفضاً بشكل حاد. 





(r)‏ التعلق: هي نظريّة نفسيّة, ترى أن الطفل بحاجة إلى تكوين علاقة مع شخص واحد على الأقل من مُقَدّمي الرّعاية 
له. لكي ينمو عاطفياً واجتماعياً. بطريقة طبيعية. (المترجم). 


الل يبي سإ يبي = 


۱۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ا ف و ي 


في عام ١٦۱۹ء‏ قام الرئيس الروماني نيقولا كاوتشسكي» نع استخدام موانع الحمل 
والإجهاضء لزيادة السكان والقُوى العاملة, ولتنفيذ هذه السياسة» قامت الحكومة بتعبين 
أطباء نسائية, عُرفوا باسم شرطة الحيضء بفحص النساء في عُمر الإنجاب للتاكد من 
قدرتهنْ على إنجاب أكثر عدد مُمكن من الأولاد. كما تمّ فرض ضريبة عزوبية على العائلات 
التي يكون لديها أقل من خمسة أطفالء مما أدى إلى رفع مُعدّلات الولادة إلى أرقام فلكية. 


وما كانت الكثير من العائلات لا تستطيع العناية بالأطفال الذين ينجبوهم فقد لجأوا إلى 
التنازل عن أطفالهم إلى مؤسسات الدولةء وف اللقابل قامت الحكومة بتأسيس العديد 
من المراكز لمواجهة هذا الطلب» ومع حلول عام 1985 وبعد إبعاد كاوتشسكي عن الحكم 
وصل عدد الأطفال المُقيمين في المرافق الحكومية الخاصة بالأطفال المبِعَدِين .٠۷٠٠٠١‏ 


وقد فتح هذا شهيّة العُلماء لمعرفة تبعات تربية الأطفال في مراكز حكومية على نموّهم 
الدماغيء وقد جاءت النتائج مُثيرة لدرجة أنه تم استخدامها للتأثير على سياسة الحكومة. 
ومع مرور السنين تم إعادة الكثير من الأطفال الأيتام في رومانيا إلى ذويهم أو إيداعهم 





الفصل الأول: من أنا؟ 


ف مراكز ٠‏ عناية حكومية خاصة, مما دعا | الحكومة الرومانية بحلول عام ۰.0 3 إصدار 


الثاني ما ل يكن هناك مبرر شديد. 


ما زال ملايين الأيتام حول العام يعيشون في مراكز العناية الحكومية الخاصة التي تُشرف 
عليها الدولة» ومن البديهي أن تقوم الحكومات بخلق ظروف ملائمة لتربية الأطفال تسمح 
بالنمو الطبيعي للدماغ تماشياً مع المعرفة المتوفرة عن حاجة الدماغ لبيئة مُناسبة من أجل 
نمو الدماغ الطبيعي. 





فدون وجود بيئة فيها رعاية عاطفية وتحفيز معرفء فإن دماغ الفرد لا يمكن أن ينمو 
بصورة طبيعية. 


وبخطوة شُّجاعة: بيّنت دراسة الدكتور نلسون نتيجة مهمة. كلما أُخرِجَ الأطفال من 
دور الأيتام إلى بيئات آمنة ورؤومة, وكلما خرج الطفل ال محروم مُبكراً فإن دماغه يشفى 
بصورة أفضل» وأن الأطفال الذين أخرجوا قبل بلوغ العامينء تعافوا بشكل جيّد, أما 
الأطفال الذين أخرجوا بعد عامين, فقد أبدوا تحسّناً فقطء > وبقي لديهم بعض الصعوبات 
النمائية المُختلفة باختلاف أعمارهم. 


إن نتائج دراسة الدكتور نلسون تُسلّط الضوء على دور البيئة الراعية لدماغ الطفل في 
فترة الطفولة, وهذا يبيّن الأهمية العُظمى للبيئة المحيطة للطفل في تشكيل هويّته. فنحن 
نستجيب بحساسية مُرهفة إلى البيئات التي نعيش فيهاء بسبب الطريقة الحيّة والمباشرة 
التي ينمو فيها الدماغ البشريء والتي يعتمد فيها بشكل كبير على البيئات التي نكون فيها. 


سئوات الشباب 


قبل عقدين فقطء بدأث الناس تُفكر بأن نمو الدماغ يكتمل مع نهاية مرحلة الطفولة 
ولكننا الآن نعرف أن عملية بناء الدماغ البشري تمتد إلى عمر الخامسة والعشرينء وأن 
سنوات ال مراهقة ما هي إلا فترة مهمة من فترات إعادة التنظيم» والتغار العصبي التي 
تؤثر على كيف تمكن أن نبدو لاحقاً. فالهرمونات التي يفرزها الجسمء > تُحدث تغيّرات 





۲١ 


الدماغ أسطورة التكوين 





جسدية واضحة:؛ كلما اقتربنا من مرحلة الرشدء وما لا نراه في هذا التغييرء هو أن أدمغتنا 
أيضاً تخضع إلى تغيرات هائلة مُمائلة وهذه التغيّرات تُؤثر بشكل كبير في كيفية تصرفاتناء 
واستجايتنا للعالم الذي يُحيط بنا. 

وإحدى هذه التغيّرات ترتبط ارتباطاً مُباشراً في إحساسنا بذواتناء ومع ظهورهاء ينبثق ما 
سی «الوعي الذاتي». 

ولي نفهم كيف يعمل دماغ المراهق, قمنا بتجربة بسيطةء فقد قمت مساعدة أحد 
طلا في مرحلة الدراسات العليا واسمه ريكي سافجاني (لهةز520 ر)ءذR)‏ بطرح أسئلة 
على عدد من المتطوعين وطلبنا منهم الجلوس على مقاعد دون مساند في صالة لأحد 
المحلات. ثم أزلنا البرادي لكي يستطيع المتطوعون المشاهدة من خارج الصالة» بحيث 
يستطيع امارّة النظر إليهم وهم في الداخل. 





4 
متطوعون يجلسون في صالة 
مكشوفة تسمح للنظارة 
رؤية من بداخلها. دلت 
النتائج على أن المراهقين 
يُظهرون قلعَأْ اجتماعياً أكثر 
من البالغين. وهذا يعكس 
حالة نمو الدماغ خلال فترة 

المراهقة. 


وقبل أن تُجري هذه التجربة الغريبة اجتماعياً إلى حد ماء طلبنا من كل مُتطوع أن 
يجلس على مقعد مُشابه لكي نقيس استجابته العاطفية» وثبّتنا في ملابسهم جهازاً يقيس 
استجابة الجلد الجلفانية» وهو مقياس حسّاس للقلق» فكلما زادت درجة تعرق الغدد 
لدى الشخص, أصبح الجلد أكثر استجابة (هذا هو جهاز كشف الكذب نفسه). 


شارك في التجربة راشدون ومُراهقون» وقد دلت النتائج أن الراشدين عانوا من ضغط 
ماء نتيجة النظر إليهم من قبل غرباءء تماما كما هو متوقّع, أما المراهقون, فقد كانت 
تجربتهم أصعب عاطفياً فقد شعروا بكثير من القلق لدرجة الارتباك أثناء النظر إليهم 
من قبل غرباء. 





۲۲ 


الفصل الأول: من أنا؟ 





والآن دعنا تُجِيب عن هذا السؤال: لماذا كان هناك فرق بين المراهقين والراشدين؟ يكمن 
الجواب في أن هناك منطقة في الدماغ تُدعى القشرة الدماغية الأمامية المتوسطةء وهذه 
المنطقة تنشّط حينما يُفكّر الشخص في نفسه. وخاصة في الأهمية العاطفية لموقف ما 
لنفسه. وق نتيجة مُمائلة أفادت الدكتورة ليه سومرفيل (عاانامصه؟ طعك.آ) ورفاقها 
من جامعة هارفارد, بأنه كلما انتقل الفرد من فترة الطفولة إلى سن المراهقة. تصبح هذه 
المنطقة أكثر نشاطاً في المواقف الاجتماعيةء وتصل إلى ذروتها في سن الخامسة عشرة 
تقريباًء وعند هذا الحد تحمل المواقف الاجتماعية الكثير من العواطف. مما يتطلب 
استجابة لضغط الوعي الذاتي» وهذه الاستجابة ذات شدة عاليةء وهذا يعني أنه في فترة 
ا مراهقةء يُصبح التفكير في الذات (أو ما يسمى بتقييم الذات) أولوية كبرىء وبالمقابل فإن 
دماغ الراشد يُصبح أكثر ألفة في مفهوم الذات تماما كما يعتاد الجسم على ارتداء حذاء في 
إحدى القدمين والأخرى دون حذاء بسبب تعرّضها للكسر مثلاً ولذلك نلاحظ أن الشخص 
الراشد لا يهتم كثيراً في الجلوس عند شباك الصالة. 


۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 








تشكرا ) الدماغ في فترة المراهقة 

















بعد مرحلة الطفولة. وقبل سن البلوغ تظهر مرحلة ثانية تمتاز بالنمو الُفرط: حيث 
تبرعم القشرة الصدغية خلايا ووصلات جديدة (عقد عصبية)» تفتح بدورها مسارات 
تفيد في الالتحام. وهذه الزيادة يتبعها عقد ٠١(‏ سنوات) من عمليات التقليم: فخلال 
جميع سنوات مراهقتناء يتم التخلص من الوصلات الضعيفة» وتستبدل بوصلات أقوى» 
ويتم تعزيزها. وكنتيجة لعملية التخفيف هذه يتم تخفيض حجم خلايا القشرة الصدغية 
بنسبة >١‏ في كل عام» خلال فترة المراهقة. تساعد عملية تشكيل الدوائر الكهربائية خلال 
سنوات المراهقة في تجهيزنا لتعلم الدروس اللازمة لنا للعبور إلى فترة الرشد. 


وما أن هذه التغيّرات الهائلة تحدث في مناطق الدماغ هي لازمة للتفكير با مستويات 
الا وللسيظرة على جاجاها الشاغطق تعن فة المراهقة عسشاسة اترات البعرفية 
المهمة. وتعد كذلك القشرة الصدغية الجانبية الظهرية من أكثر المناطق الدماغية التي 
تنضج متأخرةء ولا يصل الإنسان إلى حالة البلوغ إلا في بداية العشرينات من عمرهء رغم 
أهمية تلك المنطقة في ضبط الانفعالات العاطفية. وحتى قبل أن يصل علماء الأعصاب 
لهذه النتيجة. فقد تنبهت شركات التأمين إلى تبعات عدم اكتمال نضوج الدماغ عند 
الإنسانء فقامت برفع سعر بوليصة التأمين للسائقين المراهقين. وبنفس الطريقةء فإن 
الأنظمة القضائية قد تنبهت بالحدس إلى هذه النتيجة» وقضت معاملة الأحداث بطريقة 
مختلفة عن البالغين. 





۲€ 


الفصل الأول: من أنا؟ 


وأبعد من ذلك الموقفء الذي يعد غريباً اجتماعياً ومُفرطاً عاطفياً. فإن الدماغ يتأَهّبٍ إلى 
تحمّل بعض المخاطرء سواء أكان أثناء القيادة السريعة, أم أثناء النظر إلى صور خليعةء 
تكون السلوكات الخطرة عند المراهقين أكثر قابلية منها عند الراشدين. وهذا له علاقة 
كبيرة في الطريقة التي نستجيب فيها إلى الحوافز والامتيازات. فكلما انتقلنا من فترة 
الطفولة إلى المراهقة؛ يُظهر الدماغ استجابة مُتزايدة إلى الحوافز في المجالات التي تتعلق 
في البحث عن اللدّة (وإحدى هذه المناطق تُسمّى بالنواة المتكئة)» فعند المراهقين يكون 
النشاط في هذه المنطقة في أوجه. كما هو عند الراشدين» ولكن الحقيقة المهمة هنا هى 
أن النقاط ف القشرة الأعامية المسعديرة. قصبح مشهولاً فى اتغاة القرارات» والائتياه. 
وتحفيز النظر إلى العواقب المستقبلية». ويكون هو نفسه عند المراهقين كما هو عند 
الأطفال: فعندما يقترن نظام البحث عن اللذَّة المكتمل نمائياً مع القشرة الدماغية الأمامية 
المستديرة غير المكتملة نمائياً فإن المراهقين يعانون من فرط الحساسية العاطفي بحيث 
يُصبحون غير قادرين على ضبط عواطفهم بطريقة أكثر من الراشدين. 


وعلاوة على ذلك كشفت الدكتورة سومرفيل وفريقها عن السبب وراء ضغط الرفاق 
القوي والمُؤثّر في سلوك المُراهقينء وعلّلت ذلك بقولها إن المناطق التي تشترك في الاعتبارات 
الاجتماعية مثل القشرة الدماغية الأمامية المتوسطة تكون مُقترنة بشكل قوي مع مناطق 
دماغية أخرى تُترجم الدوافع إلى سلوكات (انظر المخطط وشبكة الوصلات العصبية التابعة 
له)» الذي يوضح طاذا يُبادر المراهقون إلى تقيّل ا مخاطر في حضرة أصدقائهم. 


بطلمة ابودیل 
القشرة الصداضية الوسطى 
ل 
نظراً للتغيرات التي 
دد ترود تحدث فى الدماغ بسبب 
التحفيز والتخطيط 
والدافعيةء فإن إدراكنا 
لذاتنا يخضع لتغيرات 
25 القشرة الصد خية الأمامية هائلة في سنوات المراهقة 
قرن امون اللوزة 


۲0 


الدماغ أسطورة التكوين 





فالطريقة التي ينظر فيها المراهقون إلى تبعات السلوك تخضع إلى تغيّر في الدماغ حسب 
جدول النماء الطبيعي» وهذه التغيّرات تقودنا إلى ما يُسمّى بالوعي الذاني» وإلى زيادة 
تقبّل ا مخاطرء وإلى سلوكات يكون دافعها إرضاء الرّفاق» وهنا أسجّل نصيحة إلى الآباء 
والأمهات المُحبَطين حول العام أن هويّات المراهقين ليست نتيجة لاختيارهم ولا لمزاجهم 

بقدر ما هي نتاج لمرحلة يتعرض فيها الدماغ إلى تغيّر عصبي شديد لا يمكن الإفلات منه. 


مرونة الدماغ في مرحلة الرشد 

ما أن نبلغ خمسة وعشرين عاماً من العمر» حتى تكون عمليات التغيّر في الدماغ خلال 
مرحلة المراهقة. قد اكتملتء وتكون التغيرات البنائية في هويّاتنا وشخصياتنا قد انتهت 
وكما يبدو الدماغ عضواً مكتمل النمو تماما وهنا قد يخطر ببالنا أن هوياتنا كراشدين قد 
استقرت» وأصبحت غير قابلة للتغير. ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً. ففي فترة الرشد. 
تستمر أدمغتنا بالتغبرء وتُدعى هذه الميزة با مرونةء أي أن هناك شيئاً تيد تشكيل دماغنا 
أو يحتفظ في شكل ما من أشكال هوياتناء وهذا تماماً ما يحدث في الدماغ في فترة الرشد. 
وهو أن الخبرات التي نكتسبها يومياً تُغبرناء وتُحافظ على قدرتها في التخيير. 


ولي نفهم كيف تكون التغيّرات المادية المذهلة, حُذ مثلاً تركيبة أدمغة مجموعة من 
الرجال والنساء الذين يعملون في مدينة لندن: مدينة سيارات الأجرة, التي تفرض أربع 
سنوات من التدريب المكتّف على السائقين قبل اجتيازهم لاختبار المعرفة في مدينة 
لندنء وهذا الاختبار من أصعب المخاوف التي تكمن في ذاكرة امجتمع» وهذه المعرفة 
تتطلب سائقي سيارات موهوبين قادرين على حفظ الطرق في مدينة لندن مع جميع 
تفرعاتها وتحويلاتها. وهذه مهمة شاقّة جد لأن ذلك يتطلب معرفة حوالي ۲۲۰ طريقاً 
مختلفاً داخل المدينة, بالإضافة إلى ۲٠٠٠١‏ شارع فرعي و١٠٠٠‏ لافتة تدل على الفنادق» 
والمسارح, وا مطاعم والسفارات. والمراكز الأمنية. والمرافق ال الرياضية وأي مكان آخر يريده 
الراكب» ولاجتياز ذلك ينبغي على اللتدرّبين قضاء ثلاث إلى أربع ساعات يومياً في حفظ 
هذه الطرق. 


نا 


الفصل الأول: من أنا؟ 





وقد استرعى هذا الاختبار الذهني الفريد من نوعه للحصول على رخصة قيادة سيارة أجرة 
في مدينة لندن اهتمام مجموعة من الباحثين في علم الأعصاب من جامعة لندن الذين 
قاموا بتصوير أدمغة سائقي سيارات الأجرة» وكان سرّ اهتمام الباحثين هو وجود منطقة 
صغيرة في الدماغ تُدعى قرن آمون: وهي منطقة ذات أهمية بالغة للذاكرة وتحديدا 
الذاكرة المكانية. 


وقد وَجَدَ العلماء فروقاً ظاهرية في أدمغة السائقين وتحديداً في المنطقة الخلفية لقرن 
آمون» التي كان شكلها أكبر عند السائقين منهم عند المجموعة الظابطة. ويُعتقد أن هذا 
هو السر وراء زيادة الذاكرة المكانية عند السائقين» كما وجد الباحثون أنه كلما طالت 
مدّة عمل سائق سيارة الأجرة. زاد حجم تلك المنطقةء وهذا يعني أن هذه المنطقة, م 
تكن أساساً موجودة بهذا الشكل عند هؤلاء الناس» وإنما زادت نتيجة ممارستهم عملهم. 


بن هذه الدراسة أن أدمغة الراشدين لا تكون ثابتة وإنما مُكن إعادة تشكيلها لدرجة أن 
هذا التغيُرٌ يبدو واضحاً للعيّانء ويمكن رؤيته بالعين المُجرّدة. 


۲۷ 


4 


في ملحمة عظيمة لاستخدام 
الذاكرق يحفظ سانقو 
سيارات الأجرة في لندن 
جغرافية المدينة صماً. وبعد 
التدريب» يبدأون في تحديد 
المسار المباشر (الصحيح) بين 


10 2 5 في المدينة المكتظة 


بالأحياء الحضرية. والنتيجة 
النهائية لهذا الجهد الشاق 
هو حدوث تغيير ملموس في 
أدمغتهم. 





4 


دماغ ألبرت آينشتاين. مقطع 
علوي للدماغ. الصورة العلوية 
هي للمنطقة الأمامية. بُلاحظ 
تضحُم المنطقة الملؤنة بالأصفر 
بشكل غير عادي - لدرجة 
تبين أن الأنسجة الزائدة ترتفع 
للأعلى لتأخذ شكل حرف 
أوميغا اللاتيني بالمقلوب. 


الدماغ أسطورة التكوين 





4 


بعد تعلّم خريطة لندن. ؛ يتغير شكل قرن آمون 
عند السائقين بشكل ملحوظ جد ليعكس 
المهارات التى اكتسبوها في مجال التجوال 

1 المكاني. 





ولا يتوقف الأمر عند إعادة تشكُل قرن آمون» فعند فحص دماغ آلبرت آينتشتاين (81520 
داءؤووع) - أحد أشهر العلماء في القرن العشرين - ورغم أن حجم دماغه م يُظهر أي 
اختلاف إلا أنه تبيّن أن الخلايا الدماغية الخاصة بأصابعه اليُسرى كانت أكبر, مُحدثةً طيَاً 

كبيراً في القشرة الدماغية التي تُدعى علامة أوميغاء وهي تشبه الحرف اللاتيني (9©), 
ويعتقد أن هذا كان بفضل هوايته الأقل شهرة في عزف الكمان» وهذا الطي العصبي 
أصبح علامة مميزة لكل عازف الكمان الذين برعوا بالعزف باستخدام أصابعهم اليُسرى, 
وف المقابل فإن عازف البيانو نمت لديهم علامة أوميغا في كلا الجانبين. وذلك لأنهم 
يستخدمون كلتا اليدين في حركات تفصيلية دقيقة أثناء العزف. 





إن شكل الدماغ عند كل الناس مُتشابه. تاز بؤجود تضاريس مثل تضاريس الأودية 
والتلالء أما التفاصيل الدقيقة فهي التي توضح شخصيتك الفريدة من خلال معرفة أين 
كنت ومن أنت الآن» وعلى الرغم من أن معظم هذه التغيرات هى صغيرة جداً ولا 





۲۸ 


الفصل الأول: من أنا؟ 


ثُرى بالعين المُجرّدة. فإن كل الأشياء التي خبرتها في حياتك قد أسهمت في تغيير تركيبة 
دماغك» من التعبير عن الجينات إلى أماكن الجزيئات إلى تركيبة الخلايا العصبية فمثلاً 
فإن أصل عائلتكء وثقافتك, وأصدقاءك. وطبيعة عملك. والأفلام التي شاهدتها في حياتك, 
ومحادثاتك كلها قد تركت آثارها على جهازك العصبيء وهذه التعابير الدقيقة التي يتعذر 
محوها تتراكم لي تشكل هويتك التي أنت فيها وتُجبرك كيف ينبغي أن تكون. 


التغيرات المرضيّة 


إن هذه التغيرات في دماغنا تُثل ما قمنا به في حياتنا وتُشَْكّل هوياتناء ولكن ماذا يحدث 
لو تعرّض هذا الدماغ إلى تغيرات بسبب المرض أو الإصابة؟ هل الأمراض والإصابات تغيّر 
هوياتنا أو شخصياتنا أو سلوكاتنا؟ 


في الأول من آب عام 1557 قام شارلز ويتمان (صقصغائط/11 022165) بركوب المصعد 
إلى منصة المشاهدة في برج جامعة تكساس في أوستن. وقام هذا الرجل البالغ من العمر 
خمسة وعشرين عاماً بإطلاق النار عشوائياً على الناس الموجودين أسفل البرج» فأردى 
منهم ثلاثين قتيلاً وأصاب ثلاثة وثلاثين بجروح» وم يتوقف عن القتل حتى رماه أحد رجال 
الأمن بطلقة أردتة قتيلاً وعندما ذهبت الشرطة إلى بيته» وجدوا أن الرجل كان قد قتل 
زوجته وأمه في الليلة السابقة للحدث. 


ومن ادهش حقاً غير هذا العُنف العشواق. هو عدم وجود أي معلومات موثوقة عن 
هذا الرجلء يكن من خلالها التنبؤ بسلوكه الإجرامي» فقد كان عضواً في فريق الكشافة 
(سكاوت). وكان موظف صراف في أحد البنوك, بالإضافة إلى أنه كان طالباً في كلية الهندسة. 


E u 


صوزة الشرطة لجثة تشارلز 
ويتمان بعد قيامه بعملية 
إطلاق عيارات نارية 
عشوائية داخل جامعة 
تكساس في اوس عام 
7 وقد وجدوا بجانب 
الجثة ورقة كتب عليها قبل 
انتحاره: ارقت في تشرد 
جثتى. لقد شك بأن شيناً ما 
يجري خطأ داخل دماغه. 





۳۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 





وبعد أن قتل زوجته, وأمه» جلس على الآلة الطابعة وكتب هذه المذكرة: 


«أنا لا أفهم نفسي هذه الأيام, فيُفترض أن أكون إنساناً عادياً وواقعياً 
وشاباً ذكياً. غير أنني في الأيام الأخيرة (لا أتذكر متى بدأ هذا الشعور 
لدي) تحوّلتٌ إلى ضحية لبعض الأفكار غير المألوفة واللامنطقية. . 
أتمنى تشريح جي بعد وفاقء لمعرفة فيما إذا أصابني أي خلل في الفازة 
الأخيرة». 


وفعلاً 3 تحقق طلب ويتمان. فقد أجريت له عملية تشر تشريح» واد الأطباء أن الرجل كان 
لديه كتلة سرطانية دماغية صغيرة. بحجم قطعة النقد ' (النيكل»» وكانت تضغط على 
جزء من دماغه يُدعى: اللوزة. وهي منطقة في الدماغ تختص في الخوف والغضبء وهذه 
الكتلة الصغيرة كانت تضغط على اللوزة عند السيد ويتمان مما تسبّب بمجموعة من 
ال مضاعفات في دماغه. انتهت ت إلى ارتكاب جرمة بشعة: وإلا كان تمكن أن يكون شخصية 
أخرى. فالمادة الدماغية عنده تغيّرت» فتغيّرت شخصيته. 


وهذا مثال مُتطرّفء ولكن ينبغي أن نعلم أن التغييرات السريعة والصغيرة في دماغك 
مُكنها تغيير شخصيتك. خُذ مثلاً قضيتي الإدمان على الكحول والمخدرات» إن بعض أنواع 
الرُعاش تجعل الشخص يتجه إلى التديّنء أما مرض باركنسون» فغالباً ما يجعل الناس 
يخرجون عن معتقداتهم» في حين أن العلاجات التي يتناولها مرضى باركنسون» غالباً ما 
تدفعهم للقمار بشكل عاطفي! ليست الأمراض وحدها أو المواد الكيميائية التي تغيّرناء 
ولكن الأفلام السينمائية التي نشاهدهاء والأعمال التي نقوم فيهاء تلك الأشياء كلها تسهم 
بشكل مستمر في إعادة تشكيل الجُمل العصبية التي تنتهي ما نحن عليهء لذلك يبقى 
السؤال: من نحن بالضبط؟ وهل هناك شيء جوهري في أعماقنا؟ 


هل انا مجموع ذكرياتي؟ 

قُلنا إن أدمغتنا وأجسامنا تتغيّر تغيراً كبيراً على امتداد حياتناء تماماً مثل عقرب الساعة 
يصعب علينا أن نحس بتلك التغيّرات» فكل ٤‏ شهور تستبدل خلايا الدم الحمراء في 
جسمك. على سبيل المثال» كما تستبدل خلايا جسمك كل بضعة أسابيع» وتُستبدّل كل ذرة 





الفصل الأول: من أنا؟ 


في جسمك كل سبع سنوات» وممعنى آخر أنت دائماً شخضٌ جديد» وأحسن الحظ هناك 
ثابت واحد» يربط هذه الاختلافات كلها مع بعضها بعضاً. هو الذاكرةء رها تعمل الذاكرة 
بمثابة الخيط الذي تنتظم فيه حبّات السبحة: «شخصيّتك أنت» فهي تستقر في جوهر 
هويتك وتوفر لك إحساساً فريداً ومستمراً عن ذاتك. ااا 


ولكن يبدو أن هناك مشكلة! فهل مسألة الاستمرار هي مجرد وهم؟ تخيل نفسك, وأنت 
تتمثى في أحد المتنزهات» وتُقابل نفسك في زمن آخر من حياتك. ولنفترض وأنت في 
عمر ست سنواتء أو وأنت مراهق» أو في أواخر العشرينات» وإن شئت في منتصف 
الخمسينات» أو حتى في آخر السبعينات» أو خلال رحلة العمر كلها. ففي مثل هذا 
المشهد, يمكنك أن تجلس مع نفسكء وتتبادل معها القصص نفسها التي مرت نفسها بها 
في حياتك» تقلّبها قصة تلو الأخرىء في ذلك الخيط الذي يجمع شخصيتك. 


أو هل تستطيع ذلك؟ فأنت مجملك تمتلك الاسم والتاريخ» ولكن الحقيقة أنت إنسان 
مختلف نوعاً ما وتمتلك قيماً وأهدافاً مُختلفةء وذكرياتك قد لا يجمعها شيءٌ مشترك أكثر 
مما تتوقع» لأن ذاكرتك في سن الخامسة عشرة مثلاً تختلف عن شخصيتك في سن الخامسة 
عشرة. وفضلاً عن ذلك فإن لديك ذكريات مختلفة تعود إلى الأحداث نفسهاء لماذا؟ وذلك 
بسبب ما يكن أن تكون عليه الذاكرة من عدمه!. 


4 
تخيّل أن شخصاً انقسم إلى 
نصفين في جميع مراحل 
نموه. هل سيحمل النصفان 
الذكريات نفسها؟ وإذا كان 
الجواب لاء فهل يمثل النصفان 
الشخص نفسه؟ 





وعلاوة على كون الذاكرة جهاز تسجيل حيّ دقيق للأحداث في حياتك. إلا أنها هي حالة 
دماغية هشّة عن زمن ولّ. ويجب بعثه من جديد لي تستطيع تذكّره. 





۳١ 


الدماغ أسطورة التكوين 


ولس ا و ا و ا ي 


خُذ هذا المثال. هَبْ أنك ذهبت إلى أحد المطاعم للاحتفال في حفلة عيد ميلاد صديقك, 
كل شىء تمر به هناك يستدعي أنماطاً محددة من النشاط في دماغكء > فعلى سبيل امثال 
هناك نمط مُحدد من النشاط الذي قُمت به يكون خاصاً في المحادثة التي جرت بينك 
وبين أصدقائك في المطعم > وهناك نمط آخر تستدعيه رائحة القهوةء وآخر يستدعيه مذاق 
الكعكة الفرنسية اللذيذة التي تذوقتهاء أما ما قام به الجرسون» حينما وضع إبهامه في 
فنجان قهوتك, يستدعي ذاكرة أخرى» كل ذلك تمثل بإعادة تشكيل لشبكتك العصبية» كل 
هذه السلاسل المتصلة من الأحداث» أصبحت مرتبطة ببعضهاء على شكل شبكة من الخلايا 
العصبية المترابطة يعزفها قرن آمونء ويُعيدها مرة تلو الأخرى» حتى تثبت تلك التداعيات, 
وتقوم الخلايا العصبية النشطة في وقت ماء بتكوين روابط أقوى بين بعضها بعضاً. فالخلايا 
التي تُطلّق معا تترابط معا وتكون النتيجة عبارة عن شبكة بإمضاء فريد لذلك الحدث» 
تتمثل في ذاكرتك تماماً كما يتمثل ذلك العشاء ء في ذلك الحفل في ذلك المطعم. 


4 


تظهر ذاكرتك لأى 
حدث على شكل 
عنقود من الخلايا 
الفريدة التي تشترك في 





والآنء دعنا نتخيّل: أنه سنحت لك الفُرصة بعد ستة شهور من ذلك الحفل أن تتذوق 
الكعكة الفرنسية اللذيذة مرة أخرىء تماماً كما تذوقتها فى ذلك الحفل. هذا الحدث 
تحديداً يستدعي كامل الشيكة الخاصة ف تداعيات خلك لل وهذا متي أن 5ك 
العنقود الأصلي الخالص في ذلك الحفلء قد تَُنشّط تماماً كما تُضِيء مدينة من خلال الضخط 
على کی كهرباء واج واا ترق نفيك ا ذلك ال 


۳۲ 


الفصل الأول: من أنا؟ 





وعلى الرغم من أننا لا ندرك هذا دائما فإن الذاكرة ليست بذلك الغنى كما تكن أن 
تتصوّرء فأنت تعلم أن أصدقاءك كانوا هناك وتعلم أن أحدهم كان يرتدي بذلة لأنه 
مُعتاد على ارتداء البذلات» وتتذكر أيضاً أن إحداهنْ كانت ترتدي فستاناً أزرقاً أو رها 
أرجوانياً أو رما أخضراً ولو قُدّر لك جس ذاكرتكء فإنك ستُدرك أنك لا تستطيع أن تتذكر 
تلك التفاصيل كلها لذلك العشاء في ذلك المطعم» رغم أن المكان كان يعج بالناس. 


ولذلك فإن ذاكرتك عن تلك الوجبة في ذلك الحفل بدأت تختفيء ولكن لماذا يا ثُرى؟ في 
البداية دعنا نتذكر أن لدينا عدداً غير محدود من الخلايا العصبية, وأن هذه الخلايا كلها 
تُستدعى للعديد من المهام» وأن كل خلية تُشارك في مجموعة مختلفة في وقت مُختلف. 
وهذا يعني أن الخلايا العصبية تعمل بطريقة المصفوفة المتحركة التي تُشكل مجموعة 
من العلاقات المتغيرة. وأن هناك طلباً متزايداً عليها للانضمام إلى خلايا أخرىء فذاكرتك 
عن ذلك العشاء. أصبحت مغمورة لأن الخلايا العصبية التي شاركت في ذلك الحدث قد 
اختيرت في شبكات أخرى من الذاكرةء وهنا علينا أن نعلم أن عدو الذاكرة ليس الزمن: بل 
الأحداث الأخرىء لأن كل حدث يحتاج إلى بناء علاقة جديدة بين عدد غير متناهي من 
الخلايا العصبيةء والمفاجأة أن الذاكرة المتلاشية لا تُعني أبداً أنها تلاشت بالنسبة لك» لأنك 
تحس أو على الأقل تفترض أنك ستجد كامل الصورة هناك. 


وأن ما تتذكره عن ذلك الحدثء أصبح في دائرة الشكء. ولنقل إنه في السنوات التي تلت 
ذلك العشاء افترق اثنان من أصدقائك, وأخذا يتذكران ذلك العشاءء فربما تُخطئ أنت في 
تذكٌر العلامة الحمراءء أو هل كان ذلك الصديق صامتاً أكثر من العادة في تلك الليلة؟ وهل 
مرّت بعض لحظات الصمت بين الصديقين؟ حسناًء سيصعب علينا معرفة ما حدث فعا 
لأن المعرفة في شبكتك العصبية الآن تُغْيّر الذاكرة التي تتفق معها حينئذء وهنا ستُصاب 
بالعجز. ولكنك سئّلوّن ماضيك بشيء من حاضرك» وهذا يعني أنه يمكنك تذكر حدث ما 
بطريقة ما في مراحل مختلفة من حياتك. 


لاعصمة لذاكرة 

تمكن الحصول على معلومات مهمة عن تطويع الذاكرة من الأعمال الرائدة التي نفّذتها 
الدكتورة إليزابيث لوفتس (فنقام.آ طاءطه18112) من جامعة كاليفورنيا في مدينة ايرفينء 
والتي حدث فيها انقلاباً كبيراً في مجال بحوث الذاكرة. وبيّنت لنا كم ذاكرتنا ضعيفة. 





الدماغ أسطورة التكوين 
ال 2 


قامت الدكتورة لوفتس بإجراء تجربة دعت فيها بعض المتطوعين لمشاهدة أفلام عن 
تحطّم السیارات» ثم طرحت عليهم مجموعة من الأسئلة لاختبار ذاكرتهم عمًا شاهدوه, 
واكتشفت أن طبيعة السؤال تُوّثر على نوعية الإجابة! وقد أوضحت أنها عندما سألت 
المتطوعين عن السرعة التي كانت تسير فيها السيارات حينما صدمت بعضها بعضاً مقارنة 
بالسرعة التي تسير فيها السيارات حينما تحطمت من خلال تصادمهاء > فقد حصلت على 
إجابات مُختلفة عن سرعة السيارتين من شهود الحادثء فقد اعتقد هؤلاء الشهود أن 
السيارات كانت تسير بسرعة أسرع في إجابتهم على السؤال الثاني الذي احتوى على كلمة 
تحطّم» وهذا يدل على تلوّث ذاكرة المُستجيبين بمفردات السؤال. 


والسؤال الذي يطرح نفسه» هل من الممكن أن نزرع في أنفسنا ذكريات غير صحيحة 
مُطلقاً؟ وللإجابة» فقد اختارت الدكتورة لوفتس مجموعة من المشاركين» وطلبت من 
الفريق الذي يعمل معها بالاتصال مع عائلاتهم للحصول على معلومات عن الحوادث 
التي مرت معهمء وبعد أن جمعت هذه المعلومات» قام فريق البحث بنسج أربع قصص 
عن حياة كل مشاركء ثلاثة صحيحة» أما الرابعة فتحتوي على معلومات مغرية للمُشارك. 
ولكنها ليست حقيقيةء وكانت القصة الرابعة حول المشارك» وهو طفل ضاع ف أحد مولات 
التسؤق» والعثور عليه بواسطة شخص كبير بالسن» ولطيف» استطاع أن يُعيده إلى أبويه. 


وقد قضصّت هذه الأحداث الأربعة على كل مشارك من خلال مقابلتهم عدة مرات» وقد 
بيّنت النتائج أن ربع المشاركين على الأقل اذعى أنه يتذگر الحدث المفبرك. وهو ضياعه 
في السوق» رغم أن هذا الحدث لا يت بصلة إلى سيرتهء وم يتوقف الأمر عند هذا الحالء 
فحسبما أضافت الدكتورة لوفتس» بدأ بعض المشاركين يتذكرون بعض التفاصيلء وبعد 
مرور أسبوع طرح عليهم السؤال مرة أخرى» وأضاف بعض المشاركين المزيد من التفاصيل 
عن ذلك الحدث. فبعضهم على سبيل المثال تحدّث عن امرأة الكبيرة بالسن التي عثرت 
عليهم» ومع الزمن بدأ بعض المشاركين يعطون مزيداً من التفاصيلء ويضعونها في ذاكرتهم 
الكاذبةء مثل: «كانت السيدة التي عثرت علينا ترتدي قبّعة غريبة» وبعضهم» أفاد أنه 
كان يحمل في حضنه لعبته امُفضلةء وبعضهم تحدّث عن المشاعر الجنونية التي أصابت 
أمه اثناء غيابه. 


وهذا يوضح أنه لا يمكننا فقط زرع أحداث كاذبة في ذاكرتنا في الدماغ, بل يستطيع بعض 
الناس أن يبتكر مثل تلك القصصء وينسجها من خيالهء ويجعلها جزء! من هويته. 


كُلّنا عُرضة إلى تزييف الذاكرةء وحتى الدكتورة لوفتس لم تسلم من هذا! فقد أفادت بأنها 





ع 


الفصل الأول: من أنا؟ 





عندما كانت طفلة تعرّضت أمها إلى حالة غرق في بركة سباحةء وبعد ذلك بعدّة سنوات. 
حدّثتها إحدى قريباتها عن معلومة غريبةء وهي أنها هي التي عثرت على جثة أمها في 
البركةء وقد كان ذلك الخبر صاعقة بالنسبة لها؛ لأنها م تكن قد عرفت بذلك من قبلء 
وفي البداية ثم تكن قادرة حتى على تصديق هذا الخبرء ولكنها بعد أن عادت إلى البيت 
بدأت تفگر: 


«يجوز! رها أنني فعلاً أنا التي عثرت على جثة والدق. ويدأتٌ أفكر في 
أشياء كثيرة. وكأنني أتذكرهاء مثل حينما حضر رجال الإسعاف أعطوني 
علبة أوكسجينء رها لأنني أحتاج إلى الأوكسجين لأنني كنت متضايقة جداً 
بسبب عثوري على جثة والدقي». ١‏ 


وبعدها بدأت تظهر أمامها صورة لأمها وللبركة التي وقع فيها الحدث. 


وبعد ذلك اتصلت فيها قريبتها تلك وأخبرتهاء أنها أخطأت» أي أنها لم تقصد أنها هي 
التي عثرت على جثة المرأة وإنما عمّتهاء وهكذا كانت فرصة للدكتورة لوفتس أن تُجرّب 
كيف يكون عليه الحال حينما يكون لدى الفرد ذاكرة كاذبة» ويشعر بكثير من تفاصيلها 
العميقة. 


ماضينا مُزّر! وهو في الحقيقة لا يتعدّى أن يكون نسيجاً لأشياء نتخيّلهاء وأحياناً تكون 
مُعتمدة على بعض الخرافات. فعندما تُراجع ذكرياتناء علينا أن تُراجع وعينا؛ لأن التفاصيل 
التي نقدّمها ليست كلها صحيحة» فقد يكون بعضها مصدره قصصاً رواها لنا أشخاص عن 
أنفسهم» وبعضها مليء ها نتمئّاه أن يحدث» ولذلك, إذا كانت إجابتك عن السؤال من 
أنت» تعتمد على ذاكرتك, فإن ذلك يعني أن شخصيّتك هي عبارة عن سلسلة من القصص 
الغريبة غير المتماسكة. 


هرم الدماغ 

يعيش الإنسان في هذا العصر أطول من أي وقت مضى عبر التاريخ» وهذا يُشْكْل تحذياً 
للإنسان للحفاظ على دماغه بحالة صحية مناسبة, خاصة إذا ما علمنا أن مرضي الزهامر 
والباركنسون ما فتئا في الانقضاض على أنسجتنا الدماغية» وبالتالي على جوهر حياتنا. 
ورغم ذلكء هناك خبر سارّ! فمثلما أن البيئة التي تعيش فيهاء والسلوكات المحيطة بك 
تُشكّل دماغك وأنت صغينٌ فإن لها أهمية كبرى في شيخوختك. 





۳0 


الدماغ أسطورة التكوين 


عانى هنري موليسون من حالة صرع تشتّجي بدرجة شديدة لأول مرّة في ذكرى ميلاده 


الخامسة عشرة. ومن تلك اللحظة كانت نوبات الصرع تزداد بشكل مُنتظم» ولأنه كان 
مُعرّضا إلى تشنّجات صرع عنيفة في حياته» فقد قرر الأطباء إجراء عملية جراحية تجريبية 
له. تقتضي إزالة الجزء الأوسط من الفص الصدغي (بما في ذلك قرن آمون) من نصفي 
الدماغ» تمائل هنري إلى الشفاء من نوبات الضرع» ولكنه في الوقت نفسه عانى من آثار 
جانبية رهيبة» حيث أمضى بقية حياته غير قادر على تكوين أي ذكريات جديدة. 


تصوّر كيف مكن أن يكون عليه الحال عند ذهابك إلى الشاطئ غداً ماذا تستدعي 
ذاكرتك؟ أمواج وفنادق؟ أمواج متكسرة؟ أشعة الشمس وهي تتخلل الغيوم؟ فحينما كان 
يُسأل هنري عما تستدعي ذاكرته في مثل هذا الموقفء فإنه سيُعطينا إجابة نمطيّة يمكن أن 
تكون «كل ما أستطيع تصوّره هو اللون الأزرق». لقد كشف حظه العاثر عن إحدى آليات 
عمل الدماغ المسؤولة عن الذاكرة: التي تهتم ببساطة ليس بتسجيل الأحداث الماضية 
فحسبء وإتما التنبؤ بممُستقبلها. 

ولتصوّر كيف يمكن أن تكون عليه خبرتنا يوم غد على الشاطئء يلعب قرن آمون بشكل 
خاص دوراً رئيساً في عملية تجميع صورة مُستقبلية مُتكاملة من خلال استدعاء ا معلومات 
من خبراتنا السابقة. 





۳۹ 


الفصل الأول: من أنا؟ 





هناك مشروع بحثي فريد من نوعه في الولايات المتحدة الأميركيةء يتكون من ألف ومائة 
راهبة» وكاهن» وأخ يشاركون في دراسة التعاليم الدينيةء ويهدف المشروع إلى الكشف عن 
آثار الشيخوخة على الدماغ. وتهدف الدراسة بشكل خاص إلى معرفة العوامل الخطرة 
التي تؤدي إلى مرض الزهايمرء ويشارك في هذه الدراسة أفراد في سن الخامسة والستين 
سنة وأكثرء لا يُعانون من أي أعراض للزهايمرء وم تُظهر فحوصاتهم أي علامات لأي مرض. 





الإاجتقاظ الوب جا مق ء 


بالتشياطات: يقد لاغ 
1 يشي 3 


بالإضافة إلى أن هذه المجموعة المستقرة تمكننا من متابعتها بشكل سهل من كل عام 
وإجراء الاختبارات اللازمة. فإن مجموعة التعاليم الدينية لديها مط حياة مُشترك فيما 
يتعلق بالتغذية ومستوى الحياةء وهذاء بحد ذاته» شيء جيد؛ لأنه يُنَقَي التجربة من 
العوامل الدخيلةء والفروقات التي قد تظهر فيما لو أخذنا مجتمعاً دراسياً أوسع» مثل 
الحمية الغذائيةء والحالة الاجتماعية والاقتصادية والتعليميةء وكلها عوامل قد تؤثر على 
النتائج فيما لو تم اختيار مجتمع آخر غير هذا المجتمع. 


وقد بدأنا في جمع البيانات في عام ٤۱۹۹ء‏ وإلى هذه اللحظة استطاع الدكتور ديفيد 
بينت ()86226 103810) وفريقه من جامعة رش (۸یں۸u)‏ في شيكاغو جمع ما يزيد عن 
ثلائمائة وخمسين دماغاً بشرياً كل واحد منها يُحفظ بطريقة دقيقة جداً ويُفحص من 
أجل الحصول على أي علامات دقيقة لظهور أي أمراض دماغية بسبب الشيخوخةء وهذا 
بالمُناسبة نصف الدراسة» أما النصف الآخر منهاء فيتعلق بجمع بيانات كثيرة عن كل فرد 
وهو على قيد الحياة. وفي كل سنة يتقدّم كل فرد من أفراد الدراسة إلى مجموعة من 





۲۷ 


الدماغ أسطورة التكوين 
ال ا ي 


الاختبارات التي تشمل الاختبارات النفسية: والمعرفية بالإضافة إلى الاختبارات الطبية 
والجسديةء والجينية. 


0 


1 
تبرعت مئات الراهبات 
بأدمغتهن لإجراء 
فحوصات عليها بعد 
وقاتهن. اندهش 
الباحثون من التتائج التي 
حصلوا عليها. 





وعندما بدأ فريق البحث مشروعه كانوا يتوقعون أن يعرفوا السر الذي يربط بين الانهيار 
الفكري والأمراض الثلاثة التي ذكرناها التي تُصيب الدماغ في الشيخوخة» وهي الزهايمر 
والحلطات الدماغية والباركنسون» وبدلاً من ذلك فقد وجدوا أنه عندما يكون نسيج 
الدماغ يحمل أعراض مرض الزهاهر حسب الفحص إلا أنه ليس بالضرورة أن يظهر على 
الشخص هذا المرضء فبعض الناس توفاهم الله وأدمغتهم مريضة بالزهاهر, ولكنهم ل 
يتعرّضوا إلى فقدان الذاكرة, فما الأمر يا ترى؟ 

عاد فريق الباحثين إلى البيانات التي جمعوهاء وبدأ يراجع فيهاء فوجد أن العوامل النفسيّة 
والخبراتيّة» هي التي تُحدّد فقدان الذاكرة. خاصة التمارين الذهنية» أي أن النشاط الذي 
يحفظ عمل الدماغ مثل حل الكلمات المتقاطعة: والقراءة, وقيادة السيارة كلم مهارات 
جديدة. وأن تكون لدى الإنسان مسؤوليات معينةء هو الذي يحفظ الذاكرة من التآكل, 
وهذا الأمر أيضاً ينطبق على جميع النشاطات الحياتيّة بما فيها النشاطات الاجتماعية 
والبدنية. 


وعلى الجانب الآخرء فإن العوامل النفسية السلبية مثل الوحدة. والقلقء والاكتئاب» 
وقابلية التعرض للضغط النفسيء كلها ترتبط بتدهور الذاكرة السريع كما أنه مُكن وقاية 
الدماغ من هذه الأمراض ببعض السلوكات الإيجابية مثل زيادة الوعى وتحديد هدف 





۳A 


الفصل الأول: من أنا؟ 





للحياةء وأن يُبقي الإنسان نفسه مشغولاً طوال الوقت. 


لوحظ أن المشاركين الذين كان لديهم تلف عصبي في أنسجتهم الدماغية (وم تظهر عليهم 
الأعراض) استطاعوا أن يكوّنوا ما يكن تسميته بالاحتياط المعرفي فكلما تآكلت بعض 
الأنسجة الدماغية كلما أشعلت ببعض التمارين مما يُعرّز قدرتها في التعويض أو يزيد 
من أدائهاء والقاعدة أنه كلما حافظنا على سلامة أدمغتنا (من خلال تحدّيها مهام صعبة 
وجديدة ما ف ذلك التفاعل الاجتماعي) استطاعت الشبكات العصبية أن تبني ممرات 
جديدة للتحرك من النقطة أ إلى النقطة ب. 


دعنا ننظر إلى الدماغ وكأنه صندوق عدَة» فكلما كان الصندوق في حالة جيدة, كان يحتوي 
على جميع الأدوات التي نحتاجها للقيام با مهام المطلوبةء فإذا كنت تريد أن تخلع مسماراً 
حتماً فإنك تحتاج إلى خلاعة المسامير. وإذا لم تجدها في صندوق العدّة, فإنك ستتناول 
مفتاحاً يساعدك في ذلك» وإذا كان المفتاح غير متوفرء فربما تحاول خلع المسمار بكماشةء 
وهذا المبدأ ينطبق تماماً على عمل الدماغ السليم؛ وحتى لو هاجم المرض بعض أنسجته. 
فإن الدماغ يستطيع اللجوء إلى حلول أخرىء للتعويض عن ذلك. 

إن قصة أدمغة الرّاهبات تَبِيّن أنه من الممكن حماية أدمغتناء وبالتالي حماية أنفسنا 
بأكبر طريقة ممكنة, لأننا لا نستطيع أن نوقف الشيخوخة:؛ ولكننا حتماً سنحدٌ من آثارها 
ممارسة العديد من اطهارات الفكرية. 


آنا إنسان حشاس 


حينما أفكر في نفسي, هناك أمر لا مُكن إهماله أبدا وهو أنني إنسان حسّاس! فأنا أختبر 
وجوديء فأشعر وكأنني أنا هُناء أنظر إلى العام من حولي بهاتين العينينء وأدرك هذا المزيج 
من الألوان من مكانيء دعنا تُسمّي هذا الشعور بالوعيء أو الوعي بالذات. 

احتار العلماء ف تعريف الوعي» ولكن دعنا نكتفي بعقد مقارنة بسيطة لتساعدنا ف إدرك 
مفهوم الوعيء فعندما تكون يقظاً فأنت واع» وعندما تكون ناتماً فأنت غير واع» فهذا 
التمييز يساعدنا في طرح سؤال بسيطء ما الفرق بين تلك الحالتين؟ 


إحدى طرق القياس التي مُكن أن نستخدمها في ذلك هي التخطيط الدماغي» وهي 
طريقة من خلالها يمكننا الحصول على مُلخْص لليارات الخلايا العصبية التي تعمل من 





۳۹ 


4 
في حالة اليقظة يتم 
تنسيق الخلايا العصبية 
مع بعضها بعضاً بإيقاع 
معقد ودقيق ومستقل 
نوعاً ما. في حالة النوم 
العميق تكون الموجات 
عمل الخلايا العصبية مع 
بعضهاء ويكون الوعي 
غائياً. 


الدماغ أسطورة التكوين 





خلال الضغط على إشارات كهربائية ضعيفة من خارج الجمجمة. وفي الحقيقة إن هذه 
الطريقة تعد بدائية نوعاً ماء ولكنها تُستخدّم أحياناً للمقارنة من أجل فهم قواعد لعبة 
السلّةء من خلال الإمساك بالميكروفون خارج لعبة السلة» وعلى الرغم من ذلك يعد 
التخطيط الدماغي طريقة جيدة للحصول على معلومات مباشرة حول الفروق التي 
تحدث في الدماغ بين الناس» وهي في حالة النوم, أو في حالة اليقظة. 

فحينما تكون يقظاً تُظهر الموجات الدماغية أن ملايين الخلايا العصبية مشغولة في 
عمليات تبادل مُعقّدة مع بعضها بعضاً تخيّل آلاف المحادثات التي تحصل بين الناس في 
صالة كبيرة. 

وحينما تذهب إلى النوم يبدو وكأن جسمك يُغْلّق تماماً ولذلك فإن الافتراض الطبيعي أن 
هذه الصالة العصبية تقفل. ففي عام 31907 تبيّن أن هذا الاعتقاد غير صحيح! فالدماغ 
بیقی مشغولاً ليلاً ونهارا وأثناء النوم» تقو تقوم الخلايا العصبية ببساطة بالتنسيق مع بعضها 
بعضاً بطرق مختلفةء وتدخل في حالة من الإيقاع امتزامن» تخيّل جمهور من الناس في أحد 
ال ملاعب الرياضية يقوم بتشجيع فريقه بطريقة الموجة المكسيكية بشكل متقطع. 





حالة اليقظة: تردد عال 
NENT 50 uV‏ سيد جر ناليد ”نيب n‏ سعة بطيئة 


15 





حالة النوم العميقة: 
المعروف بالنوم ذي 
الموجات البطيئة تردد 
منخفض سعة عالية 


كما يمكنك التخيّلء فإن عمق الحديث الدائر في ملعب رياضي يكون أغنى عندما يجري 
آلاف الناس مُحادثات متقطعة في وقت واحدء وبالمقابل عندما يستمتع الجمهور في موجة 
مكسيكيةء فإنه سيأخذ وقتاً أقل في التفكير. 


والآن» فأنت في لحظة ماء تعتمد اعتماداً كلياً على تفاصيل عدد الإيقاعات التي تطلقها 
الخلايا العصبية. فأثناء النهار يظهر الوعي من التشابك العصبي المْتّحدء أما في الليل فإن 


الفصل الأول: من أنا؟ 





ذلك يختفي؛ لأن تفاعل الوصلات العصبية في دماغك يكون قليلاً فعلى مُحبّيك الانتظار 
حتى صباح اليوم التالي» عندما تسمح الخلايا العصبية باختفاء الموجات» وتعود مع بعضها 
بعضاً في إيقاع مُعقّد خلال النهارء في تلك اللحظة فإنك تعود لوعيك؛ لأن هويتك تعتمد 

على كيف تكون عملية تشابُك الخلايا العصبية في دماغك لحظة بلحظة. 


جدلية الوعي والجسم 


تعد حالة الوغي عند البشر من أكثر الألغاز حيرةً و في علم الأعصاب عاص فما العلاقة 
بين خبراتنا العقلية (الواعية) وأدمغتنا امادية؟ i ٠‏ 





٤١ 


الدماغ أسطورة التكوين 


يقول -البروفيسور رنيه ديكارت إن الرُوح الأثيرية - منفصلة عن الدماغ - وهذا الافتراض 
- كما هو موضح في الشكل أعلاه - يفترض أن الحواس تغذي الغدّة الصنوبرية التي تعد 
بوابة للرُوح الأثيرية (وربما يكون قد اختار الغدة الصنوبرية لأنها ببساطة تقع في منتصف 
الدماغء في حين أن معظم خصائص الدماغ الأخرى هي ثنائية أي أن كل واحدة توجد في 
جانب من جانبي الدماغ). 


وتمكن تخيّل الروح الأثيرية بسهولة: إلا أنه يصعب التجسير بين هذا الرأي والمعرفة في 
علم الأعصاب» م يخطر في بال ديكارت يوماً أن هناك شيئاً اسمه أعصاب» فلو كان يعرف 


ذلك لرأى أنه حينما يتغيّر شكل الدماغ فإن أنماط الشخصية تتغبّر كما أن بعض التلف 
الذى قد يُصيب الدماغ يجعل الفرد مُكتئباً وبعض التغيّرات الأخرى تجعله مجنوناً أو 
مدنا أو تظهر عليه علامات حِسٌ الفُكاهة, أو تفتح شهيته للمُقامرة. أو تجعله واهماً 
ومُترددا وغدوانياًء وعليه يبدو أنه من الصعب إيجاد إطار لفصل الوعي عن الدماغ أو 
عن تركيبة الدماغ المادية. 

وكما سترى لاحقاً فإن علم الأعصاب يعمل لكي يكشف عن العلاقة ما بين النشاط العصبي 


وبعض حالات الوعي» ومن المرجّح أن فهمنا للوعي يحتاج إلى اكتشافات جديدة ونظريات 
جديدة وميدان علم الأعصاب ما زال غضًاً. 





الأدمغة البشرية تُشبه البلورات الثلجية 


بعد أن أنهيت دراستي العلياء كان لي شرف الانضمام إلى أحد العلماء الأبطال في حياتي 
وهو فرانسيس كريك 0211 8:255).: فعندما التقيته لأول مرة كان قد حول جهوده 
إلى دراسة مُشكلة الوعي عند البشرء لقد كان اللوح الموجود في مكتبه يحتوي على الكثير 
من الكتابةء وأكثر ما لفت انتباهي في تلك الكتابات كلمة كانت مكتوبة في وسط اللوح» 
وهي كلمة (المعنى)ء فنحن نعرف الكثير عن آليات عمل الخلايا العصبيةء وشبكاتهاء 
وبعض المناطق الدماغيةء ولكننا لا نعلم ماذا تعني تلك الإشارات هناك وكيف تتمگن 
مادة الدماغ من جعلنا نهتم بأي شيء. 


إن مشكلة المعنى م تُحَل بعد! ولكن دعني أقول لكم ما أعتقد في هذا الخصوصء إن 


معنى أي شيء بالنسبة لك يتعلق في شبكات تداعي المعاني اعتماداً على سجل خبراتك 
الحياتية. 





زفق 


الفصل الأول: من أنا؟ 





تخيّل أنني أود التقاط قطعة قماشء وأضع عليها بُقع ذات ألوان مختلفة, ثم أريك إياها. 
فهل تعني لك تلك البُقع أي شيء؟ وماذا عساها أن تثير في مخيّلتك؟ حسناً قد لا تثير 
عندك أي شيء؛ لأنها فقط قطعة قماش. أليس ذلك صحيحاً؟ 


والآن تخيّل معي أن تلك البُقع تراصفت على شكل أنماط كؤنت فيما بينها العلم الوطني 
لبلدك» حتماً أن ذلك سيُثير لديك أمراً ماء ولكن المعنى المُحدّد لذلك الشكل هو خاص فيك 
وبتاريخك, > وهذا يُعني أنك لا تفهم العام كما هوء ولكنّك تفهمه كما يحلو لك. 


كل واحد متا هو موجود في مساره (تقوده جيناته وخبراته) ونتيجة لذلك فإن كل دماغ 
له حياة دائمة مختلفة عن الآخر, الخُلاصة أن الأدمغة كلها فريدة في وجودها كما هي 
بلورات الثلج. 


فكما نعلم أن مليارات الوصلات العصية الجديدة في أنسجة دماغك مُستمرة في التشكُل» 
وإعادة التشكلء إلا أن النمط المميّز لها يعني أنه لا يشبهك أحد. ولا يوجد شخص هكن 
أن يشبهك؛ لأن خيرة ة الوعي عندك في هذه اللحظة هي خبرة خاصة فيك. 


ولأن مادة الدماغ هي آخذة في التغيّر بشكل مُستمرء فإننا نحن آخذون في التغيّر بشكل 
مستمرء نحن غير ثابتين» نحن حالة من الصيرورة من المهد إلى اللحد! 


تفسيرك للأشياء المادية له علاقة بالتوجه 
التاريخي لدماغك» وقليلاً ما يرتبط بماهية 
777 الأشياء نفسها. هذان المستطيلان لا 
ل اي على شيء صوى أنساق الألوانء 
فالكلب قد لا يجد فرقاً معنوياً بيتهما. 
فمهما كانت استجابتك لهذه الأشياءء فإنها 
تعود لك أنت وليس لأحد غيرك. 








8 








الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





وهم الواقع 


منذ لحظة استيقاظك في الصباح» تخطفك الأضواء. والأصواتء والروائح» وتفيض بها 
حواكء وما عليك إلا أن تستيقظ في كل يوم ودون أي تفكير أو جهد لتجد نفسك مغموراً 
في واقع الحياة غير القابل للجدل. 


ولكن كم من هذا الواقع هو من تأليف دماغك» أي أنه يحدث فقط داخل رأسك؟ 
خُذ مثلاً صُور الأفاعي الدؤارة في الشكل التالي» فعلى الرغم من أنه لا شيء فيها يتحرك 


على الورق» إلا أنها تبدو وكأنها تتحرك» والسؤال كيف يدرك دماغك هذه الحركة, وأنت 
تعلم أن هذا الشكل ثابت؟ 


4 


لا شيء يتحرّك على الصفحة 
ولكتك تتوهم الحركةء 
Akiyoshi Kitaoka‏ 





لا 


الدماغ أسطورة التكوين 
00 اا لي تآ 


1 
قارن لون المرئعين 
الموسومين ب ۸ ول 
صورة رقعة الشطرنج من 
Edward Adelson‏ 


أو انظر إلى رقعة الشطرنج 
أعلاه. 





فعلى الرغم من أنها لا تبدو كما هيء بمعنى أن المربع (4) هو بالضبط المربع (8) نفسهء 
حاول بنفسك تغطية بقية الصورة. كيف لهذه المربعات أن تظهر مُختلفة رغم أنها في 
الواقع متطابقة؟ 


إن مثل هذه الخيالات تُعطينا أول الدلائل بأن الصورة التي نحملها عن العام الخارجي 
ليست دقيقة بالضرورة؛ لأن إدراكنا لواقعنا لا يشبه ما يحدث خارجهء وإنما يشبه كثيراً 
ما يحدث داخل الدماغ. 


خبرتك بالواقع 


تبدو وكأنها خبرة مُباشرة بالعالم الخارجي من خلال الحواسٌ, أي أنه يمكنك أن تخرج 
إلى هناك» وتلمس المادة التي يتكون منها هذا العام الماديء أو مثل هذا الكتاب أو مثل 
كرسي تجلس عليه؛ أو غير ذلك ولكن هذا الإحساس لا مُنّل خبرة مُباشرةء رغم أننا نشعر 
وكأننا نلمسه بين أصابعناء إلا أنه في الواقع هذا ما يحدث في مركز السيطرة على المهام 





EA 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





داخل الدماغ, وهو نفسه ال مركز الذي يتحكّم في جميع الحواس» فالنظر لخدت بالعيون:» 
ولا السمع في الآذان» وكذلك الشم ليس مصدره الأنف إن كل خبراتك الحسيّة تحدث في 
نشاط عاصفي داخل المادة الحاسوبية في دماغك. 


وهنا يكمن الجواب: ليس للدماغ أي اتصال مع العام الخارجي؛ لأنه محصور بإحكام 
داخل حُجرة صامتة. ومُعتمة داخل الجمجمة» وم يحدث أن الدماغ كان على تماس مع 
العام الخارجي بشكل مباشر ولن يكون له ذلك. 


وبائُقابل. هناك طريقة واحدة لجلب المعلومات من العالم الخارجي إلى الدماغ, وبُكل 
تأكيد من خلال أعضائنا الحسية» مثل العينين والأذنين والفم والجلدء كلها تقوم بدور 
المترجم. فهي تكتشف كما هائلا من مصادر المعلومات (مثل الفوتونات» وضغط الهواء 
والأمواج» وتركيز المادة» والضغطء والملمسء ودرجة الحرارة) وتترجمها إلى العملة في 
الدماغ وهي الإشارات الكهروكيميائية. 


وتدخل هذه الإشارات الكهروكيميائية من خلال شبكة كثيفة من الخلايا العصبية» وهي 
الخلايا الرئيسية التي تحمل الإشارات» التي توجد بمئات المليارات في الدماغ البشريء وكل 
خلية عصبية تُرسل عشرات» أو مئات من السيالات الكهربائية إلى آلاف الخلايا العصبية 





568 


4 


تتصل الخلايا العصبية مع 
بعضها بعضاً من خلال 
الإشارات الكيميائية التي 
تُدعى الناقلات العصبيةء 
والتي تحمل أغشيتها إشارات 
كهربائية سريعة وعلى مدى 
طولهاء ورغم أن الترجمة ِ 
الفنية لمثل هذا ثُبِيّن مكاناً 
فارغاً إلا أنه في الحقيقة لا 
يوجد أي مكان بين الخلايا في 
الدماغ, فكلها مُتراضّة بجانب 
بعضها بعضاً. 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ي 


فكل شىء تُباشره بحواسنا - كل نظرة وكل صوت وكل رائحة - هي ترجمة كهروكيميا ية 
في المسرح المعتم وليست خبرة مُباشرة. 

ولكن كيف يُحوّل الدماغ هذه الأنماط الكثيفة من الإشارات الكهروكيميائية إلى أشياء 
مفهومة ومُفيدة عن العام الخارجي» يقوم الدماغ بذلك من خلال مقارنة الإشارات التي 
يستقبلها من الحواس المختلفة, وفحص أنماطها بطريقة تسمح له التخمين الذي عمًا 
كن أن يكون في العام الخارجي» وهي عملية فائقة القوةء ولكنها لا تحتاج إلى أي جُهدء 
ولتوضيح ذلك دعنا نأخذ المثال التالي: 


دعنا نبدأ بأكثر الحواس استعمالاً في حياتناء وهي حاسة البصرء إن إبصارنا للأشياء هو 

شيء طبيعي» > ومن الصعب أن تعرف الآليات التي د تتم فيها عملية الإبصار فثلث ا 
البشري مخصّص لحاسة الإبصارء وتحويل فوتونات ا الخام إلى وجه أم مغلا أو إلى 
حيوان مُدلّل» أو إلى المقعد الذي نستلقي عليه وقت القيلولةء ولكي نكشف النقاب عما 
يحدث تحت هذا الغطاء دعنا تُدقّق في حالة هذا الرجل الذي فقد بصره ثم م أنعم الله 
عليه به مرة اخرى. 


فقد السيّد مايك مايو )Mi)e ×y(‏ بصره» وهو ف عمر الثلاث سنوات ونصفء بانفجار 
كيميائي أفقده قرنيتيه وترك عينيه دون أي قدرة #عان استقبال الفوتونات, وكرجل ضرير» 
أصبح من رواد الأعمالء وعضواً مهماً في مجلس املعاقين» يستطيع المشي على المنحدرات 
بواسطة عكازة صوتية. 


ثم بعد مرور حوالي ٤٠١‏ سنة من العمرء عَلِمَ مايك عن العلاج بالخلايا الجذعية الذي 
يستطيع أن يُعيد إليه بصرهء وقرّر أن يخضع إلى تلك العملية؛ لأن العمى هو نتيجة لعدم 
وضوح القرنيّات» والحل بسيط جد 

يا للهول! لقد حدث ما لا مُكن توقعه» وأمام كاميرات التلفزيون التي جاءت لترصد لحظة 
إبصاره للحياةء وصف مايك هذه الخبرة للطبيب بعد لحظة إبصاره على النحو التالي «إن 
هناك ضوءاً وكميةٌ كبيرةً من الصور تغزو عيني, ثم تتحوّل فجأة هذه المعلومات البصرية 
كلها إلى شيءِ عجيب وخارق». 





0۰ 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





اتتقال الاشارات الحسية 





لقد استطاعت قطرتنا البيولوجية أن تكتشف طرقاً عديدة لتحويل المعلومات من العام الخارجي إلى إشارات 

كهروكيميائيةء ومن هذه الآليات الموجودة لدينا خلايا الشعر في الأذن الداخليةء وبعض أنواع المستقبلات الحسيّة في 

الجلد. وبراعم المذاق في اللسان, والمستقبلات الجزئية في براعم الشم. والمستقبلات الضوئية الموجودة خلف العينين. 
تترجم الإشارات البيئية إلى إشارات كهروكيميائية تحملها خلايا الدماغ. وهي أول خطوة 
يُدخل فيها الدماغ معلومات من العام الخارجي إلى الجسم» فتّحوّل العينان الفوتونات إلى 
إشارات كهربائيةء كما تُحوّل الأذن الداخلية الذبذبات إلى هواء ثم إلى إشارات كهربائية, 
أما المستقبلات الموجودة على الجلد (وداخل الجسم)» فتُحوّل ا الخاصة بالضغط 
والتمدّد ودرجة الحرارة إلى إشارات كهربائية» كما ينقل الأنف الروائح» ويُحوّلها إلى 
جُزيئات» ويُّحوّل اللسان جزيئات الذوق إلى إشارات كهربائية. ففي مدينة ذات مُعدّل 
زؤار كبير من جميع أنحاء العالم لا بد من تصريف العُملة الأجنبية إلى عملة متداولة قبل 
أن تحصل عمليات التحويل» وكذلك هو الحال بالنسبة للدماغء فهو بشكل أساسي يُحب 
الزوار من جميع بقاع الأرض. 


لكن واحدة من الألغاز غير المعروفة في علم الأعصاب هي مُشكلة الرّبطء أي كيف 
يستطيع الدماغ إنتاج صورة واحدة موحّدة للعام, علماً بأنه يتم معالجة المُدخلات 
البصوية في منطقة. وال مدخلات السمعية في منطقة أخرى, وكذلك اللمسية وهكذاء فرغم 
أن امشكلة ما زالت دون حل إلا أن العملة ا متداولة التي تتعامل فيها الخلايا العصبية 
وكذلك الوصلات العصبية كثيرة العدد تُشير إلى أن الحل يكمن في جوهرها. 








01 


الدماع أسطورة التكوين 
اح سو ا 


بدأت القرنيات الجديدة للسيد مايك باستقبال الضوء وتركيزه بالمُعدلات المُناسبة» لكن 
دماغه لم يستطع ترجمة تلك المعلومات التي تستقبلها قرنياتهء بدا مايك ينظر إلى أولاده 
ويبتسم لهم لكنه كان خائفا؛ لأنه لم يكن قادراً على تصوّر وجوههم» أو تحديد آي منهم, 
فقد ذكر «أنه لم يستطع التعرّق على وجوههم». 

وبلغة الجراحينء لقد كانت الزراعة ناجحة جداً أما من وجهة نظر مايكء فما كان يحسّه 
لم يكن نعمة البصر فقطء بل كما قال «يا إلهي لقد طار دماغي!». 

ومساعدة أطبائه وعائلته» خرج مايك من غرفة الفحص إلى الممرات» مُحاولاً النظر إلى 
السجادة. أو إلى صور الحائط؛ أو الممرات» ولم يكن يشعر في أي منهاء وحينما استقل 
سيارته إلى البيت» حاول تسليط بصره على السيارات والمباني والناس» في محاولات بائسة 
منه لاستيعاب ما يراه وأثناء سيره في الطريق السريع اشتد خوفه حينما رأى أن سيارته 
ستصطدم في زاوية كبيرة أمامهم» وهي في الحقيقة عبارة عن لافتة طريق مر من جانبها 
مايك. فقد أصبح غير قادر على إدراك الأشياء من حوله؛ ولا بُعدها عنه» بل على العكسء 
أصبح مايك بعد العملية غير قادر على التزلّج كما كان وهو ضرير؛ وذلك لصعوبة إدراكه 
للأعماق, وقد كان من الصعب عليه كثيراً أن يميّز بين الناسء والأشجار, والظلالء والحفرء 
كُلَها كانت بالنسبة له أشياء مُظلمة على لوحة بيضاء مثل بياض الثلج. 


والدرس المستفاد من تجربة مايك هو أن الجهاز البصري لا يعمل مثل الكاميراء ونظام 
الإيصار ليس ببساطة كما لو كنت تكشف الغطاء عن عدسات الكاميرا؛ لأن الإيصار يحتاج 
إلى أشياء أخرى أكثر من عينين في مقدّمة الرأس. 

وفي حالة السيد مايك» فإن أربعين سنة من عدم الإبصارء تُعني أن منطقة النظام البصري 
(ما نسميه القشرة الدماغية البصرية)ء كانت قد ذهبت لتعوّض حواساً أخرى مثل السّمع» 
واللمسء وهذا أثّر على قدرة دماغه في ترجمة الإشارات الواردة من حاسّة البصرء وكما 
سنرى لاحقاً فإن الإبصار يأتي نتيجة لتآزر مليارات الخلايا العصبية التي تعمل معاً على 
واليوم» وبعد خمسة عشر عاماً من إجراء العملية للسيد مايكء ما زال الرجل يُعاني من 
صعوبة في قراءة الكلمات فوق الورق» ويُعاني من عدم قدرته على التمييز بين وجوه 
الناس» وحينما يحتاج إلى إعطاء معاني لحسّه البصري الناقص, فإنه يُحاول ذلك من خلال 
حواس أخرى للتأكد مما يصل إليه من معلومات» فكان يلمس الأشياء ويرفعهاء ويستمع 
إلى أشياء أخرى في الوقت نفسه. وهذه المقارنة عبر الحواس المختلفة هي شيء نحن نفعله 
أحياناً عندما کنا صغاراً عندما كانت أدمغتنا دحاول فهم العام الخارجي. 





oY 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





العيون وحدها لا تكفي للإبصار 


عندما يلمس الأطفال أي شيء أمامهم» فإنهم لا يتعلّمون فقط الإحساس باللمس والشّكل, 
بل هُم يتعلّمون بالضرورة كيفيّة الإبصار! ففي الوقت الذي يبدو فيه غريباً أن نتخيل 
أن حركة أجسامنا تلزم للإبصار, إلا أن هذا المفهوم موجودء وقد وصح في تجربة لطيفة 
اروت على قطتين صغيرتين عام '1957. 


في هذه التجربةء قام العالمان: رتشارد هلد وآلن هين (Richard Held & Alan Hein)‏ 
من معهد ماساتشسوستس للتكنولوجيا بوضع قطتين صغيرتين في أسطوانة مُحاطة بخطوط 
عامودية» وكانت عينا القطتين الصغيرتين تستقبلان ا مدخلات الحسية البصرية من مُحيط 
الأسطوانة الدائري اممتحرك» ولكن كان هناك فرق جوهري في خبرتيهما: فالقطة الأولى 
كانت تمشي بِخُرّية» أما الأخرى فكانت موضوعة في صندوق مُثْبّت في محور مركزي داخل 
الأسطوانة؛ وبسبب هذه الوضعيةء فإن القطتين كانتا تُشاهدان الشيء نفسه في آن واحدء 
أي الخطوط التي تتحرك من حولها بالوقت والسرعة نفسهما فإذا كان الإبصار يتعلق 
فقط بالفوتونات الساقطة على العينء فإن الأجهزة البصريةء يجب أن تكون متعادلة 
للقطتين. ولكن كانت النتيجة مُدهشة ومُغايرة لذلك. لقد تبيّن أن القطة خُرهَ الحركة 
كانت تُبصر الأشياء بشكل طبيعيء أما القطة الأخرى التي كانت موضوعة في الصندوق» 
فلم تستطع أبداً رؤية الخطوط بوضوح. أي أن جهازها البصري م يتطوّر بشكل طبيعي. 


or 





ل 


يوجد قطتان داخل 
الأسطوانة الملؤنة بخطوط 
طولية, واحدة تمشي على 
أقدامهاء والأخرى محمولة, 
وكلاهما تعرّضتا إلى المشاهد 
البصرية نفسهاء ولكن القطة 
التي كانت تمشي على قدميها 
ھی التى استطاعت أن تُوائم 
حركتها مع تغإر المشاهد 
البصرية: وبالتالي استطاعت 
أن ترى الخطوط بشكل 
واضح. 


الدماغ أسطورة التكوين 


لا تتعلق الرؤية فقط بالفوتونات, التي يكن اعتراضها بسرعة من قبل القشرة الدماغية 
الخاصة بالجهاز البصريء وما هي خبرة لكامل الجسم فلا يمكن أن يكون للإشارات 
القادمة من الدماغ أي معنى إلا من خلال التدريب الذي يحتاج إلى مرجعيّة للإشارات 
الحاملة للمعلومات عن أفعالنا وأحاسيسناء وهذه الطريقة الوحيدة التي تستطيع فيها 
أدمغتنا تفسير المُدخلات البصريةء وإعطاءها معانٍ خاصة بها. 


فإذا كنت منذ الولادة غير قادر على التفاعل مع العام الخارجي بأي حاسة من الحواسء 
وغير قادر على العمل من خلال التغذية الراجعة التي تُقدّمها لك المعلومات الحسية, 
فإنه نظرياً لا كنك الإبصارء وعندما يلمس الأطفال أعمدة أسرّتهم ويلعقون أصابع 
أقدامهم» ويلعبون بأجسامهم فهم ببساطة لا يكتشفون عللمهم فقطء وإنما يُدرّبون 
أجهزتهم البصرية على الرؤيةء وعندما يكونون موجودين في ا فإن أدمغتهم تتعلم 
كيف يتصرّفون مع مُحيطهم الخارجي (احْنِ رأسكء ادفع هذا أترك ذاك) لتغيير ا مدخلات 
الحسيّة. ونتيجة لهذه التجربة الضخمة: فإنه يمكننا القول إن الإبصار عملية خاضعة 
للتدريب. 


هل يحتاج الإيصار إك جُهد 


رؤية الأشياء لا اج إلى جُهد؛ لأننا لا نحسٌ بالجّهد الذي يبذله الدماغ للقيام بها. ولكي 
يتم الكشف عن آلية هذه العمليةء قررت الذهاب إلى مدينة ايرفين في كاليفورنيا لكي 
أفهم ماذا يحدث عندما يتوقّف الجهاز البصري عن استقبال الإشارات بشكل طبيعي. 


الدكتورة أليسا بروير (816562 552تإ[4) من جامعة كاليفورنيا مُهتمّة جداً بفهم طريقة 
تكيّف الدماغ, ولتحقيق هذا الهدف قامت بإعطاء مجموعة من المُشاركين نظارات تقلب 
الصور في الميمنة إلى ميسرة ومن الميسرة إلى الميمنة لكي تدرس كيف يتأقلم الجهاز 
البصري مع النظارات ا مقلوبة. 


وفي يوم ربيعي لطيف, فُمتٌ بارتداء هذه النظارة المقلوبة, وبدا لي وكأنّ العام مقلوباً 
الأشياء التي في الجانب اليمين تبدو لي في الجانب اليسارء والعكس بالعكس» وعندما 
حاولت معرفة إلى أي الجانبين تقف أليساء كان جهازي البصري يؤكّد لي أنها في جانب» 
بينما جهازي السمعي يؤكذ ل أنها في جانب آخز, فكان هناك تضارب بين حوامي! وعتدما 
حاولتٌ الإمساك بشيء. تبن لي أن يدي ليست في الجانب الذي ينبغي أن تكون فيه وبعد 





of 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





مرور دقيقتين فقط على ارتدائي هذه النظارة المنشورية كان جسمي يتعرّق, وكُنتٌ أشعر 
بحالة من الغثيان. 





ورغم أن عيني كانتا تُبصران العام الخارجيء إلا أن حزم البيانات البصرية م تكن متّسقة 
مع الحزم الأخرىء وهذا ما جعل الدماغ ف حالة ارتباك وقد بيّنت تلك التجربة وكأني 
أتعلّم الرؤية لأول مرة. 


علماً أنني كنت أعرف أنني أرتدي نظارات منشورية» وأنها لن تدوم طويلاً غير أن السيد 
براين بارتون (١٠۲إ8‏ «ذهإ8)» أحد المُشاركين في التجربة» كان يرتدي النظارات و 
طدة أسبوع, وم يُعانِ هذا الرجل مثلما عانيت» فقد كنت أشعر أنني على وشك الاستفراغء 
ولي أقارن هذين المستويين من التكيّفه تحدّيت الرجل في لُعبة تتطلب منا كسر عدّة 





00 


نظارة منشورية تقلب 
الرؤياء مما يجعل تنسيق 


العمل صعباً جداً فيتعدّر 
على الفرد وهو يرتديها 
أن يسكب الحليب أو 
يسك شيناً ما أو يخرج 
من باب دون أن يصطدم 


الدماغ أسطورة التكوين 
اس کے 


بيضات فى وعاء. وخلطها في خلاط الكيك, ثم إضافة الزبدة إليهاء وبعد ذلك سب الخليط 
في صوان» ووضعها في الفرن. 

وفي الحقيقة, م تكن المنافسة متكافئة! فقد استطاع براين خبز كعكاته في الفرن بشكل 
طبيعي» أما أنا فقد انسكب خليط البيض. وجف على جوانب الصواني» وعلى حواف 
الفرن. كما استطاع براين التحركٍ بسهولة في عا مه الخارجي دون مشاكلء في حين كنثٌ آنا 
أتصّف مثل الأحمق» لقد كنت أعاني في كل حركة كنت أقوم بها. 


إن ارتداء النظارات المقلوبة. أتاح لي أن أجيّب الجُهد المطلوب للمُعالجة البصرية» ففي 
صباح ذلك اليوم وقبل أن أرتدي تلك النظارات» استطاع دماغي أن يُوظّف خبراتي السابقة 
في هذا العاط» ولكن بعد عكس المدخلات الحسيّة, » لم يعد قادراً على ذلك. 


ولي أصل إلى المستوى الذي وصل إليه زميلي براين» كنت أعرف أنه يلزمني المزيد من 
الوقت للتفاعل مع العام الخارجي» عدة أيام, لكي أستطيع الإمساك بالأشياء من حولي» 
أو اتباع الإيعازات الصوتية, أو الانتباه إلى تركيز أطرافي. وباطمزيد من ال ممارسة» سيتدرب 
دماغي على عمل نقاط إسناد مرجعية بين حواشي - كما عمل دماغ براين - خلال الأيام 
السبعة الماضية؛ فبالتدريب تستطيع الشبكة العصبية معرفة كيف تدخل حزم البيانات 
ال مختلفة إلى الدماغ, وكيف تتطابق مع الحزم الأخرى. 


تقول الدكتورة بروير: إنه بعد عدّة أيام من ارتداء النظارات المقلوبة يستطيع الناس 
تطوير إحساس داخلي بيسار جديد مقلوب غير اليسار الاعتيادي» ويمين مقلوب غير اليمين 
الصحيح» وبعد أسبوع يبدأون بالتحرك بشكل طبيعي كما فعل براين» وينسون المفهوم 
الصحيح للميمنة وا ميسرةء ويعملون وفق النظام الجديد. كما أن الخريطة المكانية للعام 
من حولهم تتغير. بعد أسبوعين من هذه ال مهمة. يستطيعون الكتابة والقراءة بشكل 
جيد» كما يستطيعون ا مشي والتحرّك بكفاءة الشخص العاديء وبهذا الوقت القصير جداً 
يستطيعون إتقان ترجمة الأفكار والمُدخلات المقلوبة. 

لذا فإن الدماغ لا يهتم بتفاصيل المُدخلات, وإنما يهتم بكيفيّة الحركة السليمة في المحيط 
الخارجيء والحصول على ما يُريد فالعمل الشاق في التعامل مع إشارات من نوع مُنخفض 
يقوم به الدماغ نيابة عنك؛ فإذا أتيحت لك الفرصة يوماً ما في ارتداء مثل تلك النظارات» 
عليك أن ترتديها؛ لأنها ستكشف لك حجم الجُهد الذي يقوم به الدماغ لكي تبدو عملية 
الإبصار دون جهد. 





05 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





زر الحواش 

لقد رأينا فيما مضى أن الإدراك يتطلب أن يقارن الدماغ خُزماً مختلفة من البيانات الحسية 
مع بعضها بعضاً ولكن هُناك شيئاً ما يجعل هذا النوع من المقارنة تحذياً كبيراً وهو 
الزمن! فكل حزم البيانات الداخلة للدماغ من خلال الجهاز البصريء والجهاز ال : 
وجهاز اللمسء وما إلى ذلك يُعالجها الدماغ بسرعات مُختلفة. 


تخيّل معي مجموعة من العدائين في مضمار للسباقء ينطلقون في اللحظة التي يسمعون 
فيها إشارة البدء. ولكن» في الحقيقة, الأمرين غير مُتزامنين. فلو قُدِّر لك وشاهدت لحظة 
انطلاقهم بالتصوير البطيء ستجد أن هناك فترة قصيرة جداً بين انطلاق إشارة البدء وبدء 
انطلاقهم» ويمُكن تقديرها بعشر الثانيةء فلو انطلقوا قبل إشارة البدء» سيّعدٌ ذلك مُخالفةء 
أي أنهم تجاوزوا إشارة البدء. ولذلك يتدرب اللاعبين على تضييق هذه الفترة الزمنية إلى 
أكبر حد, لكن قُدراتهم الفطرية لا تسمح بذلك» فالدماغ ينبغي أن يُسجّل الصوتء ويُرسل 
الإشارات إلى القشرة الدماغية المختصّة بالحركة لتنتقل بعد ذلك من خلال الحبل الشوي 
إلى العضلات الخاصة بالحركة» ففي الرياضة التي يكون فيها آلاف الثواني فرقاً مؤثراً في 
الفوز والخسارةء تكون الاستجابة بطيئة بشكل مُفاجئ. 


فهل يمكن تقصير فترة التأخير بالتدريب» وبمعنى آخر لو استخدمنا إشارة ضوئية بدلاً من 
الضوت لإطلاق إشارة البدء. ماذا يحدث؟ الضوء ينتقل بسرعة أكبر من الصوت. فهل يُتيح 
ذلك للاعبين كسر الحاجز بصورة أسرع؟ 

لقد قُمت بجمع بعض رفاقي العدّائين لكي أنفّذ هذه التجربةء والتقطنا صورتين» في 
الصورة العلوية, استّخدمَ الضوء كإشارة للبدء وف الصورة السفلية» استّخدمَ المُسدّس 
لإطلاق إشارة البدء. 


oV 


الدماع أسطورة التكوين 


2 0 


i RTE a ES 
5 3 


4 


عدَاؤون يستطيعون تجاوز 
خط آل تة اکر بعمدها 
تُعلّن إشارة البدء بمسدس 
الصو ت(الصورة السفلية), 
ويتأخرون قليلاً عند إعلان 
إشارة البدء بإشارة ضوئية 
(الصورة العلوية) 





لقد كانت استجابتنا للضوء أبطأ. وقد بدا لنا الأمر في الوهلة الأولى غير طبيعيء على 
أساس أن الضوء أسرع من الصوتء ولكي نفهم ما حدثء دعنا ننظر إلى سرعة مُعالجة 
المعلومات داخل الدماغ. المعلومات البصرية تدخل في عملية مُعالجة مُعقّدة أكثر من 
المُدخلات السمعية؛ لذلك تحتاج إلى وقت أطول للعالجتها من البيانات السمعيةء فالوقت 
الذي تقضيه الإشارات الضوئية لي تنتقل من خلال الجهاز البصري أطول من الوقت الذي 
تحتاجه الإشارات الصوتيةء فقد بلغت استجابتنا إلى الإشارة الضوئية حوالي 11١‏ جزءًا من 
الثانيةء أما استجابتنا للإشارة الصوتية فقد بلغت ١٠١‏ حزءًا من الثانية. وهذا هو سبب 
استخدام الرياضيين للمُسدّس في مُباريات العذائين. 


ولكن هناك ما هو أغرب من ذلك فقد لاحظنا أن الدماغ يُعالج الأصوات بصورة أسرع 
من المُدخلات البصرية. حسناً! انظر إلى نفسك وأنت تُصفّق بيديك. جرّبهاء كل شيء يبدو 
مُنسّقاً تماما ولكن كيف يحصل ذلك؟ لا تنسى أن الصوت يُعالج بسرعة أكثر. إن ذلك 
يعني أن إدراكنا للواقع هو النتيجة النهائية لخداع الخيال: أي أن الدماغ يُخفي الفرق في 
وقت الوصولء ولكن كيف؟ إن ما نعتقد أنه واقع هو في الحقيقة نُسخة مُتأخرةء فالدماغ 
يجمع المعلومات من الحواس قبل أن يُقرّر ماذا يفعل بها. 





OA 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





إن هذه الصعوبات الزمنيّة ليست محصورة في حاستي السمع والبصر؛ لأن المعلومات 
الحسيّة كلها تأخذ فترة في المعالجة» ولو كإرنا الصورةء لحصلنا على فرق زمني في الحاسة 
نفسها. فعلى سبيل المثالء إن الإشارات القادمة من إصبع قدمك تستغرق وقتاً أطول 
للوصول إلى الدماغ من الإشارات القادمة من أرنبة أنفك, ولكن هذا يبدو غير واضح في 
الإدراك لأنك تجمع الإشارات أولاً كل الأشياء كلها تبدو متآزرة, وأغرب النتائج التي حصلنا 
عليها من هذه التجربة هي أن كل حياتنا تحدث في الماضي. ففي الوقت الذي ثفكّر فيه 
في أمر ماء يكون الأمر قد انتهى» ولتنسيق ا معلومات القادمة من الحواسٌُء فإن العبء 
يقع على عاتق الوعي الذي يأتي مُتأخراً عن الواقع الذي نعيشه. وهي ما تُدعى بالفجوة 
الفاصلة بين وقوع الحدث والوعي به. 


ماذا يحدث عندما نفقد إحدى حواشنا؟ 


إن إحساسنا بالواقع هو في نهاية المطاف من تأليف دماغناء رغم أنه يعتمد بشكل أساسي 
على البيانات القادمة من حواسناء ولكنه لا يعتمد بشكل كي عليهاء كيف نعرف ذلك؟ 
لأنك عندما تُوقف إحدى الحواس» فإن إحساسك بالواقع لا يتوقف وإنما يُصبح غريباً. 


في إحدى الأيام المشمسة في مدينة سان فرانسيسكو استقللت قارباً لأخوض فيه المياه 
الباردة باتجاه سجن في جزيرة الكاترازء لزيارة عنبراً مُعيّناً في السجن, يُعرف ب «عنبر 
الرعب»! فمن يُخالف الأنظمة في العام الخارجي يحكمون عليه بالسجن في سجن الكاتراز 
ومن يُخالف التعليمات في سجن الكاترازء يحكمون عليه بالسجن في «عنبر الرُعب»! 


عندما دخلت العنبر» وأغلقت الباب خلفيء كانت الساعة في حدود العاشرة ليلا وقد كان 
الظلام دامساً وهو لا يسمح بتسرّب شُعاع واحد إلى الداخل» وكان معزولاً صوتياً بصورة 
تامة, ويبقى السجين وحده مع نفسه فقط. 


093 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ا ا يسيس 







الدماغ مثل المدينة 

















يشبه الدماغ المدينة. فينشأ العمل الكلي للدماغ من التواصل المُتشابك لأجزائه الكثيرة 
جدا ورغم أن هناك رغبة دائمة في تحديد وظيفة كل منطقة من مناطق الدماغ على شكل 
مَبسّط (هذه المنطقة تقوم بكذا) ولكن رغم هذه المحاولات كلها عبر التاريخ الطويل 
للبشرية فقد تبيّن أن الدماغ لا هكن أن يُفهم على أنه حاصل مجموع النشاط في وحدات 
مُحددة بشكل دقيق. 
وعلى خلاف ذلك ينبغي التفكير في الدماغ على أنه مدينة, فلو قدر لك أن تعتاي أحد 
أطول أبراج المدينة. وتسأل نفسك (في أي المناطق مسؤولاً عن الاقتصاد؟) ستجد أن 
سؤالك قد ذهب دون إجابة؛ لأن الاقتصاد ينشأ من تفاعل جميع العناصر اللكوّنة له من 
(المحلات التجارية والبنوك والتّجّار وا مستهلكين). 
وهكذا هو الحال» بالنسبة لعمل الدماغء فليس هناك منطقة واحدة مسؤولة عن وظيفة 
مُعيّنة وليس هناك خانة في الدماغ تعمل ممُفردها. في الدماغ وف المدينة كل شيء ينشأ 
من حاصل تفاعل مكوناته في مع الجوانب المحلية, والدولية» تماماً كما تنقل القطارات 
المواد والأقمشة إلى المدينة التي تقوم بدورها معالجتها وإدخالها في عصب الاقتصادء 
حيث تقوم تقوم الإشارات اللامروميكاتياكية من الأعضاء الحسية بشلها عير الطرق السريعة 
58 الخلايا العصبية في هذه الحالة, فهُناك تخضع الإشارات إلى مُعالجة وتتحوّل إلى واقع 
محسوس. 





الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





ولكن كيف تبدو الأمور لو كنت مسجوناً هناك لعدّة ساعات أو بضعة أيام؟ للإجابة 
على هذا السؤال» تحدّثت مع أحد السّجناء الخارجين من السجنء واسمه روبرت ليوك 
uke)‏ :ءطه8). أو ما يعرف ب (ليوك الأزرق البارد)» الذي سُجن في عنبر الهول لمدة 
تسعة وعشرين يوماً؛ لأنه قام بتحطيم العنبر الذي كان مسجوناً فيهء وقد وصف ليوك لي 
تجربته على النحو التالي: «لقد كان عنبر الرعب اممعتم مكاناً سيئا فبعض الأفراد م يستطع 
دخوله» وأقصد أن بعض الناس بعد أن قضى فيه يومين قاموا بضرب رؤوسهم بالحائطء 
فأنت لا تعرف كيف تتصرف حينما تدخله» ولا تعرف كيف تخرج منه». 


لقد ضعُف بصر ليوك وسمعه. بعد أن دخل هذا المكان المعزول عن العام المحجوب 
عن الأضواء والأصوات» لكن دماغه لم يتوقف عن العمل أو إدراك الواقع الخارجيء فقد 
استمر في العمل. يقول اك «أستطيع تذگر تلك الرحلاتء وأذكر ف إحداها أنني لعبتٌ 
بالطائرة الورقية» وكانت لعبة جميلة, كلها كانت تدور في رأسى ي أي (أن دماغ «ليوك» 
استمر في الإيصار). 


ومثل هذه الخبرات شائعة بين السجناء الذين يقضون محكومياتهم في سجون انفرادية, 
فأحد سُجناء عنبر الُعب وصف رؤيته لبقعة من الضوء كما رآها في دماغه» وتطوّر الأمر 
معه لكي يرى تلك البقعة على شكل شاشة تلفزيون» ويشاهدها. ونظراً لحرمانهم من 
جميع المعلومات الحسيّة. فإن السجناء يقولون أصبحت حياتهم مثل أحلام اليقظة, فبدلاً 
من ذلك بدأوا يتحدثون عن خبراتهم, وكأنها حدثت فعلياً وم يكونوا قادرين على تخيّل 
الصور, أو مُشاهدتها. 


إن هذه الشهادة التي أدلى بها ليوك تُسلّط الضوء على العلاقة بين العالم الخارجيء وما 
يمكننا أن ُسمَيه واقعاً فكيف يُكننا فهم ما حدث مع ليوك؟ فحسب النظرية التقليدية 
للإبصار فإن الإدراك ينتج عن معالجة البيانات التي تأتي من العينين» > وتنتهي بنقطة 
سحرية في الدماغ» فرغم هذا التبسيط الذي يُقدّمه النموذج الخطي للرؤية إلا أنه غير 
في الحقيقة يُؤْلّف الدماغ واقعاً خاصاً به حتى قبل أن يستلم المعلومات من العينين أو 
من بقية الحواس الأخرىء وهذا ما يُسمّى «النموذج الداخلي». 

والأماس الذي يقوم عليه هذا النموذج يمكن مُشاهدته عند تشريح الدماغ فالغدة 
الزعترية تتمركز بين العينين في مقدمة الرأس» أما القشرة البصرية فتوجد في مؤخرة الرأس, 
وترتبط معظم المعلومات الحسيّة من هنا في طريقها إلى منطقة القشرة الدماغية الخاصةء 





11 


4 


تنتقل المعلومات البصرية 
من العينين إلى النواة 
الركبية الجاتبية ثم الى 
القشرة البصرية الأساسية 
(ذهبي). ويشكل غریب 
تنتقل عشرة أضعاف 


هذه اللمعلومات القادمة 
من العديد من الشبكات 
العصبية لتقديم تغذية 
راجعة في الاتجاه المقابل. 


الدماغ أسطورة التكوين 


کک ا سس سم 


فمثلاً المعلومات البصرية تذهب إلى المنطقة البصرية» ولذلك فإن هناك عدد هائل من 
الوصلات الذاهبة من الغدة الزعترية إلى القشرة البصرية, ولكن المفاجأة تكمن في أن عدد 
الوصلات العائدة من القشرة البصرية تفوق عشرة أضعاف الواردة إليها. 


النواةالركبية الجانبية ١١‏ 
(المنعلقة البصرية في الفدةالزعترية) ' 





إن تفاصيل توقعاتنا عن العالم الخارجي (أي ما يفترضه الدماغ عن العام الخارجي) تنتقل 
إلى القشرة البصرية ثم إلى الغدة الزعتريةء التي تقوم بدورها بمقارنة المعلومات الواردة 
من الجهاز البصري (العينين)» فإذا توافق مع توقعاتنا (أي عندما أهرّ رأسي» فإنني أرى 
كرسياً هُناك). فإن نشاطاً قليلاً يحدث في مؤخرة الجهاز البصريء أي أن الغدة الزعترية 
ببساطة تُرسل الاختلافات بين ما تراه العينينء وما يتوفّعه النموذج الداخلي في الدماغء 
وبمعنى آخرء إن ما يُعاد إرساله إلى القشرة البصرية هو ما لا يتطابق مع التوفّعات أو (ما 
يسمّى بالخطأ) أي الجزء الذي لا هكن للدماغ توقعه كما يأق من الجهاز البصري. 


ولذلك فإن ما تُشاهده في أي لحظة يعتمد قليلاً على ما يأتي من الجهاز البصريء وكثياً 
على النموذج الافتراضي الموجود داخل دماغنا عن ذلك الشيء. 


وهذا يُفسّر لنا ما حدث مع «ليوك الأزرق البارد» الذي كان يجلس في عنبر معتم غير 
أنه كان لديه خبرات بصرية غنيّة عن ذلك السجنء وما أنه كان مسجوناً فيه, فإن حواسّه 





1Y 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





م زود الدماغ ممُدخلات جديدة. فلذلك كان النموذج الداخلي قادراً على العمل بحرّيّة, 
وتقديم صور حسيّة واضحة بصرياً وسمعيّاء وحتى عندما لا يود الدماغ ببيانات عن 
العام الخارجي» فإنه يستمر في تكوين خيالات عن العام الخارجي» حتى لو اختفى العام 
كله فإن الدماغ سيبقى يضع له افتراضاً في داخله. 


ليس من الضروري أن تُسجن في ذلك العنبر لكي تختبر نموذجك الافتراضي! كثير من الناس 
يستمتعون بالحرمان الحسّي (حينما يضعون أنفسهم في أماكن مُظلمة» ويطوفون فوق 
ماءِ مالح)» من خلال التحرّر من مرجعيّات العام الخارجيء وإطلاق العنان للعامم الداخلي. 
وبالطبع لا يُكلّفك كثيراً أن تعثر على غرفة حرمان حسّي لك» فكل ليلة عندما تذهب إلى 
النوم» يكون لديك خبرات بصرية غنيّة جد فحتى عندما تُغمض عينيك, فإنك تستمتع في 
عام مُلوّن وغنيٰ بالأحلام» تعتقد أنت بواقعه بكل تفاصيله. 


نحن تشاهد توقعاتنا 


عندما تمشي في أحد شوارع المدينةء فإنك تعرف تلقائياً كيف تكون الأشياء دون أن تُقلّب 
التفاصيل» ودماغك يكوّن افتراضات حول ما ترىء بناء على النموذج الداخليء الذي بناه 
منذ سنوات من الخبرة في المشي في شوارع المدينة. وكل خبرة تكتسبها تُسهم في دعم 
النموذج الافتراضي لدماغك. 


وبدلاً من أن تستخدم حواسّك لكي تبني باستمرار واقعك من الصفر في كل لحظة» فإنك 
تقوم بعقد مقارنة بين المعلومات الحسيّة مع النموذج الذي يكون دماغك قد ألفه, ثم 
تتم عملية تحديثه, وتنقيحه, وتصحيحه. والدماغ ماهر جداً في هذه امهمة, بحيث تشعر 
دائماً أنك لا تعى ذلك ولكن ف بعض الأحيان وتحت ظروف محدّدة يمكنك الشعور بهذه 
العملية أثناء حدوثها.ء ٠‏ 


جرّب أن ترتدي قناعاً بلاستيكياً على وجهك مثل النوع الذي يرتديه الأطفال في عيد 
الهلاوين"» والآن حاول أن تتجول في المكانء وأنت تتطلّع إلى الجانب الخلفي الفارغ, 





)١(‏ عيد الهلاوين: هو عيد جميع القدّيسين الذي يُقام في ليلة ١‏ تشرين أول من كل عام» ويشمل خدعة تُعرف ب 
»أخدعك أم تُطعمني حلوى !۲٠۵۲(‏ ۲ه )ءن٣آ)».‏ والتنكر في زي الهلاوينء وإنارة المشاعل, وزيارة ا معام السياحية 
امسكونة, وقراءة القصص المخيفة, ومشاهدة أفلام الرُعب. (المترجم) 





1۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 


اا سس سے 


أنت تحرف أنه فارغ. ورغم ذلكه فإنك تُحاول. دائمآ أن ترق الوجه وهو ينكشف للت إن 
ما تُجِرّبه هنا ليس بيانات خام تراها عيونك لأول مرةء بل هي النموذج الافتراضي داخل 
دماغك» وهو النموذج ادرب على كثير من الوجوه التي يحتويهاء إن فكرة القناع الفارغ 
تدل على أن قوّة التوقعات فيما تراه» (خُذ هذه الطريقة السهلة في توضيح وهم القناع 
الفارغ لنفسك): قبت وجهك في كتلة ثلج طازجة وَحْدَ صورة لذلك الشكلء تلك الصورة 
تبدو لدماغك وكأنها تمثال ثلجي في ثلاثة أبعاد. 





4 


عندما ترتدي الجانب 
الفارغ من القناع (إلى 
اليمين). وتبدو كانها 
قادمة في اتجاهك, إن 
ما تُشاهده يتأثر كثيراً 
بتوقعاتنا 


إنه أيضاً النموذج الداخلي الذي يسمح للعالم الخارجي أن يبقى ثابتاً حتى وأنت تتحرّك» 
تخيّل أنك تشاهد مُخططاً لإحدى المُدنء وبعد قليل وددت أن تتذكر ذلك المنظرء ولذلك 
أخرجت هاتفك لي تلتقط صورة لذلك امُخططء وبدلاً من أن تُسقط الكاميرا عبر المخططء 
قررت أن تتحرّك تماماً كما تتحرك عيونك حولهء وعلى الرغم من أنك لا تعي ذلك فإن 
عينيك تقفز كل أربع ثوان بحركات تشنجيّة تُدعى (رمشة العين)» ولو وددت تصوير هذه 
الحركة. فإنها لن تستغرق منك طويلاً لتكتشف أنها لا تحتاج إلى فيديوء فعندما تُعيد 
تشغيلهاء ستجد أن الفيلم الذي صورته بسرعة مُقرف وغير قابل للمُشاهدة. 


إذن» ماذا يبدو لك العام ثابتاً حينما تنظر إليه؟ لماذا لا يبدو مُترحاً ومُقرفاً كما هو الحال 
بالنسبة للفيلم الذي قُمت بتصويره؟ السبب هو أن النموذج الداخلي يعمل بموجب 
افتراض هو أن العام الخارجي مُستقرء وأن عينيك لا تُشبه كاميرات الفيديو التي تنطلق 





1£ 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





للخارج لتجد الكثير من التفاصيل وتَعْذْيها إلى النموذج الداخليء كما أنها لا تشبه عدسات 
الكاميرات التي ترى من خلالهاء فهي تَجْمَع أجزاء من المعلومات تَُعْذيها للعالم الداخلي 


النموذج الداخلي للدماغ: مشهد أقلّ وضوحاً ولكنه قابل للتحديث 

هنحنا النموذج الداخلي للعام الخارجي الإحساس بالبيئة المحيطة, وهذه مهمّته الأساسية: 
هو التجول في العالم الخارجيء وما بقي غير معروف عن هذا الجهاز هو كمية التفاصيل 
التي يُهملها الدماغء فقد نتوهم أن دماغنا يأخذ صورةً طبق الأصل للعامم الخارجي بكامل 
تفاصيله, ولكن التجربة بيّنت عكس ذلك» وخاصة التجارب التي أجريت في الستينات من 
القرن الماضي. 


قام عام النفس الروسي باول ياربوس (5ندطءقلا 1ن22) بابتكار طريقة لتتبّع نظر الناس 
وهم ينظرون إلى أمر ما لأول مرةء وأحضر لوحة مهمّة لإيليا ريين («مء۸ هترلة) بعنوان 
(الزائر افاج »)»he Unex Pected Visitor»‏ وسأل بعض امشاركين في التجربة أن 
ينظروا إلى اللوحةء ويأخذوا أكبر قدر من التفاصيل في ثلاث دقائق, ثم طلب منهم بعد 
ذلك. وصف ما رأوه بعد إزالة اللوحة. 


وبعد إعادة التجربة» أعطى المُشاركين وقتاً للنظر إلى اللوحةء ووقتاً لي يستطيع دماغهم 
بناء نموذج داخليٌ عن اللوحةء وحاول أن يرى كم التفاصيل التي يبنيها الدماغ على 
شكل نموذج» ثم طرح أسئلة على المشاركين» فأجاب كل المشاركين ما أدركوه عن اللوحة» 
عندما سألهم عن بعض التفاصيلء تبيّن أن أدمغتهم لم تستكمل جميع التفاصيل! فمثلاً 
كم عدد اللوحات التي رأوها مُعلّقةَ على الجدران؟ ما نوع الأثاث في الغرفة؟ كم عدد 
الأطفال؟ ما نوع السجاد أو الخشب في أرضية الصالة؟ ما التعابير التي كانت تظهر في 
وجه الزائر المُفاجئ؟ وقد دلّت النتائج على أن الناس يقطفون إحساساً خاصاً للمشهد 
فقط! فقد تفاجأ الجميع بأنه حتى مع إعطاء فرصة أطول للنظام الداخلي لكي يعمل 
ببطء ووضوح» فقد كانوا يتوقعون أن تلم أدمغتهم بتفاصيل أكثر» ولكن بعد إجابتهم عن 
الأسئلةء أعطيتهم أيضاً فُرصة لكي ينظروا إلى اللوحة ويجيبوا عن بعض الأسئلة التي كنت 
قد طرحتها عليهم» فجالت أعينهم للبحث عن المعلومات الخاصة بإجابات عن الأسئلة» 
وإدخالها في النموذج الداخلي وتحديثه. 





10 


1 


تابعنا حركات عيون 
متطوعين كانوا ينظرون 
إلى لوحة الزائر المفاجئ, 
وهي لوحة ل ايليا ريين. 
بن الخطوط البيضاء | 
اتجاد نظرهم. ورغم 
التغطية الواسعة لحركة 
عيونهم إلا أنهم ۾ 
يستطيعوا تذكر الكثير من 
التفاصيل 


الدماغ أسطورة التكوين 





وهذا يُسمى فشلاً في عمل الدماغ؛ لأنه لا يُحاول الحصول على صورة كاملة للعام 
الخارجي» وإنما دائماً يُعطي النموذج الداخلي صورة تقريبية سريعة» ها أن الدماغ قادر 
على العودة إلى المشهد وأخذ المزيد من المعلومات» وإضافتها إلى النموذج الداخلي حسب 
الحاجة إلى المعرفة. 


ولكن اذا لا يُعطينا الدماغ صورة كاملة عن الموقف؟ ببساطة لأن الدماغ حكيم» 
وعمله مُكلفء ويحتاج إلى طاقة كبيرة. يستهلك الدماغ >٠١‏ من السعرات الحرارية التي 
نستخدمها في نظامنا الغذائي» لذلك يُحاول الدماغ العمل بطريقة أكثر فاعليّة مُمكنة 
وبأقل قدر من الطاقة, وهذا يُعني أن الدماغ يُعالج أقل كمية من المعلومات القادمة من 
حواسّنا التي نحتاجها للعمل في البيئة الخارجية. 

وغلماء الأعصاب» ليسوا أول من اكتشف أن تركيز البصر على أمر ما لا يضمن الإلمام 
بكامل تفاصيله. لقد سبقهم إلى ذلك السّحرة. الذين يُحاولون تشتيت انتباهك ويقومون 
بخفّة بعمل أمر ما. إن أعمالهم تُخفي أمراً ما في اللعبة. ولكنهم متيقنون أن دماغك ليس 
بإمكانه أن يُلم بكل تفاصيل المشهد. 


وهذا كله يُساعدنا في تفسير انتشار ظاهرة حوادث السيارات التي يصدم فيها السائقون 





11 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





بعض امُشاة رغم وضوح الطريقء أو يرتطمون بسيارات أخرى مباشرة أمامهم» ففي هذه 
الحالات تكون العيون في حالة تركيز إلى الأمام» ومع ذك فإن الدماغ لا يستطيع رؤية 
الأشياء التي أمامه! 


الدماغ محصور في شريحة رقيقة من الواقع 


يعتقد الناس أن اللون هو أبرز خصائص العام الخارجي الأساسية, ولكن الحقيقة تقول إن 
العالم الخارجي لا يحتوي على ألوان حقيقية. 


فعندما يصطدم شعاع كهرومغناطيسي بجسم» يرتد جزء منه. وتراه العينان» ثم مميّز بين 
ملايين الارتباطات من الموجات ذات الأطوال المختلفة» ولكن هناك في داخل رؤوسنا فقط 
تُحول تلك الموجات إلى ما يُدعى اللونء وبمعنى آخر اللون هو تفسير لطول امموجةء تلك 
التي لا تُوجد إلا في النظام الداخلي للدماغ. 


والأمر يُصبح أكثر غرابة إذا ما علمنا أن أطوال الموجات التي نتحدث عنها تشمل فقط ما 
يُسمّى بالضوء المرييء وهو طيف من الأمواج الضوئية ذات الأطوال المُختلفة التي تتحوّل 
من اللون الأحمر إلى البنفسجيء ولكن الضوء ال مرئي يشمل فقط جزءاً يسيراً من الطيف 
الكهرومغناطيسي (أقل من ١‏ مرفوع للأس تريليون)» فجميع موجات الطيف الأخرى (بما 
في ذلك موجات اللاسلكي والمايكرويف والأشعة السينية وأشعة جاما وموجات الهواتف 
الخلوية وموجات اللاسلكي وخلافها) تتدفّق من خلالنا في هذه اللحظة دون أن نحش 
به ويحدث هذا لأنه ليس لدينا أي مُستقبلات بيولوجية متخصصة للأشعة تستطيع 
التقاط هذه الإشارات من الأطياف الأخرى» فشريحة الواقع التي ممكننا رؤيتها هي قاصرة 
ومحدودة خلقياً. 

4 








نزداد الطاقة 
يردا طول اتوجة 


UUM cm UU] nin تع انل‎ JUI nin lum 1m 1n ji m 








اشمة الراديو 


يدرك الإنسان جزءًا صغيراً من 
ا معلومات التي يحملها طيف 
الموجات الكهرومغناطيسية. إن 


تسيل توي التفتبول شري ينية چ ال SR‏ 
مامالل ماللا عد سداس سه 


طول لوجة 998 الضوءالمرشي في السمة ا مرفي تتألف من المادة نفسها 





استقباله ورؤيته 





1۷ 


التي يتألف منها باقي الطيف 
ولكنها هي الجزء الوحيد 
الذي تستطيع شفرتنا الورائية 


الدماغ أسطورة التكوين 
سسسب بيب اب TT‏ 


كل كائن حى يلتقط الموجات حسب شيفرته الوراثية. ففي عام الصم والبُكم فإن الإشارات 
التى يلتقطونها من بيئتهم هي درجة حرارة الجسم ورائحتهء أما الوطواط» فيلتقط صدى 
موجات ضغط الهواء في المكان الذي يعيش فيه وسمكة السكّينة السوداء تتحدد علاقتها 
با محيط من خلال الذبذبات الموجودة في الحقول الكهربائية» وهي شرائح خاصة في نظامها 
البيئى يمكنها اكتشافهاء ولا أحد يستطيع أن يدّعي خبرته بالعالم الموضوعي الموجود حولناء 
فكل كائن درك ما هو مخلوق لإدراكه ولكنه يعتقد أن لديه القدرة البيولوجية على 
اكتشاف العام الموضوعي الكبير الذي يُحيط به» فلما لا نكبح خيالنا بأن هناك شيئاً ما 
أبعد مما يُُكننا إدراكه؟ 


إذن ما حقيقة العالم خارج رؤوسنا؟ المسألة لا تتوقف على أنه لا يوجد فيه ألوان فقطء 
بل أنه لا يوجد فيه أصوات؟ لأن ضغط الهواء وتمدّده يمكن التقاطه من قبل أذنينا التي 
تقوم بتحويله إلى إشارات كهربائية, ثم يقوم الدماغ بعد ذلك بعرض هذه الإشارات علينا 
على شكل نغمات جميلةء وتحويلها إلى حفيفء وقعقعات وكلمات! والواقع لا يحتوي 
على روائح» فهذا الأمر غير موجودء خارج أدمغتناء وإنّ كل ما في الأمر هو عبارة عن اتحاد 
للجزيئات الطيّارة في الجو مع مُستقبلات خاصة موجودة في الأنف تقوم بترجمتها على 
شكل روائح مُختلفة من قبل الدماغ, والعالم الواقعي غير مملوء بأحداث حسيّة. وإنها 
أدمغتنا هي التي تُضيء العام بما تكسبها من أحاسيس. 


عالمك وعالمي 


كيف لنا أن نعرف إذا كان عالمك هو عايلي نفسه؟ بالنسبة لمعظمنا يكاد يكون الأمر 
مُستحيلاً ولكن هُناك جزءًا يسيراً من الناس يكون فيه إدراكهم للواقع مُختلفاً عن الآخرين 
بشكل يمكن قياسه. 

خُذ مثلاً السيّدة هناء بوصلي (إ©8051 طهصصةة]) عندما تنظر إلى الحروف الهجائيةء 
تشعر أن لها ألواناً فبالنسبة لها لديها نظام داخلي يقرن حرف ([) مثلاً باللون الأرجواني» 
وحرف (1) باللون الأحمر. فالحروف بالنسبة لها تستدعي فوراً خبرات الألوان» وهذه 
الخبرات لا تتغيّ فاسمها على سبيل المثال (طههصة11) يبدو كأشعّة الشمسء» يبدأ باللون 
الأصفرء ثم يخفت ليصبح أحمراً ثم يتلون بلون الغيوم: ثم يعود أحمراً ثم أصفراً واسم 
إيان (منه1) بالمقابل يُشبه كلمة «استفراغ»» رغم أنها كلمة جميلة بالنسبة للناس الذين 
يحملون هذا الاسم. 





A 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





وكذلك كلمة (52ة181) هي ليست كلمة شاعرية أو بلاغيةء ولكن تلك الصبيّة لها خبرة 
إدراكية تُدعى «الاضطراب الحسّي»» وهو حالة تندمج فيها الحواس مع بعضها بعضاً (أو 
تندمج فيها المفاهيم)» وهناك العديد من الاضطرابات الأخرى التي تدل على هذا الأمرء 
فبعض الناس يتذوقون الكلمات» والبعض الآخر يرون الأصوات ألواناً والبعض الآخرء 
يستطيع سماع الحركات البصرية. وهناك ۳> من الناس لديهم نوع من أنواع الاضطراب 
الحسّي. 

هناء هي واحدة من ستة آلاف شخص ف العام لديهم مثل هذا الاضطراب, أخضعْتهم 
لبعض الدراسات في مختبريء وفي الحقيقة عملت معي هناء لمدة عامين» وقد درست 
الاضطراب الحسّي؛ لأنه من الحالات القليلة التي يكون فيها الأمر واضحا بأن خبرة شخص 
ما بالواقع تختلف عن بقيّة الناس» وهذا يوضح لنا كيف تُدرك الواقع» وأن العام لا يبدو 


والاضطراب الحسّي هو نتيجة لتقاطع عمل الحواس ذات الاختصاصات المختلفة في الدماغ, 
مثل اللناطق المجاورة ذات الحدود المسامية» وهو يُظهر أنه حتى التغيرات الدقيقة في 
شبكات الدماغ قد تؤدي إلى وقائع مختلفة. 


فكلما التقيت شخصاً لديه مثل تلك الحالةء فإنه يُذكرني بأن خبراتنا الداخلية بالواقع 
تختلف إلى درجة ما عن الأشخاص الآخرين (وتختلف من دماغ إلى دماغ). 


هل نُصدّق كل ما يقوله لنا دماغنا؟ 


كُلّنا نعرف ما معنى أن نحلم ليلا أو أن تتوارد لنا خواطر غريبة أو أفكار خفيّة تأخذنا في 
رحلات طويلةء وفي كثير من الأحيان تكون هذه الرحلات مُزعجة» نتألّم من مرورها فيناء 
وأحسن ما فيها حينما نستيقظ من نومنا ونعود إلى واقعناء ونقول إنه كان خُلماً والآن أنا 
عدت إلى حياتي الاعتيادية. 


تخيّل كيف يكون عليه الحال لو كانت تلك الحالتان من واقعك مُتماسكتين ويبدو لك من 


ا مستحيل أن تميّز بينهماء فهناك حوالي >١‏ من الناس لا يستطيعون تمييز الحلم من الواقع» 
ولذلك تكون حياتهم مُرعبة ومُذهلة. 


1۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 
SS‏ و ا E‏ 


حُذ مثلاً الدكتورة إيلين ساكس (عله5 ”ر1ع) أستاذة القانون في جامعة غرب كاليفورنياء 
تلك الأستاذة الذكية الطيّبة التي تُعاني من نوبات انفصام منذ أن كانت في السادسة 
عشرة من عمرها. والانفصام هو مرض يُصيب وظائف الدماغ. يؤدي إلى تخيّل وسماع 
أصوات أو رؤية أشياء غير حقيقيّة, أو تؤدي بالشخص إلى الاعتقاد ان الآخرين يقرأون 
أفكاره, ونُحسن الحظ وبفضل تطور العلاج الطبّيء وجلسات العلاج الطبيعي الأسبوعية, 
استطاعت إيلين أن تعود إلى طبيعتها وتكمل مشوارها في المحاضرة بالجامعة والتدريس 
في كلية الحقوق لا يزيد عن خمسة وعشرين عاماً. 

التقيتها في الجامعة وشرحّت لي الكثير من نوبات الانفصام التي عانت منها في حياتهاء 
وقالت لي حرفيا: 


«كنتٌ أشعر وكأن هذه المنازل تتكلّم معيء تقول لي أنتٍ إنسانة فريدة» 
نت إنسانة مُفرطة في السوء ينبغي أن تندمي» قفيء امشيء م أكن 
أسمعها على شكل كلمات ولكنها كانت تَردُني كأفكار تدخل في رأسيء 
ولكنني كنت أعرف أنها أفكار تأي من المنازل وليست من بتات أفكاري». 


وفي مرّة من المرات ظنّت أن انفجارا سيحدث في دماغهاء وخَشْيّت أن ذلك سيُلحق الضرر 
بالناس من حولهاء فقد خطر ببالها أحياناً أن دماغها سيتسرّب من خلال آذنيهاء ويُعْرِقُ 
النا 

س. 


وبعدما شُفَيَتْ من تلك الأوهام, تجدها تضحك. وتقهقه. وتتعجب من تلك الأفكار! 


إن ذلك لا يتعدّى أن يكوّن اختلالات كيميائية في دماغها تؤثر بقوّة على نمط الإشارات» 
وهذا النمط يختلف قليلاً لدرجة أنه يُكن أن ينحصر فجأةً داخل الواقع الذي يكن أن 
تحدث فيه أشياء غريبة ومُستحيلة. فحينما كانت السيدة إيلين تدخُل في نوبة انفصام 
لم يكن يخطر ببالها أن ذلك الأمر كان غريب ماذا؟ لأنها كانت تُؤْمن بالأفكار التي كانت 
تردها بسبب الاختلال الكيميائي الذي يحدث في دماغها. ١‏ 


قرأتٌ مره نشرةً طبيَةٌ قدهةٌ عن الانفصام, وكانت تصف الانفصام أنه اقتحام لحالة 
الحلم يقع أثناء الوعي» ورغم أنني لا أرى أن الانفصام يحدث بتلك الطريقة: إلا أن هذه 
الطريقة بلا شك مُفيدة في فهم تلك الخبرة. وكأنك تعيشها من داخلها. فإذا رأيت يوماً 
شخصاً في الشارع؛ يتحدّث إلى نفسه. ويهذيء تذگر بأنه غير قادر على تمييز حالة اليقظة 
من الحلم» وتعدّ خبرة إيلين مفتاحاً لفهم الواقع من حولناء فحينما نكون في حالة حلم» 





الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





يبدو الحلم وكأنه حقيقةء وحينما تُسيء تفسير نظرة خاطفة لأمر ماء يصعب علينا أن 
نشعر أننا نعرف حقيقة ما نرى» وحينما تُحاول استعادة تلك الذاكرة. نجدها ذاكرة كاذبة, 
من الصعب تصديقها؛ لأنها لم تحدث في الواقع» وعلى الرغم من استحالة تحويل ذلك 
إلى أرقا فإن تراكم تلك الوقائح الكاذبة يُعطي لاعتقاداتنا وسلوكاتنا نمطاً خاصاً بصورة 
يتعذّر إدراكها. 


وسواء أكانت الدكتورة إيلين في عمق حالة النوبةء أم في حالة توازي مع واقع الناس 
الذين حولهاء فقد كانت تعتقد أن ما يحدث معها كان واقعاء والواقع بالنسبة لها كما هو 
بالنسبة لنا هو سيرة تروى لنا من الداخل» من داخل قاعة مُغلقة هي الجُمجمة القحفيّة. 


التفاف الزمن 


هُناك وجه آخر للحقيقة نادراً ما نوقف التفكير فيه وهو إحساس أدمغتنا بالزمنء الذي 
غالباً ما يكون إحساساً غريباً جداً ففي بعض الأحيان يبدو واقعنا يسير ببطء أو بسرعة 


غير حقيقية. 


عندما كان عمري ماني سنوات» سقطتٌ من فوق سطح منزلناء وأخذت تلك الحادثة 
مني وقتاً طويلاً لكي أتعافى. فعندما ذهبت إلى المدرسة الثانويةء وبدأثٌ أتعلّم الفيزياء 
وحسبتُ كم استغرق سقوطي من فوق السطح إلى الأرضء وجدث أن ذلك استغرق حوالي 
ثمانية أعشار الثانيةء وهذا جعلني أتساءل لكي أفهم ما حدثء لماذا بدا لي أن زمن سقوطي 
كان أطول؟ وماذا يُوحي هذا عن إدراكي طاهيّة الزمن؟ 


لقد عانى السيد جب كورلس (02:1155 15[) من تشوه مفهوم الزمن لدیه» حينما كان 
يارس هواية الطيران بواسطة بذلة مُجنّحة من فوق الجبالء وقد بدأ يشعر بذلك وهو 
يقفز في الهواء» وفي ذلك اليوم قرّر أن يُسدّد نحو الهدف. وهو مجموعة من المناطيد التي 
تتحطم أثناء اصطدامها بجسمه. ثم يُحاول السيد جب استذكار ما حدث معه, قائلاً: 
«كلما كنت أقترب من الارتطام بأحد المناطيد امربوطة إلى حاقة الجرانيت» كنت أخطئ 
التصويب, ثم كنت أرتد عن سطح الجرانيت بسرعة مائة وعشرين ميل/الساعة». 





۷۱ 


توضح الصورة سوء 
حساب بسيط قام به 
جب (160) خوفاً على 
حياته أثناء تحليقه في 
الطائرة المجتّحة: وهذا 
يتن أن خبرته الداخلية 
للحدث كانت تختلف 
تماما عما التقطته 
عدسات الكاميرا. 


الدماغ أسطورة التكوين 
اس سم 





وبما أن السيد جب كان يرتدي بذلته المجنّحة بإحكام, فقد جرت محاولات لتصويره 
بواسطة كاميرات من فوق التلال. وكاميرات مزروعة فوق جسمه. وقد کنا نسمع ف 
الفيديو بوضوح لحظة ارتطام إبهامه بالجرانیت» وكان يبدو أنه قد تجاوز خط الكاميرات» 
واستمر فوق حاقة التلَة التي كان يمر مقابلها. 
وهنا لا بد من تفسير لالتفاف الزمن عند السيد جب» ولنسمع كيف كان يصفه: 

«كان دماغي ينقسم إلى اثنين في التفكيرء الأول كان دماغي يُجري 

عمليات فنية محضة. وكأنه كان يقول لى أمامك خياران: لا تسحب بل 

استمر وارتطم أي مُثْء أو اسحب» وضع المظلة فوق رأسكء وانزف حتى 

الموت» وانتظر من ينقذك». 
هذه الأفكار التي كان ترد للسيد جب كانت تمر عليه مثل الدقائق, «تحدث وكأنك تسير 
بسرعة عالية لدرجة أن إدراكك لأي شيء يُصبح بطيئاً وكل شيء يُصبح في زيادة ما عدا 
الزمن كان ينقص» ولذلك ستشعر وكأنك ف حالة حركة بطيئة». 


فقام السيد جب بشدّ حبل المظلة؛ وانحرفت نحو الأرضء مما أدى إلى كسر أحد ساقيه 
وكوعيه» وثلاثة من أصابعه» كانت الفترة الزمنية لا تتجاوز ست ثوان بين ارتطامه بالصخرة 





ع 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





وشده لحبل المظلةء وهذا يُشبه سقوطي من فوق سطح الممنزل» فقد بدا له أن ذلك قد 
استغرق وقتاً طويلا. 


إن الإحساس الذاتي بتباطؤ الزمن قد روي لنا في العديد من التجارب الخطيرة على الحياة! 
فعلى سبيل المثالء حوادث السيارات» أو الإبلاغ عن السرقات. أو الحالات التي تُشاهد 
فيها أحد أحبابك» وهو يتعرّض إلى خطرء مثل وقوع طفل صغير في بركة ماء. كل هذه 
الحوادث يُيّزها أمر واحد. وهو الشعور بوقوعها بزمن أبطأ من الزمن الحقيقي, وتُعلّفها 
الكثير من التفاصيل. 


ماذا حدث داخل أدمغتناء عندما سقطت أنا من فوق سطح اممنزل» وكذلك حينما ارتد 
جب من طرف الجُرف؟ هل فعلاً يتباطأ الزمن في المواقف المُخيفة؟ قبل عدّة سنوات» 
قُمت أنا وطلابي بتصميم تجربة للإجابة على هذا السؤالء وقد اخترنا مواقف مُخيفة جداً 
مثل السقوط من ارتفاع ١6١‏ قدم في الهواء. والسقوط الحُرء والسقوط إلى الوراء. 


وفي هذه التجربة ثُبتت شاشات رقمية على ذراعي المُشاركين» وهو جهاز اخترعناه يُدعى 
الكرونوميتر الحسّيء وقد طلبنا منهم أن يزوّدونا بالأرقام التي استطاعوا قراءتها من على 
شاشة الجهاز المربوطة على ذراعيهم: فإذا كانوا قادرين على رؤية الزمن بالحركة البطيئةء 
فإنهم سيكونون قادرين على قراءة الأرقام, وبالفعل لم يستطع أحداً منهم أن يخبرنا شيئا. 


معدال ممرهة متشير 
تحال به مشاهدة الأرقام 


4 


حينما يتغيّر |دراکنا للكورنوميتر 
ببطء يمكن قراءة الأرقام, وكلما 
زدنا السرعة تصبح قراءة الأرقام 








Vr 


الدماغ أسطورة التكوين 





قياس سرعة النظر بواسطة الكورنوميتر الإدراكي 


لبك مز 














لقياس إدراكنا للزمن في المواقف المرعبة» أنزلنا مُتطوعين من على مسافة ٠١١‏ قدم وقد 
قمت بعملية الإنزال أنا ثلاث مرات» وكل مرة كانت تشبه المرات الأخرىء فقد كان يظهر 
على الشاشة أرقام بأضواءء وفي كل لحظة كانت الأضواء المُنارة تخفت والمُطفأة تنا 
فحينما يكون التغيّر يسير بسرعات بطيئة» كان ال مشاركون يُشاهدون الأرقام بوضوح» 
وكلما زادت السرعة قليلاً تبدأ الأشكال تلتحم مع بعضها بعضاً مما يتعذّر علينا رؤية 
الأرقام» ولتحديد فيما إذا كان المتطوعون يرون الأرقام فعلياً على السرعة البطيئةء فقد 
أنزلنا أشخاصا بسرعات مُتذبذة ولكنها أسرع قليلاً مما يستطيع الأفراد القيام به» فإذا كانوا 
يرون فعلياً بسرعة بطيئة مثل نيو (2160) الذي يظهر في المصفوفة في الصورة أعلاهء فإنه 
لن يكون لديهم أي مشكلة في تمييز الأرقام, وإذا كان الأمر عكس ذلك فإن السرعة التي 
يرون فيها الأرقام لا ينبغي أن تختلف عما هي عليه فيما لو كانوا على الأرضء والنتيجة 
بعد أن نزل ثلاثة وعشرون متطوعاً ما فيهم أناء لم يكن بإمكان أي مناء أثناء نزوله أن يرى 
الأرقام بطريقة أحسن مما لو كان على سطح الأرضء ورغم أننا كنا نأمل ذلكء إلا أننا م 
نكن كما فعل نيو. 





VE 


الفصل الثاني: ما الواقع؟ 





یا ترق يماذا أنا ا جب كنا 000 ا التي أصبنا غا بهاء و كانت تحدث 


ففى المواقف امرعبة تنطلق منطقة في اع تدعى اللوزة بأعلى سرعة في محاولة منها 
انظ بقية أجزاء الدماغ» وتحاول أن تُجبر كل شيء أن ينتبه إلى الموقف الحاليء فأثناء 
قيام اللوزة بعملها تكون الذاكرة قد سجّلت الكثير من التفاصيل بصو ة أسرع من الحالات 
الطبيعيةء ثم يُشْغّل جهاز الذاكرة الثانوي وهذا هو عمل الذاكرة: تتبّع الأحداث اللهمّة, 
بحيث لو مررت موقف ا يكون لاي کات التي يل ار ی و > ؤبمعنى 
آخر حينما يكون الموقف مُرعباً وخطيراً على حياة الشخص,» يكون هذا هو الوقت امُناسب 
لتسجيل الملاحظات. 


والأمر امثير في هذه النتيجة هو أن الدماغ غير مُعتاد على هذا النوع من الذكريات المكنّفة 
(كان غطاء الاتور يتطاير, والمرآة الخلفية تسقط من مكانهاء وسائق السيارة الأخرى 
كان يشبه جاري بوب (805)): بحيث أنه حينما يُعاد شريط الأحداث في ذاكرتك, يبدو 
لك وأن الحدث قد استغرق وقتاً أطولء وبمعنى آخرء يبدو أننا لا نشعر فعلبّاً بالأحداث 
امرعبة في وقت أبطأء أو بحركة بطيئةء وإنما يحدث هذا الانطباع من خلال قراءة الذاكرة 
للأحداث» فعندما نسأل أنفسناء ماذا حصل؟ تأتي الذاكرة بكثير من اتفاضيل لتُخيرك بما 
حصلء وكأنه حدث بالحركة البطيئةء رغم أنه غير ذلك! إن إحساسنا بتشوه الزمن» يحدث 
باسترجاع الزمن الماضي» وهو عبارة عن خدعة للذاكرة. لكي تستطيع كتابة القصة كاملة 
لحياتنا. 


والآنء إذا كنت قد مررْتَ بهذه الأحداث المهدّدة للحياة, رها تُصر وكأنك كنت واعياً 
لحدوث ذلك الأمر بسرعة بطيئة. ولكن تذكّر أن تلك خدعةٌ أخرى من خدع الوعي 
بالواقع» فكما مر معنا سابقاً عن اقتران الحواس» فنحن لا نعيش الحاضرء فبعض الفلاسفة 
يقول إن الوعي هو لا شيء» وإنما مجموعة من الذكريات التي تمر بسرعة. وأدمغتنا دائماً 
تسأل ماذا حدث؟ وعليه فإن الإحساس بالوعي ما هو إلا مُجرّد ذاكرة فورية. 


وعلى الهامش» وحتى بعد أن نشرنا بحثاً حول هذا الأمرء ما زال يسألني كثيرٌ من الناسء 
أن الأمر قد حدث معهم مثل التصوير البطيء, وأنا أرد عليهم بالعادة بقولي إن الشخص 
الذي بجانبك في السيارة كان يصرخ كما يصرخ الناس في الصور المتحركة بنبرة بطيئة 
(لااا!ااالا) وعليهم أن يمنعوا ذلك من الحدوث» وهذا هو سبب اعتقادنا أن الزمن المُدرَك 
لا يتمذد. وإنما الواقع الداخلي للشخص هو الذي يفعل ذلك. 





Vo 


الدماغ أسطورة التكوين 





الدماغ الحكواتي 


دماغك يعمل کالحکوات! وکل واحد فينا يُصدّق ما يرويه دماغه. فسواء أكنت تتوهٌم 
السقوط من مكان عالٍ ل أم صدّقت الحلم الذي زارك في منامك, أم أحتسة بالأحرف 
واقترانها بالألوان» أم وافقت على صورة خيالية على أساس أنها صحيحة في مشهد انفصام 
للشخصية» فإننا جميعاً نقبل واقعنا كما تُسجّله أدمغتنا. 

وعلى الرغم من شعورنا بأننا نختبر العالم الخارجي مُباشرة, فإن الحقيقة في النهاية تولف 
في الظلام وبلغة أعجميّة هي: الإشارات الكهروكيميائيةء والنشاط الذي يعصف بدماغك 
من خلال الشبكة العصبية الهائلةء يتحول إلى قصة خاصة بك عن إحساسك بالعام. مثل 
الشعور الذي ينتايك وأنت مسك بهذا الكتاب» أو شعورك بالثُور داخل غرفتك» أو برائحة 
الورود» أو بصوت الآخرين وهم يتحدّثون. 


والأكثر غرابة أن كُل دماغ يروي كل حدث بطريقته الخاصةء وبالنسبة للمواقف التي 
يُشاهدها عدد كبير من الناس» يكون لكل دماغ روايته الخاصة والذاتية عن تلك المواقفء 
وبوجود سبعة مليارات دماغ بشري على وجه الأرض (وتريليونات من أدمغة الحيوانات)» 
فإنه لا يوجد نسخة واحدة عن الواقع» وكل دماغ يحمل تُسخته الخاصّة عن هذا العاط! 


فما الواقع إذن؟ إنه مثل مشهد تلفزيونيء تُشاهده أنت وحدكء وخير ما في ذلك» أنه 
مُكنك مُتابعته بالطريقة التي تحلو لك بعد أن تضيف إليه لمساتك الخاصة؛ وتُعيد عرضه 


EET 








الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 





الوعي 


انفلق الصّبح! وشوارع الحيّ يخيم عليها الهدوء والشمس تنشر خيوطها فوق الأفقء 
والجيران ما زالوا في عرف نومهم في المدينة» يستيقظون من نومهم الواحد بعد الآخر في 
مشهد مُذهلء والوعي البشري بدأث تدب ف أوصاله الحياةء وبدأ أعظم شيء في هذه 
الحياة نفس وجودة. 


قبل بضعة لحظات كان يغطً في نوم عميق» وكانت المادة البيولوجية في دماغك نائمة أيضاً 
كما هي الآنء لکن ا النشاطات قد تغيّرت قليلاً ففي هذه اللحظة متخ أنت 
بخبراتك الحياتية. و تقرأ في بعض الصفحات» وتستخرج ا معاني منهاء وقد تشعر بالذفء 
يتسلّل في ثنايا جلدك» والنسيمٌ يُداعب قذلتك» وتستطيع تحديد وضع لسانك في فمكء أو 
ارتداء فردة حذائك في رجلك اليُسرىء فمعنى اليقظة لك» هو أن تدرك هويتك. وحياتك, 
وحاجاتكء. ورغباتك. ومُخططاتكء ها قد بدأ النهارء وأنت تستعد لتوثيق علاقاتك. وتسعى 
نحو أهدافك, وتوجه كل تصر رّفاتك بهذا الاتجاه. 


ولكن إلى أي حد يُسيطر وعيك على مُجمل نشاطاتك اليومية؟ 


تأمل وأنت تقرأ هذه الجُملء وعيناك تتحرّكان فوق الصفحة, وأنت على وعي 0 
مرورهما فوق الكلمات» وهما يتحركان بكل سهولة عبر الصفحةء وبدلاً من ذلك تقفز 
نقطة ثابتة إلى أخرىء وحينما تكون عيناك قد وصلتا إلى مُنتصف المسافة, 5 0 00 
عالية في القراءة ثم تلتقطان شيئاً من النص حين تتوققف ونشبته في مكان ماء وفي العادة 
تأخذ هذه العملية جزءا من الثانيةء أو ما شابه» من الوقت» ونحن لا نعي أبداً كل هذه 
الوثبات» والقفزات» والوقفاتء والتحركات لأن دماغك سيُواجه بعض المشاكل في تأكيد 
إدراكك للعالم الخارجي. 


وتبدو القراءة غريبة جداً حينما تتأملهاء فكلما قرأت كلمات تنساب معانيها من هذا 
التسلسل في الرموز مباشرة إلى دماغك. ولي تشعر بعظم هذه العمليةء حاول أن تقرأ 
المعلومات الآتية من لغات أجنبية مختلفة: 

E عجوم‎ TT TITRA قن‎ FIT TET “AE 1 


3Ta a3Havae , 13101 3 CİmBanaj Henacp3AHa jJ Ball 11031 


S49 FH O 38 8ل‎ 4 288 40| 





۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 
اس هش ب 9999# ف ##ف 174049497 2 


إن م تكن تعرف اللغة البنغالية أو البيلاروسية أو الكورية, فإن هذه الحروف لا محالة 
ستبدو لك وكأنها خربشات» وبعد أن ٿتقن قراءة هذه النصوصء فإن هذا السلوك يحدث 
دون جُهد يُذكر ننا لا نعي ما نقوم به من جُهد كبير في فك هذه الشيفرات المتمايلة, 
وإن الذي يقوم بذلك خلف الستارة هو دماغك. 


من يتسدّم فينا القيادة؟ هل أنت قُبطان هذا القارب؟ أم أن قراراتك وتصرّفاتك, 

تبط أكثر بالعمل التلقائي للشبكات العصبيّة الهائلة التي لا تراها عيناك؟ وهل ترتبط 
وة حياتك اليومية بالقرارات الجيّدة التي تتخذهاء أم أنها تر تبط بدلاً من ذلك بأدغال 
كثيفة من الخلايا العصبية, والحركة الداتمة لعمليات النقل الكيمياني اللامتناهية؟ 


إذن» 


في هذا الفصل» سترى أن وعيك لذاتك. هو أصغر جزء من النشاط الذي يحدث داخل 
دماغك, أما تصرفاتك. واعتقاداتك, وأفكارك المتحيّزة, فكلها تقودها الشبكات العصبية 
التى لا تشعر بوجودها داخل دماغك. 


الدماغ غير الواعي في حالة عمل مُستمرَة 


تخيّل أننا نجلس معاً في أحدى المقاهي» ونتجاذب أطراف الحديث, وأنت تراقبني وأنا 
أحمل فنجان قهوتي لأرتشف رشفة منه. هذا تصرف عاديء ولا يحمل أي معنىء إلا إذا 
دلقت القهوة على قميصي! ولكن دعنا تُسمّي الأشياء ممُسمّياتهاء إن حمل فنجان القهوة من 
على الطاولة إلى الفم» هو ليس عملاً سهلاً فما زال علماء الروبوتات يصلون الليل بالنهارء 
لي يجعلوا هذا العمل ممكنا بكبسة زرء ولكن لماذا؟ لأن هذا العمل البسيط تتولّ أمره 
تريليونات السيالات الكهربائية التي يُنسّق عملها الدماغ بشكل تفصيلي ودقيق للغاية. 


إذ يتولى النظام البصري مسح المشهد. لكي يُحدّد موضع الفُنجان الذي أمامي» أما خبرتي 
الطويلة فتُنشّط ذكرياق حول القهوة في مواقف مُختلفة, وتتولى القشرة الأمامية عملية 
نقل الإشارات في مسارها باتجاه القشرة الحركية التي تقوم بدورهاٍ بتنسيق التقلّصات 
العضلية (في الجذع والذراعين والسّاعدين واليدين). لكي أستطيع أن أمسك الفنجان! وما 
أن أمسك الفنجان» حتى تحمل الأعصاب خم المعلومات المتعلّقة بوزن الفنجانء ومكانه 
في المشهد. ودرجة حرارتهء وقابلية يده للانزلاق وهلم جرا. وما أن تتجمّع المعلومات في 
الحبل الشويء ثم الدماغ» حتى تُحمّل بتيارات معلوماتية راجعة تُشبه حركة السير في 
طريق ذي اتجاهينء وتنشأ المعلومات من تصوير مُعقّد لأجزاء الدماغ التي يُطلق عليها 





الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


م ب ب ججج ڪڪ 


أسماء مثل العقد العصبية, والمخ, والقشرة ا الجسدية»ء وخلافها الكثير. وفي غضون 
أجزاء من الثانية تُعدل القوة التي ينبغي أن أفوّضها لحمل ذلك الفنجان» وقوة الإمساك 
به وبحسابات مُكدّفة وتغذية راجعة. تُعدّل العضلات لحفظ مستوى الفنجان خلال 
حمله مسار قوسي طويل إلى الأعلىء > ثم تجري تعديلات دقيقة على طول مساره» وما 
أن يقترب الفنجان من شَفتيٌ» > حتى أحرّكه بميل مُناسب لكي أرتشف منه رشفة دون أن 
تلسعني حرارته. 


في مطلع عام ۱۹۸۷ء قام العام الإسباني سانتياغو رامون واي كاجال Raion)‏ 53001280 
هز .۷) بعمل خلفيات تصوير من خلال وضع بُقع كيميائية على شرائح من أنسجة 
دماغية. وهذا الإجراء يظهر الخلايا الفردية في الدماغ ذات الجمال التفرّعي الخَلاب. ثم 
بدأ يظهر الدماغ بوضوح - وهو عضو مُعمّد لا نظير له في أجسامناء ولا نستطيع التعبير 
عنه مهما امتلكنا من بلاغة. 


ومع اختراع المجهرء وظهور طرق جديدة لتصوير الخلاياء بدأ الغلماء يصفون الخلايا العصبية 
التي يتألف منها الدماغ البشري, ولو بعبارات عامة. وتأتي هذه التركيبات العجيبة بأشكالء 
وأحجام مُعقّدة ومُتنوؤعة. وتتشابك مع بعضها بعضاً كما تتشابك الأشجار في الغابات 
الكثيفة, وما زال العُلماء مشغولين في فك هذا اللغزء وسيواصلون جهودهم لعقود قادمة. 





۸۱ 


وصف للعمليات : 
الحسابية التي يجريها | ٠‏ 
الدماغ أثناء رفعي فنجان | 
قهوة من على طاولة إلى 
فمي وما يتطلبه ذلك 
الأمر من عمليات تفكير 


دون أن يسكب شىء منه! 
ويبدو أن كل اا 
يجري بصورة خفية عن 
الدماغ الواعي. ول ما 
أنه من هذه العملية 
هو فقط مذاق القهوة 
الشهي في فمي! 


الدماغ أسطورة التكوين 
کے 


رما نحتاج إلى عشرات الحواسيب الضخمة ذات السرعات الهائلة لتقدير الطاقة الحسابية 


اللازمة للقيام بهذا العمل» وبصراحة تخور ر قواي أمام هذه العاصفة الضوئية التي تحدث 
في دماغي» ورغم أن الشبكات العصبية تضج بالنشاط إلا أن خبراتي الواعية هي شي 
آخرٌ مُختلفٌ» شيع يشبه النسيان التام! قالوهي بذاتي يتمركز في مواصلتي حديثي (مع 
صديقي في المقهى) وتبقى الطريقة التي هين فيها عضلات فمي مرور تدفقات الهواء 
التي أحتاج لتبريد رشفة القهوة من فنجاني الذي أحمله بيدي وأنا أتابع حديثي الطويل 


مع ذلك الصديق. 


وكُل ما يُعنيني في الأمر هو أن القهوة قد وصلت إلى فمي أم لاء فإذا ما تم الأمر بنجاح» 
أبدو وكأني ۵ أشعر بشيء مما حدث. 





تعمل آلية اللاوعي في دماغنا في جميع الأوقات» ولكنها تسير بشكل سلس لدرجة أننا في 
العادة لا نشعر فيهاء ونتيجة لذلك لا يمكننا تثمين ما تقوم به إلا في حالة توقفهاء > فماذا 
تشبه هذه الآلية فيما لو فكرنا بشكل واع بعملها الذي غالباً ما ياي دون إحساس منا؟ 
كما تقودنا قدمانا في عملية اطشي, وللإجابة عن هذا السؤال» ذهبت للحديث مع رجل 
تدعى إيان ووترمان (مقدعة188 .(I[an‏ 





AY 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 
ج و ي ر و ر 


عندما كان إيان ف التاسعة عشرة من عمره» تعرض إلى تلف عصبي من نوع غير اعتيادي 
زترحة لهجمة انفلونزا معويّة حادةء مما أفقده حواسه العصبية التي تُخبر الدماغ عن 
تس ومكان الأظراف ها يعرف ب استقبال الحسش الميق): وثنيجة اتلك مل يكد إيان 
قادراً على حركة جسمه بشكل تلقاني» وأخبره الأطباء أنه لا بد له من استعمال الكُرسيٌ 
حك طوال عمره. رُغم أن عضلاته كانت كلها على ما يُرام. إيان هو ببساطة شخص لا 
يستطيع الحركة دون أن يعرف مركز جسمه. رغم أننا نادراً ما نشعر بهذاء فإن التغذية 
الراجعة التي نحصل عليها من العام المُحيط بناء ومن عضلاتنا هُما ما مُنانا من القيام 
بحركات صعبة نقوم بها في كل لحظة تُريدها. 


الاستقبال الحشي العميق 


الخاصة بالمغزل العضلي العصبية 





AY 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ا تسيب بيجت جب 











حتى حينما تُغمض عينيك فإنه يمكنك تحديد مركز أطرافك. هل ذراعك اليسرى مثنية 
فوق اليمنى أم العكس؟ وهل قدماك ممدودتان بشكل مُستقيم أ مُنثنيتان؟ وهل 
ظهرك مُستقيم أم مُنحن؟ تُعرف القدرة على معرفة حالة العضلات بالمستقبلات الحسية 
العميقة» حيث تقوم المستقبلات ف العضلات والأوتار والمفاصل بتزويد المعلومات إلى 
أطراف الوصلات» وكذلك الأمر بالنسبة إلى ثني العضلات ومذهاء وبصورة عامة هذا 
يُعطي الدماغ صورة كاملة عن وضعيّة الجسم ويسمح ب إجراء تعديلات سريعة. 


يمكنك اختبار فشل المُستقبلات الحسية العميقة مؤقتاً لو حاولت أن تمشي بعد أن تخدر 
قدماك؛ لأن الضغط الُتَولّد على الأعصاب الحسّيّة المُتخدّرة ينع إرسال واستقبال الإشارات 
المناسبة. تستحيل حركتنا في تقطيع الطعام» والطباعة» والمشي دون الإحساس بوضعية 
الأطراف. 


م يرق للسيد إيان أن مضي حياته بحركة مُقيّدة؛ لذا تراه ينزل عن الكرسي تارة ويُحاول 
المشي تارة أخرىء ولكن يلزمه لكي يمشي أن يُفكّر بشكل واع بكل حركة وسكنة يقوم بها 
جسمه» ودون الوعي بأطرافه؛ فإنّ عليه أن يُحرّكَ جسمه دون إرادة واعية ومُرگزة! وكان 
إيان يستخدم نظامه البصري لمراقبة وضعية أطرافه» فكلما تقدّم في اممثي» حنى رأسه إلى 
الأمام, لكي يستطيع مراقبة أطرافهء وهي تضبط حرکته› ولک يحفظ توازنه, وكان عليه أن 
يُعوّض ذلك من خلال تأكده من أن ذراعيه ممدودتان إلى الوراء؛ لأن إيان لم يكن قادراً 
على الشعور بأن قدميه تُلامسان الأرضء فكان عليه التنبؤ بالمسافة اللازمة لكل خطوة يوذ 
فيها أن يضع قدميه على الأرضء وساقيه محمولتينء وكل خطوة يقوم فيها تكون محسوبة 
ومُنسّقة من خلال عملية عقلية واعية. 


ا 


نظراً لإصابة إيان ووترمان 
(lan Waterman)‏ بهذا 
المرض الغريب. فَقَدَ إشارته 
الحسّيّة القادمة من جسمه. 
فلم یغد دماغه قادراً على 
ضبط إحساسه باللمس. 
كما أن المُستقبلات الحسّيّة 
العميقة فقدت عملهاء وجزاء 
ذلك كان عليه أن يقوم 
بتنسيق حركة كل خطوة 
يخطوها بصورة واعية. 
راقبة حثيثة لأطرافه. 








AE 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 
ا ب يب 


وحيث إن الرجل قد فقدَّ قدرته على الحركة التلقائيّة, فقد أصبح واعياً بشكل تام لتنسيق 
حركاته» التي لا يشعر بها الناس الطبيعيون بشكل عجيب» وكل شخص حوله يتحرّك 
بِخُرّيّة ودون أدنى جُهد» ودون أن يعي عمل هذا النظام العجيب الذي يُنسّق هذه 
العملية حسب إفادته. 


ولو تشتّت انتباهه للحظة أو خطر بباله فجأة أمر آخرء فإنه من الُرجّح أن يسقط إيان 
على الأرض؛ لأن عمليات التشتيت تحتاج إلى استجابة في الوقت الذي يكون تركيزه مُنصباً 
على أدق التفاصيل في حركته مثل انحدار سطح الأرض أو انحناء ساقيهء أو ما شابه ذلك. 


وإذا كنت ثريد أن تقضي وقتاً مع السيد إيان لدقيقة أو اثنتينء فإن ذلك يتطلّب منك 
فوراً أن تشعر بالتعقيد الزائد الذي يُسيطر على حياتهء ولا يخطر ببالناء مثل النهوض 
من مكانناء ونحن نتحدّثء أو العبور باتجاه الغرفة الأخرىء أو فتح الباب» أو مُصافحة 
الآخرين» ورغم هذه المظاهر الأولية» إلا أن هذه التصرّفات ليست بسيطة على الإطلاق» 
ولذلك إذا رأيت في المرة القادمة شخصاً هشي» أو يجري ببطء أو يتزلّجء أو يركب درّاجة, 
فأرجوك أن تتوقف بُرهة لتنظر إلى تلك المعجزة الجمالية في حركة جسمه» وليس ذلك 
فحسب» وإنما عليك أن تتمعن أيضاً في قوة الدماغ غير الواعية التي تُنسّق هذه الحركات. 
إن التفاصيل المُعقّدة لمعظم حركاتنا الأساسيةء تتم بحسابات دقيقة غير مُتناهية. كلها 
تعمل على ميزان سمتي (فراغي) دقيق بحيث لا مُکننا مُشاهدته؛ ولا يمكننا استيعاب 
عمله المُفعم بالحيوية والتعقيد. فما زال بإمكاننا صناعة الروبوتات التي تُشبه الأداء 
البشريء وفي الوقت الذي يتطلب فيه حواسيب تشغيلها فواتير طاقة هائلةء فإن أدمغتنا 
تقوم بذلك بفاعلية مُحيّرة وبطاقة استهلاكية لا تتعذى طاقة مصباح كهربائي بسعة 7٠١‏ 
واط. 


AO 


الدماغ أسطورة التكوين 
ململي ا ا ي ي 


الاحتراق ومهارات تشكيل الدماغ 


غلا عا يكقق عمل طلماء الشى العضبي عن تايح عمل ادع بين خلال صصص 
الناس المُتخصّصين في بعض المجالات, ولهذه الغاية فإنني ذهبت إلى مُقابلة السيد أوستن 
نابر )Austin Naber)‏ وهو في العاشرة من عُمره لديه موهبة خارقة» فهو يحمل لقب 
العام للأطفال في مهارة تشكيل الأكواب في مجسمات هرميّة. 


هذا الطفل يستطيع أن يرضٌ عموداً من الأكواب البلاستيكية على شكل مجسم هرمي 
مُنفصل مكون من ثلاثة أعمدة مُتشابهة, بحركات سريعة وخاطفة لا تُدركها العينان, 
لم سدم يديه الاثنتين في فك هذه المجسمات التي شكلهاء وتحويلها إلى مُجِسَمات 


بعمودينء ثم إلى مُحِسَم بعمود واحد. ثُمّ يُعيدها إلى ما كانت عليه - أكواب مُبعثرة. 


يعد فحص التخطيط الدماغي من الطرق الناجحة في التنضّت على مُجمل النشاط 
الكهرباني الذي يحدث في الخلايا العصبية الدماغيةء ويتم ذلك بوضع أقطاب كهربائية 
على سطح فروة الرأسء التي تقوم بالتقاط الموجات الدماغية: وهو الاسم الدارج للإشارات 
الكهربائية الناتجة عن الجهاز العصبي الدقيق الخفي. 





41م 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


| 





و عام البيولوجيا وأخصائي الأمراض النفسية هانز بيرجر (:86186 11325) بتسجيل أول 
مُخطّط لدماغ بشري عام 21976 تبعته مجموعة من العلماء في الثلاثينات والأربعينات 
من القرن الماضيء في رصد الموجات الدماغية: موجات دلتا (أقل من ٤‏ هيرتز تحدث أثناء 
النوم) وأمواج ثيتا ۷-٤(‏ هيرتز تحدث أثناء النوم والارتخاء العميق والتخيّل) وأمواج 
ألفا (من ٨۸‏ هيرتز تحدث ونحن في حالة استرخاء وهدوء) وأمواج بيتا (۳۸-۱۳ هيرتز 
تحدث حينما نكون في حالة تفكير نشط أو أثناء حل المشكلات). وهناك أطياف أخرى 
من الموجات الدماغية التي تم التعرّف عليها وتحديد أهميتها منذ ذلك التاريخ» مثل 
موجات غاما (89-١٠٠هيرتز)‏ التي ثلاحظ أثناء عمليات النشاط الذهني الْركُ مثل 
القيام بعمليات التخطيط والتفكير المنطقي. ا 














ويعد مُجمل النشاط الدماغي خليطاً من جميع هذه الترددات المُختلفة, ولكننا نبدي 
أنواعاً أخرى من الأمواج حسب نوع النشاط الذي نقوم به. 


4 


أوسعة نابر (مأاكنالم 
N ber‏ )هو حامل لقب 
بطل أطفال العام تحت سن 
لعاشرة ق بطولة تشكيل 
مجسمات هرمية باستخدام 
لأكواب البلاستيكية. 
يستطيع فك وتركيب هذه 
جنات ف توان بحركات 











يقوم الطفل أوستن في هذا العمل كله بزمن لا يتجاوز الخمس ثوان» لقد جرّبته بنفسي 
واستغرق معي £۳ ثانية ف اخسن محاولاق. 


وأنت تُشاهد هذا الطفل وهو يقوم بهذا العملء قد يخطر ببالك أن دماغه يعمل بطريقة 
استثنائية» ويحرق طاقة كبيرة لكي يقوم بهذه المهارات المُعقّدة وبسرعة فائقة» ولكن دعنا 
نختبر هذا الافتراضء ومن أجل ذلك قُّمتُ بقياس النشاط الدماغي للطفل (والنشاط 
الدماغي لي أنا) خلال مُسابقة جمعتني مع هذا الطفل رأساً لرأس» ومُساعدة الباحث 
الدكتور جوسي لويس كونتريراس فيدال (00265625-171081 uisا‏ 1056), فقد طلبوا 
منا تغطية رؤوسنا بأقطاب كهربائية خاصّة لقياس النشاط الكهربائي الناجم عن مُجمل 


ج ا ل ب ا ل ر ا ات 


AV 


الدماغ أسطورة التكوين 





عمل الخلايا العصبية تحت الجمجمة, قيست موجات الدماغ بواسطة فحص التخطيط 
الكهربائي الذي يُقرأ للمتسابقين (أنا والطفل) في عملية مقارنة مُباشرة لعمل دماغَيْنا خلال 
القيام بهذه اممهمةء وبعد أن ارتدينا هذه المعدّات أصبح لدينا نافذة على العام الداخلي 


لجُمجمتيّنا. 
وقد أرشدنى السيد أوستن إلى خُطوات هذا العمل لكي لا أفشل مُبكّراً مقابل طفل عمره 
عشر سنوات» مما دعاني إلى ممارسة العمل مرّات ومرّات لمدة عشرين دقيقة قبل بدء 
المُنافسة. 

إلا أن جُهودي باءت بالفشلء فقد فاز أوستنء وأتمّ عمله كاملاً قبل أن أستطيع رض 
الكوب الثامن. 


لقد كانت خسارة مُتوقّعة! ولكن ماذا عسانا أن نقرأ في مُخطّطات دماغَّيْنا؟ فإذا كان 
أوستن قد نفذ هذا العمل تمان مرات وبُسرعة فائقةء فإننا نعتقد أن ذلك سيُكلفه طاقة 
كبيرة. ولكن هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة حول عمل الفماخ البشري» وهي كيف تعمل 
الأدمغة أثناء تعلّم مهارات جديدة؟ فكما ظهر جلياً في المخططات الدماغية التي بيّنت 
أن دماغي أنا - وليس دماغ الطفل - هو الذي بدا عليه الحمولة الزائدة وكان يستهلك 
كمية كبيرة من الطاقة للقيام بهذه المهارة الجديدة. فقد تبيّن من مُخطّط دماغي أن 
هناك نشاطاً عالياً في أمواج بيتاء والتي تظهر أثناء عملية حل المشكلات. وف المقابل فإن 
مُخطط دماغ أوستن قد أظهر نشاطاً كبيراً لأمواج ألفاء تلك الأمواج التي عادة ما تظهر 
أثناء استرخاء الدماج على الرعم من هنذة السرغة والإتقان غ .عمله إلا أن دماغه كان ي 
حالة هدوء تام. 


4 


التفكير الواعي يحرق طاقة. توضح 
الصورة السفلية خريطة الرسم 
الدماغي لنشاط الدماغ (الصورة 
اليسار لي والأخرى لأوستن) واللون 
يوضح سرعة النشاط. 








AA 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 





إن موهبة أوستن وسرعته هي النتيجة النهائية للتغيّرات الفيزيائية في دماغه. فخلال 
نوات من المُمارسة تشكلت لديه خلايا عصبيّة خاصة في هذه المهارة. ونتيجة لذلك 
اق أوستن لا يحرق طاقة كبيرة: أثناء قيامه بهذا العملء وبالمقابل فإن دماغي يعمل من 
خلال عملية واعية ومُخطّطة مما استدعاني استخدام الجهاز المَرن في التفكير ذي الأغراض 
العامّة الذي يقوم بتحويل هذه امهارة إلى جهاز تفكير مُتخصّص في الشبكة الثابتة. 


عندما ارس مهارات جديدة: تُصبح هذه المهارات جزءًا من الشبكة الثابتة للدماغ, تنغمر 
مخت الوس وبعض الناس يُحبّذ أن يدعو ذلك الذاكرة العضليةء ولكن في الحقيقة هذه 
المهارات لا تُخرَّن في العضلات» وإنما تُنسّق مثل لعبة بناء ا مجسمات بالأكواب» بوصلات 
چ بية کٹ فة ف دماغ اس 





إن تفاصيل تركيبة الشبكات العصبية في دماغ أوستن قد تغيّرت مع السنين التي كان 
يارس فيها مهارة تشكيل الأكواب» فتكوّنت لديه ذاكرة إجرائية» وهي ذاكرة طويلة الأمد 
تعتني في كيفية أداء الأشياء بصورة تلقائية» مثل ركوب الدراجة الهوائيةء أو ربط الحذاء. 
فبالنسبة لأوستن تتحوّل مهارته إلى ذاكرة إجرائيةء تسج في الشبكة الثابتة المجهريّة 
للدماغ, مما يجعل أداءه سريعاً وفعالاً وقليل التكلفةء وبالممارسة, فإن تكرار الإشارات 
قد مر من خلال الشبكة العصبية وعزّز نقاط التشابك العصبيء مما استدعى دمج تلك 
المهارة في الشبكة العصبية. والُلفت أيضاً أن دماغ أوستن طوّر خبرة مُمارسة مهارته دون 
اخطاء من خلال تشكيل الأكواب» وهو مُغمض العينين. 





۸۹ 


المهارات انتي تمارسها 


N 


باستمرار تتحول إلى شيغرات 


في التركيبة الدقيقة للد ماغ 


الدماغ أسطورة التكوين 





وفي حالتي أناء حينما تعلّمتٌ لُعبة تشكيل الأكواب» فقد كان دماغي يُجِنّد ببطء مناطق 
مُتعطّشة للطاقة مثل القشرة الصدغية. والقشرة الجذارية: والمخيخ. وكلها مناطق لا 
يحتاجها و أوستن ف عمله التقليدي. ففي الأيام الأولى لتعلّم المهارات الحركية الجديدة, 
يلعب المخيحُ دوراً خاصاً في تنسيق توالي الحركات المطلوبة لدقّة الأداء وزمن إنجازه. 


وعندما تُصبح امهارة جُزءاً من الشبكة الثابتة» تنغمر تحت مستوى التحكم الواعي. 
وعندها فإننا سطع تنفيذ المهمّة بشكل تلقائي ودون تفكيرء أي دون تحكُّم واع» وفي 
حالات أخرى تدمج المهارة بالشبكة الخاصة فيها التي توجد تحت الدماغ في الحبل 
الشويء وقد تم مُلاحظة ذلك عند مجموعة من القطط التي استؤ ستؤصلت أدمغتهاء إلا أنها 
قادرة على المشي بشكل ی في جهاز مشي خاصء وهذا يعني أن البرامج (الشبكات 
اللعقّدة) الخاصة باطمشي قد خُرّْنت في مستوى أدنى من الجهاز العصبي. 


رحلة الطيران الآي 


تقوم أدمغتنا عبر حياتنا بإعادة تدوين نفسها لبناء دارّة تَحَكُّم كهربائية مُتخصّصة في 
المهام التي تمارسهاء سواء أكانت للمثي» آم للتجديف» آم للقفن أم للسباحة أم لقيادة 
السيارات. وتعد هذه القدرة التي يقوم بها الدماغ بدمج البرامج في تركيبته الأساسية. من 
أعظم الحِيّل؛ لأنه بهذه الميزة يستطيع حل مُشكلة الحركات الْعقّدة من خلال استهلاك 
القليل من الطاقة. وذلك عن طريق دارة تحكّم كهربائية متخصّصة في الشبكة العصبية 
الثابتة, وم أن يتم دمجها في دارة التحكُم, تعمل هذه المهارات دون تفكير (دون وعي)» 
وهذا يُوفْر العمل» ويسمح للوعي أن ينتبه إلى أشياء أخرىء ويؤديها. 


وهذا الأمر له أثرٌ كبير في النشاط التلقائي للدماغ, أي أن المهارات الجديدة تنغمر تحت 
الوعي وتكون بعيدة عن سيطرتهء وهذا يُعني أنك تفقد البرامج المعقّدة التي تعمل تحت 
خوذة الرأس! ولذلك أنت لا تعرف بالضبط ما تقوم به. وعندما تصعد على الدرج وأنت 
تنخرط في حديث ماء لا يخطر ببالك حساب عشرات التعديلات الدقيقة التي يُجريها جهاز 
الاتزان في جسمك» وكيف يقوم لسانك بحركات لإخراج الأصوات بصورة صحيحة حسب 
لغتك, > وهذه مهام صعبة لا يمكنك دائماً القيام بهاء دون أن تُصبح حركات ت تلقائية وغير 
واعية» وهذا يُشبه التحليق في رحلة طيران آلي» > نحن نشعر في رحلة العودة أثناء المسار 
اليومي» وفجأةً تدرك أنك قد وصلت دون أي ذاكرة حقيقية للقيادة فقد تمّ تذويت 
المهارات الخاصة بالقيادة لدرجة أنك تستطيع القيام بأعمالك الروتينية دون وعي؛ لأن 





الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


اس رس سس سس سس بج ببح 


الوعي التام لك م يعد هو الرَبّان» ولكنه راكب في تلك الرحلة» وهذا يُشبه حالة النهوض 
من الفراش صباحاً. 










تدعى الوصلات بين الخلايا العصبية بالعٌقد العصبية. وهى التُقاط التى يستقبل فيها 
النشاط الكيمياي الناقلات العصبية لتحميلها الإشارات بين الوصلات العصبية. لكن 
الوصلات العقدية العصبية ليست جميعها بالقوّة نفسهاء وما تعتمد قوّتها على تاريخها 
في العمل» فهي تُصبح أقوى أو أضعف حسب الاستخدام. وكلما تغيّرت العقد العصبية 
تغيّرت قوّتهاء وتتدفق المعلومات من خلال الشبكة العصبية بصورة مختلفة, وكُلما ضعُفت 
الوصلات ضعفاً تاماً فإنها تذيّل وتموت, وكلما تعرّزت فإنها سترتبط بوصلات أخرى. وهذا 
التضميم يعمل بموجب نظام المكافآت الذي يقوم بصورة عامة على نشر الناقلات العصبية 
التي تُدعى الدوبامين e‏ يكون الأمر على ما يُرام, وهذا يعني أن الشبكات العصبية في 
دماغ الطفل أوستن قد أعيد تشكيلها بشكل بطيء واحترافي من خلال نجاحه أو فشله في 
كل محاولة من محاولاته في تعلّم هوايته. 









۹4 


توضح الصورة حالة الدماغ 
آثناء العمل. حيث يقوم 
اليد دين (10638) 
بالق دون تفكير: لأن 
تدخل الوعي هُنا ضر في 
العمل والأداء. 


الدماغ أسطورة التكوين 
کا اد ا س 


وهذه نتيجة مُذهلة لتذويت المهارات» معنى أن أي مُحاولة للتدخل بشكل واع في عملها 
عهاء فالكفايات التي تُتعلّم حتى تلك امعقّدة ترك ف أحسن أحوالها لل الأجهزة 


يعيق أدا 
الخاصة بها. 





تأمّل السيد دين بوتر (:]50 1632) مُتسّلق الجبالء الذي مارس هذه الهواية دون 
حبل ولا معذات أمانء حتى وفاته. فمنذ أن کان ف الثانية كر من عمره كرس الرجل 
حياته للتسلق: وقد ساعدته تمارينه على مدار السنوات في تذؤّت مهارات التسلّق بدقّة 
عالية, ودمجها في دماغه» ولتأكيد شجاعته في تسلّق الصخورء اعتمد السيد دين على 
دارات التحكّم التي تمت يمزيد من التدريب» ليقوم بعمله دون أي تخطيط واع لعملية 
التسلّق. فقد قۇض ` حالة اللاوعي لديه لقيادة عملية التسلّق» > فهو يقوم بعملية التسلّق» 
ودماغه في حالة تدفق. 


وهي حالة يكون فيها اللاعبون مُستمتعين بأقصى طاقاتهم غير الواعية, والسيد دين مثل 
هؤلاء اللاعبينء وجد نفسه في حالة تدقّق دماغي بوضع نفسه في عمل خطر جداً على 
الحياةء وفي تلك الحالةء فإنه لا يستمع إلى صوته الداخليء وإنما يعتمد اعتماداً كاملاً على 
قدراته في التسلق التي نُحتت عبر السنين في شبكة عصبية ثابتة خُصّصت لهذا الأمر. 


السيد دين مثل الطفل أوستن الحائز على لقب بطولة الأطفال في تشكيل الأكواب» أي أن 
موجاته الدماغية أثناء قيامه بعملية التسلّق لا تتأثر بائُناجاة الداخلية والتخطيط الواعي 





۹۲ 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


SEE 


(هل شكلي حلو؟ هل كان علي أن أقول كذا وكذا؟ هل أقفلت الباب ورائي؟) خلال عملية 
التدؤق الدماغيء يدخل الدماغ في حالة تُدعى (تعطيل القشرة الدماغية الأمامية)» تُعنى 
أن أجزاء القشرة الصدغية تُصبح أقل نشاطاً لفترة مؤقتة, وهذه المناطق هي المسؤولة عن 
التفكير المجرّدء والتخطيط للمستقبلء والتركيز على فهم الذات. 


إن تنشيط الخلفية المعرفية لهذه العمليات هي مفتاح الحركة الذي يسمح للشخص أن 
يتعلّق في نصف المسافة أثناء تسلّقه للصخور, ومثل هذه الأعمال التي يقوم بها دين يمكن 
أن تحدث فقط في حالة عدم الاستماع لجهاز الوعي الداخلي. 


وفي هذه الحالة» غالباً ما يكون الوعي في منصّة الاحتياط» وفي بعض المهام لا يكون هناك 
أي خيار؛ لأن الدماغ غير الواعي تمكن أن يعمل بسرعات تتجاوز سرعة الدماغ الواعيء 
الذي لا يستطيع اللحاق به. خُذ مثلاً لعبة كرة السلّة التي تكون فيها سرعة الكرة من يد 
اللاعب وحتى لوحة السلّة تصل إلى ١٠٠م/الساعة,‏ ولي تستطيع أن تلمس الكُرة فإن 
لدى الدماغ فترة لا تتجاوز > أعشار الثواني للعملء وفي ذلك الوقت» عليه مُعالجة سلسلة 
مُعقّدة من الحركات وتنسيقهاء لكي يضرب الكرة, والهذاف يكون في حالة اتصال دائم مع 
الرات» ولكنه لا يقوم بالمهمّة بصورة واعية» وإنما تنطلق الكرة ببساطة» وبسرعة كبيرة 
إلى اللاعب الآخر لكي يكون واعياً في مكانه» وتنتهي الكرة في ا مرمىء» قبل أن يقوم الهدّاف 
بتسجيل ما حصلء وهُنا يكون الوعي جالساً في الاحتياطء لا بل في حالة غياب تام عن 
هذه العملية. 


الكهوف العميقة للاوعي 


يبسط العقل الباطن (اللاوعي) نفوذه ليس فقط على أجسامناء بل يُشْكّل حياتنا بطّرق 
مُعمّقة. فعندما تدخل في نقاش مع شخص ما المرة القادمة. حاول أن تنتبه للكلمات 
التي تخرج من فمك بصورة أسرع مما يمكنك مُراقبته» وإخراجه على شكل كلمة كلمة, 
وهذا يعني أن الدماغ يعمل خلف الستارةء ويتفئّن في إنتاج الكلمات» وتنميق العبارات» 
وصياغة الأفكار المعقّدة (فعلى سبيل المقاربة حاول أن تُقارن سرعتك أثناء الحديث باللغة 
الأجنبيّة التي ما زلت تتعلّمها). 


وبالطريقة نفسها يعمل الدماغ خلف المشهد في إنتاج الأفكارء فنحن نستلف بشكل واع 
كل أفكارناء رغم أننا قُمنا بكامل جُهدنا في توليدهاء ولكن في الحقيقة, دماغك اللاواعي 


ج ر ا 


۹۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 





كان يعمل على إنتاج هذه الأفكار (ودمج الذكريات» والقيام بعمليات ربط جديدة, 
وتقييم النتائج) منذ ساعات أو أشهر قبل أن تظهر الفكرة إلى وعيك وتدّعي: (أنها خطرت 
ببالي الآن). 

وأول مَنْ تحدّث عن الأعماق المخفيّة للاوعي» هو سيجموند فرويد (dں٥۴۲‏ لمتادمع51) 
عام القرن العشرين بلا منازع» الذي دخل ال مدرسة عام ا/ا/ 1١‏ 00 في علم الأعصاب» 
وعندما فتح عيادته الخاصة لعلاج الاضطرابات النفسيةء أدرك أن معظم مرضاه ليس 
لديهم معرفة واعية عن الدوافع التي تكمن وراء سلوكهم. فقد بِيّن فرويد أن معظم 
سلوكاتنا هي نتاج عمليات ذهنيّة غير مرئيةء وقد تُرجمت هذه الفكرة في الصحة النفسية, 
وأدت إلى طرق جديدة في فهم الدوافح» والعواطف البشرية. 

وقبل فرويد كانت هذه العمليات تعدٌ شادة, ولا أحد يعتني في تفسيرهاء أو كانت تفر 
على أساس أنها أعمال شيطانية, أو على أنها إرادة شرّيرة» أو ما شابه» وقد أصرٌ فرويد أن 
سببها هو طبيعة الدماغ. 

فقد كان يطلب من بعض مرضاه الاستلقاء على كنبة في مكتبه» بحيث لا مُكنهم النظر 
إليه مُباشرة. وكان يطلب منهم الحديث عن أنفسهم» ففي تلك الفترة التي لم يكن فيها 
تصوير الدماغ مُمكناً كانت هذه أفضل طريقة للولوج إلى عام الدماغ اللاواعيء وكانت 
طريقته في جمع البيانات» من خلال الأحلام» وزلات اللسان» وعثرات القلم» وكان يُراقب 
مرضاه مثل المحقّق في الروايات البوليسيةء باحثاً عن كلمات مفتاحية في الآليات العصبية 
غير الواعية» التي م ين للمرضى أي تصور عنها. 


وقد بدا الرجل مُقتنعاً بأن الدماغ الواعي هو مثل رأس جبل جليدي يطفو فوق سطح 
الماءء وهذا ما تُسمّيه العمليات العقليةء ولكن في الحقيقة فإن الدوافع, والأفكارء والسلوك 
التي تسببها كلها تقبع في الجزء غير ا مرفي من قاعدة الجبل الجليدي. 


ع5 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 





ويبدو أن أفكار فرويد صحيحة؛ لأن أحد نتائج أفكاره أننا لا نعرف جذور خياراتناء 
فأدمغتنا تقوم دائماً باستلال المعلومات من البيئةء واستخدامها في توجيه السلوك: ولكن 
تأثيرها علينا لا يبدو مُدركاً. خُذ مثلاً تأثير ما يُسمَى ب عملية البرمجة التي يُؤثر فيها شيء 
ما على إدراكنا لشيءٍ آخر» فعلى سبيل المثال إذا كنت تحمل شراباً دافئاً فإناك ستصف 
علاقاتك بأحد أفراد الأسرة بطريقة مُحبّبة أكثر مما لو كنت تحمل شراباً بارداً حيث 
ستصف رأيك في العلاقة مع أفراد عائلتك بطريقة باردة: لماذا يحدث هذا؟ لأن آليات 
عمل الدماغ في الحكم على العلاقات تتشابك مع آليات الحكم على الأشياء المادية, ولذلك 
فإن الواحدة تؤثر في الأخرىء والنتيجة أن رأيك في بعض الأشياء يكون بمستوى العلاقة 
مع والدتك» ويمكن أن ينعكس على نوع الشراب الذي تتناوله بارداً أو ساخناً وبالطريقة 
نفسهاء عندما تكون في بيئة ذات رائحة كريهةء فإنك عُرضة إلى أن تتخذ قرارات قاسية 
وغير أخلاقية (فعلى سبيل المثال: يُرجّح أن تحكم على شخص ما من خلال سلوكاته بصورة 


عب وا هة الل لل لبتي ري ا سمس نكت 


10 


4 


يعتقد فرويد (dں٥٣۴)‏ 
أن الدماغ مثل الجبل 
الجليدي. معظمه مُمَوار 


عن الوعي 


الدماغ أسطورة التكوين 
اا ل لا ااام mT‏ 


لا أخلاقية) وفي دراسة أخرى تبيّن أنه إذا كنت جالساً على مقعدٍ صلب فإنك ستكون 
مُفاوضاً شرساً حول صفقة عمل ماء والعكس بالعكسء » إذا كنت تجلس على كُرسي لينِ. 












إيقاظ اللاوعي 


بیکون وجبنة ۱۱۸۰-۸۲۰ سعر حراري 


مشروم وسویسري ۱۱۸۰-۸۲۰ سعرحراري 





في كتابهما المعنون ب الإيعاز (08ل2). قام ريتشارد ثالر وكاس سانستين (4۲ Ri!‏ 
Cass Sunstein‏ & erا1ha‏ )بوضع منهج لتحسين (قراراتنا حول صحتنا وثروتنا وسعادتنا) 
من خلال التلاعب بالشبكات العصبية غير الواعية للدماغ» فبوخزة بسيطة في البيئة التي 
نعيش فيهاء يمكننا تغيير سلوكنا أو قرارنا إلى الأحسن دون وعي مناء فمثلاً عرض الفواكة في 
متجر يدفع الناس إلى اتخاذ قرارات صحية أكثر. ووضع صورة لذُّبابة في المبولة في المطارات 
يُشْجّع الرجال على التبوؤل داخل المبولة أكثر. إن الاختيارات التلقائية للموظفين لخطط 
التقاعد (إعطاؤهم الحرية في اختيار ما يريدون) يقود إلى توفير أكثر. وثدعى هذه العملية 
بالأبوة حسب رأي الباحثين اللذين يعتقدان أن التوجيه اللطيف للعقل الباطن له تأثير 
فعَال على اتخاذ القرارات أكثر من إجبار الناس على الاختيار. 


۹1 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


ج ڇ ڇ 0 


جز مثالاً آخر على تأثير اللاوعي على (الأنا الخفي) الذي يصف انجذابنا نحو الأشياء التي 
مكنا بأنفسنا! قام عام الاجتماع بريت بلهام وفريقه بتحليل سجلات طلبة الدراسات 
العليا في كليتي القانون وطب الأسنان» ووجدوا علاقة ارتباطية إحصائية بين أسماء طلبة 

كلية الطب واسمي «(Dennis or Denise)‏ وبين أسماء طلبة القانون واسمي Lura or)‏ 
«(Laurence‏ كما وجدوا أن أصحاب شركات بناء القرميد يحملون أشماء تبدأ بحرف 19)» 
أما أصحاب محلات الخردة فكانت أسماؤهم تبدأ بحرف (151). ولكن هل اختيارنا لأعمالنا 
هو المكان الوحيد الذي تُصدر فيه قرارات؟ فقد بدا أن حياتنا الفُضلى تتأثر تأثيراً كبيراً 
بمثل تلك التشابهات» فعندما قام عام النفس جون دونز (100265 صطن1) وزملاؤه بالنظر 
إلى سجلات الزواج في ولايتي جورجيا وفلوريدا اكتشفا أن الزوجين يحملان نفس البدايات 
ف أسمائهما أكثر مما هو متوقع, > أي أن (وتصمع][) يُحتمل أن ترتبط ب »)[٥٥1(‏ والآنسة 
)۸1٥×(‏ يُحتمل أن تتز تتزوج من السيد (4)ء و(ترهده(1) من (رونه2). إن هذه الآثار 
غير الواعية بسيطة ولكنها قابلة للاستقصاء والبحث. 


وهنا تكمن الفكرة الأساسية» فلو سألت (قتصدةء2) أو (دمتدة) أو (كتصمع][) اذا اخترتم 
هذه المهنة أو هذا الزوج بالتحديد, فإنهم سيبدأون بسرد واع للقصص التي حصلت 
معهم» ولكن تلك القصص لا يكن أن تصل إلى جذور اللاوعي التي تكمن وراء خياراتهم 
المهمة في الحياة. 


خُلْ التجربة التالية التي قام بها عام النفس إكهارد هس (Eckhard F1ess)‏ عام: 20 
حين طلب فيها من بعض الرجال أن ينظروا إلى صور بعض النساءء ويُعطون حُكماً عنهن. 
إلى أي حد تعد هذه المرأة جذّابة على مقياس من ١‏ إلى ٠١‏ وفيما إذا كانت صاحبة 
الصورة سعيدة آم الا ويا ا ترجا الا ا ب وبما أن الصور كانت غريبة على 
المُشاركينء فقد تمّ تحوير بعضهاء وتغيير حجم بؤبؤ العين في نصف صور النساء اللواتي 
شاركن بالتجربة. 


۹۷ 


الدماغ أسطورة التكوين 


1 








تم تحوير بؤبؤ العين في صُور النساء 
الموجودة إلى اليسارء وقد تم عرض 
الصورتين على الرجال المشاركين في 
التجربة 
لقد قال الرجال إن النساء ذوات البؤبؤ الواسع أكثر جاذبية, ولم يظهر على الرجال أنهم 
لاحظوا أي شيء بالنسبة لحجم بؤبؤ عيون النساء (ربما لم يلاحظ أي من الرجال أن توسّع 
العينين هو علامة حيوية للإثارة الأنثوية, لكن أدمغتهم تعرف ذلكء وهذا يعني أن الرجال 
كانوا يميلون إلى النساء ذوات البؤبؤ اسع بصورة غير واعية» وكانوا يرون أنهن أكثر جمالاً 
وسعادةً ونعومة وصُحبةً. 

وفي الحقيقة هكذا يحدث الحبء فإنك تجد نفسك ميّالاً لبعض الناس دون غيرهم» 
وبشكل عام فإنه لا يمكنك أن تعرف اذا تميل لذلك الشخصء ويُفترض أن هناك سبباً 

ولكن أنت لا تعرفه ببساطة. 
وفي تجربة أخرى قام جفري ميلر (111165 تإ6>01): وهو أحد علماء النفس التطوريين» 
بتحويل انجذاب الرجال للنساء إلى أرقام كمية. من خلال تسجيل عدد ضم الرجال إلى 





۹۸ 


الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


2 


النساء أثناء الرقص في أحد أندية العغري» وت تتبّع ذلك من خلال التغيرات التي تحصل على 
إلدورة الشهرية للنساء. فقد اتضح أن لجال يحضنون النساء مرتين حينما يكُنَّ في مرحلة 
الخصوبة» والعدد نفسه حينما يكن في غير مرحلة الخصوبةء ولكن الشيء الغريب أن 
الرجال لم يكونوا على وعي بالتغيّرات البيولوجية التي تحدث للنساء أثناء الدورة الشهرية, 
(أي حينما يَكُنّ في فترة الخصوبة ينطلق هرمون الإستروجين ليغيّر مظهرهن بشكل واضح, 
فيجعل ملامحهن متجانسة» وجلدهن أكثر نعومة» وخصرهن دقيقاً) ولكنهم اكتشفوا 
أنهنَ في فترة الخصوبة من خلال ما يُدعى «رادار الوعي». 


تكشف هذه التجارب عن شيء هام» وهو كيف تعمل أدمغتنا؟ فعمل الدماغ هو جمع 
المعلومات عن العام الخارجي» وتكييف سلوك الإنسان بطريقة مُناسبة له. دون أن يكون 
لحالة الوعي أي أثر في ذلكء وفي معظم الأوقات» يغيبٌ الوعي تماما ولا يبدو الإنسان 
واعياً للقرارات التي يتخذها دماغه نيابةٌ عنه. 


لماذا تحتاج الوعي؟ 


وبعبارة أخرىء اذا مم ُخلق كائنات غير واعية فقط؟ اذا لا نتسكّع في مُحيطنا كما مشي 
دون وعي الأحياء الأموات (الجثث المتحركة التي يبعث فيها السحرة الحياةء وغالبا ما 
يطبق هذا المصطلح المجازي لوصف شخص منوم مجرد من الوعي الذاتي (المترجم))؟ 
وماذا تطوّر الدماغ ليكون واعياً؟ وللإجابة عن هذا السؤال: تخيّل أنك تمشي في شارع في 
الحي الذي تسكنه. وتُفكّر في أشغالكء وفي لحظة مُفاجئة. وقح بصرك على شيء أمامك, 
يشبه شكل نحلة ضخمةء ويحمل في يديه حقيبةء فلو قُدّر لك أن تُكمل مشاهدتك لتلك 
النحلة البشرية, فإنك ستلاحظ كيف تكون ردة فعل الناس في النظر إليهاء كلهم يقطعون 
أعمالهم الروتينية ويُحملقون في ذلك المخلوق. 

نشعر بالوعي حينما يحدث غير المتوقع, حينما نحتاج أن نقوم بأمر ونريد أن نعرف ما 
الذي يليهء ورغم أن الدماغ يُحاول أن يتأقلم إلى أكبر قدر ممكن مع رحلة الطيران الآليء 
لكن ذلك لا يبدو داماً مُمكناً في عالم مليء بالتّحدّيات والمخاطر. 


19 


الدماغ أسطورة التكوين 





4 









غالباً ما مشي في عاطنا 
الواعي. ونتجاوز الغرباء. 
دون أن نُسجل أي شيء 
من ملامحهم. ولكن 
عندما يستفز أمر ها 
توفعاتنا غير الواعية يأقي 
دور الوعي سريعاً لبناء 
نموذج چ وتسجيل ما 


يحدث. 
ولكن الوعى لا يعمل فقط أثناء الاستجابة للمفاجآتء بل يلعب دوراً حيوياً في تسوية 
النزاعات داخل الدماغ, فهُناك مليارات الخلايا العصبية التي تشترك في مهام تتراوح من 
التنفّس إلى الحركة داخل غرفة نومك إلى الحصول على الغذاء ووضعه في فمك إلى إتقان 
مهارة رياضية ماء وهذه المهام كلها مسنودة بشبكات ضخمة» ضمن آليات عمل الدماغخ 
ولكن ماذا يحدث لو حصل هناك تضارب؟ هب أنك وجدت نفسك أمام ثلاجة بوظة 
فإذا تذوقتها ستندم» ففي مثل هذا الموقف لا بد من قرار حاسم: أيهما أفضل لجسمكء 
وأهدافك طويلة الأمد؟ والوعي هو النظام الذي يحتوي على هذه الميزة الفريدة. وهي 
ميزة لا تتوافر في أي جهاز من الأجهزة الفرعية المكوّنة للدماغ, ولهذا السبب فإنه يستطيع 
أن يلعب دور الحكم بين مليارات العناصر المُتفاعلة, والأجهزة الفرعيةء والمهارات التلقائية: 
فهو الذي يضع الخطط ويُحدد الأهداف للنظام ككُل. 


أعتقد ا الوعي يلعب دور امدير التنفيذي في الشركات التفويضية التي د تحتوي على آلاف 
الفروع, والأقسام كلّها تتضافر» وتعمل معا وتتنافس بين بعضها بعضاً بطريقة أو بأخرى. 
فالشركات الصغيرة لا تحتاج إلى مدير تنفيذي ولكن حينما تصل إلى حجم معين وعدد من 
الفروع, فإنها تحتاج إلى مدير تنفيذي يقف على التفاصيل اليومية؛ ويستطيع أن يُحدّد 
الرؤيا المستقبلية للشركة. 





الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


اس ببس 


ورغم أن مهام المدير التنفيذي تتضمن الوقوف على التفاصيل الدقيقة اليومية للعمليات 
فى الشركة, إلا أنه دائماً يحمل في ذهنه الرؤيا المستقبلية للشركة. ادير التنفيذي يحمل 
دائماً الصورة المجردة للشركة» وبالرجوع إلى الدماغ, يُعد الوعي هو المُنسّق لمليارات الخلايا 
التي تعمل مع بعضها بعضاً بطريقة موحّدة, وهو امسق للنظام البشري اعفد الذي 
يحتفظ بصورة دائمة عن نفسه. 


غياب الوعي 
ماذا لو غابٌ عنا الوعيء وتُهنا في رحلة طيران آلي لفترة طويلة؟ 


وُحِدَ كِنْ باركس (22215 معك1). وهو رجل في الثالثة والعشرين من عمره. نائماً في 
۳ حينما دخل في نوبة نوم في بيته أثناء مشاهدته للتلفازء وفي ذلك الوقت 
كان الرجل يعيش مع ابنته ذات الخمسة شهورء وزوجته. وكان يمر بظروف مالية صعبةء 
ومشاكل عائليةء وإدمان على لعب القمارء وقد خطط أن يُناقش مشكلاته مع حماه في 
اليوم التالي وقد وصفته حماته بأنه فيلٌ ناعم» وكانت علاقته حسنة بهماء وفي ليلة من 
الليالي نهض من فراشة» وركب سيارته ذاهباً إلى بيت أهل زوجته الذي يبعد ۲۳ كم ليقوم 
بخنق حماه وطعن حماته حتى الموت! ثم ركب سيارته مرة أخرى ليتوجه إلى أقرب مركز 
أمني» وفاتح الضابط المسؤول بقوله: «أعتقد أنني قتلت شخصاً ما قبل قليل». 


م تكن للرجل أي ذاكرة عمًا يحدث» وكأن وعيه غائبٌ خلال هذه الحوادث المُرعبة» فما 
الذي حدث يا تُرى لدماغ الرجل؟ قام محامي السيد كن واسمه مارليس إدوارد (115ة]/2 
10 بتشكيل فريق من الخبراء لفك هذا اللغزء ثم بدأت الشكوك تدور حول 
طبيعة نوم الرجل؛ فحينما كان في السجن - قام محاميه بطلب روجر براوتن (إ#عه۸ 
10160 , خبير النوم الذي قام بدوره بتخطيط دماغ كن عندما كان نائماً - وقد أظهرت 
النتائج أنها كانت تتطابق مع حالة مرضى المشي بالليل. 

وبعد أن قام الفريق بمزيد من التحقيقات» تبيّن أن الرجل يُعاني من اضطرابات في النوم» 
تعود لتاريخ مرضيء فقد أصدرت المحكمة قراراً ببراءته من الأفعال المنسوبة إليهء وأفرج 
عنه» وذلك لانعدام دوافع القتل لديهء وانعدام أي طعن في نتائج نومه وفي تاريخ عائلته 
الذي يُشير إلى وجود هذا المرض فيها. 


۰1 


توضح الصورة 

مُغادرة كينث باركس 
(Kenneth Parks)‏ 
بعد الإفراج عنه من 
جرهة قتل حمويه. | 
وقد قال عمحاميه اليد 
مارلس إدوارد (كراة1 | 
)Edwardh‏ إن هذا 
القرار مُدهش. . . انه 
قرار أخلاقي بخصوص 


كينث. أما القاضي فقد 


قال: دخان سبيله: 


الدماغ أسطورة التكوين 





إذن مَنْ يتوك القيادة؟ 


كل هذه الحوادث توضّح لك ما نوع القيادة الفعلية التي يقوم بها العقل الواعي» هل 
يمكننا القول إننا نحيا حياتنا مثل الجراء (صغار الكلاب) تحت رحمة نظام يسحبنا من 
رباطناء ويُقرر ماذا ينبغي أن نفعل بالخطوة القادمة؟ هناك من يعتقد أننا نبدو هكذاء 
وأن عقولنا الواعية لا مُسيطر على ما نفعل. 


دعنا نمبر أفماق هذا السؤال عن خلال هدال سيط تل أفك تقوة راقحة شوكية: في 
إحدى الطرقات وكان عليك أن تتجه يساراً أو يمينا وم يكن عليك أي قيد أو شرط أن 
تتجه إلى أي اتجاه. ولكنك اليوم وفي تلك اللحظة تحديداًء شعرت بأنك ستتجه إلى اليمينء 
وفعلا اتجهت ميناً ولكن لماذا اتجهت ميناً سه يساراً؟ لأنك شعرت بذلكء أو لأن 
آليات الدماغ التي لا تقع تحت سيطرتكء هي التي قرّرت عنك ذلك. تأمل مثلاً الإشارات 
العصبية التي تُحرّك ا لتحوّل عجلة 0-6 وهي قادمة من القشرة الدماغية 
المسؤولة عن الحركةء ولكن هذه الإشارات لا تنشأ من هناك فهي محكومة بممناطق أخرى 

من الفص الصدغيء التي تقع تحت نفوذ أجزاء أخرى من الدماغ» وهكذا في سلسلة 
مُعقّدة من التشابكات بين الخلايا العصبية الدماغية. لا يوجد الوقت صفر للقيام بأمر ما؛ 
لأن كل خلية عصبية في الدماغ 3 يدها خا غصبية أغري ومو أنه لأ نوهت جنا ادا 





الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


جڪ ج جج ج ج ب ب جح ڪج 


من هذا النظام يعمل بمفرده. وإنما كلها تعمل مع بعضها بعضا. وهكذا يبدو أن قرارك 
بالتحول ينا (أو يساراً) هو قرار يصل في الوقت المحدّد, بالثواني أو الدقائق أو الأيام أو 
على مدى العمر» وحتى عندما تبدو قراراتنا عفويّة لكنها لا تحدث بمفردها. 


حينما تكون في وضع مثل ذلك الذي وصفناه بالرافعة الشوكية, فإنك تحمل تاريخك 
فوق أكتافكء ولكن من هو فعلاً امسؤول عن ذلك القرار؟ وهذه الأسئلة تقودنا إلى سؤال 
عميق عن الإرادة الحُرّةء فإذا استطعنا أن نعيد شريط الذاكرة (التاريخ) مائة مرة. فما 
نسبة تطابق أفعالك في ال مائة مرة مع بعضها بعضا؟ 


الإحساس بالار ادة الحرّة 


نحن نشعر أننا مُستقلُون - أي أننا نأخذ قراراتنا بصورة حُرَة ولكن في بعض المواقف 
يكن أن يكون هذا الشعور بالاستقلالية مجرد وهم. ففي تجربة قام بها البروفيسور 
الفارو باسكوال ليون (526مع.1 - 21اء235 41310) في جامعة هارفارد الذي دعا بعض 
المتطوعين إلى مختيره لإجراء تجربة بسيطة. 


جلس المشاركون أمام شاشة حاسوبء وأيديهم مُمتدّة إلى الأمام, فعندما يرون ضوءا 
أحمراً ينبغي عليهم أن يختاروا إلى أي الاتجاهات يذهبون (دون حركة)» ثم تُضاء الشاشة 
باللون الأصفرء وحينما تتحوّل أخيراً إلى اللون الأخضرء يقوم الشخص الذي يضع الخيارات 
على الشاشة» بتشغيل الخيارات بحيث يرفع المشاركون أيديهم اليُمنى أو اليُسرى. 


م قام المشرفون على التجربةء بإجراء حركة مُلتوية نوعاً ماء فاستخدموا جهاز التنشيط 
المغناطيسي العابر للجمجمة» لطرد السيالات المغناطيسية, وتنشيط المنطقة الدماغية 
السفلية لتحفيز القشرة الحركيةء وإطلاق حركة في أحد اليدين اليسرى أو اليمنى» وبعد 
أن يُضيء اللون الأصفر, يُشْغْل الجهاز (أو في وضع التشغيل ينطلق صوت السيال فقط). 


وبهذه المعالجة جعل هذا الجهاز المتطوعين يُفضلون يداً على أخرى - فعلى سبيل المثال 
فإن المحاكاة فوق القشرة الحركية اليُسرى قد جعلت المتطوعين على الأرجح يرفعون 
يدهم اليُمنى» ولكن امْثِير في التجربة أن المتطوعين قد أبدوا شعورهم بالرغبة في تحريك 
اليد التي تم تغييرها من قبل جهاز التنشيط وبمعنى آخر, فإنهم اختاروا داخل أنفسهم 
يدهم اليسرى عند ظهور اللون الأحمرء ولكن بعدئذ وبعد أن أضيء اللون الأصفرء بدا 
وكأنهم يشعرون بالرغبة في تحريك يدهم اليُمنى على طول التجربةء ورغم أن الجهاز كان 
E‏ ال ل اك 


۰۳ 


حتى عندما قاح 
المشرف على التجربة 
بتغيير الاختيار من 
خلال تحفيز الدماغ 
ظَنّ المشاركون أنهم 
اتخذوا القرار بحريتهم 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ا ا ی و و و ري كوو 


هو الذي يُطلق الإشارة فقد شعر الكثير من المشاركين وكأنهم اتخذوا قراراتهم بحريّة 
مُطلقة. يخلص البروفيسور باسكوال ليون إلى نتيجة مفادها أن المُشاركين كانوا على الأغلب 
يريدون تبديل خياراتهم» فعلى الرغم من النشاط ي كان يجري داخل أدمغتهم, فقد 
بدا وكأنهم يتخذون قراراتهم بحرية مُطلقة, فقد فُوض العقل الباطن بالقيادة. 





تكشف مثل هذه التجارب عن طبيعتنا الإشكالية في الوثوق بحدسنا فيما يتعلق بحر 
ا SS‏ 
فيها الإرادة الحُرّةَ من حياتناء إلا أن هذا موضوع طويل ومُعقّد ويبدو أن العلم قاصر 
جداً في معالجته» ولكن دعنا نلهو في ذلك قليلاً ونذعي عدم وجود إرادة خُرَةَ فعندما 
نصل إلى تلك النقطة في الطريق» التي ينبغي أن ننعطف فيها ميناً أو يساراً يكون اختيارنا 
قد تلز ملفا أ فيظهر على سطحه مكتوبا أن الحياة التي يمكن التنبؤ فيها لا تشبه تلك 
الحياة التي ذ نستحق أن نعيشها. 


واسمحوا لي أن أف لكم هذا الخبر المُفرح: أنه في الواقع لا يكن التنبُوْ بعمل الدماغ رغم 
عظمة خلقه. تخيّل خزاناً مُلوّناً بخطوط عرضية تشبه كرات تنس الطاولة في أسلفه. وكل 
واحدة مُثبّتة في مكانهاء مشدودة وجاهزة. فإذا أسقطنا كرة جديدة من أعلى الخزان» 
فإنها ستسقط بشكل مُستقيم نوعاً ماء وكأنه يمكن التنبؤ رياضياً في مكان سقوطهاء وما أن 





الفصل الثالث: من يتولى القيادة؟ 


ع يي تي 1 


ادخ بقاع الخزان فإنها سترتد سلسلة ارتدادات لا يمكن التنبؤ بهاء لترتطم أيضاً بالكرات 
إلأخرى وتُحرّكها من أماكنهاء كما ستقوم الكرات التي تحركت بتحريك غيرهاء فينجم 
عن هذا الموقف انفجاراً سريعاً يزداد تعقيداًٌ وأي خطأ في قراءتنا الأولية لحركة الكرة. 
مهما کان قرا إلا أنه تضاعف باصطدام الكرات الأخرى؛ ببعضها بعضاً وارتداداتها مع 
جوانب الخرّان» وسقوطها على بعضها الآخر» وعندها يُصبح من المُستحيل التنبؤ في التّقاط 
التي ستستقر عليها الكرات. 


4 


صورة تُبِيّن كرات تنس طاولة 
وهي مُستقرّة في أماكنها 
حسب قوانين الفيزياء. ولكنها 
تدخل في حالة فوضىء لا کن 
تصؤرها. بالطريقة نفسها 
تتفاعل مليارات الخلايا العصبية 
وتريليونات الإغارات الصادرة 
) عنها مع بعضيا بعضاً في كل 
4 ثانية. ورغم أن هذا هو نظام 
المادة, إلا أنه لا مكنا التنبؤ 
بدقة بالخطوات التالية. 





إن أدمغتنا تشبه إلى حد كبير هذا الخزان المليء بكرات التنسء لكنها تفوق هذا المشهد, 
ما يتسم فيه من تعقيدء فقد تكون قادراً على وضع بضع مئات من الكرات في الخزان» 
لكن جمجمتك تتكون من تريليونات من التفاعلات» التي تراها تحدث بين الكرات في 
الخزان» وترتد عن بعضها بعضاً في كل ثانية من حياتناء ومن تلك الحركات غير المعدودة, 
التي تتبادل فيها الطاقة بين تلك الخلاياء تظهر أفكارك ومشاعرك وقراراتك. 


وهذه في الحقيقةء ما هي إلا البداية بخصوص عدم قدرتنا على التنبؤ! فدماغ كل فرد 
يتصل بعالم من الأدمغة الأخرى. فعلى طاولة العشاءء. أو في قاعة الدرس» أو من خلال 
شبكة الإنترنت» تتصل الخلايا العصبية لجميع البشر على كوكب الأرضء وتؤثر في بعضها 
بعضاء وتحدث نظاماً لا مُكن تخيّله من التشابك والتعقيد. وهذا يعني أنه حتى الخلايا 
العصبيةء التي تنتظم وفق قوانين الفيزياءء إلا أنه في واقع الأمرء لا يمكننا دائماً توفع ما 
الذي سيقوم به الفرد في الخطوة القادمة. 





1۰٦ 


الدماغ أسطورة التكوين 





إن هذا التعقيد الاستثنائي لا يُوفر لنا إلا القليل لفهم حقيقة بسيطة: هي أن حياتنا 
مرهونة بالعديد من القٌوى التي تفوق قدرتنا على وعيها أو التحكم بها. 








الفصل الرابع: كيف أْتَخِذْ قراراتي؟ 
الا اا اسه علد E‏ له مكاح 


صوث الفرار 


على طاولة العمليّات» يتمدّد المريض جيم (52ذ[). الذي يخضع إلى عملية جراحية. لي 
يوقف الرّعشة التي في يده» وقد ثبت طبيب الجراحة العصبيّة أسلاكاً طويلة وناعمة 
تُدعى (أقطاباً) ووصّلها مع دماغه» من خلال تمرير تيار كهربائي بسيط في الأسلاك, بحيث 
يكن تعديل نشاط الخلايا العصبية في دماغ جيم» لخفض الرُعاش. 


توفر الأقطاب الكهربائية إمكانيّة مُناسبة للتنضّت على نشاط الخلايا العصبيّة المفردة 
فالخلايا العصبية تتكلّم مع بعضها بعضاً من خلال سيالات كهربائية تُدعى جُهود 
الفعلء ولكن هذه الإشارات صغيرة جداً لدرجة أنه لا مُكن رؤيتهاء ولذلك فإن الجرّاحين 
والباحثين غالباً ما يستمعون إلى الإشارات الكهربائية الصغيرة من خلال مكبّرات صوت» 
وبهذه الطريقة يتحول التغير البسيط في الفولتية (عشر فولت واحد يستمر لمدة ألف 
ثانية)» إلى فُرقعة مسموعة. 


وكلما انخفض القطب الكهربائ في بعض مناطق الدماغ المختلفة, مُكن تمييز نشاط هذه 

ا مناطق لدرجة أنه يمكن سماع ضجيجها بالأذن الُدرّبةء وتتميّز بعض المناطق: ب«فرقعة, 

تماماً مثل الجن لتنضّت بشكل مُفاجِىَ عشوائي على حديث مجموعة من الناس في مكان ما من 

العام؛ لأن الناس الذين تنضصّتٌ عليهم لديهم مهام خاصة وثقافات مُختلفة, ولذلك فإن 

حديثهم سيكون مُختلفاً أيضاً. 

4 

يبين ا مخطط أعلاه الشرارات 
الصغيرة للتيار الكهربائي 
المعروف ب (جُهد الفعل) 
التي تسري في دماغ السيد 
جيم (مئذ[)» أثناء التفكير 
بفكرة جديدة. أو ذكرى 
يسترجعهاء أو خيار يوافق 
عليه. كلها تكتب بهذه اللغة 
الزمن الهيروغليفية السحريّة. 


الفولتية 





عندما كُنتٌ موجوداً في غرفة العمليات كباحث. فقد لاحظت أنه أثناء قيام زُملائي بإجراء 
العمليةء كان هدفي فهم كيف يتّخذ الدماغ قراراته» وإلى تلك الغاية» طلبت من جيم 
القيام ببعض المهام مثل: التحدثء أو القراءة. أو تدقيق النظرء أو اتخاذ القرارء لتحديد 
المناطق التي ترتبط بنشاط الخلايا العصبية, ولأن الدماغ لا يحتوي على مُستقبلات للأط؛ 
جو ا ا اا ل ا 
1۰۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 





فإن المريض سيكون يقظاً خلال تلك العملية. وقد طلبت من جيم أن ينظر إلى صورة 
لسد بسيطة أثناء عملية الت لتسجيا 7 


4 


ماذا يحدث في دماغك عندما تنظر إلى 
امرأة كبيرة في السن؟ وهل يتغيّر الأمر 
عندما تنظر إلى سيدة شابة؟ 





في الشكل أعلاه. يجوز أن ترى سيدة شابّة ترتدي غطاءً وهي تنظر في الاتجاه القابلء 
والآن حاول أن تجد طريقة أخرى لتفسير هذا الشكلء امرأة عجوز تنظر إلى الأسفل 
باتجاه اليسار» يكن تفسير هذه الصورة بطريقتين (تُعرف هذه الطريقة بثُنائية الثبات 
الإدراي)» بحيث تكون الخطوط في الصفحة مُتّسقة مع التفسيرين المختلفين, فعندما 
تنظر إلى الشكل فإنك سترى أحد الوجهينء وحينما تُدقق في الأمر ترى الوجه الآخرء ثم 
الوجه الأولء وهكذاء وهنا دعني أخبرك بأهمية هذا الأمر: لا شىء يتغير فعلتاً ف الصفحة 
(أي كلما قال جيم إن الصورة قد اختلفت فمعنى ذلك أن شيئاً ما حدث في دماغه). 





الفصل الرابع: كيف انَخِدْ قراراتي؟ 


ااا سس ا ب ممح 


ففي اللحظة التي يرى فيها جيم وجه السيّدة الشابة أو وجه السيدة العجوز يكون دماغه 
ون اتخذ قراراً وهذا القرار ليس بالضرورة قراراً واعياً بل أنه في هذه الحالة قرار واعء 
قام به الجهاز البصري للسيد جيم» وأن آليات التحويل من صورة إلى أخرىء هي آليات 
خفئة تحت الغطاء وفي الإطار النظري لهذا المثال ينبغي أن يكون الدماغ قادراً على رؤية 
الوجهين» وجه السيدة العجوز ووجه السيدة الشابة في الوقت نفسه. ولكن في الحقيقة 
الدماغ لا يقوم بذلك. وبصورة ذاتيةء يبحمل ا شيئاً غامضاً ويتّخذ على أساسه قراره, 
وفعلياً فإنه يُعيد اختياراته» وربما يذهب جيئة, اء ورواحاً مرة بعد مرة, لکن أدمغتنا دائماً لا 
تُجلي الغموض وتحؤّله إلى خيارات. 


لذلك عندما يصل دماغ السيد جيم إلى تفسير لوجه السيدة الشابة (أو السيدة العجوز)ء 
فإنه مُكننا سماع صوت بعض الخلايا العصبية الصغيرة في دماغه. بعضها يقفز إلى أعلى 
مُعدّلات نشاطه (فرقعة» فرقعة.. فرقعة)ء وبعضها الآخر يعمل ببطء (فرقعة؟. . . فرقعة؟... 
فرقعة... فرفعة). ولكن المسألة ليست دائماً تتعلق بالسرعة والبطء ففي بعض الأحيان 
غير الوصلات العصبية طريقة نشاطها بصورة مُحيّرة فتّصبح مُتزامنة» أو غير مُتزامنة مع 
الوصلات العصبية الأخرى حتى عندما تُحافظ على سُرعتها الأصلية. 


إن النيورونات التي يحدث أن نتجسس عليها ليست هي نفسها المسؤولة عن التغيّر 
الإدراي» وإنما تعمل بالتوافق مع مليارات الخلايا العصبية الأخرى» بحيث تكون التغيّرات 
التي نشهدها انعكاسا للأنماط المتباينة التي تحدث عبر عمليات كبيرة في منطقة الدماغء 
وحينما تفوز واحدة من الأنماط على الأنماط الأخرى فإن دماغ السيّد جيم يكون قد اتخذ 
قراراً. 

يقوم دماغك باتخاذ آلاف القرارات كل يوم في حياتك» مدوّناً خبراتك عن العام من قرار 
ارتداء الملابس إلى الأشخاص الذين تتواصل معهم» وكيفية تفسير مُلاجظة معينة: أو الرد 
على إهيل» أو اتخاذ قرار بالمغادرة, كلها قرارات تُشكل أفعالك وأفكاركء وهذا يعني أن 
هويتك تتشكل من صراعات كبيرة تحدث على نطاق واسع في الدماغ لأجل الهيمنة التي 
تحدث في الجمجمة في كل لحظة من لحظات حياتك. 

لشي اه العصبي الذي يحدث داخل جمجمة السيد جيم 
(قرقعة. . قرقعة. . قرقعة). من المُستحيل أن لا نفزع من الخوفء وفي نهاية المطاف» علينا 

أن تُدرك هذا ما يحدث في حياتنا أثناء اتخاذ قراراتناء سواء أكان ذلك القرار بخصوص 
عرض خطوبة أم إ إعلان حرب» أم جموح خيال» أم قفزة في المجهول. أم مسة حنان» أم 


يك 


111 


4 
شبكات من الخلايا 
العصبية تتنافس فيما بينها 
مثل الأحزاب التي تتصارع 
من أجل الهيمنة السياسية 


الدماغ أسطورة التحوين 





كذبةء أم لحظة فرح» أم لحظة حسم» كلها تحدث هناك في الصندوق الأسودء وتنشأ من 
نشاطات عصبية تحدث في الخلايا الحيّة. 


الدماغ آلة مبنية على الصراع 

والآن دعنا ثُلقي نظرة على ما يحدث في الدماغ خلف الستارة أثناء عملية اتحاد القرار. 
تخيّل معي أنك في صده اختيار شيء بسيط وأنت واقف في مخزن للألبان المُجمّدة 
وتحاول أن تُقرر بين نكهتين تحبهما بالدرجة نفسها: لبن بنكهة النعناع أو لبن بنكهة 
الليمون. ففي الشكل الخارجيء لا يظهر أنك تقو م باي شيء مُهم, كل ما في الأمر أنك في 
حيرة بسيطة من أمرك» وتُراوح جيئةً وذهاباً بين الخيارين» ولكن داخل دماغك» يستدعي 
هذا الخيار البسيط بُركاناً من النشاط. 


الخلية العصبية الواحدة ليس لها تأثيرٌ معنوي» ولكن كل خلية عصبية متصلة بآلاف 
الخلايا التي تتصل بدورها بآلاف الخلايا الأخرىء وهكذا دواليك في شبكة مُتداخلة كثيفة, 
وغزيرة» كلها تُطلق مواداً كيميائية موي أو تبط بعضها و 


« ا 








۱1۲ 


الفصل الرابع: كيف أتخذْ قراراتي؟ 


اس سس سج بيس 


في هذه الشبكة يوجد مجموعة من الخلايا العصبية التي ْنل نكهة اللبن بالنعناع» وهذا 
النمط يتكون من خلايا عصبية تُنشّط بعضها بعضاًء ولیس بالضرورة أن تكون بجانب 
بعضها بعضاًء بل على العكس قد تكون في مناطق بعيدة ومُختلفة من الدماغ تختص 

بالشّم؛ والمذاق» والبصرء والذكريات الخاصة بالنعناع» وكل مجموعة من هذه الخلايا 
وحدها ليس لديها الكثير مما تفعله بخصوص نكهة النعناع» ففي الواقع» كل خلية عصبية 
تلعب أدواراً مختلفة, في أوقات مختلفة» حسب طبيعة المهمّة التي تشترا تشترك فيهاء والتي 
عادة ما تكون مُتغيّرة ولكن حينما تُصبح هذه الخلايا العصبية نشطة بشكل كُلي, يكون 
هذا الترتيب الخاص الذي تظهر فيه هو ترتيب نكهة النعناع في الدماغء وهذا يحدث أثناء 
الوقوف أمام ثلاجة الألبان حيث يتشكّل هناك اتحاد من الخلايا العصبيةء التي تتصل مع 
بعضها بعضاً مثل الأفراد الذين ينتشرون في العام» ويتصلون مع بعضهم بعضاً بواسطة 
وهذه الخلايا العصبية لا تعمل بمفردها أثناء عملية الاختيان ففي هذا الوقت تكون 
عملية المُتافسة عندما يكون الخيار لبن بنكهة الليمون» فتتشكل له مجموعة من الخلايا 
العصبية الخاصة بذلك» وكل تحالف بين الخلايا العصبية (تحالف النعناع أو تحالف 
الليمون)» يُحاول أن يكسب الموقفء من خلال تكثيف نشاطه والحد من عمل الشبكة 
الأخرى. فهما في حالة صراع حتى تنتصر واحدة من تلك الشبكات نصراً مؤزراً ونهائياً 
وبذلك تُحدّد الشبكة الفائزة في دماغك ما عليك القيام به في خطوات لاحقة. 


وعلى النقيض من غمل الحاسوبء يجري الدماغ عملية تنافس شديدة بين الخيارات 
ا مختلفة لكي تكسب الجولةء ودائماً يكون هُناك العديد من الخيارات حتى بعد أن تختار 
اللبن بنكهة النعناع أو الليمون» فإنك ستجد نفسك في عملية جديدة من الصراع» هل 
ستأكل كل هذا؟ فجزء منك يريد هذا المصدر اللذيذ من الطاقةء وفي الوقت نفسه هناك 
جزء آخر منك يعرف ما يحتويه ذلك من سكرء ورها تقنع نفسك بأنك ستركض بدلاً من 
ذلك كله وسواء أأكلت علبة اللبن كاملة أم لم تأكلهاء فذلك ببساطة هو مُجرّد خيار ناتج 
عن عمليات من الصراع. 


ونتيجة لعمليات الصراع المُحتدمة في الدماغ, فإننا نتجادل مع أنفسناء ونلعن أنفسنا 


احیاتا أو نتملق مع أنفسنا حيناً آخرء ولكن من يتكلم مع من؟ أنت: مجموعة من 
الأجهزة المختلفة التي تكوّن شخصيتك. 


والمهام البسيطة أيضاً قد تُوْجّج الصراعات الداخلية في دماغك, وأحياناً يكون ذلك ظاهراً! 


چ ا ا ر ل ل ر ےھ کچ کک > كت 


11۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 
مم اي ل و و جر نستي 


فعلى سبيل اللثال: هل يمكنك تسمية لون الحبر الذي كُتبت فيها الكلمات التالية: 


£ 


أرجواتٍ أصفر اخضر 


. 2 £ 


أنسود احمر اخضر 


أحمر أصفر 007 


أسود أرتواف السود 


أحمر أخضر برتفاي 















نصفا الدماغ يكشفا النقاب عن حالة من الصراع 





تحت ظروف خاصة؛ يُصبح من السهل مُشاهدة الصراع الداخلي بين الأجزاء الداخلية 
من الدماغء وكعلاج لبعض أنواع الرُعاش يخضع بعض المرضى إلى عملية تُدعى (تنصيف 
الدماغ). حيث يتم فصل نصفي الدماغ عن بعضهما بعضاً ففي العادة» يكون نصفا 
الدماغ متصلين ببعضهما بعضاً بواسطة جملة عصبية سريعة تُدعى «الجسم الثقني» 
وهذا يسمح لجانبي الدماغ من تنسيق عملهما معاً. فإذا كنت تشعر بالبرد فإن كلتا يديك 
تتعاونان مع بعضهما بعضاً واحدة تُمسك بالقبّعة والثانية تُغلق السحّاب. 

ولكن حينما يُستأصل الجسم الثقني تظهر حالة طبية مُميّزة تُدعى «مُتلازمة اليد الغريبة» 
فكلتا اليدين تتحركان بنوايا مُختلفة: أي يبدأ المريض بإغلاق الجاكيت بيد وتقوم اليد 
الأخرى فجأة بجر السخاب (اليد الغريبة) ثم تُعيد فتحه بشكل مُفاجئ» أو قد يتناول 
المريض حبة بسكويت في إحدى يديه في حين تقوم اليد الأخرى بضرب تلك اليد لكي تكفا 
عن ذلكء وهذا الصراع الاعتيادي الذي يجري داخل الدماغ يوضح عمل جانبي الدماغ 


11€ 


الفصل الرابع: كيف أتخذْ قراراتي؟ 


ا سجس سس ب 








فود عملية الجراحة بعدّة أسابيع تختفي مُتلازمة اليد الغريبة» وذلك بفضل الوصلات 
مسقي بين نصفي الدماغ التي تبدأ عملية التنسيق بين جانبي الدماغ» وهذا مثال واضح 
بين حتى حينما نعتقد أننا بدماغ واحد فإن سلوكاتنا هي نتاج معارك كبيرة تبدأ وتنتهي 
بشكل مُستمر في عتمة القحف الدماغي. 









114100 












e‏ م 
ر ١‏ :3 
ارسم ما ترى بيد كاليُسرى ماذاترى كل جانب یری 





(الجانب الأيمن: اليد الُسرى) (الجانب الأيسر: كلام) كلمة واحدة 








المعلومات القادمة من النصف الأيسر للمجال البصري تذهب إلى الجانب الأيمن من الدماغ والعكس بالعكس. ونتيجة 
لذلك إذا تحركت كلمة إلى منتصف الخط بين الجانبين فإن كل جانب من حانبي دماغ المريض سيرى نصف الكلمة 





هذا صعب جداً أليس كذلك؟ فلماذا تُشكّل هذه المهمّة البسيطة صعوبة» خاصة عندما 
تكون التعليمات واضحة جداً؟ لأن كل شبكة في الدماغ تأخذ مهمة تحديد لون الحبرء 
وتُحاول تسميتهاء وفي الوقت نفسه تقوم الشبكات المُنافسة في دماغك مسؤولية قراءة 
الكلمات - وهذه الشبكات تكون بارعة جداً بقراءة الكلمات» بحيث تُصبح عملية تلقائية 
راسخة في حياتك. فبإمكانك أن تشعر بهذا الصراع بين هذه الأجهزة التي تتنافس مع 
بعضها بعضاً ولي تحصل على الإجابة الصحيحة: ينبغي أن تقوم بكبت رغبتك القويّة في 
قراءة الكلمة من خلال التركيز على لون الحبرء عندها ستُّجرب نوع الصراع الذي يحدث 
في الدماغ وبصورة مُباشرة. 


ولي نفهم عمل الأجهزة الرئيسة المُتنافسة داخل الدماغ, دعنا نجري تجربة ورطة العربة 
امتهورة: وهي عبارة عن عربة تسير على السكة» ولكنها في لحظة ما تفقد السيطرة. 
ا ا ل ا 


١160 


4 


ورطة العربات المتهورة. 
حيتما سنل بعض الأشخاص 
كيف سيتصرفون في مثل 
هذا الموقف؟ أجاب 

العتلة ويحؤلون مسار 
العرية؛ لأنها ستقتل شخصاً 
واحداً بدلاً من أن تقتل 
أربعة أشخاص. 


الدماغ أسطورة التكوين 


آي 111 سين 


وبالصدفة يكون أمامها أربعة عمالء وأنت واقف ثراقب ذلكء وقد أدركت أن هؤلاء 
العَمّال یوي تحت عجلاتها إذا ما استمرت ف مسارهاء ثم لاحظت أن هناك رافعة 
قريبة: إذا قمت بفتحهاء فإنك ستحول مسار هذه العربة إلى المسرب الآاخرء ولكن رويدك!. 
. هناك عامل آخر ف المسرب الآخر ستقتله هذه العربة إذا حولتها إلى ذلك المسرب, 
معنى آخر فإنك إذا حؤلت العربة إلى المسرب الآخر ستقتل عاملاً آخر وإذا ما تركتها في 
0 نفسه. فإنها ستقتل أربعة عمال» والسؤال: هل ستفتح الرافعة أم لاء 





والآن دعنا نتمعن موقف آخر مختلف وهذا الموقف يبدأ بفرضية الموقف السابق 
نفسهاء أي أن العربة تسير إلى الأسفل, وتفقد السيطرة, وأمامها أربعة عمال سيُقتلون 
إذا ما استمرت في مسربهاء ولكن هذه امرة كون أنت واقغا على منة برج اماه أطل 
على مسارب حركة العربات» وقد لاحظت أن هناك رجلاً ضخماً يقف معك. يتطلع إلى 
الخارج من مسافة. وقد أدركت بأنك إذا دفعت هذا الرجل فإنه سيقع على المسرب» وهذا 
الشخص سيوقف العربة» ويُتقذ الأشخاص الأربع» هل ستقوم بدفعه إلى الموت؟ 


1٦1 


الفصل الرابع: كيف أتخذ قراراتي؟ 


ورطة العربات المتهؤرة. . 
سيناريو ۲. في هذا الموقف 
لا أحد يرغب في دقع 
الرجل ولكن اذا لا؟ حينم 
طرح عليهم السُّؤال أفادوا 
بإجابات مثل: إن ذلك 
يشكّل جرهة» وإن ذلك 





ولكن رويدك! ألم يُطلب منك أن تدرس هذه المعادلة في الحالتين: أي أن تُقايض روحاً 
واحدة بدلاً من أربع أرواح» فلماذا تختلف النتائج في المشهدين؟ لقد درس عُلماء الأخلاق 
هذه المشكلة من زوايا مُختلفة, ولكن التصوير الدماغي قد أعطانا إجابة واضحة عن 
هذا السؤال» فبالنسبة للدماغء فإن الموقف الأول هو موقف رياضي بحتء أي أن ورطة 
العربات نشّطت المناطق الدماغية المختصة بحل المُشكلات بطريقة منطقيّة. 


11۷ 


الدماغ أسطورة التكوين 
سس يي ب ا ب ااا ا کے 


العتلة؟ 


القشرة الجبهية ذات البطين 
الجانبي اتظهراني 


القشرةالجدارية 
القشرة الجبهية ذات 
6 البطين الجانبي 
4 

عدة مناطق من الدماغ 

تشترك في حل المشكلة 5 
أما في اممشهد الثانيء فإن الأمر يتطلب منك أن تتدخل جسدياً بدفع الرجل إلى سكة اموت 
وهذا يتطلّب شبكات عصبية إضافية تنخرط في اتخاذ القرار- أي مناطق دماغية ذات 
علاقة بالعاطفة. 

هل ست فع اترجنل؟ 
4 


عند تأمل الموقف الذي اقرناموق ‏ . 


يتطلب دفع رجل بريء 
إلى سكة الموت تتداعى : الفشرا الجبيية لرسطل 
إلى العمل شبكات عصبية 
أخرى لها علاقة بالوجدان 1 ١‏ 
وهي التي تتخذ القرار - ا 
وهذا ما يقلب النتيجة عن 
الموقف السابق 


ال ا د کد دد ے د > > ا کے 


11۸ 


الفصل الرابع: كيف أنَخذ قراراتي؟ 


2ئ يي يي س ڪڪ 


فى الموقف الثاني نحن أمام صراع بين جهازين لهما رأيان مُختلفان: الشبكة العقلانية 
تدعونا إلى أن نضحي بشخص بدلاً من أربعة» لكن الشبكة الوجدانية تتدخل وتعد ذلك 
جره وعملاً أ خاطئاًء لذلك يكون الإنسان بين قوتين متنافستین» تستدعيان تغيير النتيجة 
تخييراً أ جذرياً من موقف لآخر. 


ثلقي ورطة العربات امتهوّرة الضوء على المواقف الحياتية الحقيقية, حُذْ مثلاً الحروب 
المعاصرة التي تبدو كأنها عملية سحب للرافعة أكثر من كونها دفع لرجل من فوق بُرج» 
فحينما يضغط أحد الأشخاص على زر إطلاق الصواريخ بعيدة المدىء فإن الشبكة العصبية 
التي تعمل هي الشبكة الرياضية المنطقية. > كما تُصبح عملية تشغيل جهاز الإنذار مثل 
لعبة الفيديو؛ أي الإعلان عن عمليات هجوم افتراضية انتقامية من على يُعد. وهنا تكون 
الشبكات العصبية العقلانية هي السيطرةء وليس بالضرورة الشبكات العصبية الوجدانية, 
وهذه الطبيعة الانفصالية للحروب من على بُعد. تُقَلّل الصراع الداخلي» وتجعل من 
السهل خوضها. 


اقترح أحد الخُبراء وضع زر إطلاق الصواريخ النووية في رقبة أفضل صديق للرئيس؛ لأنه 
لو افترضنا أن الرئيس سيضغط على زر السلاح النوويء» فإنه سيؤذي صديقه الحميم» 
ويُعوْضه للخطرء وهذا قد يستدعي الشبكات العاطفية إلى صناعة القرار. فعندما يقوم 
الشخص باتخاذ قرارات (حياة أو موت) فإن الأسباب التي ليس عليها رقابة تكون خطيرة؛ 
لأن عواطفنا هي مكوّن قوي وفعال. وقد يكون من الخطأ استبعادها من عملية التصويت 
البريلاني على هذا الخيار أو ذاك؛ لأن العام لن ينعم بالسلام إذا تصرّفنا كنا مثل الروبوتات. 


ورغم أن علم النفس العصبي ما زال في بداية الطريقء إلا أن الحدس ظاهرة قديمة 
موجودة عبر التاريخ» فقد اقترح الإغريق القٌدامى أنه علينا التفكير في حياتنا مثل العربات» 
ونحن مثل السائقين تُحاول أن مُسك بالحصانينء الحصان الأبيض وهو العقلء والحصان 
الأمود وهو الشهوة, وكل حصان يُحاول أن يأخذ العربة باتجاهه» ودورك أنت أن تُسيطر 
على الحصانين أثناء السير في الطريق 


كما يُكننا في الحقيقة - وبطريقة علمية عصبية اعتيادية - أن بيط اللثام عن أهمية 
العواطف من خلال النظر مما يحدث لشخص حينما يفقد قدرته على اتخاذ القرار. 


1۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 
لللططئلسبسسهس-ربيبيي-بِإاييبيب-ابيب يب با سے 


صحتك الحسديّة أساعدك في انخاذ القرارات 
لا تُضيف العواطف فقط الحيوية لحياتناء وإنما ْنَل السرٌ الذي تكمن وراءه تصرفاتناء وما 
ينبغي أن نقوم به في الخطوات التالية في كل لحظة. ولتوضيح ذلك دعنا ندرس موقف 
السيدة تامي ميرز )Tammy Myers) j‏ وهي مهندسة تعرضت إلى حادث دراجة نارية, 
أدى إلى تلف القشرة الجبهية المداريةء أي المنطقة التي تقح مباشرة فوق تجويف العينين, 
وهذه المنطقة هامة لدمج الإشارات القادمة من الجسد - إشارات تُخبر بقية أجزاء الدماغ 
عن حالة الجسد فيما إذا كان جائعاً أو غاضباً أو مُستثاراً أو مُرتبكاً أو عطشاناً أو 
مسروراً 

لا يبدو أن السيدة تامي تشبه أي شخص آخر مُصاب بتلف بالدماغ, ولكنك إذا أمضيت 
خمس دقائق معهاء ستكتشف أن هناك مشكلة في قدرتها على مُعالجة قراراتها اليومية. 
وعلى الرغم من أنها قادرة على وصف سلبيات وإيجابيات الخيار الذي آمامهاء إلا أن هذه 
المواقف البسيطة جداً تتركها في حالة عدم قدرة على اتخاذ القرار؛ لأنها لا تكون قادرة 
على قراءة الإشارات العاطفية الصادرة عن جسدها؛ فلذلك تبدو قدرتها على اتخاذ القرار 
صعبة للغايةء فتبدو الخيارات أمامها مُتشابهةء وها أنها غير قادرة على اتخاذ القرار فإنها 
تبدو عاجزة عن تحقيق أي إنجاز وقد قالت السيدة تامي: إنها غالباً ما تقضي وقتها 
مضطجعة على الأريكة. ۰ ١‏ 


إن إصابة دماغ السيدة تامي تزودنا بالكثير عن عملية اتخاذ القرارء ومن السهل التفكير 
بالدماغ الذي يُعطي الأوامر إلى الجسم من أعلى إلى أسفل - لكن الحقيقة أن الدماغ هو 
في حالة اتصال مباشرة ومستمرة مع الجسم - وتعطي الإشارات البدنية مُلخْصاً سريعاً 
عما يحدث» وما ينبغي أن يقوم به الدماغ» وعند الرغبة في اختيار بديل ما يكون الجسم 
والدماغ في حالة اتصال مُباشرة. 


تأمْل الموقف التاليء هبْ أنك تريد أن تُعيد إرسال طرد بريدي تائه إلى جيرانك في الشقة 
المجاورة, وما أن تقترب من حديقة جيرانك حتى يهمر عليك كلبهم, ويكشّر عن أنيابه. 
والسؤال: هل ستجرؤ على فتح البوابة» وتعبر باتجاه الباب الداخلي؟ إن معرفتك في 
إحصائيات حوادث الكلاب هي ليست العامل الحاسم هُنا - وإنما وضعيّة الكلب التي 
تثير مجموعة من الاستجابات الفسيولوجية في جسمك. مثل زيادة عدد دقات القلب» 
وتضيّق الشرايين» وتوثر العضلات» وتوسّع بؤبؤ العين» وتغيُّرات في هرمونات الدم» وزيادة 
3 غدد التعرّق» وما إلى ذلك. إن هذه التغيّرات التى تطرأ على جسدك هى تغيّرات 
تلقائية ولا شعورية. ١ ١‏ 





1١ 


الفصل الرابع: كيف أنَخذْ قراراتي؟ 





وفى هذه اللحظةء فإنك وأنت تضع يدك على زرفيل الباب» ستقوم بتقييم الكثير من 
التفاصيل الخارجية (على سبيل امثال: لون طوق الكلب) - ولكن ما يريد دماغك أن 
يعرفه في هذه اللحظةء هو إما أن تواجه الكلب» أو تجد وسيلة أخرى لتوصيل طرد البريد 
إلى جيرانك. وحالة جسدك تساعدك ف هذه المهمّة, > فهي تقوم بتمرير مُلخضَاً للدماغ عن 
هذا الموقف. أما إمضاء جسدك فيتم التفكير فيه وكأنه عنوان كبير. . «هذا سىء» أو «هذه 
مشكلة»» وذلك يساعد دماغك في اتخاذ قرار عمًا ينبغي أن يقوم به في الخطوة التالية 


١‏ : الاستجابةلفسيولوجية للشوف 
توس البؤبؤ وتدمع العينين 7 
وجفاط الشدد اللعابية 5 » 1 
ایر تتطلب معظم المواقف 
Ê‏ الكثير من التقاصيا 
كن ير من يل 
ارتشاع ضغط الدم ود قات القلب والتتفس ‏ للوصول إلى قرار من 
1 :. : خلال ع لة عنطقية. 
زيادة طي ا لتعرق 1 1 ولتوجيه هذه العملية 
1١‏ فإننا نحتاج إلى ملخصات 
EE‏ 8 من الجسد.. «أنا في أمان 
E‏ 


زيادة الشد العضلي وتدهقالدم في 
2 العشلات الكبرى 


9 





بحذء في نضاط البمهاز اأهضمي 3 


کے : / 
عوامل نجاط وزيادة نسبة السكر في الدم 3 7و 


في كل يوم نقرأ حالات أجسادنا بهذه الطريقة, وفي كثير من المواقف تكون الإشارات 
الفسيولوجية أكثر غموضاً لدرجة أننا لا نعيهاء غير أن هذه الإشارات مهمة جداً لتوجيه 
القرارات التي علينا اتخاذهاء تأمّل نفسك وأنت تتجؤل في متجر كبير: هذا هو المكان الذي 
يشل حركة السيّد تامي ((30ة1). ويجعله عاجزاً عن اتّخاذ أي قرارء أي نوع من التفاح 
سيشتري؟ وأي نوع من الخبز؟ وأي نوع من البوظة؟ هناك آلاف الخيارات التي يحملها 
وهو مُتوجّه إلى صاحب المتجر, والنتيجة النهائية أننا نقضي مئات الساعات من حياتناء 
ونحن ننتظر في طوابيرء ونُحاول أن نجعل شبكاتنا العصبيةء تلتزم بقرار ما بدلاً من آخرء 
ورغم أننا في العادة لا تدرك هذاء إلا أن أجسامنا مُساعدنا في عملية البحث المُعقّدة هذه. 


خُذْ مثلاً خيار شراء نوع من الشوربة. هُناك العديد من التفاصيل التي عليك أخذها 
بالاعتبار: مثل السعرات الحرارية» والسعر, وكمية الملح» ومذاق الشوربةء وتغليفهاء فلو 


كنت تعمل مثل الروبوت» فإنك ستعجز عن اتخاذ قرار بهذا الشأن دون طريقة واضحة 
للاعتناء بالتفاصيل التي تُساعدك أكثر. ولي تستطيع أن تختار» فإنك بحاجة إلى خلاصة 


جج دا ت _ ر و يی و کے 


۲۱ 


هنا» أو أنا في خطر هنا. 
إن الحالة الفسيولوجية 
للجسم تحافظ على اتصال 
مع الدماغ بطريقة ثابتة 


ومسجتمرة. 


الدماغ أسطورة التكوين 
و ا ا ا کے 


من المعلومات حول النوع الذي تُريد شراءه» وهذا ما يشبه التغذية الراجعة التي يُزوّد 
الجسم فيها الدماغ. التفكير في ميزانيتك على سبيل المثال - قد يزيد من تعرّق راحتي 
كفّكء أو يُسيل لعابك عن آخر مرة ة تناولت فيها شوربة إندومي دجاج: أو لاحظت كمية 
الكرها المفرطة في نوع الشوربة الآخر الذي قد يُسبب لك تشنج في الأمعاء الدقيقة, أنت 
تُحاول أن تستدعي خبرتك في نوع من أنواع الشوربة» ثم في النوع الذي يليه. إن خبرتك 
الحسددة تساعد دماغك أن يضع سريعاً قيمة للشوربة نوع 1" وقيمة أخرى للشوربة 
من نوع به ثم عطيك فرصة أن تقوم بعملية موازلة في آي اتجاه ُريد وهنا فان لا 

تستخرج فقط المعلومات من علب الشوربة فقطء > ولكنك تشعر بها. 


إن هذه ا العاطفية هي أكثر تعقيداً من تلك الخاصة مواجهة نيباح الكلب, 
ولكن الفكرة هي نفسها .. أي أن كل خيار لا بل أن مُضی بتوقيع جسدكء وهذا يُساعدك 
في اتخاذ القرار. 

فكما أسلفناء حينما كنا في صدد اتخاذ قرار بين اللبن بنكهة النعناع والليمونء قلنا إن هناك 
معركة تجري بين الشبكات العصبية وإن حالتك البدنية هي الفيصل في إنهاء تلك الممعركة, 
وهي التي تُتيح لشبكة عصبية, أن تنتصر على الشبكات امنافسة الأخرىء» وبالرجوع لقصة 
السيدة تامي» فإن تلف دماغها أفقدها القدرة على دمج الإشارات القادمة من الجسد 
باتجاه منطقة اتخاذ القرار؛ ولذلك فقد تعذّر عليها أن تُقارن بسرعة بين القيم الكلية 
للخيارات المتاحة» كما تعذَّر عليها عمل أولويات في التفاصيل الخاصة باممهمة المطروحة 
عليهاء وهذا ما جعل السيدة تامي جالسة طوال اليوم على أريكتها؛ لأنه ليس بوسعها 
أن تتخذ خياراً من الخيارات المطروحة أمامها لعدم إعطاء تلك الخيارات قيمة عاطفية. 
فليس هناك أي طريقة لأن تقوم واحدة من الشبكات العصبية بحسم الموقف ضد 
الشبكات الأخرىء ويبقى الجدال قائماً في برمانها العصبي» ويستمر في حالة من الحيرة. 


ولأن حالة الوعي تعمل بموجات مُنخفضة: فإنه يتعذّر عليك الوصول إلى إشارات الجسد 
التي تُساعدك في اتخاذ القرار. فمعظم عمليات التفاعل في جسدك تكمن في اللاوعي» 
ورغم ذلك فإن هذه الإشارات عميقة في تحديد نوع الشخص الذي تُؤمن بأنه أنت» 
ومثال على ذلك. كشف عام الأعصاب ريد مونتاج (عنجةغده2 864) عن وجود وصلة 
بين خطط الشخص وشخصيته العاطفية؛ فقد أَدْخَلَ المشاركين في جهاز تصوير الدماغ» 
وقاس استجابتهم لمجموعة من الصُورء واختيرت لتُثير اشمئزازهم مثل صور قاذورات 
وصُور بعض الجُثثء وأطعمة مُغطاة بالحشرات» وأثناء خروجهم من جهاز التصوير 
سُئلوا فيما إذا كانوا مُستعدّين للمشاركة في تجربة أخرىء فإذا وافقوا على إعادة التجربة؛ 


ال و بوكر وو ا 
1 


الفصل الرابع: كيف أنخدُ قراراتي؟ 


ي ااسس س بحبح 


كان يُعطيهم استبياناً للإجابة عليه في عشر دقائق حول توجههم السياسي» وكانت الأسئلة 
يدور حول: ماهية شعورهم حول مكافحة انتشار الأسلحة ة» والإجهاض. وممارسة الحم 

دن المراهقين. وما إلى ذلك» وقد وجد الباحث أنه كلما عبر ا مُشاركون عن اشمئزا شمئزازهم من 
الصو كلما دل ذلك على أنهم مُحافظين سياسياً وكلما قلّ اشمئزازهم من الصُور كلما 
زادت ليبراليتهم» وهذه العلاقة الارتباطية هي علاقة قوية. لدرجة أنه مكن التنبّؤٌ بالميول 
السياسي للشخص وبدقّة تصل ل 30 من خلال استجابته العصبية للصور المقززة, وأن 
القناعة السياسية لدى الشخص تظهر من خلال تفاعل الدماغ والجسد. 


الإبحار في المستقبل 


كل قرار تشترك فيه خبراتنا السابقة (مُخرنة في أجسادنا)» وموقعنا الحالي (هل لدي نقود 
كافية لكي أشتري هذا أم ذاك. وهل الخيار (و) مُتاح) بالإضافة إلى أمرٍ آخر يشترك أيضاً في 
صناعة القرار: هو التنبّؤ بالمستقبل. 


ما المكافأة؟ بمعناها الأساسي هي شيء يُحرّك الجسد نحو وضعه المثاليء فالماء هو مكافأة 
لجسدك في حالة العطش, وكذلك الغذاء هو جائزة كبرى لجسدك حينما يفقد طاقته. والماء 
والغذاء يُعدان مكافأة أساسية مرتبطة مباشرة بالحاجات البيولوجية للجسم» وبصورة أكثر 
عمومية على أية حال يمكننا القول إن السلوك البشري يُوجّه بمكافآت ثانويةء وهي عبارة 
عن أشياء تتنبأ مكافآت أساسية. فعلى سبيل المثال: إن النظر إلى مُستطيل معدني لا يُعني 
شيئاً كثيراً بالنسبة لدماغك» ولكن لأنك تعلّمت أن تُدرك ذلك المستطيل على أنه نافورة 
ماء لذا فإن رؤية ذلك المستطيل تأقي وكأنها مكافأة لك وأنت ضمآن. وفي حالة البشرء فإِنًا 
سنجد حتى بعض اممفاهيم المجرّدة مرتبطة بالمكافآت مثل شعورنا بأهمية تقييم ا مجتمع 
ا محلي لناء فعلى العكس من الحيوانات» يضع البشر هذه المكافآت أمامهم مثل الحاجات 
البيولوجية, كما عبّر عن ذلك السيد ريد مونتاج «أسماك القرش لا تُضرب عن الطعام».. 
إن بقيّة الحيوانات في المملكة الحيوانية تسعى فقط وراء تلبية حاجاتها الأساسية, أما 
البشر فإنهم يتجاوزون تلك الحاجات بالسعي إلى حالات معنويّة مُجرّدة فعندما تُواجه 
مجموعة من الخيارات, فإننا ندمج مُعطياتها الداخلية والخارجية لكي تُعظم ميّزاتهاء رغم 
معرفتنا كأفراد بقيمتها الحقيقية. 


إن التحذي بخصوص أي مكافأة سواء أكانت أساسية أم مُجردة يكمن في أن الخيارات 





1۲۲۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 
ےک لل ج يي 


بالعادة لا تظهر نتائجها فور لذلك فإنه ينبغي علينا في معظم الأوقات اتخاذ قراراتنا 
ضمن مسار ما تأمل أن نقطف مكافأة فيه في المستقبل. فالناس تذهب إلى المدرسة لعدد 
من السنين؛ لأنهم بُقيّمون مفهوم المستقبل بعد حصولهم على الدرجات العلمية, كما 
أنهم يخدمون في وظائف لا يُحيُونها على أمل التزقية» ويصبرون أنفسهم على تمارين قاسية 
على أمل الحصول على أجساد مثالية مُستقبلا. 


إن المفاضلة بين عدّة خيارات تعني إعطاء قيمة لكل خياره بالعُملة المُتداولة - 

المكافأة المتوقّعة كم اختيار الوديك الأعلى قيمة, حُذْ مثلا الموقف التالي: لدي بعض وقت 
الفراغء ولذلك فأنا أحاول أن أفكر فيما يمكنني أن أقوم به في ناا الوقت, فأنا بحاجة إلى 
بعض الخُضارء غير أنني بحاجة أيضاً إلى الذهاب إلى القون لی أكمل تقديم طلب منحة 
مالية لتطوير مختبري نظراً لاقتراب انتهاء الموهد المحدّد لتقديم الطلبات» كما أنني أفكر 
بأن أقضي بعض الوقت مع أحد أبناني ف فى المتنزه القريب. والسؤال هو كيف يمكنني أن 
أوازن بين قائمة الخيارات تلك؟ 


قد يبدو من السهل علي فيما لو فاضلت بين تلك الخيارات من خلال تجربتها تجربة حيّة 
ثم إعادة شريط الزمن لكي أستطيع في النهاية أن أختار مساري بناء على أفضل النتائج 
التي أحصل عليهاء وآحسرتاه! فأنا لا أستطيع أن سضر المُستقبل. 


أم هل ذلك مُمكن؟ 


4 


كما عرض في فيلم 
«العودة إلى المستقبل» 
البشر قادرون على 
الانتقال عبر الزمن 
يوميا. 








١ع‎ 


الفصل الرابع: كيف أنَخذْ قراراتي؟ 


بلحس نباب سس سس سس سس بحس ست 


اس مار المستقبل عملية يقو بها الدماغ البشري بفاعليةء حينما نکون أمام موقف ‏ 


يحتاج منا إلى قرا فإن أدمغتنا تُحاي مجموعة مُختلفة من البدائل لوضع تصوّر للا مُکن 
أن يكون عليه المستقبلء فبإمكاننا ذهنيًاً أن ننفصل عن الحاضرء وتُبحر في عاط ليس 
موجوداً بعد. 


والآنء فإن مُحاكاة موقفٍ في خيالي لا مُث إلا الخطوة الأولى في عملية اتخاذ القرارء التي 
تتطُلّب مني تقدير المكافأة امُستقبلية في كل خيار من الخيارات امُتاحة. فعندما أتخيل 
تعبئة عربتي بالحُضار من السوقء فإنني أشعر بنوع من الراحة؛ لأنني مُنظُّم وأتجئب 
المفاجآت. أما بالنسبة للمنحة المالية لتطوير المُختبر فإنها تحمل في طيّاتها ا ن 
امكافآت» ليس فقط بعض الأموال الخاصة با معملء بل يتعدّاه إلى الثناء الذي سأتلقّاه 
من رئيس قسميء بالإضافة إلى رضاي عن نفسي في تحقيق ذاتي في مهنتي» كما أن ذهابي 
إلى المتنزه مع ابني يُشعرني بالسعادة ويمنحني مكافأة بالدفء العائليء ولذلك فإن قراري 
الأخيرء سيكون مبنيّاً على ما يحمله المُستقبل من منافع في كل بديل من البدائل المتاحة, 
وترجمة ذلك بالعملة المُتداولة كما تفهمها أجهزتي الخاصةء فالخيارء إذنء ليس سهلاً؛ لأن 
هذه القيم مُتقاربة جد التفكير بالذهاب إلى سوق الخضار يُرافقه شعور بالمللء كما 
يُرافق شعورنا بالإحباط الذهاب إلى المقهى لتقديم طلب منحة للمُختير, أما عدم الذهاب 
للمتنزه مع ابني فبُرافقه شعور بالذنب. وبصورة عامة» فإن دماغي يعمل تحت إمرة رادار 
الوعي الذي يتوڵى مهمة الموازنة بين البدائل» وفي وقت ما يقوم الدماغ بفحص - يُشبه 
فحص الأمعاء - لكل خيار من الخيارات المتاحة, هكذا نتّخذ قراراتنا. 


كيف أتصوّر هذه الخيارات بدقّة في المستقبلء وكيف يكنني التنبؤ ها يكن أن تكون 
عليه نتائج هذه الخيارات في كل مسار من المسارات؟ والجواب على هذا السؤال: أنني 
لا أستطيع! ليس هناك طريقة نعرف فيها صدق توقعاتنا في اممستقبل» وكل تصوراتنا 
للمستقبل تعتمد على خبراتنا في الماضيء وعلى نماذجنا الحالية في معرفة كيف تدور 
الحياة. فلا مُكننا أن نكون مثل الكائنات الحية في المملكة الحيوانية التي تقضي حياتها في 
التسكّع على آمل أن 3 تعثر على ما ينبغي عليها أن تقوم به من خلال النتائج التي تحصل 
عليها صُدفةً بل على النقيض من ذلكء فإن التنبّؤ من صميم عمل أدمغتناء ولي نقوم 
بذلك بشكل منطقيء فلا بد لنا من الاستمرار بالتعلّم عن العالم الذي يُحيط بنا ومن كل 
خبرة من خبراتنا عنه, يُكننا وضع قيمة لكل خيار من خياراتنا بناء على الخبرات السابقة. 
لباستخدام استوديوهات هوليوود التي توجد في مخيّلاتنا يمكننا استبصار الزمن نحو 
مُستقبل خيالي لنرى ما قيمة تلك الخيارات» وهذه الطريقة التي أختار فيها بدائلي من 
خلال مُقارنة قيمها في المستقبل» وهذه هي الطريقة التي أستطيع فيها تحويل البدائل 





10 


الدماغ أسطورة التكوين 
TTT |‏ 


امُتنافسة إلى عُملة مُتداولة للمكافآت المستقبلية. 


تأمّل قي قىمة المكافأة المتوفّعة لكل خيار على شكل تقييم ذاني يخرن قيمة لكل شيء. ونظراً 
لأن سوق الخُضار سيزودني بالغذاء ولنقّل إنه يساوي عشر وحدات» أما تقديم طلب 
المنحة فهو صعبء ولكنه ضروري للهنتي» ولذلك فهو يساوي خمس وعشرين وحدة, 
وحَبّي لقضاء وقت مع ابني يساوي خمسين وحدة. 

ولكن هناك تغيّر مُثير: فالعالم مُعقّد ها فيه الكفاية. وكذلك أجهزة التقييم الداخلي 
العامة بام كن ونا مكوية بحر دام. فقييمك لكل ني حولك متباين؛ لأن توقعاتنا 
لا تتطابق دائماً مع الواقع, والمفتاح الرئيسي للتعلّم الفعال يقع في تتبّع الخطأ التنبّؤي: 
الفرق بين نتيجتي توقّع الخيار وواقع الخيار ذاته. 


وبالعودة إلى المثال الذي طرحناه سابقاً هناك تنبو قام به دماغي حول قيمة مكافأة 
الذهاب للمتنزه مع ابني» ولو صادف أن التقينا بأصدقاء هناكء وتبيّن أن الذهاب إلى 
المتنزه يساوي أكثر مما توفّعت فإن ذلك يرفع معدل تقييمي للذهاب للمتنزه ف المرة 
القادمة حينما أكون في صدد اتخاذ قرار بهذا الشأن, وبالمقابل إذا ذهبنا إلى هناك ووجدنا 
أن المراجيح مُعطّلة, وباغتتنا السماء بزخات مطريّة, فإن ذلك يُخْفْض من تقييمنا للذهاب 
للمتنزه في المرة القادمة. 

ولكن كيف يعمل هذا؟ هُناك نظام صغيرء ولكنه قديم في الدماغ يكمن عمله الأساسي في 
تحديث تقديراتنا للعالم من حولناء ويتكوّن هذا النظام من مجموعات صغيرة من الخلايا 
في الدماغ الأوسط تُدعى الدوبامين وهي الناقل العصبي للغة. 


فعندما يحدث عدم تطابق د بين التوقع والواقع يقوم جهاز الدويامين ببث إشارات لإعادة 

تقييم الأمرء وهذه الإشارات تُخبر باقي الجهازء فيما إذا تحسّن الأمر أكثر مما هو متوقع 
(زيادة ٤‏ ضخ الدوبامين) أو ف ما إذا ضعفت القيمة (نقصان في إفراز الدوبامين)ء وتتيح 
إشارة التنبّؤ بالخطأ إلى باقي أجهزة الدماغ تعديل توقّعاتها بحيث تكون أقرب للواقع 
في الهرة القادمةء ويعمل الدوبامين كمُصحّح للخطأء وهو عبارة عن جهاز كيميائي خاص 
بعملية التقيبم يسمح بتحديث تقديراتك عن العام وبتلك الطريقة تمكنك إعادة ترتيب 
أولويات قراراتك بناء على أفضل التنبؤات للمستقبل. 





1۲٢ 


الفصل الرابع: كيف أنّخد قراراتي؟ 





وبصورة أساسية يقوم الدماغ بالتكيّف حسب نتائج التوفّعات - وهذه الحساسية تتوافر 
في صلب قدرة الحيوانات على التكيّف والتعلم - وهذا يعني أن ذلك ليس مفاجأة! إن 
تركيبة الدماغ الخاصة بالتعلُّمم من الخبرات هي نفسها بين الكائنات الحية من النحلة 
وحتى البشرء وهذا يعني أن الدماغ اكتشف المبادئ الأساسية للتعلّم بالمكافأة منذ زمن 
ونل 


قوة الحاضر 

لقد رأينا فيما مضى كيف تُسكّر الخيارات ام مختلفة. ولكن هناك تغيراً عادة ما يحدث أثناء 
اتخاذ القرارء وهو أن الخيارات التي تكون أمامنا في لحظة مُعيّنةَ يتم تقييمها أكثر مما 
يمكننا تصوّره, وهنا يدخل عامل آخر في عملية اتخاذ القرار حول المستقبل وهو الحاضر. 
في عام ۸ تعرّض الاقتصاد الأميري إلى تراجع حاد مما دعا الناس الذين عاشوا في تلك 
الأزمة إلى اقتراض الأموال وقد استلفوا قروضاً بفوائد مُنخفضة لفترة من الزمن» ولكن 
المشكلة حدثت في نهاية تلك الفترة التجريبية حينما ارتفعت الفوائد. حيث وجد الكثير من 
أصحاب البيوت أنهم غير قادرين على تسديد الأقساط اللترتبة عليهم» وقد أدى ذلك إلى 
الحجز على ما يُقارب مليون منزل وهو أمر كان في مُنتهى الخطورة على الاقتصاد العامي. 


ص ا تآ تت 


¥ 


4 

الخلايا العصبية التي 
تطلق مادة الدوبامن ذات 
العلاقة في اتخاذ القرارء 
تكون متمركزة في مناطق 
صغيرة من الدماغ تدعى 
والمادة الرمادية. على الرغم 
صغر حجمهاء إلا أن لها 
تأثيراً واسعاً من خلال نشر 
تحديثاتهما حول القيمة 
التنبؤية لبعض الخيارات في 
حالة زيادتها أو نقصانها 


الدماغ أسطورة التكوين 





ماذا مُكننا أن نفهم من تلك الأزمة الاقتصادية بالنسبة للشبكات العصبية المتنافسة داخل 
الدماغ؟ لقد منت هذه القروض ذات الفوائد امُنخفضة الناس من الحصول على بيوت 
جميلة في تلك اللحظةء غير عابتين بارتفاع الفوائد في فترة لاحقة» وبناء على ذلك فقد بدا 
ذلك عرّضاً فخماً للشبكات العصبية التي تُحب الجوائز - أي تلك الشبكات التي تُحب 

الحصول على الأشياء فورا ونظراً لأن إغراء إشباع الحاجات الفورية يدفعنا بقوة لاتخاذ 
قراراتناء فإنه لا يمكنها فهم أزمة شراء البيوت فقط كظاهرة اقتصادية» وإنما كظاهرة 


عصية. 


إن الحاضر لا يغري المقترضين فحسب بل الدائنين أيضاً الذين يزدادون ثراء من خلال منح 
قروض سيعجز المقترضون عن سدادهاء ثم يعيدون تجميعها ويبيعوهاء هذه الممارسات 
لا أخلاقيةء ولكنها مغرية جداً للآلاف منهم. 

إن الصراع الدائم بين الحاضر والمستقبل لا ينطبق فقط على هذه الأزمة الاقتصادية, 
بل يتعدّاه إلى جميع مناحي الحياة. هذا هو سبب قيام وكلاء السيارات بتقديم عروض 
تدعوك إلى الحضور إلى معارضها وتجريب قيادة سياراتها لفترة وجيزةء وهو السبب نفسه 
الذي يدفع محلات الألبسة للتشجيع على تجريب الملابس المعروضة. والذي يدفع التّجار 
للطلب منك أن تتذوق بضاعتهم أو تلمسها؛ لأن قدراتك الذهنية على المحاكاة لا تُضاهي 
تجربتك الحقيقية للشيء في وقته. 


بالنسبة للدماغء فإن الُستقبل هو زوال الحاضر! ولتوضيح قوة الحاضرء اذا يتَخذْ الناس 
قرارات مُناسبة في الحاضر لكنها ذات تبعات سيئة في المستقبل» فمثلاً الناس الذين 
يُدمنون على تناول المُسكرات أو المخدرات يعرفون أنه لا ينبغي عليهم تناولهاء وكذلك 
الأمر بالنسبة للرياضيين الذين يتناولون المُنشّطات التي قد 3 تقضي على مستقبلهم» > وكذلك 
الأمر بالنسبة للأزواج الذين يستسلمون إلى نزوة طارئة. 


هل مُكننا مُقاومة إغراءات الحاضر؟ نعم نستطيع, بفضل الأجهزة المتصارعة في دماغناء 
تأمّل هذا المثال» كلنا نعرف أنه من الصعب فعل بعض الأشياء مثل الذهاب إلى النادي! 
نحن تُريد أن تكون أجسامنا ذات لياقةء ولكن حينما تأي ساعة الذهاب إلى الناديء تبدو 
لنا بعض الأشياء الأخرى أكثر إغراءًء وفي الغالب يكون إنشدادنا نحو ما نقوم به حالياً أكبر 
من التفكير المجرّد في لياقتنا مستقبلاً وعليه هُنا يكمن الحل: فلي تكون مُتأكداً أنك 
ستذهب إلى النادي ينبغي عليك أن تستوحي القصّة التالية لرجل عاش قبل ثلاث آلاف 


سنة. 





8 


الفصل الرابع: كيف أنَخدُ قراراتي؟ 





لتغنّب على قوة الحاضر: اتفاقية يوليسيس 

هذا الرجل هو مثال ناجح لقصة خيار الذهاب إلى النادي. فهو لديه أمر ما يريد القيام به 
لكنه يعلم أنه لا يمكنه مقاومة الإغراء حينما يأت ذلك الوقتء فبالنسبة له لم يعد الأمر هو 
فقط الحصول على جسم رشيقء وإنما أصبح الأمر يتعلق بإنقاذ حياته من مجموعة من 
حوريّات البحر: هذه أسطورة البطل أوليسيس وهو عائد من انتصاره في حرب طروادة, 
حيث أدرك» أثناء رحلة العودة أن سفينته ستمخر عباب إحدى الجزر التى تسكنها 
حوريّات البحر. ١‏ 


وكانت هذه الحوريّات المشهورة في غنائها الجميلء تُغري البحارة وتسحرهم» ولأنْ البحّارة 
عرفوا أنه لا هكن مقاومة مثل هذه النساء فقد تحطمت سفنهم أثناء محاولتهم اللحاق بهن. 


كان أوليسيس يرغب بقوة في سماع تلك الأغاني الأمطورية» ولكنه كان لا يريد أن يُلقي 
بنفسه إلى التهلكة هو ومن معه. لذلك فقد تفتّق ذهنه عن خطة مُحكمة, فقد علم أنه 
حينما يسمع الغناءء فإنه لن يقاوم التجديف باتجاه الجزيرة الصخريةء فالمشكلة كانت 
ليست في حاضر البطل أوليسيس الحكيم» ولكنها كانت في المستقبل أي في أوليسيس غير 
العقلانيء وهو الشخص الذي تخطفه حوريّات البحرء ولذلك أمر أوليسيس بربط الرجال 
في سارية السفينة بإحكام» كما أمر جنوده بأن يضعوا في آذانهم شمع النحل لكي لا 
يسمعوا غناء الحوريّات» وأعطاهم أوامر صارمة ممقاومة إغراء حوريات البحر. 


لقد علم أوليسيس بأن ذاته امستقبلية لن تكون قادرة على اتخاذ القرار؛ لذلك قام هذا 
الرجل الحكيم بترتيب الأشياء مبكراً لكي لا يصل إلى المرحلة التي لا يستطيع فيها اتخاذ 
قرارء وهذا نوع من ¿ المقايضة بين الحاضر والمستقبل تُسمّى «اتفاقية يوليسيس». 


وبالعودة إلى قصة الذهاب إلى الناديء فإنه موجب اتفاقية أوليسيس البسيطة, يقتضي 
الأمر ترتيب الأشياء مُبكراً مثل لقاء صديقك هناك لأن هذا الضغط الاجتماعي هو مثل 
ربط يوليسيس بسارية السفينةء فعندما تبدأ بالنظر إليهم. فإنك ستجد أن اتفاقيات 
يوليسيس كلها تخصّك! خُذ مثلاً طلاب الجامعة الذين يتبادلون كلمات السر لحساباتهم 
على الفيسبوك خلال فترة الامتحانات النهائيةء كل طالب يقوم بتغيير كلمة سر حساب 
صاحبه بحيث لا يتمكن صاحبه من الدخول إلى الفيسبوك خلال أسبوع الامتحانات» كما 
أن أول خطوة في برامج إعادة تأهيل المدمنين على الكحول هي تنظيف جسم الشخص 
المدمن من الكحول, لإخفاء إغراء ا مخدرات لهم عند شعورهم بالضعف؛ وكذلك الأمر 
بالنسبة للأشخاص الذين لديهم مشكلات في الوزن ففي بعض الأحيان يخضعون أنفسهم 





18 


الدماغ أسطورة التكوين 





إلى عمليات ربط المعدة لتضييقها لتقليل كمية الطعام الذي يتناولونه» ولكن هناك ت أمراً 
مُختلفاً ف اتفاقية يوليسيسء. فبعض الناس يُرنّبِ الأشياء بحيث تبدو عملية مُخالفتهم 
لوعودهم مُثيرة للعطف في سبيل الحصول على تبرّعات مالية, وهي عملية غير خيرية, 
فعلى سبيل المثال المرأة التي مضي حياتها في النضال من أجل المساواة مع الرجلء > وقعت 
شيكاً بقيمة كبيرة لعصابة الكو كلوكس كلان )Ku Klux Klan)‏ وأعطت أوامر صارمة 
لصديقتها لترسل الشيك لهم» . إذا قامت بتدخين سيجارة أخرى. 


وق كل هذه الحالات يقوم الناس بترتيب أشيائهم في الحاضر بحيث ث يضبطون أنفسهم في 
المستقبل. فعندما نربط أنفسنا إلى السارية» فإننا نستطيع التخلّص من الإغراءء هذه هي 
الحيلة التي ُكننا من حُسن التصرّفء والتحي بأخلاق ذلك الشخص الذي نريد. والحل 
في اتفاقية يوليسيس» أي بقدرتنا على إدراك أننا أناس نتصرّف بطريقة مختلفة من موقف 
إلى آخرء ولي نستطيع اتخاذ قرارات صائبة, علينا أن لا نعرف أنفسنا فقط بل التعرّف 
على جميع أبعادها. 


الآليان غير المرئية لاتخاذ القرار 

إن معرفتك نفسك جزء من المعركة! فعليك أن تعرف أيضاً أن نتائج الحروب التي تخوضها 
لا تكون مُتشابهة في الأوقات كلهاء فحتى في غياب اتفاقية أوليسيسء فإنك في بعض 
الأوقات تشعر بحماس أكثر في الذهاب إلى الناديء وأحياناً تشعر بفتور, وأحياناً تكون 
قادراً على اتخاذ قرارات جيدةء وفي أوقات أخرى يكون البرمان العصبي لديك قد صوّت 
بطريقة ستندم عليها لاحقاًء ولكن لماذا يحدث هذا؟ لأن النتائج تعتمد على عوامل مُتغيرة 
حول حالة الجسم هذه الحالة التي تتغيّر من ساعة إلى ساعة فعلى سبيل المثال: إن رجلين 
يخدمان في سجن مُخصص للإعدام كان من المفترض أن ثلا أمام مجلس إخلاء السبيل 
بكفالةء فجاء أحد السّجناء إلى ا مجلس في الساعة ١١:١۷‏ صباحاً وكان محكوماً بجريمة 
التزويرء وكان يقضي محكومية ٠٠١‏ شهراً ثم مل أمام المجلس سجيناً آخر في الساعة ٠:٠١‏ 
بعد الظهر وكان قد ارتكب الجريمة نفسهاء فاس ستحق عليها الحكم نفسه. 


فقرر المجلس رفض الإفراج عن السجين الأول لكنه قرر الإفراج عن الثانيء اذا يا ترى؟ ما 
الذي أثّر على القرار؟ العرق أم الواسطة أم العمر؟ 

وبعد أن انف المجلس» وذهب إلى استراحة قصيرةء وتناول الطعام, عادت فرصة السجين» 
وارتفعت إلى ما نسبته >1٥‏ في إخلاء السبيلء أما السجين الذي جاء في نهاية الجلسة. 





۰ 


الفصل الرابع: كيف أنّخْذْ قراراتي؟ 
1 ا فرح الوا ده لول لاا تا 


فانخفضت نسبة الإفراج عنه إلى .27١‏ 


في دراسة أجريت عام 0١‏ خُلَلتْ آلاف القرارات الصادرة عن المحاكم, ووجدت أن 
هذه القرارات لا تستند إلى أي من هذه الأسباب, وإنما كانت كلها بسبب الجوع» وبعد 
أن انف المجلس» وذهب إلى استراحة قصيرة. وتناول الطعام, عادت فرصة السجين, 
وارتفعت إلى ما نسبته 10> في إخلاء السبيل» أما السجين الذي جاء. في نهاية الجلسة, 
فانخفضت نسبة الإفراج عنه إلى .٠١‏ 


وبعبارة أخرىء يُعاد ترتيب أولويات القرارات كلما احتاج الآخرون إلى مزيد من الاهتمام. 
فالتقديرات تتغيّر كما تتغيّر الظروف» وقدر السجين محكوم بطريقة غير قابلة للنقض 
بالشيكة العصبية'للقاضي التي تخمل خسبا حاجاته البيولوجية. 


يصف بعض علماء النفس هذه النتيجة بعبارة «نفاذ الأنا»» وهذا يعنى إعياء وتعب 
مناطق التفكير العُليا التي تتدخّل في عمليات التنفيذ والتخطيط (القشرة الجبهية الأمامية 
على سبيل المثال). إذن قوة الإرادة هي مصدر محدود الموارد وأحياناً ينفذ مثل خزان 
الوقودء وفي حالة القّضاة التي ذكرناها سابقاً. كلما زادت القرارات التي يُصدروها في 
الجلسة الواحدة (0 قراراً لكل جلسة). كلما استنفذت أدمغتهم طاقتهاء ولكن بعد 
تناولهم الطعام مثل سندويشة. وحبة فواكة. فإن خزانات الطاقة لديهم قد أعيدت 
تعبئتهاء فاستعادوا قُواهم المختلفة. وطاقتهم في إدارة قراراتهم. 

وبصورة عامةء نحن نفترض أن البشر عقلانيون في اتخاذ القرارات؛ لأنهم يبحثون ف 
البيانات, ويعالجونهاء 38 م ُعطونها إجابات نموذجية أو حلول مثالية» ولكن البشر الطبيعيين 


لا يعملون بهذه الطريقة. فحتى القُضاة الذين يُناضلون لأجل الحريّة وعدم التحيّز إلا أنه 
قد يشوبهم التقصير والإخفاق بسبب طبيعتهم البيولوجية. 


111 


الدماغ أسطورة التكوين 


قوة الإرادة: مورد محدود 


نصرف الكثير من الطاقة على أنفسنا أثناء عمليات اتخاذ القرارات التي نشعر بأننا بحاجة 
إليهاء ومن باب الأمانة العلمية, فإننا غالباً ما نعود إلى قوة الإرادة: وهي القوة الداخلية 
التي تسمح لك بتناول حبة بسكويت أو تناول أخرى أو تسمح لك الالتزام با مواعيد رغم 
أنك تُريد البقاء في الهواء الطلق» كلنا نعرف كيف نشعر حينما تنخفض طاقة الإرادة لدينا 
بعد قضاء يوم شاق وطويل غالباً ما يشعر الناس بأنهم يتخذون قرارات ضعيفة» فعلى 
سبيل المثال تراهم يأكلون وجبات کر أو يشاهدون التلفاز بدلاً من الذهاب إلى لقاء 


آخر. 
وقد أراد عام النفس روي بوميستر (Roy Baumeister etal)‏ وزملاؤه أن يختيروا هذا 
الأمر عن قرب» فقاموا بدعوة مجموعة من الأفراد لمشاهدة فيلم حزين» وأخبروا نصف 
المشاهدين بأن عليهم أن يتصرفوا كما يحلوا لهم أما النصف الآخر فقد أبلغوهم بضرورة 
كتمان مشاعرهم» وبعد انتهاء الفيلم خضع جميع المشاركين إلى تمرين يدويء وطلب 
منهم الإمساك بكرة يدوية وضغطها بين أيديهم بكل ما استطاعوا من قوة, وجاءت النتائج 
أن المشاركين الذين طّلب منهم كتم مشاعرهم قد أوقفوا الإمساك بالكرة سريعاً ولكن 
اذا يحدث هذا؟ لأن طاقة ضبط النفس تحتاج ذلك أي أنه يكون لدينا طاقة أقل للأمر 
التالي الذي نحتاج أن نضبط أنفسنا فيه وهذا هو السبب الذي يكون فيه مقاومة الإغراء 
واتخاذ قرارات صعبة أو اتخاذ مُبادرات لأنها كلها تستمد الطاقة من المصدر نفسه»ء وهذا 
يعني أن قوة الإرادة هي ليست شيئاً نمارسه وإنما هي شيء نستهلكه. 





4 | سس 
` بي ص 


تصبح القشرة 3 < 
الجبهية الأمامية 
الظهرانية الجانبية 
أكثر فاعلية | 
ونشاطا عندما 
يختار الناس غذاءً : 
صحيا أو حينما هه 
يختار الناس 
مكافأة بسيطة 
في الوقت الحاضر 
تمهيداً لنيل مكافأة 
أكبر في المستقبل. القشرة الجبهية الأمامية الظهرانية الجانبية 


سس ات ااا ااا ل 


1 





الفصل الرابع: كيف أتخذ قراراتي؟ 
تت ا لم كر 


إذن: تتأثر قراراتنا بصورة مُكافئة حينما يصل الأمر إلى كيفية تصرفنا مع أزواجنا بطريقة 
رومانسية! خُذ مثلاً خيار الزوجة الواحدة - أي الزواج من امرأة والبقاء معها طول 
الحياةء فهذا القرار يبدو قراراً ثقافياً ويعتمد على القيم والأخلاق النابعة من تلك الثقافة. 
كل ذلك صحيح! ولكن هناك قوة عميقة في داخلنا تؤثر في قراراتنا أيضاً وهي هرموناتناء 
وأحد هذه الهرمونات يدعى الأكستوسين وهو مكوّن رئيسي في سر الزواج. في إحدى 
الدراسات الحديثة» تبيّن أن الرجال الذين يقعون في حب زوجاتهم يكون لديهم جرعة 
قليلة إضافية من الأكستوسينء ولو طّلب من هؤلاء الرجال تقدير مدى جاذبية امرأة أخرى 
غير زوجاتهم» بعد إعطائهم كمية إضافية من الأكستوسينء لوجد الرجال أن زوجاتهم أكثر 
جاذبية من النساء الأخريات. وفي الحقيقةء لقد أبعدنا الرجال عن النساء الجميلات اللواق 
شاركن في الدراسة. والخُلاصة: يزيد الأكستوسين من التجاذب بين الزوجين. ١‏ 


اذا يوجد لدينا مواد مثل الأكستوسين التي توجه سلوكنا نحو التجاذب بين الأزواج؟ بعد 
هذا كله ومن وجهة نظر تطورية بحتةء فإننا رها نتوقع أن الرجل لا يريد امرأة واحدة 
إذا كان محكوماً لفطرته البيولوجية» التي تتطلب منه نشر جيناته على أوسع نطاق 
ممكن» ولكن من أجل الحفاظ على الأطفال, وبقاء والديهم حولهم يحدث هذاء وهذه 
الحقيقة البسيطة مهمّة جدا؛ لأن الدماغ يمتلك طرق سرّية في التأثير على قراراتنا حسب 
الموقف. 


قراراتنا والمجتمع 


إذا أردنا أن نفهم بشكل أفضل عمليات اتخاذ القرار» لا بد من فتح النافذة على السياسة 
المجتمعية, فعلى سبيل المثال: كل فرد وبطريقته الخاصةء يُكافح من أجل ضبط النفسء 
وفي حالات شديدة نقع فيها ضحية لعواطفنا الآنيّةه ومن هذه النظرةء فإنه يمكننا الحصول 
على فهم دقيق للدوافع الاجتماعية التي تقف وراء الحروب وال مخدرات. 


تعد قضية الإدمان على المخدرات من المشاكل الأزلية في المجتمعات التي تؤدي إلى انتشار 
الجريمة؛ وقلّة الخصوبةء والأمراض العقليةء ونقل الأمراض» وحديثاً أصبحت تؤدي إلى 
ازدياد عدد السجون» فهناك حوالي ٠١/1‏ من السجناء الذين يخالفون قوانين استخدام 
العقاقي وفي إحدى الدراسات وُجد أن ها. 1 من المحكومين كانوا تحت تأثير المخدرات» 
أثناء ارتكابهم للجريمة. والإدمان على ا مخدرات يُترجم إلى عشرات المليارات من الدولارات» 
خاصة في الجرائم التي تُرتكب تحت تأثير المخدرات. 


بعس ب 


۱۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 





وتتعامل جميع الدول في العام مع هذه المشكلة بتجرهها. قبل عدة عقود من الآن كان 
هناك حوالي ٣٢. ٠٠١‏ سجين أميري» بسبب مخالفات لها علاقة بالمخدرات, وقد وصل 
العدد اليوم إلى لبون فمن حيٹ ث الشكل قد يبدو ذلك نجاحاً ف الحرب على اطمخدرات, 
لكن سجن هذا العدد الكبير م يُخْقّف من تجارة المخدرات؛ لأن عدداً كبيراً من مرؤجيها 
يقفون وراء السّجناء. أو رؤساء عصابات المافياء أو مُتعاطيها (عادة أقل من اغم)» وهؤلاء 
هم المستخدمون والمدمنونء وإيداعهم في السجون لا يحل المشكلة بل يفاقمها. 


فالولايات المتحدة فيها أناس كر يقبعون في السجون لأسباب تتعلق بجرائم وقعت تحت 
تأثير المخدرات» وهي تتفوق بذلك على دول الاتحاد الأوروبي. والمشكلة أن الحكم بالسّجن 
يولد دورة وحشية ومُكلفة من الانتكاسات. والسجنء وإعادة السجن؛ لأنه يقطع الأواصر 
الاجتماعية بين الناسء ويُفقدهم وظائفهم ويُدخلهم في سياقات اجتماعية جديدة ويفتح 
أمامهم فرص عمل جديدة عادة ما تُغذي عملية الإدمان. 


وي كل عام تُنفق الولايات المتحدة الأميركية حوالي ٠١‏ مليار على حملات الحرب على 
المخدرات» وعالياً يبلغ إجمالي هذه النفقات أكثر من ٠٠١‏ مليارء ولكن هذا الاستثمار لم 
ينجح! فمنذ أن بدأت الحرب على المخدرات» انتشرت المخدرات أكثر! اذا يا ثُرى مم تنجح 
هذه الحملات؟ إن الصعوبة في تحديد مصدر المخدرات. تكمن في أنها تُشبه ا منضاد المائي» 
فكلما ضغطته في مكان ما فإنه سيطفو على سطح الماء من مكان آخرء وبدلاً من مُهاجمة 
منابع المخدرات» فإن الاستراتيجية الأفضل هي مواجهة الطلبء وهو أمرّ يكمن في إدمان 
الدماغ عليها. 


يعتقد بعض الناس أن سبب الإدمان على المخدرات هو الفقر وجماعات الرفاق, كلاهما 
يلعب دوراً في ذلك: لكن لب المشكلة يكمن في طبيعة الدماغ» فقد بيّنت بعض التجارب 
المخبرية أن الفئران التي تمّ حقنها با مخدرات استمرت طويلاً في ضرب العتلة لكي تحصل 
على الطعام والماءء ولم تفعل ذلك لأنها كانت بحاجة إلى المال أو لأسباب تتعلّق بالضغوطات 
الاجتماعية» وإنما لأن المخدرات ثُلبّي شغفها الأساسي في الحصول على المكافآت, وهذا 
مكانه الدماغ. فتؤثر المخدرات تأثيراً كبيراً على الدماغء وتجعل الدماغ يتخذ قرارات أكثر 
من أي شيء آخر يمكن أن يقوم به أما الشبكات العصبية الأخرىء فقد تلتحق با معركة, 
ولكنها نمثل الأسباب التي تقف وراء مُقاومة المخدّرات» فتنغمر في دماغ المدمن داماً 
الشبكات العصبية التي تحن إلى ا مخدرات. معظم المدمنين على المخدرات يرغبون بالإقلاع 
عنهاء لكنهم يشعرون بالعجز مقابل ذلك مما يجعلهم عبيداً لهذه الرغبات. 





ع1 


الفصل الرابع: كيف أنَخذْ قراراتي؟ 





وها أن مشكلة الإدمان على المخدرات تقبع في الدماغ, فمن افرح أن نعلم أن الحل 
إيضاً يقبع هُناك! أحد هذه الأساليب هو إحداث توازن في عملية السيطرة على الرغبات» 
ويحدث هذا عندما ترتفع نسبة اليقين والسرعة في العقاب - فعلى سبيل المثال: يُطلب 
من مُدمني المخدرات الخضوع إلى فحوصات كل أسبوعين بحيث يُسجن الشخص الذي 
يعود لها فوراً - والاستغناء عن الوعظ والإرشاد لوقت أطول. وبالطريقة نفسها يقترح 
بعض الاقتصاديين أن سبب انخفاض معدل الجرهة في الولايات المتحدة الأميركية منذ 
مطلع التسعينات يعود في ع منه إلى زيادة وجود رجال الشرطة في الشوارع - وبلغة 
الدماغ فإن رؤية الشرطة تُحفز الخلايا العصبية على التفكير في التبعات طويلة المدى 
للإدمان. 


د المُختبرء قُمنا بتطوير أسلوب فعّال جديد. تقدم من خلاله تغذية راجعة مُتزامنة أثناء 
عملية التصويرء ونسمح لمدمني الكوكائين برؤية نشاطهم الدماغي بحيث يتعلّمون كيفية 


دعنا تُقابل إحدى المشاركات معنا في التجربة واسمها كارين» وهي امرأة خمسينية تمتاز 
بالذكاء والنشاط الشبابي الدائم» ولكنها مدمنة على الكوكائينء وقد أفادت أن المخدرات 
دمّرت حياتهاء فإذا رأت ال مخدرات أمامها لا تستطيع أن تُقَاوم تناولهاء وبعد اشتراكها في 
العديد من التجارب معي في ا مختبرء أدخلنا دماغ كارين في جهاز التصوير (تصوير الرنين 
المغناطيسي الوظيفي)» وكنا ثُريها صُور الكوكائين» ونطلب منها أن تحن لها؛ لأن ذلك كان 
سهلاً أن تقوم به؛ لأنه يقوم بتنشيط مناطق معينة في الدماغء وأطلقنا عليها اسم الشبكة 
العصبية النشويةء ثم طلبنا منها بعد ذلك أن تكبت لهفتها للمخدرات من خلال إشغال 
تفكيرها بتكلفة الكوكائين - التكلفة المالية وتكلفة العلاقات والعمل. وهذا بدوره أدى إلى 
تنشيط مناطق دماغية أخرى, أطلقنا عليها اسم شبكات الكبت» وتخوض ان الشبكتان 
الحنينية والكبتية تنافساً شديداً من أجل الهيمنة على القرارء والشبكة التي تنتصر في أي 
لحظة تُقرّر ما على السيّدة كارين القيام به. 


وباستخدام جهاز تصوير مربوط بالحاسوب تمكنا من قياس الشبكة التي فازت: أهي 
الشبكة الحنينية القائمة على التفكير قصير المدى» أم شبكة الكبت أو ضبط النفس القائمة 
على التفكير طويل الأمد. وزؤدنا السيدة كارين بتغذية راجعة بصرية مُتزامنة من خلال 
عدّاد السرعة لي تستطيع رؤية المعركة التي تدور بين الشبكات العصبية داخل دماغهاء 
فحينما كانت تنتصر الشبكة الحنينية كان مؤشر العداد في المنطقة الحمراء وحينما تنجح 
بعملية الكبت» يتحرك المؤشر إلى المنطقة الزرقاء مما مُكنها من استخدام طرق مُختلفة 





10 


الدماغ أسطورة التكوين 





لكي تُحدث التوازن بين أعمال الشبكتين. 


ومزيد من الممارسة, استطاعت كارين أن تفهم ما عليها أن تقوم به من خلال حركة 
المؤشرء فقد تكون واعية 0 غير واعية فيما يحدث لهاء ولكنها مع الممارسة استطاعت 
تعزيز الدارة العصبية التي تُتيح لها كبت رغباتها. إن هذه الطريقة ما زالت في بدايتهاء 
ولكن الأمل معقود عليها بحيث تستطيع ف اطرة القادمة أن تُشغّل أدواتها الذهنية 
لتتغلّب على حنينها الدائم للمخدرات» إذا ما أرادت ذلك وهذا التدريب لا يُجبر السيدة 
كارين على حسن التصرف بأي طريقة» ولكنه ببساطة يوفر لها مهارات ذهنية لي 


تستطيع من خلالها ضبط النفس والتحكّم بخياراتها بدلاً من أن تكون عبدة لرغباتها. 


7 كتماللهفة ۶ 

للمخدرات Dn‏ / 
بعض الشبكات العصبية في القشرة الجبهية الأمامية 1 4 ' 
الدماغ تثير الليغة (اللون الخثهرانية لجان ر 
الأحمر) وبعضها تكبت 5 1 
الرغبة (باللون الأزرق) من 
خلال التصوير المغناطيني : 
ذي يقدم تغذية راجعة انية القشرةالحزامية الأمامية ٠‏ قشرةا لقص 

قمنا بقياس نشاط الشبكتين ah‏ - 
العصبتين وقدمنا تغذية A‏ 
راجعه بصرية لغري بوتمين 7 ا 
وشرحنا لها كيف تتم عملية 
التناقس بين الشبكات 
العصية داخل دماغها 










إن الإدمان على المخدرات يُشكل مُعضلة كبيرة طلايين الناس» والسجون ليست المكان 
الوحيد لحل هذه المشكلة؛ لأنه مُكننا تطوير أنماط جديدة من الحلول غير العقابء إذا 
ما تسلّحنا بفهم جيد للدماغ البشري. وكيف يتخذ قراراته. وكلما زاد فهمنا للعمليات 
التي تجري داخل دماغناء فإننا سنكون قادرين على تنسيق سلوكاتنا مع نوايانا الحسنة 
بانسجام. 


وبصورة عامّة, فإن الإمام بطبيعة اتخاذ القرار يمكنه تحسين جوانب نظام العدالة الجنائية 
لدينا فيما هو أبعد من الإدمان» وتطوير سياسات أكثر إنسانية وأقل كلفة. ولكن كيف 
يبدو ذلك؟ يمكن أن تكون البداية من خلال التركيز على إعادة التأهيل للمدمنين أكثر من 
سجنهم. قد يبدو هذا وهماً! لكنه في الحقيقة هناك العديد من بلدان العام الرائدة في 





مرا 


الفصل الرابع: كيف أنَخد قراراتي؟ 





هذا المجالء وقد لاقت تجربتها نجاحاً كبيراً ومن هذه البلدان مركز علاج الأحداث في 
مندوتاء في مدينة مديسونء في ولاية ويسكانسن. 


في مدينة مندوتا هناك العديد من الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين ۱۷-١١‏ سنة الذين 
يرتكبون مخالفات تورثهم السجن مدى حياتهم» إلا في هذه البقعة, فإنها تمنحهم حق 
دخول مركز العلاج! وبالنسبة للأحداث» هذه فرصتهم الأخيرة. بدأ البرنامج في بدايات 
التسعينات بتقديم طريقة جديدة في التعامل مع الأحداث بعد أن عجز النظام في التعامل 
معهم. وهذا البرنامج يهتم كثيراً بنمو الدماغ عندهم. وكما أسلفنا في الفصل الأول فإن 
قراراتنا - قبل أن يكتمل نمو القشرة الجبهية الأمامية للدماغ - عادة ما تؤخذ بشكل 
عاطفي» ودون أي اعتبار للتبعات المستقبلية. في مندوتاء تنير هذه المعرفة الطريق أمام 
إعادة التأهيل. ولكي يساعدوا الأطفال على تحسين مستوى ضبطهم لنفسهم» يوفر البرنامج 
نظاماً للمراقبة» والإرشادء والحوافز. ومن الطرق المتبعة فيه تدريب الأحداث المدمنين 
على التوقف والالتفات إلى العواقب التي تترتب على أي خيار يتخذونه - وتشجيعهم على 
تمثيل ما قد يحدث لهم - ومن ثم تعزيز الروابط العصبية التي قد تتغلب على شهوة 
اللذة الآنية التي يحصلون عليها من خلال تصرفاتهم العاطفية. 


يُعد ضعف ضبط العواطف خاصيّة مشتركة بين غالبيّة المجرمين في نظام السجون» هناك 
العديد من الناس على الجانب الآخر من القانون يعرفون الفرق بين الصح والخطأء 
ويفهمون العقوبات ا مستحقّة - لكنهم ي يتعثّرون في الانسجام معها بسبب ضعف ضبطهم 
لعواطفهم: فما أن يُشاهدوا امرأةٌ عجوزاً تلوح بيدها حقيبة فإنهم لا يستطيعون ضبط 
سلوكاتهمء فيبادرون إلى اصطياد ضحيّتهم, فإغراء الحاضر يتفوّق على اعتبار المستقبل. 


وبالوقت الذي يرتكز فيه نظام العقوبات الحالي بشكل أساسي على اللّوم والمُخالفات 
الشخصيةء فإن مندوتا تُشكل تجربة فريدة في طرحها لبدائل أخرىء فعلى الرغم من 
أن المجتمعات تمتلك عواطف عميقة مُترسّخة بخصوص العقابء إلا أن هُناك نظاماً 
جنائياً مُختلفاً نوعاً ما يكن تخيّله هُنا- من حيث علاقته الوثيقة بكيفية اتخاذ القرارات 
من وجهة نظر علم النفس العصبي. إن مثل هذا النظام القضائي لن يترك شخصاً بلا 
حساب» ولكن سيتركز اهتمامه حول كيفية التعامل مع اللخالفين مع الأخذ بالاعتبار كيف 
سيكون مستقبلهم بدلاً من شطبهم من الحياة بسبب ماضيهم» فالذين يُخالفون المواثيق 
الاجتماعية ينبغي عدم تركهم في الشوارع من أجل سلامة المجتمع - ولكن ما يحدث في 
السجون لا ينبغي أن يستند فقط إلى سفك الدماءء ولكن ينبغي أن يستند إلى برامج ج إعادة 
تأهيل ذات معنى مسنودة بالأدلة والبراهين. 





يهن 


الدماغ أسطورة التكوين 
وكا ا 


فاتخاذ القرار هو عملية تدخل في كل شيء في حياتنا. . من نحن؟ ماذا نفعل؟ وكيف ندرك 
العام من حولنا؟ ودون أن يكون لدينا قُدرة 5 على وزن البدائتلء فإننا سنكون رهائن إلى 
غرائزنا الأساسية, ولن نتمكن من عيش الحاضر ولا تخطيط المستقبل بحكمة, > ورغم أن 
لكل شخص هوية واحدة إلا أنه لا يوجد للشخص الواحد دماغ واحدء وإنما يتشكّل دماغه 
من مجموعة من القوى التنافسيّة. ولحُسن الحظ فإنه يمكننا أن نتعلم كيف نتّخذ قرارات 
أفضل من أجل أنفسنا ومن أجل مجتمعاتنا من خلال فهمنا للكيفية التي تتنافس فيه 
البدائل في أدمغتنا للهيمنة على قراراتنا. 


ان 








الفصل الخامس: هل أنا بحاجتك؟ 


للاا-ا شحج تس ب ا 


نصفنا من الآخرين 

يوجد حالياً في العام ما يزيد عن سبعة مليارات دماغ بشريء تنتقل حول كوكب الأرض 
يوميا ورغم أننا نشعر في العادة بأننا مُستقلون, إلا أن كل دماغ من أدمغتناء هو في 
حالة اتصال دائم مع شبكة كثيفة من الأدمغة الأخرى - إلى الحدّ الذي يُمكننا فيه النظر 
للإنجازات البشرية؛ وكأنها إنجازات دماغ ضخم لإنسان واحد! 


في السابق كانت تُدرّس الأدمغة معزل عن بعضها بعضاً ولكن هذا المنهج كان يُهمل 
حقيقة وجود شبكة من الأدمغة المُتعدّدة التي تعمل مع بعضها بعضاً نحن كائنات 
اجتماعية إلى حد كبيرء وتتشكل مجتمعاتنا من عائلاتناء أو أصدقائناء أو زملائنا ف العملء 
أو كا في السوق» من طبقات اجتماعية مُعقدةء وهي في حالة تفاعل دائم مع بعضها 

بعضاً. وکل ما هو حولنا لا يتعذى أن يكون مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي 
تتشكّل وتتفكك على شكل أواصر ا وشبكات اجتماعية ضخمة» وتحالفات عاطفية 
قوية. 


هذا النسيج الاجتماعي كله يأتي من دوائر كهربائية مُحدّدة في الدماغ» وهي عبارة عن 
شبكات مُترامية الأطراف تراقب الآخرين وتتواصل معهم» وتشعر بألمهم؛ وتحكّم على 
نواياهم» وتقرأ عواطفهم. إِنَّ مهاراتنا الاجتماعية مُتجذّرة بعمق في تلك الدوائر العصبية - 
وفهم هذه الدوائر هو الأساس الذي يشل القاعدة المعرفية لهذا الميدان العلمي الناشئ 
الذي يُسمّى علم النفس العصبي الاجتماعي. 


تأمّل للحظة واحدة كيف تختلف العناصر التالية عن بعضها بعضاً: الأرانب» والقطارات» 
والوحوش» والطائرات» وألعاب الأطفالء فبقدر الاختلاف بينهاء إلا أنها مُكن أن تكون 
شخصيات رئيسة في أفلام الكرتون الشائج التي لا نجد صعوبة في تحديد أهدافهاء ويحتاج 
دماغ المشاهد إلى بعض التلميحات لي يفترض أن هذه الشخوص تشبهناء ولكي نستطيع 
الضحك أو البُكاء على مُغامراتها. 


أكد هذا الميل الإنساني الخاص لأنسنة الشخوص غير البشرية في فيلم قصيرء صدر عام 
25 لعالمي النفس فريدز هايدر ومريانا سيمل Frits Heider and Marianne)‏ 
«(Simmel‏ وهو عبارة عن شكلين بسيطين - مثلث ودائرة - يتحدان ويدوران مع بعضهما 
بعضاً ' وبعد لحظة يدخل إلى هذا المشهد مثلث أكبر. يصطدم بالمثلث الأصغرء ويدفعه 
إلى الأمام» ثم تأتي الدائرة بشكل بطيء وتتسلل إلى المستطيل وتُغلقه وراءهاء وفي هذه 
الأثناء يُطارد المثلث الكبير المثلث الأصغر خارج الدائرة» ثم يأتي المثلث الكبير ليقف على 
ل ا ل 2 


۱٤١ 


الناس لا تتاوعون 
إسقاط حكاياتهم على 
الأشكال رة 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ي ج کک س ج ی 


الباب» وهو يُزمجر ويتوعد, ثم يأ المُتلّثء ويفتح الباب» ويدخل في الدائرة» التي تنظر 
بطريقة محمومة (فاشلة)» وهي تبحث عن طرق جديدة للهروبء وما أن يُصبح الموقف 
مُعتماً حتى يعود المثلث الصغيرء فيفتح الباب. وتخرج الدائرة لتُقابله. ثم يقومان بإغلاق 

الباب خلفهما. فيحشّران المثلث الكبير في الداخل, ثم يقوم المثلث الكبير المأسور بتحطيم 
نفسه. من خلال ضرب نفسه بالجدران» وفي الخارج يلتف المثلث الصغير والدائرة حول 


عضيها بعضاً 





عندما شاهد الناس هذا الفيلم القصير. وصفوا ما شاهدوه» فرها يخطر ببالك أنهم قذموا 
وصفاً لأشكال بسيطة تتحرك حول بعضها بعضاًء كل ما في الأمر لا يتجاوز دائرة ومثلثين 
تتغيّر إحداثياتهما باستمرار. 

ولكن مع الأسف» لم يكن هذا ما أفاد به الُشاهدون» فقط وصفوا لنا قصّة حب أو حرب» 
أو مطاردة. أو انتصار. لقد استخدم العالمان هايدر وسيمل هذه الصور لكي يوضّحوا لنا 
كيف تُدرك بسرعة النوايا الاجتماعية من يُحيط بناء فالأشكال المُتحرّكة تلفت انتباهناء 
ولكننا نرى فيها معاني ودوافعَ وعواطفٌ, كلها على شكل سرد اجتماعي. لا يُمكننا أن 
نفعل شيئاً غير إسقاط بعض القصص على تلك الأشكال. فمنذ زمن بعيدء يُشاهد الناس 
الحروب التي تدور بين الطيورٌ. وحركة النجوم واهتزاز الأشجارء ويبتكرون حولها قصصاً 
ويفسّرونهاء وكأنها مقاصد حقيقية لتلك الأشياء. 


إن هذا النوع من السّرد القصصي ليس مُجرد هوس» بل هو مفتاحٌ مهم لدارات الدماغ» 
فهو يكشف عن الدرجة التي تستعد فيها أدمغتنا للتواضل الاجتماعي» يعتمد بقاؤنا في 
"اسه سس "سس ا لكك ا :71“ ل 


1١ 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 


مي م ج ج ج ص 


النهاية على تقديرائنا a‏ فإن صديقاً فصديق» وإن عدوا in‏ نحن نتجوّل في العام 
أن أقلق بخصوصها؟ وهل تحذيراتهم في مي 


أدمغتنا في حالة إصدار أحكام اجتماعية بشكل تمصن > ولكن هل هذه المهارة من خبراتنا 
الحياتية قابلة للتعلّم, أم أننا ولدنا بها؟ ولكي تُجيب على هذا السؤال» لا بد من دراسة 
الأطفال لكي نعرف فيما إذا كانت تتوافر لدينا هذه الميزة أم لا. ولكي تُعيد إنتاج التجربة 
التي قام بها عُلماء النفس كايلي هاملن وكارين ون وباول لوم من جامعة ييل (1616 
«(Hamlin, Karen Wynn and Paul Bloom‏ فقد استدعي مجموعة من الأطفال إلى 
عرض ألعاب» كل طفل وحده. 


وهؤلاء الأطفال كانوا يبلغون من العمر أقل من عام فهم في بداية اكتشافهم للعالم من 
حولهم» وخبراتهم في الحياة قصيرة ولا تكاد تُذكرء وقد طلبنا منهم الجلوس في أحضان 
أمهاتهم ليشاهدوا العرضء وما أن رفعت الستارة» حتى ظهرت بطّة وهي تُحاول جاهدة 
فتح صندوق الألعاب» فكانت البطة تمسك بالغطاء لكنها لا تستطيع الإمساك به جيداً 
وكان هناك دُبَّان يرتديان قمصان مُلوّنة يُراقبان الموقف. 


وبعد عذة دقائق» قام أحد الدُببة مساعدة البطة مُحاولاً جعلها تقبض بإحكام على أحد 
جوانب الصندوق» وفتح الغطاء ثم تعانقا للحظة. وأغلق باب الصندوق من حديد. 


ثم تحاول البطة فتح الباب مرة أخرىء غير أن الب الآخر الذي كان يُشاهد الموقف جلس 
فوق الغطاء لكي هنح الأرنب من فتحه. 


4 

كما بِيّنت التجربة 
أنه حتى الأطفال 
يحكمون على نوايا 


الآخرين. 





\E۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 
اس TTT‏ سے 


هذا هو كامل العرض»ٍ وباختصار» فإن الحبكة كلها تدور حول أحد الديبة الذي اول 
مساعدة الأرنب» أما الدب الآخر فقد كان بخيلاً. 


وبعد إسدال الستارة على ال مشهد. أعيد فتحهاء وحملْتٌ الدَيّينء وتوجهتٌ إلى الطفل 
00 وأمسكت بهماء موحياً للطفل بأن يختار واحداً منهما لكي يلعب معه. وبطريقة 

تُؤْكد النتائج التي وصل إليها الباحثون من جامعة ييل اختار جميع الأطفال الدب 
اللطيف» علماً أن هؤلاء الأطفال لم يكونوا قد تمكنوا من المشي أو الكلام» ولكن كان لديهم 
القدرة على إصدار داعام على الآخرين. 


يختار الأطفال الدب 
اللطيف حينما تتاح لهم 
الغرصة 





فغالباً ما كان يُعتقد أن الثقة هي شيءٌ نتعلّم تقديره بناء على سنوات من الخبرة في 
الحياة. لكن هذه التجارب البسيطةء بيّنت أن الأطفال يولدون مُجهزون بلواقط اجتماعية, 
ومن هو غير ثقة. 


الإشارات الذكيّة من حولنا 


كُلما كبرنا تزدادُ التحدّيات الاجتماعية التي تواجهنا تعقيداً ودهاء فعلينا أن نُفسر تعابير 
الوجه؛ ولغة الجسد في سياق الحديث والتصرّفات, وفي الوقت الذي نركز فيه بوعي عما 
نتناقش فيه مع الآخرين» تكون آلتنا الدماغية مشغولة معالجة تلك المعلومات المعقّدة, 
وهذه العمليات غريزية ولا يمكننا رؤيتها مُباشرة. 


١ع‎ 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 


يُعد التوحّد مرضاً عصبيّاً نماي يُصيب ×١‏ من الناس» ورغم معرفة الأسباب التي تقف 
وراءه» وهي عوامل جينية وبيئية» إلا أن عدد المصابين في ازدياد في السنوات الأخيرةء دون 
أن يكون هناك أي معرفة لأسباب الزيادة. فالناس غير المُصابين بالتوحّد تكون العديد من 
مناطق الدماغ منهمكة في البحث عن ملامح اجتماعية حول مشاعر الناس وأفكارهم, أما 
الناس المصابين به يكون النشاط الدماغي لديهم ضعيفاً - وهذا يزداد مع ضعف العلاقات 
الاجتماعية للشخص المصاب. 





إن أفضل طريقة في العادة لحُسن تقدير شيء ماء هو أن تُفگر فيه في حالة غيابه. خُدْ 
مثلاً رجلاً يُدعى جون روبنسون (۸٥ءہناه‌۸‏ صلاو[). لم يكن على وعي بطبيعة نشاط 
دماغه اجتماعياً حينما كان صغيراً وكان ضحيّة للتنمّر من قبل أقرانهء الذين كانوا أيضاً 
برفضونهء لكنه طوّر علاقة ودْيّة مع الآلات» وقد وصفها ذات مرّة بقوله: إنه كان يقضي 


سو ت ر ا کا ا وس ا > تيت 


16 


الدماغ أسطورة التكوين 





وقتاً لا بأس به مع الجرّار (التراكتور). ولم يكن يشعر بأي أذى من تلك العلاقة. «لقد 
تعلّمت كيف أبنى علاقات ودية مع الآلات قبل مُحاولتي بناء علاقات صداقة مع البشر» 
على حد تعبيرة. ١‏ 
ومع مرور الأيام» زاد تقاربه مع التكنولوجيا التي أخذته إلى أماكن لا يحلم بها أقرانه 
اتنمّرون» وما أن وصل الحادية والعشرين من عمره حتى أصبح مُرافقاً في فرقة 155 ) 
الأميركيةء ورغم أنه أصبح مُحاطاً بجماهير الروك الأسطوريةء إلا أن مظهره الخارجي بقي 
يشي بماضيه. فحينما كان يسأله الناس عن اختلاف أو تشابه الموسيقيين عن بعضهم بعضاً 
كان رده ينصبٌ حول المُدرّج الشمسي الذي كان يستخدمه العازفون بقوة ۷ أمبير. وكان 
يقول: «إن قوة النظام الصو بلغت ۲۲۰۰ واط» وكان يستطيع عد مكبّرات الصوت, 
والترددات التقاطعية بينهاء ولكنه كان عاجزاً عن تقديم أي معلومة عن العازفين في ذلك 
المُدرّج. لقد كان الرجل يعيش في عاط التقنية والآلات» وم يكن يعلم أنه مُصاب بنوع من 
التوحّد يُدعى (آسبيرغر)» حتى بلغ الأربعين من عمره. 
لكن شيئاً ما حدث» وحؤل حياة جون جذرياً دُعي في عام ٠٠١8‏ للمشاركة في تجربة 
علمية في كلية الطب بجامعة هارفاردء بقيادة الدكتور ألبارو باسكوال ليون (4172:0 
leone‏ - لقتحكة2) وفريقه» الذي كان يهدف من هذه التجربة إلى تحديد أثر النشاط 
الدماغي في منطقة ما على منطقة دماغية أخرى من خلال جهاز التنشيط المغناطيسي 
للجمجمة (5815). الذي كان بدوره يبعث نبضات مغناطيسية قويّة بالقرب من الرأس 
ثم يقوم بالمقابل بِحَثْ تيار كهربائي صغير إلى الدماغ فيُعيق النشاط الدماغي الاعتيادي 
بصورة مؤقّتة, وكانت هذه التجربة تهدف إلى مساعدة الباحثين في إنتاج مزيد من المعرفة 
حول دماغ الأشخاص المصابين بالتوحّد. وقد استخدم الفريق هذه التقنية في استهداف 
. العديد من المناطق الدماغية للسيد جونء وخاصة تلك المُتعلّقة بوظائف التفكير العليا. 
ق البداية صرح السيد جون أن التنشيط م يكن ذا أثر, ولكنه ف إحدى ا التي 
وضع فيها الباحثون جهاز التنشيط على القشرة الدماغية الظهرانية الجانبيةء أستحدثت 
منطقة تطورية جديدة في الدماغ أخذت على عاتقها التفكير ال مجرّد المرنء وبعدها فقط 
قال السيد جون إنه أصبح إنساناً مختلفاً. 





)١(‏ فرقة (188)): هي فرقة روك أميركية, تأسست عام 191/7, وتتميز الفرقة بصبغات الوجه. والملابس الغريبة التي 
يرتديها أعضاؤها. (المترجم) 


ا م ا ر چک 
17 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 


4 


ليد جون روسون 
تخطيط الدماغ قبل 
رتدائه ملف جهاز 
لتنشيط المغناطيسي 
لجمجمي على رأسه 
ستعداداً للتجربة. 








اتصل السيد جون بالدكتور باسكوال ليون لكي يُعلمه أن نتائج التنشيط التي خضع 
إليها يبدو وكأنها فتحت شيئاً ما عليه» وقد استمرّت هذه النتائج بعد التجربة حسب 
ما أفاد جون. بالنسبة للسيد جون فتحت له عملية التنشيط نافذةً جديدةً كلياً للسياق 
الاجتماعي الذي يعيش فيه. فلم يكن قبل ذلك يعلم أن هناك رسائل تصدر عن تعابير 
الوجه - ولكنّه بعد التجربة أدرك هذه الرسائل ودلالاتهاء كما أن خبرته بالعالم تغيّرت كلياً 
الآن. لكن الدكتور باسكوال ليون كان غير مُتأكد من هذه النتيجة؛ لأنه كان يظن أنه لو 
كانت هذه النتائج حقيقيّة. فإنها لن تدوم بعد التجربة آخذاً بالحُسبان أن نتائج التنشيط 
المغناطيسي عادة لا تدوم أكثر من بضعة دقائق إلى بضعة ساعات» أما الآن» ورغم أن 
الدكتور باسكوال ليون ل يفهم ما حصل فعلاً مع السيد جونء إلا أنه أدرك أن عملية 
التنشيط هذه قد غيّرت وضع السيد جون كُلياً. 


فعلى الصعيد الاجتماعي» أصبح السيد جون يدرك الألوانء لاسيّما اللونين الأبيض والأسودء 
كما أنه أصبح قادراً على رؤية قنوات الاتصال التي م يكن قادراً على رؤيتها من قبل. إن 
قصة السيد جون لا تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود أمل بأساليب علاج جديدة لطَيّف من 
امراش التوهم بل شف أيضاً عن أهمية آليات اللاوعي التي افحت ف رقوسة في قل 
لحظة واعية من حياتنا تُكرّسها إلى التواصل الاجتماعي - الشبكة الدماغية التي تُحلل 
دلالات مشاعر الآخرين بناء على إشارات حسيّة وسمعية وتعابير وجهيّة. 


1EV 


الدماغ أسطورة التكوين 


ا ا ببستم سوق 


يقول الدكتور باسكوال ليون: 


«أعرف أن الناس يُظهرون ملامح غضب جنونية» «ولكن إذا ما سألت 
عن هذه اللامج المعقّدة - مثل أعرف أنك إنسان طيّبء أو أتعجب مما 
تُخفيه, أو أحت أن أقوم بذلك» أو أتمنى أن تفعل هذا - فلا يوجد لدي 
أي تعقيب حول هذه الأشياء». 


في كل لحظة من حياتنا تقوم الدائرة العصبية في الدماغ بتحليل العواطف الإنسانية 
للآخرين بناء على ملامح وجهية مُعقّدة للغاية ولكي نفهم كيف نقراً هذه هيدا ف 
الوجوه بتلك السرعة الكبيرة والعفويّة. دعوت مجموعة من الناس إلى مُختبري» و 
قطبين كهربائيين على وجوههم: واحداً على الجبهة, والثاني على صحن خدهم تاي 
لكي أستطيع قياس التغيّرات البسيطة في ملامح وجوههم» ثم طلبت منهم النظر إلى بعض 
الصو 


تمكن قياس حركات عضلات 
الوجه المعقدة بالتخطيط 
الكهربالي. 





وعندما نظر المُشاركون إلى إحدى الصور ولنقّل صورة الوجه البشوش, أو الوجه العابس» 
تمكّنا من قياس فترات قصيرة للنشاط الكهربائي التي تُبيّن عضلات الوجه الخاصة التي 
تتحرك بصورة غريبة» وقد يحدث هذا بسبب ما يُدعى عملية التطابق؛ أي قيامهم بتحريك 
عضلات وجوههم بطريقة تلقائية لتقليد التعابير التي يرونها في الصورة فالابتسامة تُقابلها 
ابتسامة حتى لو كانت حركة العضلات الخاصة بها ضعيفة ولا تظهر بشكل واضح! الناس 
يقلدون بعضهم بعضا دون قصد. 


١8 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 





رط عملية التطابق هذه الضوء على حقيقة غريبة: : هي أن الأزواج الذين يعيشون مع 
بعضهم منذ فترة طويلة يبدأون بتقليد بعضهم بعضاً ٠‏ وكلما طالت فترة زواجهم كلما 
قويت هذه العلاقة. وتدل نتائج البحوث على أن هذا لا يحدث فقط بسبب أنهما يُقلّدان 
بعضهما بعضاً في اللباس» أو بقصّات الشعر, بل لأنهما يُقلّدان بعضهما بعضاً في تعابيرهما 
الوجهيّة. ولسنوات طويلة لدرجة أن شكل التجاعيد في وجهيهما يبدو متطابقاً. 


اذا تُقلّد بعضنا بعضاً إذن؟ فهل من هدف وراء ذلك؟ وللإجابة على ذلك قمت بدعوة 
مجموعة من الناس إلى المختبر - مجموعة مُشابهة للمجموعة الأولى - باستثناء شيء 
واحد» أن هذه المجموعة الجديدة حقنتها بأكثر السموم القاتلة على وجه الأرضء لدرجة 
أنه لو ابتلعتَ بضعة قطرات من السّم العصبي» فإن دماغك لن يستطيع التحكّم بعضلات 
جسمك» وستموت بسبب الشلل (حتى قفصك الصدري لن يستطيع التحرك مما يؤدي 
إلى اختناقك)» وبناء على هذه الحقائق» فليس يُرجّح أن يوافق الناس على حقنهم بهذه 
المادة ولكنهم فعلواء حيث حُقنوا بمادة البلوتونيوم السامة المأخوذة من الجراثيم» والتي 
عادة ما يروج لها تحت اسم بوتوكس, مما أدى إلى شل عضلات وجوههم» وتوقفت عملية 
التحاعيد. 


بالإضافة إلى الفواتد التجميلية طادة البوتوكس إلا أن لها أضرارا جانبية غير معروفة, 
وقد عرضنا هذه الصور على الناس الذين يستخدمون البوتوكس» وقد تبيّن أن عضلات 
وجوههم أبدت عمليات مضاهاة أقل حسب التخطيط الكهربائي» ولا غرابه ق ذلك؛ 
لأن عضلاتهم أضعقت عن قصد. ولكن المُفارقة كانت في شيء آخرء تم الحديث عنه في 
بداية عام ۲١٠١‏ من قبَل الباحثين ديفيد نيل (51621 10310)» وتانيا تشارتراند (8/إهة1' 
لصةناءةطن).: وقد قُمت بتجربة مماثلة يلا فعلاهء حيث سألت المشاركين من المجموعتين» 
المجموعة التي تستخدم البوتوكس» والمجموعة الضابطةء وطلبت منهم النظر إلى تعابير 
الوجوه في الصور, وبناء على ذلك. طلبت منهم اختيار أي الكلمات تنطبق على العواطف 
التي تبديها تلك الوجوه. 


خائف 





4 

١‏ توضح الصورة أنه قد غرض على 
المشاركين ۳۹ صورة لتعابير محتملة 

للوجه. وكل صورة مرفق معها أربع 

كلمات تُعير عن حالة الوجه حسب 

اختبار قراءة الدماغ والعيون مؤلفيه 

(Baron-cohen cet al, 2001) 





16۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 
د كت ا و سس 


وبشكل اعتيادي» تبن أن المشاركين الذين حُقنوا مادة البوتوكس كانوا غير قادرين على 
تحديد ملامح الوجه في الصور المعروضة عليهم بشكل صحيح! ! ولكن لماذا يا تُری؟ إحدى 
الفرضيات تقول إن نقص التغذية الراجعة من عضلات وجوههم» > أُنطلتٌ قدرتهم على 
قراءة وجوه الناس الآخرين» وكّنا يعرف أنه كلما قلت حركة الوجه لدى مُستخدمي 
البوتوكس» فإنه يجعل من الصعب علينا تحديد مشاعرهم» وأما المفاجأة الكبرى فقد 
كانت بأن عضلات الوجه هذه تجعل من الصُعب عليهم قراءة وجوه الآخرين. 


والآن دعنا تُجِرْب هذه الطريقة في التفكير حول هذه النتيجة» تعكس عضلات وجهي 
شعوريء وجهازك العصبي يستفيد من ذلكء فعندما تُحاول فهم شعوري فإنك تنظر إلى 
تعابير وجهي» أنت لا تقصد ذلك - ولكن ذلك يحدث بشكل سريع وغير واع - وهذا 
الانعكاس التلقائي لتعابير وجهي يُعطيك تقديرا أسريعاً عن احتمالية مشاعري» وهذه حيلة 
قويّة يستخدمها دماغك ليمنحك فهماً أفضل عني» ويعمل تنبؤات أفضل عما يدور في 
نفسي. ويبدو أن هذه حيلة من حيّل الدماغ. 


التعاطف مع الآخرين بين الفرح والثرح 

عندما نذهب إلى السينماء فإننا نهرب إلى عام مليء بالحُبء والخيبات» والمغامرات» 
والخوف» لكنْ أبطاله في الخير والشر هم مُجرّد ممتّلون» يجسّدون أدوارا مُتطرّفة من 
خلال الشاشة - ولكن لماذا نهم ا يحدث إلى هؤلاء الذين يهربون إلى عام الوهم؟ وماذا 
نبكي» أو نضحكه أو نلقط أنفاسنا أمام شاشات العرض؟ 


لكي نفهم اذا كل هذا الاهتمام بالممئّلين» دعنا نبدأ معرفة ماذا يدور في أدمغتنا حينما 
نكون تحت الأط, تخيّل أن شخصاً ضربك بإبرة في يدك لا يوجد مكان في الدماغ مُختص 
للتعامل مع هذا الألم بل تقوم عدّة مناطق في الدماغ في التعامل مع الموقفء وهذا ما 
والأمر المُدهش في هذاء أن مصفوفة الألم ضرورية جداً إلى الأسلوب الذي نتواصل فيه مع 
الآخرين: فإذا كنت تنظر إلى شخص ماء وهو يطعن تُستثار مصفوفة الأنم لديك فالمناطق 
التي تتعامل مح الحدث» هي ليست تلك التي وقع فيها الطعن, > وإنما مناطق أخرى لها 
علاقة بخبرة الأم. ومعنى آخر إن مُشاهدة شخص يتألم أو تحت الام يستدعي الآلية 
العصبية نفسهاء وهذا ما يُعرف بالتعاطف مع الآخرين. 


السسم ا ل ب ير ار ا > 


١١٠ 


الفصل الخامس: هل أنا بحاجتك؟ 





مصفوقة الأم, هو الاسم 
الذي يطلق على مجموعة 
من المناطق الدماغية التي 
ثُثار حينما تكون تحت 

الألم, وهذه المناطق نفسها 
تنشط حينما تكون في موقف 
تشاهد فيه شخصاً آخر 
تحت الأم. 


ايد © وى ھھھ بت ايج عن ال 





ومعنى التعاطف مع شخص.ء هو أن تشعر بألله نفسه» وكأنك تتخيّل كيف يكون حالك 
أنت في مثل هذا الموقف. وبفضل هذه القدرة فإننا نقرأ القصص -وتُحب السينما 
والروايات» ونتملهاء ونجدها تنتشر عبر الثقافات الإنسانية كاملة. وسواء أكانت هذه 
القصص تدور حول اناس غرباء بالكامل عناء أم تدور حول شخصيات خياليّة. فإنك تشعر 
بنشوتهاء ولذتهاء وكأنك تذوب فيها أو تعيش تجربتها أو تقف في موقفها. وعندما ترى 
شخصاً آخر يُعاني قد تُحاول أن تُقنع نفسك أن هذه المشكلة ليست مُشكلتك وإنما 
مشكلته هوء لكن خلاياك العصبيّة التي تكمن في أعماق دماغك تفعل ذلك. 


فهذه قدرة فطريّة فينا للشعور بأ الآخرين» وهي جزء من طبيعتنا الخيّرة في تقمُص 
مواقف الآخرين بلغة علم النفس العصبيء ولكن ماذا حُبينا بهذه القُدرة في المقام الأولء 
فمن وجهة نظر تطوريةء يعد التعاطف مهارة مُفيدة؛ لأنها كسب الشخص فهماً أفضل 
مشاعر الآخرين» مما يمنحه قدرة أفضل على التنبؤ بردود فعلهم. 


ومهما كانت دقة درجة التعاطف محدودة. فإننا ف معظم الأحيان 3 أنفسنا وكأننا 
مكان الآخرينء خُذ مثلاً السيدة سوزان سمي ث(5101)5 ههدن5). وهي أم من ولاية ساوث 
كارولايناء استطاعت» في عام ٤۱۹۹ء‏ أن تستحوذ على تعاطف الأمة الأميركية حينما قدّمت 
بلاغاً إلى الشرطة بأن رجلاً خطف سيارتها وأولادهاء وكانت تظهر على القنوات التلفزيونية 
الوطنية لمدة تسعة أيام, ترجو مُساعدتها في إنقاذ أبنائها وإعادتهم إليهاء وقد لاقى طلبها 
هذا الكثير من القبول لدى مواطنين من أماكن مُختلفة في الولايات المتحدة. وفي النهاية 
اعترفت السيدة سوزان بأنها هي التي قتلت أطفالها! وقد صدّق الناس روايتها الخاصة 
باختطاف سيارتهاء لأن حقيقة تصرّفها كانت بعيدة عن التوقعات» ورغم أن تفاصيل 
قضيّتها كانت واقعيّة حينما ننظر إليها بصورة استرجاعيةء لكن كان من الصعب النظر 
إليها في ذلك الوقت لأننا تُفسّر تصرّفات الآخرين من وجهة نظرناء وضمن قدراتنا. 


ا ا 


10١ 


الدماغ أسطورة التكوين 
ا ا يي ل يس ج چ يبيج 


تفرض علينا طبيعتنا البشرية تقليد الآخرين والتواصل معهم» > والاهتمام بهم؛ لأننا مجبولون 
على التواصل الاجتماعي» وهذا يطرح سؤالاء هل أدمغتنا تابعة لتفاعلنا الاجتماعي؟ وماذا 
يحدث إذا عرفنا أن أدمغتنا مُتعطّشة للتواصل مع البشر؟ 


في عام ٠۹‏ قامت الناشطة لأجل السلام ساره شاورد (5010 532[1) ورفيقاهاء 
ا إلى شمال العراق؛ وكانت تلك المنطقة في ذلك الوقت آمنةء وقد اتبع الناشطون 

جميع التعليمات المحليّة في طريقهم إلى شلالات أحمد آوى» ولسوء الحظ كانت هذه 
الشلالات تقع على الحدود العراقية مع إيران» مما أدى إلى اعمقالهم من قبل حرس 0 


الإيرانيين» في تهمة التجسشس صاع الولايات المتحدة الأميركية. أودع الرجلان في سجن 


وسارة ف سجن منفرد آخرء قد أمضث أربعمائة وعشره ة أيام ف سجن انفرادي» ا 
الفُسحات التي كانت مُنح لهاء ؛ والتي لا تزيد مدتها عن ۲۲ دقيقة في اليوم الواحد. 


في الحادي والثلائين من ! 

تموز عام ۲۰۰۹ أودع 
الناشطون الأميركيون جوثوا 
فاتل. وسارة شاورد. وثين | 
glıر)Sarah Joshua Fattal,‏ 
«(Shourd & Shane Bauer‏ 
السجن من قبل مسؤولين 
إيرانيين بسبب وجودهما 8 
بالقرب من منطقة الثلالات 
على الحدود العراقية الإيرانية 





وقد وصفت السيدة سارة الحدث على النحو التالى: 


«في الأسابيع والأشهر الأولى من السجن الانفرادي» تكاد تشعر وأنك 
تعود حيواناً أعني حيواناً في قفص وتهدر ساعاتك ھکل ثم تتحول 
الحالة الحيوانية إلى حالة نباتيةء أي يبدأ دماغك بالتباطؤ وتُصبح أفكارك 
مُكرّرة, تم تشعر بأم في دماغك, فيُصبح دماغك مصدر ألمك, وعذابك» 
فتبدو وكأنك تكرر كل لحظة من حياتك» لدرجة أنك تُصبح بلا ذكريات 
في نهاية المطاف. لقد قصصت تلك الذكريات على نفسك مرّات عديدة» 
وم تأخذ منك وقتاً طويلاً». 


يي 


\0۲ 


الفصل الخامس: هل أنا بحاجتك؟ 





زقد أدى العزل الاجتماعي للسيدة سارة إلى مُعاناة نفسية عميقة؛ لأن الدماغ يُعاني دون 
تفاعل اجتماعي» لذلك فإن السجون الانفرادية غير قانونية في كثير من الأنظمة القضائية؛ 
لأن المراقبين يُدركون أثرها العميق على عزل الناس عن أهم شيء في حياتهم وهو التفاعل 
مع الآخرين. ونظراً لتعرضها إلى عملية فصل عن عامهاء دخلت السيدة سارة بسرعة في 
حالة من الهلوسة. 


«كانت الشمس تبزغٌ ف وقټ ما من اليوم, وتدخل م ل محدّدة 
من نافذتيء فكانت ذرات التراب المتطايرة في السجن تشع حينما تقع 
عليها أشعة الشمسء كنت أرى ذرات التراب هذه ا فا بشرية 
يدل كوكب الأرض» وكانت تتفاعل مع بعضها بعضاً وترتطم ببعضها 

بعضاًء وكانت 3 تؤدي دوراً اجتماعياً. وقد كنت أنظر لنفسي معزولة في تلك 
الزاوية, وظهري مسنوداً إلى الحائط» وكأني خارج تلك الحياة». 


في شهر آب من عام ١ ٠٠١‏ وبعد أن قضت في السجن أكثر من عام, أفرج عنها لتعود إلى 
الحياة من جيك لكن آثار الحدث بقيت عليها: فقد عانت من حالة اكتئاب تطؤرت إلى 
حالة من الذّعر. وفي العام التالي تزؤجت من شين باور »)Shane Bauer)‏ أحد النشطاء 
الذين رافقوها في تلك الرحلةء وأفادت أنها وزوجها يُضْمّدان جراح بعضهما بعضاً ولكن 
الحياة لم تكن بتلك الشهولة» فما زال الزوجان يُعانيان عاطفياً من تلك الحادثة. 


يقول البروفيسور مارتن هدجر (11©1068865 )Marti«n‏ إنه من الصعب الحديث عن 
الكيان الفردي والصحيح أننا ف كيان ا - كان يقصد من هذه الا تأكيده 


ورغم أن العلماء والمعالجين كانوا يُلاحظون ما يحدث للأفراد في السجون الانفراديةء لكن 
كان من الصعب عليهم دراسة آثارها مُباشرة. ورغم ذلكء فإن نتائج التجربة التي قامت 
r 5 5‏ 

بها العايلة نعومي آیزنبیرجر (181568568612 1م:2130): تدلنا على ما يحدث في الدماغ أثناء 
التعؤد تدريجياً على وضع ما تُفصل فيه عن العام. 

تخيّل أنك ترمي كرةً نحو لاعبين رفيقين لك, وفي لحظة من اللحظات» يعمدان إلى استثنائك 
من اللعب» حيث يقومان برمي الكرة على بعضهما بعضاً جيئةٌ وذهاباً دون أن يسمحا لك 
باللعب معهما. لقد بنت آيزنبيرجر تجربتها على أساس هذا المشهد البسيط؛ فقد أحضرت 


ص تي 


10 


الدماغ أسطورة التكوين 


ا الل بص صو سسسب تلتاق 


مُتطوعين للمشاركة في لعبة بسيطة على الحاسوب» حيث يقوم أحد اللاعبين برمي الكرة 
على زميليه الآخرين» وقد طُلب من المشاركين أن يتخيلوا أن اللاعبين الآخرين يخضعان 
لسيطرة لاعبين حقيقيين (بشر)» رغم أن ذلك كله مُحاكاة بالحاسوب فقط في البداية 
لعب المتطوّعون مع بعضهما بعضاً بشكل جميل - وبعد فترة وجيزة, قام اثنان منهما 
بحرمان الآخر من اللعب وعدم تمرير الكرة نحوه. 


العزلالاجتماعي العزلالاجتماعي 


: 92 7 
6 4 : ۴ 4 ر 2 0 2 5 
2 : . 7 - کک ٢‏ 4 


٩ 
9 ۵ ۵ 33 
9 1ت‎ 2 + © 34 
ا 40 رغ 5 انت‎ 
2 
2 3 
£ E و‎ 
1 0 11 ©* , في موقف العزل الاجتما‎ 
رت + کک اک ©" كاك‎ 0 E 
يُحرم اللاعب الثالث من‎ 
4 2 المشاركة في اللعب‎ 


لقد طلبت الباحثة آيزنبيرجر من المشاركين في هذه اللعبة الخضوع إلى فحص تصوير 
دماغي (تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي)- ينظر الفصل الرابع- وقد بيّنت النتائج شيئاً 
مُذهلاً! إذ ظهر نشاط مصفوفة الأ لدى اللاعبين المحرومين من اللعب. إن عدم الإمساك 
بالكرة ليس شيئاً مهما ولكن الحرمان الاجتماعي للدماغ يُعد شيئاً مؤذياً للدماغ. 


1١16 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 





الألم 
الاجتما في 


الجسد ي 
4 


الألم الاجتماعي. مثل 
ذلك الناجم عن العزل 
الاجتماعي. E)‏ نشط المناطق 
الد غية زغ عا الع KS‏ 


أثناء الأم الجدي. 
ماذا يؤذينا رفض الآخرين؟ باعتقادي أن هذا دليل على أن الترابط الاجتماعى ذو أهمية 


تطورية - بمعنى آخرء الأللم رافعة تدفعنا للتواصل الاجتماعي والقبول من الآخرين: فالآليات 
العصبية اممودعة فينا وراثياً تدفعنا إلى التواصل مع الآخرين» وتشكيل المجموعات. 

وهذا يُسلط الضوء على السياق الاجتماعي الذي يلفناء ففي كل مكان يتآلف الناس 
على شكل مجموعات» نحن نترابط مع بعضنا بعضاً على شكل أواصر عائلية» وصداقات» 
وعلاقات عمل» وموضاتء وفرق رياضية. وجماعات دينية وتقافية» وعرقية, ولغوية. 
وجماعات ترفيهية» وانتماءات سياسية! إن هذه الانتماءات تُشعرنا بالراحة» وهذه إشارة 
مهمة إلى تاريخ النوع البشري. 


100 


الدماغ أسطورة التكوين 


ا ا ج کے 


ما بعد قانون «البقاء للأقوى». 

حينما تُفكّر في تطور الجنس البشري» لا يفوتنا أن نتذكر قانون البقاء للأقوىء الذي يُذگرنا 
بأن الفرد الأقوى والأكثر مراوغة هو الذي يتغلّب على أقرانه, ويهزمهم» ويستولي على 
حقوقهم ويمعنى آخرء فإنه ينبغي أن يكون الفرد قادراً على المنافسة لكي يبقى» وهذا 
الودج يُساعدنا كثيراً في التفسير» ولكنه يترك بعض جوانب سلوكنا المعقّدة دون تفسير 
واضح. خُذْ مثا كيف يوضح مبدأ البقاء للأقوى حاجة الناس لمساعدة بعضهم بعضاً. 
إن انتخاب الفرد الأقوى لا ينطبق هُنا؛ لذلك ذهب العلماء إلى تقديم ا 
«انتخاب الأقربين», وهذا يعني أنني لا أهتم فقط بنفسي» ولكنني أهتم بمن يُقاسمني 
المادة البيولوجية» مثل إخوتي وأولاد عمومتيء وقد عبر عام البيولوجيا التطورية جي اس 
هالدين )[S Haldane)‏ عن هذا المفهوم بقوله: «يسرني أن أقفز إلى النهر لأنقذ اثنين من 
إخوتي أو ثمانية من أولاد عمومتي». 


ورغم ذلك فإن مبدأ اختيار القريب لا يكفي لتوضيح جميع أوجه السلوك البشري؛ لأن 
الناس تتواصل مع بعضها بعضاً وتتعاون دون أن يكون بينها علاقة قرابة» وهذا يؤدي 
إلى تطوير مبدأ آخر يدعى «انتخاب الجماعة» أي أنه إذا تأثفت مجموعة ما من أعضاء 
يتعاونون فيما بينهم» > فإن كل فرد ينتمي إلى مجموعة سيكون بخير. وفي المتوسط العام 
فإنك ستشعر بطريقة أفضل من الآخرين الذين لا يتعاونون مع جيرانهم» والجميع من 
أعضاء المجموعة يستطيعون تقديم المساعدة لبعضهم بعضاً من أجل البقاء ليكونوا أكثر 
أماناً وإنتاجية, وأقوى على مواجهة التحدّيات. وهذه النزعة نحو الآخرين تُدعى «الرّقي 
الاجتماعي»” ' وهي تُقدّم ما يشبه اللاصق امانع الذي يربط أعضاء الجماعة بصرف النظر 
عن صلة القرابة بينهم» وهو الأمر الذي يُساعد في بناء القبائل والجماعات والأمم. وهذا 
لا يعني عدم الإعتراف باختيار الفرد؛ لأن ذلك لا يُعطي صورةً كاملةً عن ال موقف. فعلى 
الرغم من أن الناس تتنافس مع بعضها بعضاً وتميل أكثر إلى الفردية في كثير من الأوقات» 
إلا أنه لا مُكن إنكار أننا مضي الكثير من حياتنا في التعاون مع الآخرين لصالح ا مجموعات 
التي ننتمي إليهاء وهذا ساعد الجماعات البشرية على الكفاح في مناطق وجودها على 
الأرضء لبناء مجتمعاتها وحضاراتها - وهي نزعات تحمي الفرد من الغزلة مهما كان قوي 
والتطور الحقيقي» يحدث حينما تتحؤّل التحالفات إلى اتحادات أكبر, والرّقي المجتمعي 
يُعد واحداً من العوامل الرئيسة في إغناء عالمنا ا لمعاصر وتداخله وتشابكه. 





(۲) الرّقي الاجتماعي ترجمة لكلمة (باذا“ه5ناء) التي تبدأ بالمقطع الإغريقي »ناء» ويعني الخير. (المترجم) 
105 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 





رذرك فإن النزعة نحو الانضمام إلى جماعات مع الآخرين, تُعطينا ميّزة قويّة في البقاء - 
ولكن مع الأسفه لا تخلو هذه الميّزة من جانبٍ مُظلم, كل جماعة ننتمي إليها تُقابلها 
جماعة أخرى (لا ننتمي إليها). 


الجماعات المخثلفة 


إن فهمنا لمبدأ جماعتنا والجماعات الأخرى ضروري لفهم تاريخنا. قوم بعض الجماعات 
البشرية مراراً وتكراراً وفي ا مناطق العام - بالاعتداء على جماعات أخرى» خاصة تلك 
الجماعات الضعيفة التي لا تُشكّل أي تهديد مباشرء ففي عام 060 رأينا القتل امبرمج مج 
لا يزيد عن مليون أميري على يد العثمانيين الأتراك» وفي مجزرة نانكنج التي حدثت عام 
۷ اجتاح اليابانيون الصينء وقتلوا آلاف المدنيين العَرّل» وفي عام 1196 وخلال مائة 
يوم» قام الهوتو والراونديون بقتل 6٠٠.٠٠١‏ من التوتسيين بالمناجل. 


وأنا لا أنظر إلى ذلك بشكل مُنفصل عما يجري في التاريخ البشري, فلو عدت إلى عائلتي» 
لوجدت أن معظم فروعها جاؤوا من الشتاتء في الأربعينات من القرن الماضيء الذين 
تعرّضوا للقتل بسبب يهوديّتهمء ووقعوا ضحايا لمجازر إبادة جماعية على يد النازتين 
بصفتهم كبش فداء للجماعات الأخرى. 


وبعد حادثة الهولوكوست» نذرت أوروبا نفسها أن لا تقع مثل هذه الحوادث مرة أخرى» 
ولكن بعد مرور خمسين عاماًء تكرّرت مجازر الإبادة الجماعية مرة أخرى - وهذه المرّة في 
مكان لا يبعد أكثر من ٠٠١‏ ميل عن حادثة الهولوكوست. أي في يوغسلافيا. ففي الأعوام 
من ۱۹۹۲ - ۱۹۹0ء وخلال الحرب اليوغسلافية قُتل ٠٠١. ٠٠١‏ مسلم على يد الضّرب» 
بتصرفات عدوانيّة» أصبحت معروفة ممفهوم التطهير العرقي» وكان من أبشع مناظر تلك 
الحرب التي حدثت في صربيا هي قتل ٠‏ ۰ بوسني مُسلم خلال عشرة أيام, كانوا قد 
لجأوا إلى أحد مُخيّمات الأمم المتحدة في صربياء الذي وقع تحت الحصارء مما دفع قادة 
الأمم المتحدة في الحادي عشر من تموز عام 0٩۱۹ء‏ إلى طرد اللاجئين من المخيّم > مما 
أوقعهم بين يدي أعدائهم الذين كانوا ينتظرونهم خارج المخيم ثم اغتصبت النساء 
وأعدم الرجال» وقُتل الأطفال. 





1١0ا/‎ 


الدماغ أسطورة التكوين 


1 


القوات الهولندية ثراقب 
مخيم الأمم المتحدة الذي 
لجأت إليه آلاف العائلات 
البوسنة المسلمة وقد فقد 
اليد حسن نوهانافتش 
عائلته في المذبحة التي 
وقعت حينها طردهم 
القادة الهولنديين ليقعوا 
فريسة هله بين يدي أك 


القوات المُحاصرة. 





تحمل طغلها. 


ما الذي يسمح بظهور المشاعر الكامنة لإيذاء الآخرين؟ يقول جزاح الأعصاب إسحاق فرايد 
:)1tzhac 8160(‏ حينما تُشاهد انتشار الأعمال العدوانية في العاللم. حتماً ستجد شخصيات 
تسلك السلوك نفسه في كل مكان» وكأن الناس تتحوّل من استخدام دماغها العادي إلى 
التصرف بطريقة أخرى, كما ينظر الطبيب للسّعال والحمّى؛ وكأنها التهاب رئوي. واقترح 
أنه ينبغي البحث عن هذه السلوكات الخاصة وتحديد التي تميز مرتكبي العنف - وأطلق 





1١108 


الفصل الخامس: هل أنا بحاجتك؟ 










عليها مُتلازمة ه وحسب الإطار الذي حدّده السيد فرايد. تعرف مُتلازمة ه بأنها تفاعل 
عاطفي كامن يسمح بتكرار السلوك العنيف» ويتضمن حالة تفاعلية مُفرطة, أو كما يُطلق 
عليها الأمان (ء12105)» وهو شعور باللذة عند القيام بمثل هذه الأفعالء وهو نشاط 
معد بين الجماعات البشرية» حتى أن كل شخص من المجموعة يكن أن مارسه وينقله 
إلى الآخرين لينتشر كالوباء» وهنا يحدث فصل بين شعور الشخص مع عائلته وممارسة 
العنف ضد عائلة أخرى. 












ومن وجهة نظر علم النفس العصبيء إن أهم ما ورد هنا هو أن وظائف الدماغ الخاصة 
باللغة والذاكرة وحل المشكلات تبقى سليمةء وهذا يعني أنه ليس تغيراً كبيراً في الدماغ, 
وإنما تغيرٌ محدودٌ في بعض مناطق الدماغ الخاصة بالعواطف والتعاطف» حيث تبدو 
وكأنها في حالة قصور كهربائي» وتتوقف عن الاشتراك بعملية اتخاذ القرار. وبدلاً من ذلك 
تُعَذّى خيارات مُرتكبي العنف من أجزاء من الدماغ تدعم المنطق والذاكرة والعقل وما 
إلى ذلكء ولكنها ليست تلك الشبكات العصبية المسؤولة عن الاعتبارات العاطفية ذات 
العلاقة بالتعاطف. وحسب وجهة نظر فرايد فإن هذا هو انفصام أخلاقيء أي أن الناس 
يتوقفون عن استخدام عواطفهم حينما يقعون تحت ظروف معينة تُوجّه اتخاذ قراراتهم 


4 


ذفنت عائلة السيذ جسن في 
هذه المقبرة في صربياء وق كل 
عاد يتم اكتشاف جُنْتُ جديدة 


والتعرُف عليها ونقلها إليها. 





10 


الدماغ أسطورة التكوين 





سافرت إلى سراييفو لكي أفهم بشكل أفضل ما حدثء وقد قادتني الصدفة إلى الحديث 
مع رجل طويل متوسّط العمرء يدعى حسن نوهانوفيتش 21122071 »)Han‏ وهو 
مسلم بوسني» كان يعمل في المخيم مترجماً مع الأمم المتحدة. وكانت عائلته في ذلك 
المخيم» من ضمن اللاجئين» لكنهم طُردوا من المخيم نحو الموت اللحقّق, وم يبق ف 
عائلته سواه» بسبب عمله مترجماً فقد قُتل في تلك المأساة أمه وأبوه وأخوه والأمر المحزن 
بالنسبة له على حد قوله هو: «أن القتل والتعذيب كان يحدث من قبل جيراننا - الناس 
الذين كُنَا نعيش معهم لعقود من الزمنء لقد قاموا بقتل رفاقهم الذين درسوا معهم في 
المدارس». 

ولتوضيح الطرق التي تُقطع فيها علاقات التواصل الاجتماعي التقليديةء أخبرني كيف 
اعتقل الصرب طبيب أسنان بوسنيء فربطوه من ذراعيه إلى عامود كهرباء في الشارع, 
وقاموا بضربه بقضيب حديد حتى كسروا نخاعه الشويء وتركوه مُعلّقاً لثلاثة أيام» أمام 
الأطفال الصرب الذين كانوا يمرّون بجثته» وهم ذاهبون إلى مدارسهمء وأضاف السيد 
حسن: «هناك قيم عالمية وهي بالأصل قيم أساسية: لا تقتل! ففي نيسان عام 21991 
اختفت هذه القيمة وتحوّلت إلى اذهب واقتل». 

ما الذي يسمح بتحوّل الناس إلى هذه الحالة الخطيرة؟ وكيف مُكن أن تكون مُتسقة مع 
الرقي الاجتماعي؟ ولاذا تستمر حوادث الإبادة الجماعية في الظهور من وقت إلى آخر 
في أماكن مُختلفة من العالم؟ عادةً ما نبحث حالات الحرب والقتل في سياقات تاريخية 
واقتصادية وسياسية فقطء ولكي نحصل على صورة كاملةء أعتقد أننا بحاجة إلى فهم هذه 
الظاهرة من وجهة نظر عصبيّة. فهل يبدو اغتيال جارك أمراً عادياً؟ وماذا يتجه آلاف 
الناس فجأةً إلى الآخرين للقيام بمثل هذا؟ وما هي الظروف الخاصة التي تؤدي إلى توقّف 
الدماغ عن أداء وظائفه الاجتماعية الاعتيادية؟ 


الناس ليسوا سواسية! 

هل يمكن دراسة لحظة توقف الوظيفة الاجتماعية الاعتيادية للدماغ في المختبر؟ دعنا نرى 
هذه التجربة التي صممتها لهذه الغاية! 

سؤالنا الأول بسيط: هل تتغير مشاعرك الأساسية في التعاطف تجاه شخص ما إذا كان ذلك 
الشخص ينتمي لجماعتك نفسها أو ينتمي لجماعة أخرى؟ 


المج سور ار اا را و و ی 
كل 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 





أدخلنا ا مشاركين في التجربة إلى جهاز التصويرء وعرضنا عليهم ست أيد بشرية من خلال 
شاشة» تدور مثل لعبة عجلة الغزل”» فيختار العاسوي في كل مرة يدا ص الأيادي 
الستةء ويوسطها في الشاشة» وتظهر للمشاركينء وهي تمسح منديل قطني أو تُضرب بإبرة 
طبية: وهما عمليتان تنشطان النشاط نفسه في الجهاز البصري» ولكنها تتطلب استجابات 
اة من بقاها رك الدماء. 





وكما رأينا سابقاً إن مشاهدة شخص تحت الألم ينشط مصفوفة الأم للمشاهد وهذا 
هو أساس التعاطف بين الناس. والآن» أصبح لزاماً علينا طرح أسئلتنا عن التعاطف على 
ا مشاركين. وما أن انتهينا من تحديد الخط القاعدي للتجربة» قمنا ببعض التعديلات 
البسيطة: وهي وضع علامة تدل على هوية اليد التي تظهر على الشاشة. وتقرأ على النحو 
التالي: مسيحيء يهودي, مسلم» هندوسيء أو علماوي). وما أن يختار الحاسوب يدا حتى 
ينقلها إلى وسط الشاشة» لتظهر وهي تمسح بقطعة قماش قطنية بلطف أو تضرب بإبرة 
حقن طبية» وذلك للإجابة على سؤالنا: هل يتعاطف دماغك عند مشاهدتك ليد شخص 
من جماعة مُختلفة (لا ينتمي إلى جماعتك) وهي تتعرض للأذى؟ 


کے 

(؟) عجلة الغزل )Spinning Wheel)‏ هي آلة قدهة لغزل الألياف الطبيعية والاصطناعية لنسج الخيوط (اُرجم). 

)6( علماوي (Scientologyist)‏ وتعني شخص ينتمي للفلسفة العلماوية التي تُنادي بضرورة مكننة الإنسان سن من 
ضعفه. . (المترجم) 


اص نه ا م ر ي 3 ا ي 
111 


4 


عرضنا على المشاركين في 
التجربة - خلال عملية 


التصوير الدماغى - 
فيديوهات ليد تتعرض 
للضرب بإبرة طبية أو تلمس 
بعود قطن. 


ل 


عندما يشاهد المشارك شخصاً 
ض للأم 
تستجيب شبكته العصبية 
بشكل كبير من خلال القشرة 
الحزامية الداخلية. وعندما 
يشاهد المشارك شخصاً من 


من مجموعته يتعرض 


مجموعة أخرى يتعرض 
إلى الأ يكون نشاط هذه 
امنطقة قليلا 


الدماغ أسطورة التكوين 





وقد تمكنا من الحصول على جماعات متنوعة من المشاركين» وفي المتوسط بيّنت الصور 
أن أدمغة المُشاركين قد أظهرت تعاطفاً کر حينما كانوا يُشاهدون شخصاً من جماء: 

يتعرّض للألم, وقل تعاطفهم مع الأشخاص الذين يتعرّضون للألم من جماعات مُختلفة, 
والنتيجة دالّة جد خاصة إذا ما علمنا أن هناك كلمة واحدة كانت تُعطى لكل يد أي أن 
الكلمة الواحدة لا تؤسّس لعلاقة انتماء قويّة مع ال لمجموعات التي ينتمي إليها المشاركين. 


إن تقسيم الناس إلى مجموعات أساسية كاف لتغيير استجابة أدمغتهم الواعية لأشخاص 
يتعرضون للم وهناء قد ينتقد شخص ما تقسيم الناس حسب دينهم > ولكن هدفنا هُنا 
كان أعمق وأبعد مرمى: ففي هذه الدراسة» أبدا الملحدون استجابة تحت الأم أكثر لليد 
الموسومة بامُلحد., وأقلّ تعاطفاً مع الأيادي الأخرىء ولذلك» فإن النتيجة هنا ليست عن 
الدين أساساً وإنما عن المجموعة التي ننتمي إليها. 


" )٠١ ( اشاراتالرثين المفناطيسي‎ ٠. 








اختار 


كما رأينا أن الناس تُبدي تعاطفاً أقل مع الأفراد الذين ينتمون إلى جماعات مُختلفة 
عنهاء ولكن لكي نفهم موضوع العُنف والإبادة الجماعية؟ لا بد أن نتعمّق أكثر في مفهوم 
اللاإنسانية. 

قام السيد هاريس (512:15) من جامعة ليدن في هولندا بإجراء مجموعة من التجارب 
ُقرّبنا أكثر من فهم ما يحدث» حيث كان يبحث عن تغيّرات في الشبكة الاجتماعية 
للدماغ» خاصة القشرة الجبهية الوسطى؛ لأن هذه المنطقة تُصبح نشطة حينما نتواصل 
ا اا ل ل 


۱1۳ 


الفصل الخامس: هل أنا بحاحتك؟ 





مع الآخرين» أو تُفكر فيهم - ويقل نشاطها عندما نتعامل مع الأشياء غير الإنسانية مثل 
فنجان القهوة على سبيل المثال. 


وقد قام هاريس بعرض صور طتطوعين من فئات اجتماعية مُختلفة, مثل المُشرّدين 
ومن ووجد أن القشرة الجبهية الوسطى تكون أقل نشاطاً حينما كان ينظر المُشاركون 
إلى المشرّدين» وكأنهم ينظرون إلى أشياء جامدة غير إنسانية. 





وكما قال: عند إغلاق الأجهزة التي ترى الشخص المجرّد كإنسان» فإن الشخص لا يحس بأي 
مشاعر غير مُريحة حول عدم إعطاء ذلك الشخص مالا ومعنى آخر وكأن الشخص امْشْرّد 
قد جُرّدَ من إنسانيته؛ لأن الدماغ ينظر إليه كجماد, أو أقل من إنسان» وم يكن مُفاجثا 
أن يُعامل على هذا النحوء أو كما فسّر السيد هاريس ذلك: «إذا كنت لا تنظر لشخص ما 
على أنه كائن بشري» حتماً لن تُطبّق عليه قواعدك الأخلاقية». 


إن تجريد الأشخاص من إنسانيتهم هو القاسم المشترك لجرائم الإبادة الجماعية! كان 
الألمان ينظرون إلى اليهود على أنهم أناس أقل من البشرء وكذلك الصرب في يوغسلافيا 
السابقة كانوا ينظرون إلى المسلمين بالطريقة نفسها. 


عندما كنت في سراييفو» خرجتٌُ لأمثي في أحد الشوارع الرئيسة» الذي بات معروفاً 
بزقاق القناصةء لكثرة الضحايا المدنيين من الرجال والنساءٍ والأطفال. الذين قُتلوا على يد 
القنّاصين, الذين كانوا يكمنون وراء الثلالء وفوق اللباني المُجاورة, وقد أصبح هذا الشارع 
من أكثر الشوارع رمزيّةٌ للرُعب من الحرب» فكيف يتحول شارعٌ عاديّ في مدينة إلى مثل 


هذا؟ 


11۳ 


الدماغ أسطورة التكوين 





مثل الحروب كلها التي سبقتهاء كانت تتغذّى هذه الحرب على شكل قوي من أشكال 
التلاعب العصبي» > وهو شكل مُورس قبل قرونء أو ما يُطلق عليه اليوم بالدّعاية الحربيّة, 
فخلال الحرب اليوغسلافية كانت شبكات الأخبار الرئيسة راديو وتلفزيون صربيا تحت 
سيطرة الحكومة الصربية, وغالباً ما كانت تعرض أخباراً مشوّهة لقصص بدت وكأنها 
حقيقية, وقد لفقت هذه الشبكات الإخبارية تقارير عن الهجمات العرقية التي كان 
يقوم بها المسلمون البوسنيون والكروات ضد الشعب الصري. لقد استطاعت هذه الأخبار 
شيطنة المواطنين البوسنيّين والكروات» واستخدمت ا لغ سيّئة في وصفهم مسلمين, 
حتى وصل الأمر إلى أن بعض الشبكات الإخبارية كانت تبث قصصاً مَلفُقة بأن المسلمين 


كانوا يُطعمون الأطفال الصرب إلى الأسود المتضوّرة قي غابات سرابيفو. 


وهكذاء لا کن أن تحدث الإبادة الجماعية لشعب ما إلا بعد تجريده من إنسانيته على 
نطاق واسع والأداة لهذا الفعل هي الدعاية اممغرضة؛ لأنها تنخر بالشبكات العصبية 
ا مسؤولة عن فهم الآخرين» وتُخْقْض درجة تعاطفنا معهم. 


لقد رأينا أن أدمغتنا مُكن التلاعب بها حسب الأجندات السياسيّة التي تجرد الناس من 
إنسانيتهم ُتوصلهم إلى أسفل درك الإنسانيةء ولكن مكنا برمجة أدمغتنا المكافحة مثل 
تلك الدعايات» وأحد الخُلول المقترحة لذلكء جاء نتيجة لتجربة أجريت في الستينات من 
القرن الماضي» والتي جرت في مدرسة وليس في مختبر علمي. 
كان ذلك عام 1978 في اليوم التالي لاغتيال مارتن لوثر كنج» بطل الحقوق المدنيّة قررت 
المعلمة جين إليوت في إحدى القُرى الصغيرة في ولاية أيواء أن تعرض على طلابها صورة 
الحدث» لقنن درجة تحيّزهم. وقد سألت طلاب صفهاء كيف ستكون مشاعرهم حينما 
يتعرضون لتقييم آخرين ليسوا من اللون نفسه؟ وقد اعتقد معظم الطلاب أنه باستطاعتهم 
ذلك. ولكنها لم تكن مُتأكدة, مما دعاها إلى تصميم تجربة شهيرة: أعلنت من خلالها أن 
الأشخاص ذوو الغيون الزرقاء «أفضل من الآخرين في هذه الغرفة» حسب الحوار التالي: 
جين إليوت: 
الأشخاص أصحاب العيون البلية لا يشربون من الحنفيّات مُباشرة, وإنما 
يستخدمون أكواب ورفية: وأنتم أصحاب العيون البئية لا ينبغي أن 
تلعبوا مع زملائكم ذوي العيون الزرقاء في الملاعب؛ لألكم أقل منهم 
درجةء أصحاب العيون البنية اليوم سيرتدون ياقات لكي لستطيع مييزهم 
عن بعد إلى هنا. . هل ألتم مستعدون جميعاً؟ كلكم مستعدون عدا 
لوريء هل ألنت مُستعدّة يا لوري؟ 
ا ا ي 
1 


الفصل الخامس: هل أنا بحاجتك؟ 





الطفل: إنها من ذوات العيون البلية. 


جين: عيونها بئية. ستلاحظون اليوم ألنا أمضينا كثيراً من الوقت في انتظار 
الأشخاص ذوي العيون البنية. 


وبعد لحظة نظرت السيدة جين حولها باحثةٌ عن عصا القياسء فقفز أمامها طفلان ليُحضِرا 
لها عصا القیاس» وكان ريكس يؤشر عليها أما ريموند فكان يقول: آنستي إليوت» عليك 
الاحتفاظ بها في خزانتك حتى تُبعديها عن الأشخاص ذوي العيون البنيّة. 


جلستٌ مؤخّراً مع هؤلاء الصّبيةء بعد أن أصبحوا الآن رجالاًء وهما ريكس كوزك ورهوند 
هانسنء وكلاهما من ذوي العيون الزرقاء» وسألتهم فيما إذا كانوا يتذكرون كيف كان 
سلوكهم في ذلك اليوم. فأفاد السيّد رهوند: «كنت في غاية الشيطنة مع أصحابيء , أثناء 
سيري في طريقي» كنت أحاول الإمساك بأي شخص من أصحاب العيون البنيّةء لي أرضي 
زملائي رمن ذوي العيون الزرقاء)». واستذكر كيف كان في ذلك الوقت شعره أشقراً وعيونه 
زرقاء صافية (فقد كنت نازياً صغيراً تماما وكنت أبحث عن طرق لكي أهين فيها أصدقائي 
الذين كانوا قبل دقائق وساعات أصدقاء حميمين بالنسبة إلي). 


وف اليوم التالي» أعادت جين التجربة نفسهاء ولكنها أعلنت لطلاب صفها شيئاً مُختلفاً 
هذه اطرة. 


«أرجو من الطلاب ذوي العيون البديّة خلع ياقاتهم» ووضعها على 
زملائهم من ذوي العيون الزرقاءء وبإمكان ذوي العيون البنيّة الاستراحة 
ممدة خمس دقائق إضافية, أما أنتم أصحاب العيون الزرقاءء فلا يمكنكم 
الذهاب إلى الملعب» ولا استخدام أدواته في أي وقتء كما لا هكنكم 
اللعب مع ذوي العيون البديّة, إن أصحاب العيون البنية أرقى من 
أصحاب العيون الزرقاء». 


كان هذا الوصف ما قالته المعلمة حسب ما تذكر السيد ريكس. وأضاف: «كانت تأخذنا 
من عامنا وتّفتّتناء وكأننا م نکن ف عام واحد من قبل». وحينما كان السيد ريموند ضمن 
الجماعة امُحتقّرةء كان يشعر بحالة من الضياع» وفقدان الهوية» وعجز عن القيام بواجباته. 
من الا ياء المهمة التي ينبغي أن نتعلمها بوصفنا بش هي استيعاب وجهات النظر, 


والأطفال م يتمكنوا من ممارسة ذلك فحينما كان أحدهم يُجبر على كيف ينبغي أن 
يكون موقفه لو كان مكان زميله, فقد كانت تُفتح عنده مسارات معرفيّة جديدة: فبعد 





110 


الدماغ أسطورة التكوين 





التجربة التي حدثت في عُرفة صف السيّدة إليوت» كان ريكس أكثر يقظة ضد الحملات 
الدعائية العُنصرية, فما زال يتذكّر ما قاله لأبيه, «م يگن ذلك مُناسباً» لقد تذگر ريكس 
لك اللحظة بو كان لأنه كان يشعر بأنه مُتأكّد منهاء وقد عرف أنه بدأ في تلك اللحظة 
1 

إن تمرين السلدة جين إليوت التي عكست فيه مجموعات الأطفال من ذوي العيون 
الزرقاء قاء والعيون البنية: وفي كل مرة وسمت إحدى المجموعات بالذكاءء أتاح للأطفال فرصة 
لتعلّم درس مهم وهو أن بعض القوانين اعتباطية» كما تعلّم الأطفال من ذلك الدرس أن 
الحقيقة ليست ثابتة, وليس بالضرورة أن يكون هناك حقائ ثق أصلاً. لقد منح هذا التمرين 
الأطفال فرصة للنظر من خلال أعمدة الڏخانء وأوهام الأجندات السياسيّة» وتشكيل 
وجهات نظرهم بأنفسهم - وهي مهارة كنا بالتأكيد تُريد من أطفالنا اكتسابها. 


يلعب التعليم دوراً محورياً في منع حوادث الإبادة الجماعية» فمن خلال فهم دوافعنا 
العصبية فقط في تشكيل الجماعات التي ننتمي إليها والجماعات المختلفة عنها (والجيّل 
المعروفة التي تستخدمها الدعايات الانتخابية في هذا الأمر)» فإننا نأمل أن تُبطل حركات 
تجريد الناس من إنسانيتهم التي غالباً ما تنتهي بإبادات جماعية. 


وفي هذا العصر امتّسم بالترابط التشعبي الرقمي» أصبح مُهماً أكثر من أي وقت مض أن 
نفهم الروابط بين الاس فالعقول البشرية هي بالأساس متصلة مع بعضها بعضاً وتتفاعل 
مع بعضها بعضاً وهي التي تجعلنا كائنات اجتماعية, وعلى الرغم من أنه يمكن خداعنا 
في بعض الأحيان» من خلال بعض الدوافع الاجتماعية ا مغرضة» إلا أن تلك الدوافع غالباً ما 
تعمل كروافع لقصص النجاح الإنسانية. 


فربما تفترض أن وود تن و اود الجماعة العرقية التي تنتمي إليهاء ولكن هناك 
منطقاً آخر وهو أنه لا ينبغي أن تَحدّد نهايتك» وبداية من حولك بهذا الشكل؛ لأن خلاياك 
العصبية, والخلايا العصبية لكل شخص على هذه الأرضء تتفاعل مع بعضها بعضاً وكأن 
الناس كلهم كائنُ واحد ضخم فما يكن أن نسميه «أنت» هو ببساطة شبكة واحدة 
ضمن شبكة أكبرء فإذا كنا نريد مُستقبلاً أفضل للإنسانية» علينا جميعاً أن نستمر في 
البحث عن الكيفية التي 3 تتواصل فيها الأدمغة البشرية مع بعضها بعضاً. : ينبغي أن نبحث 
عن المخاطر والفُرص؛ لأنه لا يُكننا أن نتجئب تلك الحقيقة المحفورة في أدمغتنا: أننا 
بحاجة إلى بعضنا بعضاً. 





111 








الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





خلال اللئة ألف سنة الماضية,» عاشت شت الأنواع البشرية في رحلة هادئة نوعاً ماء امتذت من 
الحياة البدائية التي اعتمدت على الصيد, والتقاط الثمارء وصولاً إلى غزو الفضاء وتتصل 
مع بعضها بعضاً بطريقة تُقرر مصيرها. ذ تم نستمتع اليوم بحياة دنيوية مم يحلّم بها أسلافنا 
من قبل: فأصبحت لدينا أنهارٌ نظيفة, » نستطيع أن نجرّها إلى أبعد الكهوف التي نعمرها 
حينما نرغب» ولدينا أجهزة صغيرة ة جداً تحتوي على كل ا معرفة في العاط, وكثيراً ما ممكننا 
رؤية الغيوم من فوقهاء والتضاريس المْتعرّجة لسطح الأرض من الفضاء الخارجيء كما 
هكننا أن نبعث رسائل إلى الطرف الآخر من المعمورة في أقل من ۸ مل/ثانية, وتُحمّل 
ملفات مُستعمرة بشرية فضائية عاثمة بسرعة ٠١‏ ميجا بايت/الثانية» وحتى حينما نذهب 
إلى العملء فإننا ننطلق بالعادة بسرعات تتجاوز سرعة الفهود المعروفة بقدرتها 0 
على العدو! فالبشر مُدانون بنجاحاتهم الباهرة إلى السمات الخاصة التي تتمتّع بها تلك 
المادة التي تقبع في الجمجمة» ولا يزيد وزنها عن ثلاثة أرطال". 


فما هو الدماغ البشري الذي جعل هذه الرحلة الطويلة مُمكنة؟ إذا فهمنا الأسرار وراء 
هذه الإنجازات» فربما نستطيع توجيه طاقاتنا الدماغية بطرق هادفة وحذرة لفتح فصل 
جديد في تاريخ البشريةء فماذا عسى آلاف السنين القادمة ثحبن لنا؟ وماذا مُكن أن يكون 
عليه الباق البشري في المستقبل البعيد؟ 


الحاسوب المرن 


يكمن السر في فهمنا لنجاحاتنا - وفرصنا في المستقبل - في قدرة أدمغتنا الهائلة على 
التكيّف. أو ما يُعرف بالّلدونة الدماغية, فكما رأينا في الفصل الثانيء هذه الميّزة أتاحت لنا 
العيش في بيئات مُختلفة, وجمع التفاصيل عن البيئة التي نريد العيش فيهاء ا في ذلك 
لغتها المحلية, وتحدّياتها الخاصةء ومتطلباتها الثقافية. 


إن لدونة الدماغ هي أيضاً امفتاح لمستقبلنا؛ لأنها تفتح الباب لإجراء تعديلات على قدراتنا 
الفطرية. والآن دعنا نفهم كيف يعمل جهاز الحاسوب (أي الدماغ) بهذه المرونة؟ تأمل 
حالة طفلة صغيرة تُدعى كاميرون موت (1/105 022261205)): وهي في الرابعة من عمرهاء 
عانت من تشئّجات شديدة وقاسيةء لدرجة أنها كانت تسقط فجأة على الأرضء مما 





١١17 كغم. وهذا يعني أن وزن دماغ الشخص الراشد يساوي‎ ٠,606 الرطل الإنجليزي يُقابل الكيلو غرام ويُعادل‎ )١( 
كغم (المترجم).‎ 


n اب“‎ 


آذ 


الدماغ أسطورة التكوين 





استدعاها ارتداء خوذة في جميع الأوقات. شّخْصت حالتها بمرض نادر ومُنهك يُدعى 
(راسموسن), أو (التهاب الدماغ), لقد أدرك أطباؤها أن هذا النوع من الرّعاش قل يؤدي 
إلى الشللء والوفاة لاحقاً - لذلك قرروا إجراء عملية جراحية كبيرة لهاء وفي عام ۲٠١۷‏ 
استطاع فريق من الجرّاحين استئصال نصف دماغ المريضة «كاميرون» في عملية جراحية 
كبيرة استغرقت اثنتي عشرة ساعة. 


توضح جذه الصورة 
0-3 ا 


لنصف الذي تم 
اة من دماغ 





(Cameron) كا‎ 


كاميرون 


ما الآثار طويلة المدى التي ترتبت على استئصال نصف دماغ الطفلة كاميرون؟ لقد تبيّن 
لاحقاً أن النتائج كانت بسيطة وغير مُتوقّعة. فقد عانت كاميرون من ضعف ف جانب 
واحد من جسمهاء وخلاف ذلك لا كن التمييز بينها وبين رفاقها الأطفال في غرفة صفها. م 
يكن لديها مشاكل في فهم اللغةء أو في عزف الموسيقىء أو في الرياضيات» أو حتى في رواية 
القصص, كان مستواها في المدرسة جيداً وكانت تُشارك في النشاطات الرياضية. 
كيف كان ذلك مُمكناً؟ إن ذلك لا يُعني أبداً أن نصف دماغ كاميرون كان لا حاجة له 
وإنما كان النصف امتبقي من دماغها قد أعاد تشكيل نفسه بصورة ديناميكية للتعويض 
عي الوط المفقودة, ومُعالجة جميع العمليات في النصف المتبقّي, إن تماثل كاميرون 
للشفاء يُؤْكّد قدرة الدماغ الخلابة على إعادة تشكيل نفسه للتكيّف مع المُدخلات» 
وا مخرجات»: والمها م التي ينبغي أن يقوم بها بعد استئصال نصفه. 


وبهذه الطريقة فإن الدماغ لا يشبه أساساً تركيبة الحواسيب الرقميّة الثابتة» بل على 


ل ا ا سا 


۷۰ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





العكس من ذلك» الدماغ يُعيد تشكيل نفسه بشكل حي ومُباشر, > كما أنه يُعيد تصميم 
دوائره الكهربائيةء ورغم أن دماغ الإنسان الراشد ليس مرناً بالكفاية. كما هو دماغ الطفل, 
رکنه ما يزال يحتفظ بقدرته المُذهلة على التكيّف والتغيّر. فكما رأينا في الفصول السابقة, 
فإنه كلما تعلّمنا شيئاً جدیداً سواء أكان خارطة مدينة لندنء أم القدرة على تشكيل 
الأكواب» فإن الدماغ قادرٌ على تغيير نفسه. إنها ميّزة الدماغ التي تُطلق عليها المرونة التي 
ُمكننا من توحيد الجهود في حقلي الأحياء والتكنولوجيا. 


الربط مع الأجهزة الطرفية 


لقد أصبحنا بصورة أفضل عندما بدأنا في توصيل بعض الآلات مُباشرة بأجسامناء رها لا 
ندرك هذاء ولكن الحقيقة 3 تقول إن مئات الآلاف من الناس يعيشون بأجهزة سمعيّة 
وبصريّة صناعية في الوقت الحالي. 


من خلال زرع جهاز القوقعة - ميكروفون خارجي - تمكّنا من تنظيم الإشارات الصوتية 
ونقلها إلى الأعصاب السمعيّة. وبالطريقة نفسها تُنظم زراعة شبكيّة العين الإشارات التي 
تلتقطها كاميرا لترسلها إلى شبكة قُطبيّة كهربائية مُتصلة بالأعصاب البصريّة خلف العين. 
فالناس الذين يُعانون من الصَّمْ والعمى حول العالم يعرفون قيمة هذه الأدوات التي 
استطاعت أن تعيد لهم إحساسهم بالعاطم الخارجي 


لا نعرف إذا كانت هذه التكنولوجيا تصلح لنا في كل مرة تُحاول استخدامها؛ لأنه عند 
اختراعهاء كان الكثير من الباحثين يُخامرهم الشّك حولها؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الدماغ 
مُجهّز بصورة ثابتة» وبشكل دقيقء ومُحدّدء ول يكونوا متأكّدين من نجاح الاتصال بين 
الشبكة القطبية الكهربائية, والخلايا البيولوجية. هل يكن أن يفهم الدماغ الإشارات غير 
البيولوجية الخامة؟ أم أنها ستزيد تشويشه؟ 


وقد اتضح لاحقاً أن الدماغ قادرٌ على تفسير هذه الإشارات» وأنه قادر على التعوّد على 
هذه الأدوات الاصطناعية كما يتعوّد على تعلّم لغة جديدة. في البداية تكون الإشارات 
الكهربائية الغريبة غير مفهومة بالنسبة له. لكن الشبكة العصبية أخيراً تُنشئ أنماطاً 
للتعامل مع البيانات الواردة للدماغ. ورغم أن الإشارات الواردة هي إشارات خام» إلا 
أن الدماغ يُعطيها معاني خاصةء فهو يبحث عن أنماط ونقاط مرجعية تقاطعيّة لها مع 
الحواس الأخرىء وإذا وجد لها أي بُنية تتعلق بهاء فإن الدماغ يبحث عنها بحرص - وبعد 





1۷1 


الدماغ أسطورة التكوين 
E eT |‏ 


عد أسابيع يُعطي هذه البيانات معاني خاصة, ورغم أن زراعة الأجهزة تُعطي إشارات 
مختلفة نوعاً ماء تختلف عن الإشارات التي تُعطبها الأعضاء الحسية الطبيعية, إلا أن 


الدماغ قادرٌ على مُعالجتها. 







أجهزة سمعية وبصرية اصطناعية 


و يديل 
١‏ 0 
1 أ 
4< اي 
- 


زراعة شبكية 













تقوم القوقعة الاصطناعية بالتغنَّبٍ على المُشكلات التي تحدث في الأذنء وتنقل الإشارات 
الصوتية مباشرة إلى العصب السمعي السليم» ثم يقوم الدماغ بإرسال النبضات الكهربائية 
إلى القشرة السمعيّة لتحليلهاء ثم تقوم القوقعة بالتقاط الأصوات من العام الخارجي 
ومُرّيُها إلى الأعصاب السمعيّة. من خلال أقطاب صغيرة جداً يبلغ عددها 7١‏ قطباء لكن 
المريض لم يستطع السمع مباشرة؛ لأن دماغه ينبغي أن يتعلّم كيف يُفسّر اللغة الغريبة 
في الإشارات المنقولة للدماغ» وقد وصف إحساسه لنا السيد مايكل كورست وهو أحد 
الأشخاص الذين أجريت لهم زراعة قوقعة: 
«عندما باش الجهاز بعد شهر من عملية الزراعة» كانت ت أوك حُملة قد مها لقب 
الغريبة, فصل ذلك تبن أن م معنى هذه 1 الغريية: «ماذا أفطرت الیم 0 عذة 
أشهر أصبحثُ قادراً على استخدام التلفونء وتمييز الأصوات في البارات والكافتيريات». 








أما زراعة الشبكية فهي تعمل وفق المبادئ نفسها التي يعمل بها جهاز القوقعةء حيث 
تقوم أقطاب كهربائية مُتناهية الصّغر في جهاز الشبكية الاصطناعي» بالتغلب على العمل 
الاعتيادي لبطاقة الإبصار من خلال إرسال شرارات كهربائية صغيرة, وهذه الأجهزة 


\VY 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 











الاصطناعية غالباً ما تُستخدم طرضى العيون التي تكون أجهزة الإيصار لديهم خلف العين 
ضعيفة, لكن خلايا الإبصار العصبي ما زالت سليمة لديهم. ٠‏ ورغم أن الإشارات التي تصدر 
عن الشبكية الاصطناعية ليست بدقة الجهاز البصري الطبيعي» إلا أن عمليات النقل تكون 
قادرة على تعلّم ترجمة المعلومات التي تحتاجها للإبصار. 


حواس إضافية للمُستقبل: استخدمها واستمنغ 


تتيح لنا المرونة الدماغية استقبال مُدخلات جديدة وتفسيرهاء ولكن أي فُرص حسيّة مُكن 
الاستفادة منها من خلال هذه المرونة الدماغية؟ 


يولد الإنسان بطاقم طبيعي من الحواس الأساسية: السمع» واللمس» والبصء ا 
والذوق» بالإضافة إلى حواس أخرى» مثل: التوازن» والتذبذب» ودرجة الحرارة. ولا تعدو أن 
تكون الحواس بقدر ما هي بوابات لالتقاط الإشارات من العام الخارجى جي. 


ورغم ذلك وكما مرّ معنا في الفصل الأولء فإن هذه الحواس تيح لنا الإحساس بالعام من 
حولنا بشكل دقيق جداً؛ لأننا لا نحُس بمصادر المعلومات التي لا نملك لها أجهزة استقبال. 


وأنا أفهم البوابات ال على شكل ان طرفيّة تعمل وفق مبدأ صل واس ستمتع! فالفكرة 
الرئيسة هنا أن الدماغ لا م مير قنوات استقبال البيانات ولا يهتم بهاء فمهما استقبلنا من 
معلومات» فإن الدماغ نمطت أن يُعالجهاء وفي هذا الإطار فإنني أفكر بالدماغ على شكل 
جهاز حاسوب مُتعدّد الأغراض: يعمل على ما يده من بيانات» والفكرة أن امنا الطبيعة” 
بحاجة إلى تشغيل الدماغ وفق مبادئ تبتكرها مرةً واحدة - وتُعطي الفرصة للعلماء 
لتصميم أدوات جديدة لاستقبال المدخلات. 


والنتيجة النهائية أن جميع هذه الحواس التي نعرفها ونُحبّها هي أجهزة يمكن تبديلها بين 
فترة وأخرى» وما أن تتصل بالدماغ حتى يستطيع تفسير عملهماء وفي هذا الإطار أيضاً فإن 
الطبيعة تريح نفسها من إعادة التصميم في كل مرَةء فما أن تُوصّل هذه الأجهزة الطرفيّة 
حتى يبدأ الدماغ بالعمل كا معتاد. 





(۳) أمنا الطبيعة: : تعبير بلاغي لتجسيد الطبيعة. والإشارة إلى قوتها العظيمة في التحكُم بالحياة ثواباً وجزاءً. واستخدام 
هذا التعبير لا يدل أبداً على إنكار قوّة الله الخالق العظيم لها (المترجم). 


ب س ا ا 20 
۱ 


الدماغ أسطورة التكوين 





انظر فقط إلى المملكة الحيوانية وستجد أنواعا مُحيّرة من الحواس الطرفيّة التي تستخدمها 
أدمغة الحيوانات» فالأفاعي مثلاً لها أجهزة حسيّة خاصة بدرجة الحرارةء أما الأسماك 
السكينية (طامقع)نص؟) فلها أجهزة إحساس كهربائية لتفسير التغيرات في امُجال الكهربائي 
المُحيطء والأبقار والطيور لها أجهزة مغناطيسية تُوجّه حركتها نحو المجال المغناطيسي 
الأرضيء وبعض الحيوانات ممكنها أن ترى الأشعة فوق البنفسجيةء مثل الفيلة التي 
- أن تسمع الأصوات من مسافات بعيدةء وحاسة الشم للكلاب قويّة جداً إن 

تقة الانتخاب الطبيعي هي قُدرة جذب نهائية, أي مجموعة من الطرق التي تستطيع 
فيا الجينات الوراثية تمييز البيانات الخام القادمة لها من العام الخارجي إلى العام 
الداخلي» والنتيجة النهائية أن الطبيعة قد منحثنا دماغاً يمكننا من الإحساس بأطياف 
مختلفة من الواقع. 


والنتيجة التي أريد التأكيد عليها هُناء أنه لا يوجد شيء خاص أو أساسي حول الحواس 
التي نستخدمهاء فهي ما ورثناه عبر تاريخ طويل من التحدّيات الطبيعيةء والتي استطاع 
الإنسان تجاوزها. 


وبُرهاننا الرئيس على هذه الفكرة يأتي من مفهوم يُدعى (الإحلال الحسّي)» وهو عملية 
شير إلى تغذية الدماغ ببيانات حسيّة من خلال قنوات حسيّة غير اعتيادية» مثل البصر 
والّمسء بحيث يقوم الدماغ بفهمهاء ومعالجتها؛ لأنه لا يهتم بالطريقة التي جاءت منها. 


فالإحلال الحسّي قد يبدو وكأنه خيال علميء ولكنه في الحقيقة مُتجذّر في الواقع» فأول 
عملية ظهرت نُشرت في مجلة (©212005) في عام ٩۱۹1ء‏ وفي ذلك التقرير بيّن عام الأعصاب 
باول باخ واي ريتا (8نظ - لإ - طءه8 1نوم): أن الأفراد امُصابين بالعمى قادرون على 
رؤية الأشياء - حتى عندما يتم تلقيم المعلومات البصريّة لهم بطريقة غير اعتيادية 
فكان يُجلس الأشخاص العميان على كراسي مُعدَّلةَ تُشبه كراسي طبيب الأسنانء بحيث 

_يكون جهاز التسجيل موصولاً بكاميرا. وكان يتم تحويله إلى أنماط من غطاسات صغيرة 
مضغوطة مُقابل المسند السّفلى! وبمعنى آخرء إذا قمت بوضع شكل الدائرة أمام الكاميراء 
فإن المريض سيشعر بذلك الشكل من خلال ظهرهء أو لو وضعتٌ وجهاً أمام الكاميراء فإن 
المريض الضرير سيشعر بذلك الوجه من خلال ظهره. 


من المُدهش حقاً أن يستطيع الأشخاص الضريرون تفسير الأشياء والإحساس أيضاً بزيادة 
حجمها حينما يقتربون منهاء فقد كانوا يُبصرون من ظهورهم بمعنى من المعاني. 


وهذا هو أول مثال على الإحلال الحسّي الذي سيأق بالمزيد. إن ما يُجسّده هذا المنهج 





VE 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





المُعاصر يشتمل على تحويل مُلقُم الفيديو إلى تيار صوتي أو سلسلة من الصواعق الصغيرة 
المُتبتة على جبهة المريض أو فوق لسانه. 


مد خل سمعي 1 جر 


كاميرا صورة ١ i‏ 
2 × سے 
سمعية 1 1 س 
5 + 
لا ار صورة لمسية 
ل 
كاميرا 9 
صورة 0 
لجهاز : صورة 


لک ہک فو السان لجهاز نسي 


ومثال على هذاء جهاز يُدعى بوابة الدماغ (0۲۲م”1ة8)» بحجم طابع البريدء يقوم بنقل 
الصواعق الكهربائية المتناهية في الصغر إلى اللسان» من خلال شبكة صغيرة تستقر فوق 
اللسان» ثم يقوم شخص ضرير (أعمى) بارتداء نظارات شمسية مُرْوّدة بكاميرا صغيرةء وتقوم 
الكاميرا بتحويل هذه النبضات الكهربائية الموجودة على اللسان» والتي يشعر بها المريض 
مثل فقاعات المشروبات الغازية؛ وبعد أن يتمرّس الأشخاص الضريرون على استخدام هذا 
الجهازء يصبحون قادرين على المشي من خلال مسارات صعبةء أو يستطيعون رمي الكرة 
في السلة وقد أقاد أجد اللاعيين القريرين واسمة (أريق وعدم حؤل استخدامة لهذا 
الجهازء وهو مُتسلّق جبال» أنه كان يستطيع تحديد الأسطح والشقوق من خلال الإشارات 
القادمة من الجهاز المربوط فوق لسانه. 


فإذا ظننتٌ أن هذا ضرب من الجنون بأن ترى من خلال لسانك؛ عليك أن تتذكر أن 
الإبصار هو ليس إلا إشارات كهربائية تسير في تيارات داخل الصندوق الأسود الذي في 
جمجمتك» وهذا عادةً ما يحدث من خلال الأعصاب البصريّة, ولكن ليس هناك أي سبب 
أن لا تنتظم المعلومات في تيّارات من خلال الأعصاب الأخرى بدلاً من ذلك, فكما يُفهم 





170 


أربع طرق لإدخال معلومات 
بصرية إلى الدماغ من خلال 
قنوات حسيّة اصطناعية. 
الظهر السغلي والأذنين. 
وجبية الرأس. واللسان 


الدماغ أسطورة التكوين 





من موضوع الإحلال الحسّيء فإن الدماغ يستقبل البيانات بصرف النظر عن قنوات وصولها 
ويفهمهاء ويُعالجها بشكل اعتيادي. 


أحد المشاريع التي جرت في مُختبري» كان حول بناء منصة إحلال حسّي. وقد قمناء بشكل 
مُحدّد.ء ببناء تكنولوخيا قابلة للارتداء على الجسم تُدعى السّترة »)۷٤81(‏ > وهي اختصارٌ 
لناقل حسّي إضافي مُتعدّد الاستخدام» تمكن ارتداؤها تحت الملابس العاديّة, وتغطيها 
ذبذبات حركيّة دقيقة. وهذه الحركات تُحوّل حخُزم البيانات إلى أنماط ذبذبات ديناميكية 
عبر الجذع وقد استخدمنا هذه السّترة لتحسين السمع عند مريض أصم. 

وبعد خمسة أيام من استخدام تلك السُّترة. كان الشخص الذي ولد أصماً قادراً على تحديد 
بعض الكلمات المنطوقة بصورة صحيحةء ورغم أن هذه التجارب ما زالت في بداياتهاء فإنه 
يتوقع من مستخدميها بعد بضعة أشهر من ارتدائها أن يشعروا بخبرة إدراكية مُباشرة - 
تُعادل خبرة السمع الطبيعي. 

وقد يبدو ذلك غريباً أن يسمع الشخص من خلال نقل ذبذبات مُتْبّتة في جهاز على 
جذعه» ولكن الحقيقة وكما شرحنا في تجربة كرسي طبيب الأسنان, أو شبكة اللسانء فإن 
المسألة لا تتعدّى المبدأ التالي: الدماغ لا يهم بالطريقة التي تصل له فيها البيانات» بقدر 
ما يهتم بمعالجتها. 


تعظيم الحوانس 

يعد الإحلال الحسّي إنجازاً عظيماً للتّحايُل على الأعضاء الحسيّة المريضة - ولكن» هل 
مُكننا الذهاب أبعد من ذلك؟ بمعنى ماذا لو استطعنا استخدام هذه التكنولوجيا في 
توسيع قُدراتنا الحسيّة؟ ونحو هذه الغاية أعمل حالياً مع طُلَابي على تركيب حواسش 
جديدة للمخزون البشري لزيادة إحساسنا بالعالم الخارجي. 

تأمّل هذا المثال: تتدفق البيانات من الإنترنت بكميات هائلة تُقدّر بالبيتابايت" من 
البيانات المهمّة, ولكننا في الوقت الحالي لا يمكننا الوصول إلى هذه المعلومات إلا من خلال 
شاشة الهاتف أو شاشة الحاسوب. ماذا لو استطعنا بث بيانات بشكل مُتزامن إلى أجسامنا 


(5) بيتابايت: وحدة قياس البيانات, وتُعادل 10٠١‏ بايت. 
> 020222 ا ا س ن ت 
۱۷٦‏ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 
ا 


بحيث نستطيع الإحساس مباشرة بالعالم الخارجي؟ وبمعنى آخرء كيف يكون حالنا لو 
استطعنا الشعور بالبيانات المتدفقة من حولنا؟ معلومات حالة الطقسء أو معلومات 
البورصات العالمية, أو منشورات توي أو معلومات حركة الطيران» أو معلومات أوضاع 
المصائع - كلها تم ۾ ترميزها على شكل لغة ذبذبات جديدة يستطيع أن يفهمها الدماغ. 
وكلما ذهبت إلى أشغالك اليوميةء فإنك ستكون على عم بشكل مباشر فيما إذا كان الجو 
بثمطر ف المناطق ال تيقل عك مقات الاين أو أنها ستثلج غداً. أو أنك ستكون 
على معرفة بتوجّهات البورصة, أي أنك أصبحت قادراً تلقائياً على تحديد حركة الاقتصاد 
لعالمية» أو معرفة ما يجري في تويتر, وكل هذا أصبح جُءًا من حالة الوعي البشري. 







لتوفير عملية إحلال حسيّة للصّمء قمت أنا وأحد طلبتي وهو سكوت نوفيتش (5©010 
1), بعمل شترة يمكن ارتداؤها على الجسم لالتقاط الإشارات الصوتية من البيئة 
الخارجيةء وتحويلها إلى ذبذبات صغيرة فوق الجذع بحيث تستطيع الحركات تنشيط 
الأفاط حسب ذبذبات الصوت» وبهذه الطريقة يكون الصوت قادراً على تحريك أنماط 
الذيذبات. 


في البداية. م نفهم معنى الذبذبات, ولكن بعد مزيد من الُمارسة. بدأ الدماغ بترجمة 


VV 


الدماغ أسطورة التكوين 
بللإ--إإ ابي بيبش يبيب يبب جب سجس يي 













البيانات» وأصبح مرضى الصّم قادرين على ترجمة الأنماط الْعقدة من الذبذبات فوق 
الجذع, وفهمهاء ثم بدأ الدماغ بالتمگن من إغلاق هذه الأماط بطريقة لاواعية» تماماً كما 
يفعل شخص أعمى حينما يقرأ بنظام بريل بكل بساطة. 

وعليه فإن السّترة أصبحت قادرة على توفير بديل ممجتمع الصّمء وبعكس زراعة القوقعات, 
فإنها ليست بحاجة إلى عمليات جراحية كبيرة. وهي أرخص عشرين مرة من القوقعة, مما 
يجعلها حلاً فريداً محتاجيها في العام. 


والهدف الكبير من هذه السّترة هو بالإضافة إلى استخدامها في تحويل الذبذبات الصوتية 
إلى أشياء مفهومة. فإنه مُكن استخدامها منصّة لبث أي نوع من المعلومات وتحويلها إلى 
الدماغ. 


يُرجى مُشاهدة الفيديوهات الخاصة بهذه السترة على موقع إ٥ثء e٣2۸.‏ اعهء 


ورغم أن ذلك يبدو وكأنه خيال علميّء فإننا لسنا بعيدين عن هذا الزمن. وكل ذلك 
بفضل هذه الموهبة الدماغية القادرة على تمييز الأنماط دون أي مُحاولة مناه وهي خدعة 
تُتيح لنا استقبال البيانات المعقّدة ودمجها في خبرتنا الحسيّة عن العام. وهذا الأمر يُشبه 
قراءتنا لهذه الصفحة. حيث تُصبح عملية استقبالنا للبيانات الجديدة عمليّة لا شعوريّة 
وغير مُضنية. وعلى العكس من عملية القراءةء فإن إضافة أجهزة حسيّة للجسم قد تكون 
طريقاً لاستقبال معلومات عن العام الخارجي دون أي وعي مٿا 

في الوقت الحاليء نحن لا نعرف حدود هذه المعرفة - هذا إذا كان لها حدود - التي 
يستطيع الدماغ التعرّف عليها ومُعالجتهاء ولكن يبدو جليًاً أننا لم نعّد مخلوقات فطرية 
تحتاج إلى زمن طويل لكي تستطيع التكيّف الحسّي عبر خط زمن تطوّرهاء فكلما تقدمنا 
نحو المُستقبل. فإننا سنكون قادرين على تصميم بوّاباتنا الحسيّة لخبرة العالم الخارجيء ثم 
سنكون قادرين على إعداد أنفسنا على شكل واقع حِسّي لا حدود له. 


كيف نحصل على أجسام مُناسبة 
كيفية إحساسنا بالعالم الخارجي هو نصف القصة. أما نصفها الآخر فيتمثل في كيفية 


اا ل 
VA‏ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





تفاعلنا مع هذا العام! وبالطريقة نفسها التي بدأنا فيها تعديل حواسّناء هل يستطيع 
الدماغ الارتقاء إلى مستوى تعديل الطريقة التي ننفتح فيها على العام ونشعر به؟ 


ولمزيد من الفهم» قابلتٌ السيدة جان سوشورمان »)[Jan Scheuermann)‏ التى تعانی من 
مرض ورای نادں تُدعى (الخلل النخاعي المخيخي)» الذي يحدث بسبب مون احا 
الحبل الشوي التي تربط دماغها بالعضلات. فقد كانت السيدة جان قادرة على الشعور 
يجسمهاء لكنها م تكن قادرة على تحريكه» وقد وصفت ذلك على النحو التالى: «دماغى 
يقول ارفع ذراعك» ولكن ذراعي يقول أنا لا أسمعك». وقد أدى شللها الكامل إلى أن يون 
مُرِمَحةً مثاليّة لدراسة جديدة تُجريها كلية الطب في جامعة بيتسبيرغ. 


وفي هذا الصّددء قام الباحثون بزراعة قُطبين في القشرة الحركية اليُسرىء التي تمثّل آخر 
محطة للإشارات الدماغية قبل أن تنزل باتجاه الحبل الشوي لضبط عضلات الذراعينء وقد 
روقبت التيّارات الكهربائية في قشرتها الدماغية» ونقلت إلى حاسوب لفهم هذه الظاهرة, 
واستخدمت النتائج للتحكم في ذراع روبوت مُتقدّم. 


E 





f. 


4 
صورة تُبيّن الإشارات 
الكهربانية في دماغ 
السيدة جان بعد تحلينيا 
واستجابة الذراع لأوامر 
الدماغ. فخلال تفكيرهاء 
كان الذراع يستطيع أن 
يمتذ. والأصابع تُغلق 
وتفتح. وكان الرسغ 
يتحرك بمرونة. 


فحینما كانت جان ترغب في تحريك ذراعها الآ كانت ببساطة ثفكر بتحريكه. وكاها 
حرّكت ذراعهاء كانت قادرة على مُخاطبته بصيغة المُخاطَبُ الحاضر: «أعلى» أسفلء 
مستقيم» امسك» اترك». وكان الذراع يستجيب لذلك. ورغم أنها كانت تطلق الأوامر 
بصوت عالء إلا أنها م تكن بحاجة لذلك؛ لأن الدماغ والذراع كانا في حالة اتصال مباشرة 
وقد أفادت السيدة جان بأن دماغها تذگر كيف يُمكن تحريك الذراع» رغم أنها م تكن 


ss. 


۱۷۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 





قادرة على ذلك منذ عشرات السنين. «وكأن الأمر يُشبه ركوب دراجة هوائية», على حر 


تعبيرها. 
إن كفاية أداء السيدة جان تُشير إلى مُستقبّل يمكننا فيه استخدام التكنولوجيا لتعزيز 
قُدراتناء وتوسيع إمكانياتنا الجسديّة» ليس فقط من خلال استبدال الأطراف وبعض 
الأعضاء الأخرىء ولكن من خلال تحسينهاء أو الارتقاء بهم من ضعفها البشري إلى 
مُستويات استخدام شاق» والذراع الآلي الذي ركّبناه للسيدة جان هو أول المحطات فى 3 

حقبة صناعة الأعضاء الآلية المطلّة عليناء والتي سنكون خلالها قادرين على التحكم 
بالأعضاء الآلية بشكل أفضل ودائم بصورة أكبر وَأَدُوَم من قدرتنا على التحكم ببشرتنا 
وعضلاتنا وعظامنا الهشّة التي ولدنا بها. وهذه العملية هي من بين أمور أخرى ستفتح لنا 
إمكانيات مُستقبليّة هائلة لغزو الفضاءء وهذا أمر لا مُكن أن يحدث بإمكانياتنا البدنة 
الضعيفة الحاليّة. 


بالإضافة إلى استبدال الأطراف البشريّة, فإن التكنولوجيا المتقدّمة التي تربط بين الجسم 
البشري والآلات» ستمنحنا إمكانيات استثنائية أيضاً. تخيّل أنك تستطيع مد جسمك إلى 
حد لا تكن إدراكه؛ ولتوضيح ذلك دعنا نبدأ بهذه الفكرةء ماذا لو استطعنا استخدام 
الإشارات الدماغية لضبط جهاز في غرفتنا بطريقة لاسلكية؟ تخيّل أنك ترد على رسالة 
بريد الكتروني تلقائياً باستخدام القشرة الحركية في التحكّم بأفكارك مثل التحكُم بمكنسة 
كهربائية. فللوهلة الأولى يبدو هذا الأمر غير مُجد. ولكن تذكر أن الدماغ البشري عظيمٌ في 
إدارة المهامٌ بناء على ما لدينا من خلفيّات عنهاء دون أن يتطلّب ذلك وعياً بنطاق واسع, 
تأمل فقط كيف تستطيع قيادة سيّارة وأنت تتحدث بشكل عفوي إلى الرگاب» وتُغيْر في 
موجات الراديو. 


فباستخدام تكنولوجيا اللاسلي» وتكنولوجيا الربط بين الدماغ والآلات» يُكننا التحكّم 
بالأجهزة الضخمة»ء مثل الرافعات» والرافعات الشوكية بطريقة لاسلكية ومن على يُعدء كما 

مكننا التحكّم بأفكارنا بالطريقة نفسها التي تعزف فيها جيتاراً أو تضرب الأرض بفأس 
بصورة تلقائية (دون وعي). إن هذه الإمكانية لعمل هذه الأشياء مكن تعزيزها بتغذية 
راجعة حسيّة يمكن أن تحدث من خلال الجهاز البصري (أثناء مُراقبتك لحركة الآلات) أو 
من خلال تلقيمها بيانات موصولة بالقشرة البدنيّة الحسيّة (وأن تشعر بحركة الآلات). إن 
ضبط مثل تلك الأطراف يحتاج إلى مُمارسة, ويكون صعباً في البداية تماماً كما هو الأمر 
صعباً بالنسبة للطفل الذي يُحاول المشي بائزان بعد بضعة أشهر من تعلّمه لضبط حركة 
ذراعَيّه وساقيّه بشكل دقيق. ومع الزمن» فإن تلك الآلات ستُصبح أطرافاً إضافية ذات 


١.‏ أأآتث ث ثبب سشششسسسسس م 
ما 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





فاعلية كبيرة» وهذه الميزة ستكون ذات قوّة هائلة» سواء أكانت قوة هايدروليكية أم ما 
شابه لأنها ستّصبح قادرة على الإحساس بالطريقة التي تعمل بها ذراعيك أو ساقّئك, 
وستكون أطرافاً إضافية: أي إضافات بسيطة ندعم بها أنفسنا. 


ليس لدينا أي معرفة نظرية عن حدود أنواع الإشارات التي يكن للدماغ تمييزها ودمجهاء 
فقد يكون مُمكناً ربط أي جسم بشريء وأي نوع من التفاعل نريده مع العام الخارجي» 
فليس هُناك أي سبب يدعونا إلى عدم الاعتقاد بقدرتنا على اختراق الفضاء الخارجي 
لنتمكن من أداء واجباتنا في الجانب الآخر من الكرة الأرضيةء أو تنجيم الصخور على سطح 
القمرء أو الاستمتاع بمذاق ساندويش على سطح الأرض. 


فالجسم الذي نرغب بالحصول عليه هو فقط بداية البداية للبشرية! في المستقبل البعيده 
لا مُكننا فقط عمل امتدادات خارجية لأجسامناء ولكن قد يصل فينا الحد إلى الإحساس 
بذاتنا بشكل جوهري! فكلما جرّبنا حواساً جديدة وتحكمنا بأجسادنا بطّرق جديدة, فإن 
ذلك سيّغْيّرنا بشكل كبير كأفراد؛ لأن أجسادنا تهيء لنا كيف نشعرء وكيف تُفكرء ومن 
نحن» وحينما نتجاوز الحدود الطبيعية لإحساسنا والقيود المفروضة على أجسامناء سنكون 
أناساً مُختلفين وعندها سيُحاول أحفادنا من الجيل الرابع فهم حياتناء وما هي الأشياء 
التي كانت هامة بالنسبة لناء وعند هذه النقطة الفارقة في التاريخ» سيكون لدينا الكثير 
من الأشياء المُشتركة مع أسلافنا من العصر الحجريء أكثر ما لدينا من أشياء مُشتركة مع 
أحفادنا من الأجيال القريبة القادمة. 


البقاء على قيد الحياة 


لقد بدأنا مُبكراً فى زيادة قُدرات أجسادنا البشريةء ولكنّا مهما استطعنا تكريس أنفسنا 
لذلك. سيبقى أمامنا عقبة يصعب تلافيها.. إن أدمغتنا وأجسامنا مخلوقة من المادّة: المادة 
كما نعرف تتلاثى وتفنى. ستأق لحظة تتوقف فيها جميع نشاطاتك العصبيةء وتتوقف 
خبرات الوعي العظيمة لديكء وبعدها لا يهم ما تعرف أو ما تفعلء > فهذا مصيرنا جميعاً. 
وفي الحقيقة هذا اهو مصير الحياة. ولكن البشر هم الكائنات الوحيدة التي تعي هذه 
الحقيقة رة ود تشعر بألها. 


والناس ليس كلهم سواء أمام المعاناة البشرد يَة؛ فقد اختار بعضهم تحدّي الموت. فهناك 
العديد من الفرَّقٌ البحثيّة حول العامء المُهتمّة في فكرة مفادها أنه كلما تطوّر فهمنا في 


ا 


۱۸1 


الدماغ أسطورة التكوين 





علم الأحياءء سنكون قادرين على مواجهة الموت. والسؤال: ماذا لو تمكّنا من عدم الموت 
في المستقبل القريب؟ 

حينما قرّر مُشرفي وصديقي» فرانسيس كريك 0210 ء٤٣‏ ۴۴۵)» حرق جُنّته! قضيتثٌ وقتاً 
لا بأس به في التفكير بهذا الأمر: «يا للعيب! كيف سمحنا بأن تضيع منًا مادته العصبيّة, 
لتسمو مع أعمدة اللهب؟ كان ذلك الدماغء الذي أعرفهء يحتوي على الكثير من المعرفة, 
والحكمة, والذكاء لرائد من الوزن التّقيل في علم الأحياء خلال القرن العشرين. فبعد أن 
توقّف قلبه عن التّبضء اقتنعنا أن نرمي جسده في النار» ذلك الجسد الذي يحتوي على 
أرشيف حياته الثمين: ذكرياتهء وفطنته, وحسٌ دُعابته, وكل تلك الأشياء المخرّنة في دماغه. 
وقد خطرت ببالي فكرة أخرى: «هل كان بالإمكان الاحتفاظ بالمعلومات التي في دماغه 
بأي طريقة كانت؟ ولو احتفظنا بدماغه» هل كان بالإمكان بعث أفكاره ووعيه وشخصيّته 
مرة أخرى إلى الحياة؟» 


استطاعت مؤسسة آلكور (81602) لإطالة العغمرء خلال الخمسين سنة الماضيةء تطوير 
تكنولوجيا خاصة: يعتقد القانمون عليها أنها تُتيح للناس الأحياء حالياً الاستمتاع بدورة 
ثانية من الحياة لاحقاً. تعكف المؤسسة حالياً على تخزين حوالي مائة وتسعة وعشرين 
شخصاً في ثلاجة عميقة تمنع تعفن أجسادهم. 


وتعمل طريقة الحفظ بالتبريد على النحو التالي: يقوم الشخص امهتم بتوقيع بوليصة تأمين 
على الحياة مع المؤسسة. وبعد إعلان وفاته تخبر المؤسسة. ويتولى فريق من المؤسسة 


ويقوم الفريق فوراً بنقل الجُّنّةَ إلى حمام ثلجيء في عملية تُعرف ب (النضح التبريدي)» من 
خلال إضافة ست عشرة مادة كيميائية ة مختلفة لحفظ الخلايا أثناء عملية تبريد الجسد 
ثم يُنقل الجسد بسرعة إلى عرفة تشغيل آلكور, استعداداً للمرحلة الأخيرة من الإجراءات» 
حيث يبرد الجسد مراوح حاسوبيّةء تعمل على تدوير غاز النيتروجين مُنخفض الحرارة 
بشدةء وذلك بغية تبريد جميع أجزاء الجسم تحت درجة حرارة تبلغ سالب ١١6‏ مئوي» 
وبأسرع صورة مُمكنة لتلافي تشكل الثلج على الجُنَّة. تستغرق هذه العملية ثلاث ساعاتء 

تنتهي بأن تُصبح الجثة مُرْجَّجةء أي أنها وصلت إلى حالة خالية تماماً من الثلج» وبعد ذلك 
ترد الجُنّهَ تبريداً إضافياً لتصل إلى درجة سالب ١۹٠مئويء‏ في فترة أسبوعين آخرين. 





18 


تعلن وفاة الإنسان قانونيا عندما موت دماغه سريرياً أو عندما يتوقّف جسده عن 
التنقس» > ويتوقف دمه عن التدفّق بشكل نهاي. وللإعلان عن وفاة الدماغ» يجب أن 
يتوقف نشاط القشرة الدماغية ذات العلاقة في الوظائف العليا. وبعد وفاة الدماغء يكن 
أن تبقى الوظائف الحيوية صالحة لغايات التبرّع بالأعضاء أو التبرع بالجسد. وهو أمر في 
غاية الأهمية بالنسبة لمؤسسة آلكور. أما الوفاة الطبيعيةء فتحدث عند وفاة ميخ الخلايا 
ف ام دون تدخل بشري: جميع خلايا الأعضاء وخلايا الدماغ» وهذا يعني أن الأعضاء 
م تعد صالحة للتبرع. فعندما يتوقف تدفق الأوكسجين في الد سرعان ما تبدأ خلايا 
الجسم با موت, وللحفاظ على الجسم والدماغ في الحدّ الأدنى من حالتهما الطبيعيةء يجب 
وقف موت الخلاياء أو التعجيل في إبطاء موتها. كما تعطى الأولوية أثناء الحفظ بالتبريد 
منع تشكل بلُورات الثلج على الجئّة لئلا تُدمّر بنية الخلايا الهضّة. 








185 


4 


تحتوي الكوارة على 
أربع جُنْث وحوالي 
خمسة رؤوس تحفظ | 


عند درجة حرارة أقل 


من ١5١‏ مئوي. | 


الدماغ أسطورة التكوين 
تت ا يا اا تا ا ج ې ر 


قد لا يختار جميع الزبائن تجميد كامل أجسامهم بعد وفاتهمء فهناك خيارٌ آخر أقل 
كلفة» يتم موجبه حفظ الرأس فقطء وتتم عملية فصل الرأس عن الجسد على طاولة 
تشريح» حيث يُتخلّص من الدماء وسوائل الجسم الأخرى, كما هو الأمر بالنسبة للزبائن 
الذين يطلبون الاحتفاظ بكامل أجسامهم» ومن ثم استبدال السوائل التي تقوم بتثبيت 
الأنسجة في مكانها. 


وفي نهاية الأمرء تُنرّل + جُنَثْ الزبائن في سائل مُتعدّد درجات التبريد, يُسْكَبْ في أسطوانات 
فولاذية تدعی E‏ حيث يُحتفظ بها لفترة طويلةء ولا يعرف أحد على ا هذا 
الكوكب في الوقت الحاضر كيف يمكن إذابة هذه الجُنث المتلجة بنجاح. والفكرة ليست 

هناء فالأمل معقود, أنه سيقي يوم يبتكر الإنسان تكنولوجيا تستطيع إذابة الثلج بحرص, 
وإعادة بعث هذه الجُّثث من جديد إلى الحياة. فالحضارات في المستقبل القريب - كما 
يُعتقّد - ستأتي بتكنولوجيا تستطيع مُعالجة الأمراض التي أودثْ بأصحاب تلك الجُنْتْ 
وأوقفت حياتهم. 





يعي أعضاء مؤسسة آلكور أنه رما لن تُوجد تكنولوجيا لبعث هذه الجُّثْث التي يحتفظون 
بهاء فكل شخص موجودة جنّته في كوارات آلكورء أقنع نفسه بفيض إهانيء واتخذ هذا 





(؟) الكؤارة: (:») والجمع كوارات. عبارة عن بناء من الطين يُشيّد في زاوية حجرة المؤونة في البيوت الريفية القديمة؛ 
ولها فتحتان علويّة لصب القمح» وسفلية لإخراجه عند الحاجة (المُترجم). 





ع8 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 


gg 


القرار على أمل أن تآ تكنولوجيا ف يوم من الأيام تستطيع إذابة الحنث المتلجة. » وتبعٹ 
فيها الحياة وتعطيها فرصة أخرى للحياة! وهذه ليست مُغامرة بل مقامرة ف أن الإنسان 
سيبتكر التكنولوجيا الضرورية لذلك. تحدّثت مع أحد امنتسبين للمؤسسة (الذي ينتظر 
دُخوله إلى كوارات آلكور بعد وفاته), وقال: 


إن كل هذه العملية هي في حُكم الزهانء ولكنه أشار إلى أن هذا التصوّر 
يُعطيه فرصة أكثر من الصفر لشهر الموت - وهو احتمال أفضل من 
الاحتمالات المتوفرة لدا جميعاً. 


الدكتور ماكس مور M0۲(‏ 2د]/1)ء مُدير المرفقء لا يستخدم كلمة الخلود. وبدل من 
ذلك» يقول إن مؤسسة آلكور على وشك أن تُعطي الناس فرصة أخرى للحياة وهذه 
الفُرصة تضمن إمكانية العيش آلاف السنين أو أكثر. وحتى يحين ذلك الوقت» تعد مؤسسة 
آلكور مقبرة الأمل!. 


الخُلود الزفميب 


لا هيل كُل الناس الذي يوون إطالة أعمارهم إلى الرغبة في الحفظ بالتبريدء فبعض الناس 
ذهبوا إلى اتجاه آخر في البحثء وأفادوا أنه ماذا لو وُجدت طرق أخرى للوصول إلى 
المعلومات المْخرّنة في الدماغ؟ دون الحاجة إلى إعادة الشخص المتوف إلى الحياة» وبدلاً من 
ذلك» أصبحت لدينا طرق أخر ى لقراءة البيانات بشكل مُباشر. وفي النهاية, فإن التفاصيل 
الدقيقة لتركيبة الدماغ ستحتوي على كل ال معارف والذكريات للمُتوقى - وعليهء لماذا لا 
فك شيفرة ذلك الكتاب؟ 


دعنا ننظر إلى مُتطلبات هذا الأمر» في البدايةء نحن بحاجة إلى حواسيب ذات قُدرات 
استثنائية لتخز ين جميع تفاصيل البيانات التي يحملها دماغ فرد واحد. ولحُسن الحظ 
فإن تزايّد قدراتنا الحاسوبية تُشير إلى إمكانية حدوث ذلك. فخلال العشرين سنة الماضية» 
زادت قوّة الحواسيب أكثر من ألف مرة. كما تضاعفت قدرة معالجة شرائح الحاسوب 
تقريباً كل ثمانية عشر شهراً والعمل جار في اضطراد. كما أن التكنولوجيا في عصرنا الحالي 
تُتيح لنا تخزين كميات لا يكن تخيّلها من البيانات» تقوم بتشغيل أجهزة مُحاكاة عملاقة. 





1A0 


الدماغ أسطورة التكوين 


1 
قبل عشرين عاماً. كان هذا 
الحاسوب العملاق يُعادل 
جميع قُدرات الحواسيب 
الموجودة على سطح الأرض؛ 
وبعد عشرين سنة من الآنء 
ستبدو قوة هذا الجهاز 
مُتواضعة - مقابل جهاز 
يمكنك طيّه. وحمله فوق 





وإذا ما أخذنا قدرات حواسيبناء فإنه يُرجَّح أن يأق ذلك اليوم الذي نستطيع فيه نسخ 
دماغ بشري مُطابق على مادة حاسوبيةء فلا يوجد مانع من ناحية نظرية. ورغم ذلك فإن 
هذا التحدّي يحتاج إلى تقديرات واقعية. 


يحتوي الدماغ العادي على ست وتمانين مليار خلية عصبية. كل واحدة قادرة على تشكيل 
عشر آلاف وصلة عصبيّة. ترتبط مع بعضها بعضاً بطريقة خاصةء وفريدة من نوعهاء 
لدى كل شخصء حيث ممثّل خبراتك وذكرياتك وكل ما يجعلك «أنت» بأنماط فريدة من 
الوصلات تبلغ كدريليون" وصلة ما بين خلايا دماغك. وهذا النمط يفوق استيعابناء وقد 
وددنا أن تُطلق عليه (مُخطّط الوصلات العصبية)» وفي مُحاولة طموحة عمد الدكتور 
سبيستيان سيونغ (561128 56035]138): وفريقه في برينستون إلى التنقيب عن التفاصيل 
الدقيقة لمخطط الوصلات العصبية. 


ومساعدة مجهر دقيق وشديد التعقيد, تعذّر رسم شبكة للوصلات العصبيّة, وقد استخدم 


الدكتور سيونغ ميكروسكوب إلكتروني تتابعي» يستطيع عمل سلسلة من الشرائح الدقيقة 
لأنسجة الدماغ باستخدام شفرة حادّة جداً. (في الوقت الحا تجري هذه التجارب على 


أدمغة فثران وليس على بشر). ويتم تقسيم كل شريحة إلى مناطق دقيقة جداً وكل 


(0) الكدريليون: رقم يُعادل ٠١‏ أس خمسة عشر (المترجم). 





\A1 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقيل؟ 





واحدة من هذه المناطق يتم تُصَُور بميكروسكوب إلكتروني استثنائي الطاقةء ونتيجة كل 
عملية تصوير تعرف بصور مجهرية إلكترونية - وهذا مُتّل جزءًا من دماغ مُكبّر مائة ألف 
مرة وعند هذا المستوى من الوضوح يُمكننا التعرف على الملامح الدقيقة للدماغ. 














Advangenıent in prec essing power over lir 


ac (e? AA: 


Foe Fle oral. ist 






في عام 0۵ تنبّأ جوردون مور(2ه210 مه60:00)., أحد مؤسسي شركة إنتل الضخمة, 
بسرعة تقذم قوة الدفع الحاسوبية. يُفيد قانون مور «بأنه كلما صخرت الترانززتورات 
وزادت دقتهاء سيتضاعف كل عامين الرقم الذي يُمكن إدخاله إلى شرائح الحاسوب» وهذا 
يعني زيادة قوة الدفع الحاسوبية مع الزمن أضعافاً مُضاعفة». وقد صدق تنبو الرجل 
خلال العقود الماضية وتقلص الرقم مع مضاعفة تسارع التغيّر التكنولوجي. ويُستخدم 
قانون مور في صناعة الحواسيب لتوجيه الخطط طويلة الأمدء ووضع الأهداف الخاصة 
بالتقدّم التقني. ونظراً لأن القانون يتنبا بالتقدّم التكنولوجيء سيزداد بمتوالية أسية وليس 
بمتوالية خطية, فإن البعض يتوقع حساب اللمُعدّل الحالي» وعليه سيكون لدينا عشرون ألف 
جيل تقني في المائة سنة القادمة. وحسب هذا المُعدّل فإننا نتوقع أن يكون لدينا تطورات 
تقنية مذهلة ممكننا الاعتماد عليها. 


AV 


4 


شر يحة خاصة ممُخطط 
الوصلات العصبية: تعد 
هذه الصور الُذهلة من 
بُعدين هي أولى خطوات 
رسم مُخطط كهرباني 
مُعمّد في عاطنا المعروف. 
شير النقاط السوداء 
الصغيرة إلى المادة الوراثية 
داخل الخلية الأحادية, 
أما الدوائر المكتملة 
التى نراهاء فتمثل أوعية 
كروية صغيرة للناقلات 
العصبية. 


4 


دماغ فأر. تحتوي على 
تلاثمائة وصلة عصبية. 
وقطعة بهذا الحجم 
تحتوي على ؟ مليار 
وصلة من دماغ كامل 
لفأر. وه مليار من دماغ 
كامل لإنسان. 


الدماغ أسطورة التكوين 





وما أن تُخرّن هذه الشرائح في الحاسوب حتى يحين العمل الصعب» حيث تُدخل شريحة 
رقيقة واحدة. وتُتبّع حدود خلاياها - عادةً يتم هذا بواسطة اليد ثم يزداد ليصبح 
بواسطة الخوارزميات الحاسوبية. ثم تُشكّل الصُور فوق بعضها بعضاً في محاولة لربط 
مدى الخلايا الفردية عبر الشرائح لإظهارها في ثُلاثية غنية بامعلومات» وبهذه الطريقة 
المُضنية يظهر لدينا نموذجاً يوضّح لنا كل خلية والشبكة المتصلة بها. 





وا ل ا وو رارسا ل 


حملا 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





إن كثافة الوصلات العصبيّة التي تُشبه كثافة المعكرونة هي فقط لبضعة مليارات من 
الوصلات العصبيّةء وحجمها بحجم رأس الدَبُوس, وليس من الصعب رؤية اذا يُعد أمراً 
ا6 بناء صورة كاملة لجميع الوصلات العصبية في الدماغ البشريء ولا أمل من تحقيقه في 
القريب العاجل. إن كمية البيانات المطلوبة كمّية ضخمة., يتعذّر علينا تخزين ما يحتويه 
دماغ بشري واحد بصورة دقيقة؛ لأنه يتطلب سعة تخزين فائقة تُقاس بالزيتابايت9, 
وهذا هو حجم المحتويات الرقميّة الموجودة لدينا على سطح الكرة الأرضية في الوقت 
الراهن نفسه. 


ولي تُوغل أكثر في عام المستقبلء دعنا نتخيّل أننا تهنا من الحصول على صورة لمخطط 
للوصلات العصبية لدماغك» فهل تلك المعلومات الموجودة في ذلك امُخطط كافية للتعبير 
عن شخصيتك؟ وهل تحتوي هذه اللقطة من الدّارات الكهربائية في دماغك على الوعى 
الحقيقي لك؟ رها لا. ومع هذا فإن مُخطط الدوائر الكهربائية (الذي يبيّن طريقة اتصالها 
بعضاً) هو نصف الحيلة لأداء الدماغء أما النصف الآخر فيتعلّق بالنشاط الكهربائي 
والكيميائي الذي يجري فوق هذه الوصلات. إن كيمياء التفكير, والشعورء والوعی» تنبثق 
من كدريليون من التفاعلات بين خلايا الدماغ في كل ثانيةء وهذا يتضمّن التفاعلات 
الكيميائية والتغيرات في شكل البروتينات» والمسافات التي تقطعها ا موجات الكهربائية في 
طريقها إلى محاور الخلايا العصبيّة. 


تأمّل معي ضخامة مُخطط الوصلات العصبيةء ثم اضربه بالعدد الهائل من الأشياء التي 
تحدث لنا في كل ثانية في كل خلية من الخلايا العصبيةء عندها ستفهم حجم المشكلة. 
ومن سوء حظناء أن أجهزة بهذه الضخامة لا تستوعب الدماغ البشريء لكن ما زال الحظ 
في صفّنا؛ لأن الطاقة الحاسوبية تسير في هذا الاتجاهء ولعلّها تفتح لنا في النهاية آفاقاً 
محاكاة هذا النظام, أما التحدّي الآخرء فلا يكمن في قراءته بل في تشغيله. 


ومثل هذه المُحاكاة هي بالضبط ما يعمل عليها فريق من الباحثين في معهد لوزان 
الاتحادية للفنون التطبيقية السويسري. وهو مشروع يهدف إلى تصميم بُنية تحتيّة ثابتة 
ومرنة.ء مع حلول عام ۳ بحيث تكون قادرة على مُحاكاة دماغ بشري أثناء العمل. 
وهذا المشروع البحثي الطموح يحاول جمع البيانات من مُختبرات الأعصاب في العام» 
وهذا يشمل (محتويات وتركيب الخلايا الفردية) - لتحويل البيانات في المخططات إلى 





(1) الزيتابايت :)Zettayte(‏ وحدة بيانات تساوي "٠‏ (المترجم). 
س 


۱۸۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 


ببسم بس سم م م vv‏ 


معلومات» وتحديد أنماط نشاطها على نطاق واسع في مجموعات من الخلايا العصبية. 
وبالتدريج فإن كل نتيجة جديدة تأي من تجربة معينة في ا ماء من مختبر من 
مُختبرات العاط» ستمنحنا جزءا نسيراً من المعلومات لفهم هذه الأحجية الضخمة. إن 
الهدف الكبير ممشروع الدماغ البشري يكمن في الوصول إلى محاكاة لعمل الدماغ أثناء 
استخدامه لتفاصيل الخلايا العصبيّة. بحيث تكوق هذه اللحاكاة واقعيّة في تركيبها 
وسلوكهاء وحتى مع هذا الهدف الطّموح ومع تكلفتها الباهضة التي تبلغ حوالي مليار 
يورو تم تأمينها من الاتحاد الأوروبي» فإن الدماغ البشري ما زال بعيد المنال لي وإن 
الهدف 1 هو فقط بناء جهاز مُحاكاة لدماغ فأر. 


فخطط وصلات عصبية والمجهر الإلكثروي التسلسلي 


تُترجَم الإشارات البيئية إلى إشارات كهروكيميائية تحملها خلايا الدماغء وهذه هي الخطوة 
الأولى التي يقوم الدماغ بالاستفادة منها وتحويلها إلى معلومات من العام الخارجي 


للجسم. 


إن تتبّع التشابك الكثيف طليارات النيورونات من الخلايا العصبية المتشابكة يتطلب 
تكنولوجيا مُتخصّصة: كما يتطلب شفرة حادّة جداً أكثر شفرات العام حدّةء وهذه الطريقة 
تدعى (المجهر الإلكتروني التسلسلي لتصوير وجه الكُتَلة الدماغية)» وتستخدم لتشكيل 
نماذج بثلاثة أبعاد عالية الدقة للممرّات عصبية كاملة من شرائح صغيرة لأنسجة الدماغ» 





1۹۰ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 


عي يي و 2222 ري س ي ج تبت ر ى ب 






وهي أول طريقة للحصول على صُور بثلاثة أبعاد للدماغ بدقّة النانو (١/مليار‏ من المتر). 





كما نحتاج إلى شفرة ماسيّة عالية الدقة مُتبّتة على مجهر تصوير داخليء تقوم بتقطيع 


بل الدماغ الصغيرة طبقةً طبقة - مثل فرامة اللحم - لإنتاج مقطع سينمائي يكون فيه 
كل إطار على شكل شريحة مُتناهية الرّقّة. ا 






ثم تُصوّر كل قطعة فضية بواسطة مجهر إلكترونيء وبعدها توضع فوق بعضها بعضاً على 
كل طبقات رقمية, لعمل نماذج ثلاثية الأبعاد بدقّة عالية لكتلة الدماغ الأصلية الصغيرة. 





7 خلال تتبّع ملامح الكُتلة طبقةً طبقةء سنحصل على نموذج لتشابك الخلايا العصبية 
التي تتقاطع وتترابط على شكل ضفائر, وها أن مُعدل طول الخلايا العصبية يبلغ ما بين ٤‏ 
إلى ٠٠١‏ بليون من ابمتى لها ٠١‏ آلاف تفرّع مختلفء لذلك تعد هذه مهمة مُضنية. يتوقع 
أن يستغرق عدة عقود من الآن لرسم مخطط وصلات عصبية بشري. 







مشروع الدماغ البشري: 
يقوه فريق بحثي ضخم 
في سويسما بجمع البيانات 
من المختيرات حول العام 
بهدف بناء مرافق لمشابهة 
دماغ بشري أثناء العمل. 





ومن الآ قي بداية مسعانا لرسم دماغ بشري كامل ومُحاکاته ولا يُوجد أي مانع نظريا 
من بلوغه. ولكن السؤال الرئيسى هو هل ستكون التُحاكاة واعية - أي للدماغ آثناء عله 
فإذا اط العصول على تفاصيل» وتيت مُحاكاتها بشكل صحیح» فهل سنكون في تلك 
اللحظة أمام كائن ينبض بالإحساس؟ وهل بإمكانه أن يُفكّر وأن يعي ذاته؟ 





بر ل ا ج ص ص 


1۹۱ 


الدماغ أسطورة التكوين 


ص چ 


هل يتطلّب الوعي أجساماً يحل بها؟ 


بالطريقة نفسها التي يعمل بها برنامج الحاسوب على أكثر من جهاز, رها يعمل الدماغ 
البشري على أكثر من منصة. تأمل الميزة التالية: ماذا لو كانت الخلايا العصبية طبيعية 
بحيث تكون طريقة تواصلها مع بعضها بعضاً هي التي تُشكّل هوية الفرد؟ وهذه 
الفرضية تدعى الفرضية الحاسوبية للدماغ. والفكرة أن الخلايا العصبية والعقد العصبية 
وباقي اممواد البيولوجية المكونة للدماغ ليست هي المكونات الهامة في تركيبة الدماغ وإنما 
العمليات الحسابيةء التي تحدث فيه لكي تُنقُذ. ورها تكون الوظائف التي يؤديها الدماغ 
أهم من مادته الفيزيائية. 


دماغ الفثران 


دماغ بشري ١٠٠٠١ ١‏ شرام دماغ فار : ؟ غرام 


للجرذان سمعة سيلة عبر تاريخ البغرية, بغير أن القوارض [الجرةاق والفتران) تلعب دوراً 
هاماً في العديد من البحوث في ميدان علم النفس العصبي المعاصر. أدمغة الجرذان أكبر 
من أدمغة الفتران» ويتشابه الاثنان مع الدماغ البشري بشكل كبير - خاصة فيما يتعلق 
بترتيب القشرة المخيخية, والطبقة الخارجية التي تعد هامة جداً للتفكير المجرد. 


تلتف الطبقة الخارجية للدماغ البشري - القشرة الدماغية - فوق بعضها بعضاً لكي 
تجعل جزءً! كبيراً منها يدخل في الجمجمة. لو قُدّر لنا بسط قشرة دماغ شخص راشدء 





۱۹۲ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 















فإنها خط ۰ سم مربع (غطاء طاولة صغيرة). اما دماغ الجرذ فكله ناعماً. . ورغم 
هذه الاختلافات الواضحة في الشكل والحجم» إلا أن بينها أوجه شبه أساسية على المستوى 
الخليوي. 


تتلاشى الفروق في الخلايا العصبية للجرذ والإنسان تحت المجهر. كما أن تركيبة الدماغين 
متشابهتين» وتمر بمراحل النمو نفسها. كما يمكن تدريب الجرذان على القيام بعمليات 
عقلية - من التمييز بين الروائح المختلفة وحتى الركض السريع في حقول الذرة - وهذا 
يعطي فرصة كبيرة للباحثين للربط بين تفاصيل النشاط العصبي للدماغين في بعض اللهام. 





وإذا ما تبين صحة هذه الفرضية؛ فإنه نظرياً يمكننا تشغيل الدماغ بأي مادة تفاعلية. 
وكلما أجريت العمليات الحسابية بالطريقة الصحيحة» فإن جميع أفكارك» ومشاعرك 
وتعقيداتك ستظهر كناتج لعمليات التواصل المعقدة داخل المادة الجديدة. ومن ناحية 
نظرية» يجوز مبادلة خلايا الدوائر الكهربائية أو استبدال الأوكسجين بالكهرباء؛ لأن 
الوسيط لا يهم شريطة أن ربط جميع الأجزاء والأنواع وتتفاعل مع بعضها بعضاً. 
وبهذه الطريقة: يمكننا عمل محاكاة وظيفية بصورة كاملة للفرد دون الحاجة إلى دماغه 
الطبيعي! وحسب الفرضية الحاسوبية للدماغ» فإن المحاكاة الحاسوبيّة قد تشبهك فعليا 
كما أنت. 


ليس بالضرورة أن تصنع أجهزة الحاسوب 
من السيلكون ٠‏ بل هكن صناعتها من 
تحريك قطرات اللاء من الليجو (تركيب 
الألعاب) لا تهمنا مكونات تركيب 
الحاسوب. وما يهمنا أكثر هو تآزر 

| مکوناته مع بعضها بعضاً 





حاسوب تركيب الهاب( ليجبو) 


15 


الدماغ أسطورة التكوين 


م بمب ب > ل 


إن الفرضية الحاسوبية للدماغ هي - مجرد فرضية - ولا نعرف مدى صحتها. وبعد كل 
هذاء قد يكون هناك شین خاص ومجهول عن طبيعة الجهاز العصبي» وعندها سنكون 
اصطدمنا بالطبيعة الفطرية لنا بوصفنا بشر. وفي كل الأحوالء إذا كانت الفرضية الحاسوبية 
صحيحة: فإن العقل حينئذ قد يعمل في الحاسوب. 


وإذا ما تبين لنا أنه مُكن مُحاكاة العقل, فإن ذلك يقودنا إلى سؤال آخر: هل ينبغي علينا 
استنساخ الطريقة التقليدية لعمله؟ أو هل يمكننا إنتاج نوع جديد من الذكاء من العدم 


الذكاء الاصطناعي 


يحاول الناس منذ زمن بعيد صناعة آلات للتفكيرء وهذا الخط البحثي - أو ما يدعى 
بالذكاء الاصطناعي - قد بدأ منذ الخمسينات. ورغم أن رؤادهة الأوائل كان يغمرهم 
التفاؤل» إلا أن هذا الطموح قد لاقى صعوبات غير متوقعة. . ورغم أن الإنسان سيكون 
لديه قريباً سيارات دون سائقء وأنه لم مض سوى عقدان فقط على فوز أول حاسوب 
بالشطرنج على أشهر أبطال الشطرنج. إلا أن الهدف من تطوير آلة بأحاسيس ما زال بعيد 
المنال! عندما كنت طفلاء توقعت أن لا ياي هذا الزمن دون أن يكون العام قد طور روبوتاً 
يستطيع التفاعل معنا ويعتني بنا و يشترك معنا في أحاديث مفهومة. وها أننا ما زلنا 
بعيدين عن هذا الطموح, فإن ذلك يُشير إلى أحجية الدماغ» وكم يلزمنا من وقت قبل أن 
نستطيع فك أسرار الطبيعة الأم. 


كان آخر المحاولات الجدية لتطوير ذكاء اصطناعي مشروع صناعة الروبوت (1215) الذي 
تولته جامعة بلمث في إنجلتراء وهو عبارة عن صناعة روبوت تم تصميمهء وهندسته. 
لي يستطيع التعلم مثل الأطفال. والروبوتات حالياً تبرمج با معلومات التي تحتاجها 
حول المهام التي تؤديهاء ولكن ماذا لو فعلاً استطعنا تطوير روبوتات تتعلم كالأطفال - 
أي تتفاعل مع العام الخارجي» وتتعلم بالنمذجة والمحاكاة؟ وكما نعرفء أن الأطفال لا 
يولدون وهم يعرفون الكلام والمشي - ولكنهم يولدون بفطرة الفضول (حب الاكتشاف)ء 
والانتباه» والتقليد. ويقوم الأطفال باستعمال المحيط الخارجي الذي يعيشون فيه كما 
يقلبون صفحات الكتاب. فهل يستطيع الروبوت أن يقوم بهذه الأشياء؟ 


يبلغ حجم الروبوت (105) كحجم طفل بعمر السنتين» وله عينان» وأذنان» وحواس 
للمس,» وهي ميزات تساعده في التفاعل مع العام الخارجى والتعلم منه. 





15 





الفصل السادس: ڪيف سلڪون فى المستة 5 ؟ 


يقول الان ترند (صدلد 

د 
hs Turing, 150‏ لا 
ا بی یی و ا 
نتج جهازا يحاي دماغ طثل 
ندنا اشن إنتاح حاسوب يثبة 
: ج حاسوب یس 
رجلا گرا ين لق تة 
وعشرون روبوتا مثل اناا فى 
ععامصل البحوث چون العاض. 
وکل واحد منها يشكل جزة! 
فن هح عاسة لدعم عتسية 


|“ 
اة 
1 





فلو أحضرت جسماً للروبوت هذا وناديته باسمه» وقلت له: (هذه كرة حمراء)» فإن 
برنامجه سيربط الصورة الحسية لهذا الجسم مع اسمه. وعليه» فإنه لو سألته في المرة 
القادمة عن الكرة الحمراء بقولك مثلا: ما هذا؟ سيجيبك أنها كرة حمراء. والهدف من 
ذلك هو أن يضيف هذا الروبوت باستمرار إلى قاعدته المعرفية من خلال تفاعله مع العام 
المحيط. ومن خلال عمل تعديلات ووصلات في برنامجه الداخليء فإنه سيبني مخزونا من 
الإجابات اللقاسسة, : ١‏ 


إلا أنه غالباً ما يقع في الخطأ! فلو قدمت له بعض الأشياء وناديتها بأسمائهاء وطلبت منه 
أن يعيدها جميعاً فإنه سيرتكب الكثير من الأخطاء ناهيك عن اعترافه بعجزه من خلال 
عبارته المتكررة: «لا أعرف». وهذا بالتأكيد جزء من عمليات التطويرء وهو أمر يكشف 
أيضاً عن كيفية بناء الذكاء الاصطناعي. 


لقد أمضيت وقتاً كافياً في التحدث مع هذا الروبوت» وقد تبين لي أنه مشروعاً مُذهلاً. 
وكلما أمضيت معه وقتاً أطولء كلما ظهر لي أنه يفتقر إلى العقل. فرغم كبر عينيه, 
وصوته الحنون» وحركاته الطفولية: إلا أنه يفتقر إلى المشاعر. فقد كان يعمل وفق أسطر 
البرمجة وليس وفق تسلسل الأفكار. ورغم أنه ما زلنا في بداية الطريق في موضوع الذكاء 





الدماغ أسطورة التكوين 


سس سس سسسب يب ب ب يبي يج e‏ 


الاصطناعي» إلا أننا ما زلنا عاجزين أمامه, ولا يسعنا إلا أن نردد السؤال القديم القائل: 
هل سيأق من وراء سطور البرمجة جهاز يفكر؟ ففي الوقت الذي يستطيع فيها روبوت 
(iCub)‏ أن بردد: هذه كرة حمراء.ء هل يستطيع فعلا الإحساس بحمرة ة (اللون الأحمر) 
لكرة أو بكرويتها؟ وهل ستنفذ الحواسيب فقط ما هي ميرمجة لعمله؟ أم هل بإمكانها 
أن تطوّر أحاسيساً داخلية عن الأشياء من حولها؟ 


هل يستطيع الحاسوب التفكير؟ 


هل يمكن برمجة حاسوب وإيقاظ الوعي (العقل) فيه؟ في الثمانينات من القرن الماضيء 
أطلق الفيلسوف جون سيرل (562516 «طه[) عبارة صريحة تقدم لنا إجابة عن هذا 
السؤالء إذ قال: هذا مثل النقاش في الغرفة الصينية. 


وفكرة الغرفة الصينية كالتالي: هبْ أنني موجود في غرفة مُغلقة» وتأتيني الأسئلة من 
خلال فتحة صغيرة خاصة بالرسائل - ولكن الرسائل كلها مكتوبة باللغة الصينية - وأنا لا 
أعرف اللغة الصينية, وليس لدي أي فكرة عما هو مكتوب في هذه الأوراق التي ترد لي وما 
فيها من أسئلة! ولحُسن الحظء يوجد في الغرفة مكتبة فيها كُتبء تحتوي على تعليمات 
تُخبرني ماذا أفعل بهذه الرموز المكتوبة خطوة بخطوةء ثم أبدأ بالنظر إلى هذه الرموز 
وأتبع الخطوات المعطاة ليء التي ترشدني إلى فك الرموز الصينية, لكي أستطيع الإجابة 
عن الأسئلة المكتوبة على قُصاصات ورقيةء ثم أكثّب إجاباتها على قُصاصات ورقية أخرى, 
وأعيدهاء من خلال فتحة الرسائل نفسها إلى خارج الشُرفة. 


وعندما يستقبل الشخص الناطق باللغة الصينية خارج الغرفة رسائليء يفهمها. وهنا يبدو 
أن أي شخص مكن أن يكون موجوداً بالغرفة دون الإمام باللغة الصينيةء يستطيع الإجابة 
بشكل تام عن الأسئلة ا موجهة إليه من خارج الغُرفةء وكأنه يفهم اللغة الصينية. بالتأكيد 
يبدو أنني خدغتٌ من في الخارج؛ لأنني في الحقيقة أتبع مجموعة من الإرشادات دون أي 
فهم لما هو موجود في الرسائلء ومع ال مزيد من الوقتء والمزيد من الاطلاع على التعليمات» 
فإنه يُمكنني أن أجيب عن أي سؤال موجّه لي باللغة الصينية, دون أن أفهمهاء وكل ما 
كنت أقوم به هو تركيب الرموز طوال اليوم رغم أنني لا أعرف ماذا تعني تلك الرموز. 





155 


1 TUL Jı 





وخير مثال على ذلك موقع #اعههع الشهير! فعندما تبحث فيه عن أمرٍ ماء هو لا يفهم 
سؤالك. ولا يعرف الإجابة التي يُقدْمهاء وكل ما يقوم به ببساطة هو تحريك منزلتي 
الأصفار والآحاد في خانات منطقيةء ثم يُعيدها لك» ففي مثل برنامج «جوجل مترجم» 
ايء يمكنني أن أتكلم جملة باللغة السواحيلية وإعادة ترجمتها لي باللغة الهنغارية, 
ولكن عمله عبارة عن خوارزميات» أي عملية إدارة للرموز تماماً مثل الشخص المحبوس في 
الغرفة الصينية» فهذا البرنامج لا يفهم أي شيء عن الجملةء ولا يعرف ما تحمله من معنى. 


ويُوحي مثال الغرفة الصينية لنا أنه كلما طوّرنا حواسيب تّحاي الذكاء البشريء فإنها لن 
تستطيع فعلياً فهم ما تقوم به» وهي لا تحمل أي معنى بأي شيء تُنَفَذهء والفيلسوف 
سيرل استخدم هذه التجربة الفكريّة ليُبين لنا أن هناك أمراً ما عن الدماغ البشري لا يمكن 
تفسيره» إذا ما بقينا تُقارنه بالحواسيب الرقميّة بكل بساطةء فهناك فجوة بين الرموز 
عديمة المعنى وبين خبراتنا الواعية. 

هناك جدل مُحتدم حول تفسير لُعبة الغرفة الصينية ٠‏ يمكن تفسيره من خلال الكشف عن 


صعوبة الأعضاء المادية, وخفاياهاء وعدم مضاهاتها لخبراتنا الحية عن العام بأي صورة 
مي |اعتور. 


وفي كل مُحاولة بلحاكاة الذكاء البشري وتطويره فإننا نُجاتّه بسؤال مركزي مفتوح النهاية 
في علم الأعصاب» هو: كيف تُستدعى الخيرات المليئة باطمشاعر الذاتية (مشاعر الأمء أو 
الإحساس بشكل الألوانء أو بطعم الفواكة) من مليارات الخلايا التي تكون بحالة انشغال 
دائم؟ ونحن نعرف أن كل خلية في الدماغ هي مجرد خلية تتبع مجموعة من الأوامرء 





1۹۷ 


يقول الفيلوف 
(سيرل): هذا ما يحدث 
داخل الحاسوب. 
بصرف النظر عن ذكاء 
البرنامج مثل الروبوت 
(طنات1). الذي هو 

في حقيقة الأمر بنذ 
تعليمات لكي يعدم لنا 
إجابات - ويتلاعب 


| بالرموز دون أن 


الدماغ أسطورة التكوين 





وتقوم بوظائفها الأماسية, فالخلية بحد ذاتها لا يمكنها القيام بذلك» لكن كيف تضاف كل 
هذه المليارات من الخلايا إلى خبراتنا الذاتية؟ 


الكل أكبر من مجموع الأجزاء 

في عام ٤‏ أفاد جوت فرايد ولهيلم ليبنيز (2نططاء.آ تماعطلة18 )Gottfried‏ - وهو 
فيلسوف ورياضي وعام أماني قيل عنه «كان آخر رجل موسوعي». فبالنسبة له الأنسجة 
الدماغية غير قادرة بمفردها على إنتاج حياة داخلية. وطرح علينا تجربة ذهنية؛ تُعرف ب 
(مطحنة ليبنيز). تأمل معي مطحنة كبيرة» لو قُدّر لك أن تتجوّل فيها من الداخل, ستراها 
في حالة دوران عرضي» وعتلاتها في حالة حركة دائمة غير أنه من غير المنطق التفكير في تلك 
الطاحونة وكأنها تُفكر, أو تحس ها حولهاء أو تدرك واقعهاء فكيف للمطحنة أن تقع في حُبّ 
طحّان؟ أو أن تطلب من صاحبها إجازة للاستمتاع بشروق الشمس؟ فا مطحنة مكؤنة من 
قطع وأجزاء لا أكثر. وهذا هو الحال بالنسبة للدماغ حسب رأي ليبنز. فلو قَذّر لك أن تكبر 
الدماغ إلى حجم المطحنة, وتدخله لتتجوّل فيهء فإنك لن ترى سوى قطع وأجهزة. لا أحد 
فيها يتطابق مع إدراكناء وكل واحد منها يعمل ببساطة بالتضافر مع الأجزاء الأخرى: وَكُلّما 
دوّنت تفاعلاتهاء فإنك لن تعرف أين تلك الأجزاء الخاصة بالتفكير والشعور والإدراك. 


اللوحة رقمه: هنون ۸۹ 





4 


تعمل القطع والأجزاء الليكانيكية في 86 3 

المطحنة مع بعضها بعضأ. ولكن ذلك 
لا يدفعنا للاعتقاد بها وكأنها تفكر - 
وبناء عليه. هل يحدث هذا السحر 

في الدماغ - المكوؤن من قطع وأجهزة 
أيضا مثل المطحنة؟ 





۱۹۸ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 


mee mmm mmm mm لت‎ 


وحينما ننظر داخل الدماغ فإننا سنرى» خلايا عصبيةء وعقد جذعيّة. وناقلات كيماوية, 
ونشاط كهرباي» كما أننا سنرى مليارات الخلايا العاملة التي تثوثر مع بعضها بعضاً. أين 
أنت من هذا كله؟ أين أفكارك؟ أين عواطفك؟ أين مشاعر السعادة والغبطة لك؟ وأين 
الألوان الزرقاء النيلية؟ وكيف يُمكن أن تكون مجبولاً من مادة فقط؟ فحسب رأي ليبنيز, 
يتعذّر فهم العقل مسؤغات آليّة. 


فهل يُمكن أن يكون ليبنيز قد تجاهل شيئاً هاما في أطروحاته هذه؟ فبالنظر إلى القطع, 
والأجهزة الفردية التي تولف فيما بينها ما يُسمّى بالدماغ, يجوز أن يكون هذا العالم قد 
أغفل أمراً هاما فرها يكون تفكيره بالتجوّل داخل المطحنة هو الطريقة الخطأ للإجابة 
على مُشكلة الوعي 


الوعي وخاصية الانبثافية" 


لكي نفهم الوعي البشريء علينا أن نخرّج من التفكير في موضوع الأجزاء والمناطق المكوّنة 
للدماغء وعلينا التركيز أكثر على كيفية تفاعل هذه المكوّنات الدماغية مع بعضها بعضاً 
وإذا أردنا أن نعرف كيف تقوم الأجزاء ببساطة بتنشيط أجزاء أكبر منهاء علينا أن لا ننظر 
أبعد من بيوت التمل القريبة لنا. 


تحتوي مُستعمرات الثّمل على ملايين السُكانء وتقوم النملات المختصّة بقطع الأوراق 
بزراعة غذائهاء خماماً مثل المزارعين في التجمّعات البشريّة. فتنطلق بعض النملات من 
بيتها بحثاً عن نباتات حيّة, وعندما 3 تعر عليهاء تقوم بتقطيعها إلى قطع كبيرة تستطيع 
حملهاء على ظهورهاء عائدة بها إلى بيوتها. ورغم أن النمل لا يأكل هذه الأوراق» فإن 
النمل العامل صغير الحجم يستقبل هذه القطع من أوراق الشجرء ثم يقطعها إلى قطعٍ 
صغيرة ويستخدمها سماداً لاستنبات الفطر في أحواض تحت الأرضء ثم يقوم بتغذية 
الفطر حتى تتفتّح براعمه على شكل حبّات فواكة صغيرة يتغذّى عليها النمل لاحقاً. 
(العلاقة تكافليّة؛ لأن الفطر لا يُعيد إنتاج نفسه بنفسه ولكنه يعتمد كُلياً على النمل 
لنموه). باستخدام هذه الطريقة الزراعية الناجحة, يستطيع النمل بناء عدّة بيوت تحت 
الأرض» تزيد مساحتها عن مئات الأمتار المُربّعة» فهي تشبه الممستعمرات البشرية الزراعية. 





(۷) الانبثاقية (ععمءع»»): عملية تشكيل أنماط متعددة من قواعد أو مكونات بسيطة غير قادرة على القيام بوظيفة 
النظام العام دون تآزر مجموعة الأجزاء المكونة للنظام (المترجم). 





۹ 


1 


تتصل كل نملة - من 
قاطعات أور راق الشجر 

- بمُحيطها دون أن تعي 
المشهد الكُلى. لكن عملية 
الفلاحة المعقدة «تنبئق» 
على مستوى مستعمرة 
النمل. 


الدماغ أسطورة التكوين 


ممم ج سے 


وهناك ٿيء هام لا بُدَ من الوقوف عنده» فعلى الم من أن مُستعمرات النمل تبدو 
وكأنها كائنات ضخمة تقوم بأعمال استثنائية» إلا أن كل نملة تتصرّف وحدها بطريقة 
بسيطة جد هي فقط تَنمُذ الأوامر اوكلة إليها. وملكة النمل لا تُعطي الأوامرء ولا شق 
سلوك النمل من مكان مرتفع» » وإنما تتصرّف كل مله حسب الإشارات الكيماوية الواردة 
لها من مُحيطها الداخلي سواء أكانت من زميلاتها النملات» أم من اليرقات» أم امتطفلات» 
أم الغذاى أم الفضلات» أم الأوراق» وكل نملة عبارة عن وحدة مُستقلة متواضعة» تعتمد 
على استشعارها للبيئة التي تعيش فيهاء وعلى فطرتهاء وفطرتها البيولوجية نحو زميلاتها 
النملات الأخرى. 


وعلى الوقم من ادم مركزية القرار ف مُستعمرات النمل إلا آنٍ النملات قاطعات 
الأشجار يُظير سلوكاً مُعقّداً واستثنائياً (فبالإضافة إلى الزراعة, فإنها تُنجز أعمالاً أخرىء 
مثل تحديد المسافة القُصوى من مداخل بيوتها لنقل الأجسام اليّتة. وهي مُعضلة 


هندسيّة مُعقّدة). 





والدرس المفيد هُناء أن السلوك المعقّد مُستعمرة النمل لا يظهر من تعقيد أفراد النملء 
فكل نملة لا تعرف أنها جُزء من مُستعمرة حيّة تنبض بالحياة. وإنما تقوم فقط بتنفيذ 
برنامجها الفطري البسيط. 


ومن خلال تضافر جهود التّمل كله. ينشأ كيان ضخم. له سمات جماعيّة, أكثر تعقيداً 
من أجزائه الأساسية» وهذه الظاهرة ثدعى (الانبثاقية) وهى ما يحدث عندما تتفاعل 
الوحدات الصغيرة تفاعلاً سليماً لإنتاج نظام أكبر. 


والسرّ إذن يكمن في تضافر جهود التّمل. وهذا ما يحدث بالضبط في الدماغ, فالخلية 
العصبية هي خلية مُتخصّصة وبسيطةء مثل بقايا خلايا جسمنا الأخرىء ولكن بُتاح لها 





الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبر؟ 
-2255 2ك ا ااا زرا رامنا باتكل ال روت ا 


يقل اا إدارة العمليّات» ونشر الإشارات الكهربائيةء فكما هو الحال بالنسبة 
للنملة الواحدة» فإن خليّة الدماغ الواحدة تقوم بتشغيل برنامجها الداخلي على مدار 
حياتهاء من خلال نقل الإشارات الكهربائية إلى الأغشية واستلامهاء وتسليمها من الناقلات 
العصبية في الوقت المُناسبء وهذا هو السب > فهي تعيش في الخفاء! فكل خلية عصبية 
تقضي حياتها ضمن شبكة من الخلايا الأخرى, كل عملها الاستجابة للإشارات: وهي لا 
تعلم إن کت تحرك عينيك وأنت تقرأ في رواية شيكسبيرية, أو إن كنت تحرك يديك 
لتعزف موسيقى بيتهوفن, هي لا تعلم شيئاً عنك! ورغم أن أهدافك ونواياك وقدراتك. 
كلها معتمدة بشكل كامل على وجود هذه الخلايا العصبية الصغيرةء إلا أنها تعيش ضمن 
نطاق أصغر دون وعي منها فيما تقوم به من عملية بناء كُليّة. 


فمن خلال تضافر عمل الخلايا الدماغية الأساسية هذه وتفاعلها مع بعضها بعضاً في 
الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة ينبثق ما يُسمّى العقل (الوعي). 





أينما نظرت» ستجد مجموعة من الأنظمة ذات الخواصٌ الانبثاقية, فلا يستطيع أي جهاز 
معدني من أجهزة الطائرة أن يطير بمُفرده. ولكن حينما تُرتَب هذه الأجزاء بطريقة 
هندسيّةٌ مناسبة, تستطيع الطائرة التحليق. فالقطع والأجزاء المكونة لنظام ما تمكن أن 
تكون بسيطة جد لكن الأمر لا يتعلق ببساطتهاء بقدر ما يتعلّق بتفاعلها مع القطع 
والأجزاء الأخرى. ففي حالات كثيرة يمكن استبدال هذه القطع» دون أن تتأثر العملية 
التي تؤدي إليها. 


۲۰١ 


4 

يتضي النمل والخلايا 
العصبية حياتهما في تنفيذ 
الأوامر الذاخلية الصادرة 
لهاء فتنشأ مُستعمرات النمل 
ذات السلوك المعقد عن 
هذا العمل الذؤوب للنمل. 
كما تدب فينا الحياة نتيجة 
للعمل الدؤوب لخلايانا 
العصبية. 


الدماغ أسطورة التكوين 





ما هي مُتطلبات الوعي؟ 


رغم عدم معرفتنا الكاملة بالتفاصيل النظريّة فإن العقل ينبثق من تفاعل مليارات 
المناطق والأجزاء المكوّنة للدماغ. وهذا يقودنا إلى سؤال جوهري» هل ينشأ الوعي من 

أي شيء تتفاعل عناصره مع بعضها بعضاً؟ وعلى سبيل المثاله هل يُمكن عد المدينة حالة 
وعي؟ علماً أن المدينة تُشْيّد من خلال تفاعل العناصر الممكوّنة لها. تأمل جميع الإشارات 
التي تتحرك داخل المدينة, مثل أسلاك التلفونء وخطوط الفايبر البصريّة, والمجارير الناقلة 
للفضلات. وحركات المصافحة بين الناس. والإشارات الضوئية وما إلى ذلك إن مستوى 
التفاعل في المدينة هو القيمة الشكليّة للدماغ البشري؛ لأنه بالطبع يصعُب تحديد وعي 
المدينة. كيف مُكننا معرفته؟ وكيف يُكننا طرح الأسئلة عليه؟ 


وللإجابة عن هذا السؤال» نحن بحاجة إلى طرح سؤال أعمقء بالنسبة لشبكات الوعي 
الخبراق هل تحتاج إلى أكثر من عمل مجموعة من الأجزاء؟ أم إلى بُنية خاصة بتلك 
التفاعلات؟ 


يُجيب عن هذا السؤال البروفيسور جيوليو تونوني (1ه1080' i0لسز6)‏ من جامعة 
وسكانسن, الذي طرح تعريفاً كمّياً للوعي» فعلى حد قوله» إن المناطق والأجزاء وتفاعلها 
غير كاف. ولتحديد مفهوم الوعيء لا بذ من وجود نظام مُحدّد يضبط هذا التفاعل. 


ولاستقصاء مفهوم الوعي في المختبر استخدم تونوني طريقة (الإثارة المغناطيسية العابرة 
للجمجمة) لمقارنة نشاط الدماغ في حالتي اليقظة والنوم (عندما يختفي وَعَيّكَ كما رأينا 
في الفصل الأول). فمن خلال إطلاق تيّار كهرباني في القشرة الدماغية يستطيع هو وفريقه 
تتبّع انتشار النشاط الدماغي. 


فحينما يكون الفرد يقظأً وواعياً تنة تنتشر أنماط مُعقّدةٌ من النشاط العصبي من مركز النبض 
ال ممستثار, كما تن تنتشر التموّجات طويلة الأمد للنشاط العصبي من خلال مناطق مُختلفة في 
القشرة لتكشف عن حالة من التواصل على نطاق واسع عبر الشبكة العصبيةء وبالمقابل 
حينما يكون الشخص ف حالة نوع عميقء فإن تنشيط القشرة بطريقة الإثارة المغناطيسية 
العابرة للجمجمة تستثير عددا محدوداً من المناطق وينطفئ النشاط سريعاً وتفقد 
الشبكة العصبية الكثير من تواصلهاء وقد شاهدنا النتيجة نفسها حينما كان الشخص في 
حالة غيبوية» حيث انتشر النشاط قليلاً ثم ازداد النشاط انتشاراً أكثر فأكثر مع استعادة 
الشخص لوعيه خلال عدّة أسابيع. 





1۰۲ 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





ھ4 
. الاستثارةالثالثة والأخيرة الاستثارة الثانية كانت في اليوم تمت الاستثارةالأولى في اليوم 4 
أجريت بعد اسنيفاظ المريض التالي: وقد أظهرت أنماطأ اكثر الذي بدأ فيهالمريض بالاستيقاظ : 
من الغيبوبة بشكل كامل اتتشارأ وأكثر ديمومة من الغيبوية حيث شاهد نا أنىمن 2 مستويات عليا من 
وأحاثت أنمادا مُعقّدة داخليةسرعان‌ماتبدّوت. الوعي ترتبط ارتباطاً 
وانتشرت بصورة أوسع مباشراً بانتشار النشاط 


1 لعصبي 


يعتقد تونوني أن سبب حدوث هذا هو أنه عندما نكون في حالة يقظة ووعي تكون 
الخلايا العصبية في حالة اتصال مُنتشر بين مناطق القشرة الدماغية المُختلفة, وفي المقابل 
فإنه حينما يكون الشخص في حالة نوم غير واع» ينعدم التواصل عبر تلك المناطقء وفي 
ضوء هذا الفهم» يقترح تونوني أن نظام الوعي يتطلّب اتزاناً دقيقاً وكافياً لإظهار هذه 
الحالات المختلفة وتُدعى هذه العملية ب (التفاضّل)., كما يتطلب أيضاً اتصالاً كافياً لإبقاء 
الأجزاء البعيدة من الشبكة في حالة اتصال مُحتدم مع بعضها بعضاً وتُدعى هذه العملية 
ب (التكامل). في هذا الإطارء فإن الاتزان التفاضلي والتكاملي يُمكن تكميمه (تحويله إلى 
كميات) واقترح أنه لا يكن عمل ذلك إلا من خلال أجهزة تقع ضمن النطاق الصحيح 
والمُناسب لخبراتنا الواعية. 


۲ 


الدماغ أسطورة التكوين 


الوعي وعلم النفس العصبي 


خُذ دقيقة واحدة لتُفكر في خبرة واحدة من ر الذاتية الخاصة: ا مشهد الذي يحدث 
فقط في رأس الشخص العادي. مقاله عقدما أعض حبة لحاص واا أضاهه قروق الخضن 
يصعّب علي تحديد أي الخبرات التي أستمتع بها داخلياًء > ولكن تمكن تخمين ذلك فقط 
بناء على خبراتك في هكذا موقفء فالخبرة الواعية هي أناء وخبراتك هي أنت» وعليه. كيف 
ممكننا دراستها بطريقة علميّة؟ 


في العقود الأخيرة شرّع الباحثون في تنويرنا عن ربط الأعصاب بالوعي - أي أنماط النشاط 
الدماغي أثناء قيام الشخص بخبرة معينة, واختفائها في غياب تلك الخبرة. 


حُذ مثلاً هذه الصورة المحيّرة: أرنب/ بطة وتذكر معي صورة وجه المرأة الشابّة/المرأة 
العجوز في الفصل الرابع. وما يهمنا هنا أنك تستطيع الإحساس بتفسير واحد فقط في 
وقتٍ واحدء وليس بتفسيرين في اللحظة نفسها - أي الصورة تعود إلى أرنب أو بطة. ففي 
اللحظات التي تدرك الصورة على أنها صورة أرنب» كيف يكون إمضاء (توقيع) النشاط 
الذي يحدث في دماغك بدقة» وعندما تتحؤل إلى تفسير الصورة على أنها بطةء ما الشيء 
الذي يختلف في نشاط دماغك؟ علماً أنه م يتغيّر شيء على الورق» وأن كل ما تغيّر هي 
التفاصيل التي أنتجها نشاطك الدماغي على شكل خبرات واعية. 





الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 


zz‏ ج ج ج لے کے 


إذا صدّقت هذه النظرية فإنها ستمنحنا تقديراً سليماً مستوى الوعي للمرضى المُصابين 
بحالات إغماء كما أنها ممُكن أن تُعطينا طريقةً طلعرفة هل ما تزال الأجهزة المعطّلة واعية 
أم ل لاء وعليه تمكن الإجابة عن السؤال امتعلق بوعي المدينة, فالأمر يعتمد على ما إذا كان 
تدفّق ا معلومات يسير بطريقة صحيحة - حسب الكمّيّات المُناسبة من بيانات التفاضل 
والتكامل. 


وتتسق نظرية تونوني الفكرة التي فيد أن الوعي قد يغادر الجسم البشري. ومن 
خلال هذه النظرة, ورغم أن الوعي يتطوّر عبر مسار خاص يحدث في الدماغ, إلا أن بناءه 
لا ينبغي أن يكون على حساب اطادة العضويّة. فقد تكون صناعته مثل صناعة السيليكون 
بسيطة جداً على افتراض أن التفاعلات تسير بطريقة صحيحة. 


تحميل الوعي 


إذا كان برنامج الدماغ هو العنصر الأكثر حساسيّة في موضوع الوعي -وليست تفاصيل 
تركيبة الدماغ الفطريّة فعلينا أن نتحول, نظرياً نحو المادة المُتفاعلة في أجسامناء عندها 
يمُكننا استحضار (تحميل) الوعي بمساعدة حواسيب ضخمة كافية بلحاكاة التفاعلات التي 
تجري في أدمغتناء وعندها مُكننا أن تُوجد أنفسنا رقميّاً من خلال إدارة أنفسنا بطريقة 
المحاكاة. والإفلات من الطبيعة البيولوجية التي تحكمناء وفي تلك اللحظة فقط تُصبح 
مخلوقات غير بيولوجية» بذلك نكون حقّقنا أكبر وثبة في تاريخ البشرية؛ لأننا عندئذٍ 
ستُعلن عن انطلاق حقبة ما بعد الإنسانية! 


تخيل معي كيف سيكون حالنا عندما نترك أجسادنا وراءناء وندخُل حقبة وجود جديدة 
في عام المحاكاة؟ عندها سيكُون وجودك الرقمي يُشبه الحياة التي تُريدهاء حيث يستطيع 
المبرمجون عندئذ عمل أي شكل افتراضي من عللمك - عام يمكن أن يسمح لك بالطيران» 
أو العيش تحت امماءء أو الشعور بالرياح التي تهب على الكواكب الأخرى» وحينئذٍ يمكننا 
تشغيل أدمغتنا بصورة افتراضية بالسرعة التي تُريدء بحيث تستطيع عقولنا أن تمتدٌ خارج 
إطار الزمن, أو تُحوّل ثواني الزمن الحاسوبي إلى مليارات السنين من الخبرة. 

والعقبة الفنية التي تحُول بيننا وبين استحضار الوعي بصورة ناجحة هي أن مُحاكاة 


الدماغ يجب أن تكون قادرة على تعديل نفسها؛ لأننا لا نحتاج فقط إلى المناطق والأجهزة 
المكونة للدماغ بل نحتاج أيضاً إلى مادّيّات تفاعلاتهما المستمرّة - فعلى سبيل المثاله 





الدماغ أسطورة التكوين 





يكون نشاط الدماغ مثل نشاط عوامل النقل التي تنطلق باتجاه النواة وتُحدث التغبير 
الجيني» والتغيّرات الديناميكية في المكان وقوّة التشابكات العصبيّة, وما إلى ذلك وما م 
تتغيّر خبرات امُحاكاة لديك في شكل الدماغء فإنه يتعذّر علينا تشكيل ذكريات جديدة, 
وسنفقد إحساسنا رور الزمن» فهل يمكننا تحقيق أي درجة من الخلود في ظل مثل هذه 
الظروف؟ 


وإذا تبيّن أن عمليّة استحضار الوعي هذه ممكنة, فإنها ستفتح لنا آفاقاً جديدة للوصول 
للأنظمة الشمسيّة الأخرى - تلك المجرّات التي تُوجد في عالمناء ويبلّغ عددها على أقل 

تقدير مائة مليارء ويحتوي كل منها على مائة مليار نجم. لقد حددنا حتى الآن مواقع 
الآلاف من الكواكب الخارجية التي تدور حول تلك النجوم» التي تُشبه بعضها كوكب 
الأرض. والصعوبة هُنا تكمن في عجز أجسامنا الحاليّة في الوصول إلى تلك الكواكب؛ 
لأنه ببساطة لا مكننا التنبّوْ بقطع المسافات إلى تلك الكواكب من حيث اعتباريٌ المكان 
والزّمان. ورغم ذلك ونظراً لإمكانيّة توقيف عملية اممحاكاةء وتصويرها في الفضاء وإعادة 
تحميلها بعد ألف سنة» حينما تصل إلى كوكب الأرضء فإنه يبدو لوعينا أننا كُنَا على الأرض» 
وانطلقنا ف رحلة إلى الفضاء ثم وجدنا أنفسنا فجأةً ع كوكب آخرء إن تحقيق فكرة 
استحضار الوعي تعادل تحقيق حُلم الفيزيائيين بإيجاد تقب يسمح لنا الانتقال آنيّاً من 
مكان إلى آخر في هذا الكون. 


استحضار الوعي: هل أنت ما تزال أنت؟ 





الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 








إذا كانت الخوارميات البيولوجية» وليست المكونات المادية. هي أهم الأجزاء التى تجعلنا 
ما نحنُ علیه» عندها سنكون قادرين في يوم من الأيام على نسخ عقولنا وتحميلها لمادة 
السليكا لنعيش للأبد. ولكن هناك سؤال هام» هل ستكون أنتَ أنتَ فعلاً؟ ليس بالضبط؛ 
لأن النسخة المحمّلة في جسمك - خارج الحاسوب - تحتوي على ذكرياتك ومُعتقداتك 
الماضية. سيظهر شيئاً غريباً فلو مُت وأعدنا تشغيل البرنامج مرة أخرى في وقت لاحقء 
ستحدث عملية النقل» وهي لا تختلف عن عملية الإشعاع في فيلم ("“۸ء1۲' قه:5), حينما 
ينفصل الشخص عن واقعه ويُعاد تركيبه بئسخة جديدة في لحظة أخرى. وعملية التحميل 
هذه لا تختلف عمًا يحدث لك في كل ليلة عندما تذهب إلى النوم» فأنت تعيش حالة 
وفاة لوعيك لفترة وجيزةء والشخص الذي يُوقظك في صباح اليوم التالي سيرث كل خبراتك» 
ومعتقداتك وكأنه أو أنها «أنت». 










هل نحن الآن نعيش لحظة فحاكاة؟ 


رها ستختار لتمثيل حياتك شيئاً ما يُشبه حياتك الحاليّة على الأرض» وهذا التفكير البسيط 
قاد عددا من الفلاسفة للاعتقاد فيما إذا كنا نحن الآن نعيش حياة مُحاكاة. ففي الوقت 
الذي تبدو فيه أن هذه الفكرة ضرباً من الخيالء فإننا نعرف كيف يكن أن نخدع أنفسنا 
بسهولة في قبول واقعناء ففي كل ليل نخلدٌ فيها إلى النوم ونعيش أحلاماً غريبة - وفي 
الوقت الذي نكون فيه نحن هُناكء فإننا نكون على يقين في تلك العوامم التي نقضيها. 
والأسئلة حول حقيقة واقعنا ليست جديدة, فقبل ١٠١٠سنة»‏ رأى الفيلسوف الصيني 
تشوانغ اتزو (120' وصقتتط)» فراشة وبعد أن استيقظ من الحلم خطر بباله السؤال 
التالي: كيف لي أن أعرف فيما إذا كنت أنا تشوانغ اتزو الذي كنت أحلم بأنني فراشة؟ 
وبا مقابل كيف لي أن أعرف بأنني الآن أنا الفراشة وأثني كنت أحلم بأنني إنسان اسمه 
تشوانغ اتزو؟ 





(۸) فيلم مغامرة امتياز أميري يقدم رؤية متفائلة للمستقبل. وفوذجًا لحياتناء ومجتمعنا الذي تتطلع إليه البشرية 
يحتوي على مجموعة من قصص الخيال العلمي (التي لا تخلو من الأساطير) وتتضمن الاستكشاف واللغامرة والصداقة 

التي تعزز بناء المجتمع العادل المحب للسلام» ويعمل المواطنون فيه معاً من أجل الصالح العام (المترجم). 
لاد آل ار ها د لت لم يي کک ا و 
¥ 


الدماغ أسطورة التكوين 





«خير, اللهم اجعله خير! ! رأيت في منامي ذات مرّة أنا (تشوانغ اتزو) 
أنني فراشة, ترفرف بجناحيهاء تطبر هنا وهناك. حلمت أنني فراشة حقاً 
بكل ما تعني الكلمة. وم أكن أدرك شيئاً عن نفسي سوى أنني كنت 
أركض وراء خيالاني التي تشعرني أنني فراشة, وم أكن أبدا أدرك كينونتي 
كإنسان. وفجأة, استيقظت» وطرحت نفسي أرضا هناك مرة أخرى. والآن 
أنا لا أعرف إن كنت في ذلك الوقت رجلاً يحلم بأنه فراشة» أم أنني كنت 
فراشة تحلم بأنها رجل». 


لقد عانى الفيلسوف الفرنسى الشهير رينيه ديكارت (22665ع106 6م26) من المشكلة 
نفسهاء ولكن بصورة E.‏ وتساءل يوماً: كيف لنا أن نعرف إذا كان الذي نعيشه هو 
الواقع الحقيقي؟ ولكي تُوضح هذه المسألة. صمّم تجربة فكريّة بعنوان: كيف لي أن أعرف 
أنني لست دماغاً في برميل؟ وربما أن شخصاً ما قد حاكى هذا الدّماغ بالطريقة المُناسبة لكي 
يجعلني أعتقد أنني هُناء فألمس الأرضء وأرى تلك الوجوه, وأسمع تلك الأصوات. وخلّصَ 
ديكارت إلى القول إنه لا توجد طريقة بأننا نعرف» ولكنه استدرك قائلاً: هُناك شيء مني 
في المنتصف يُحاول أن ينهم کل هذاء فسواء أكنتٌ دماغاً في برميل أم لاء فإنني ما زلث 
أتأمَل في امشكلةء وها أنني أفكر ق حذاء إن آنا عوجود. 





الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 





نحو المستقبل 


في السنوات القادمة. سنكتشف المزيد عن الدماغ البشري أكثر ما تمكئنا وصفه في نظرياتنا 
الحالية. وفي اللحظة الحاليّة, أشعر بأننا محاطون بالكثير من الخفاياء أدركنا الكثير منهاء 
وم نستطع تسجيل بعضها الآخر وفي هذا الميدان أشعر وكأننا نعوم في بحر مجهول 
وشاسع. وكما هو الحال ذانماً في العلوم» فإن أهم شيء أن تقوم بإجراء التجارب» وتقييم 
النتائج» ثم ستّخبرنا أمُّنا الطبيعة أي الاتجاهات التي سرنا فيها كانت عبارة عن زقاق 
مُظلمة؟ وأيُّها ستأَخْدّنا إلى الطريق الذي سنفهم فيه مُخططات وعينا؟ 


ولا يبدو لي هنا أي شيءٍ يقينيٌ سوى أننا بوصفنا بشرا وضعنا أقدامنا على خط البداية 
الذي لا نعرف مُنتهاه, ولكننا أمام لحظة تاريخيّة غير مسبُوقة, لحظة يتّحد فيها علم 
الدماغ مع التكنولوجيا وأنّ ما سينتج عن هذا الاتحاد سيُغيّرنا تماماً. 

فمنذُ آلاف الأجيال السالفة» عاش البشر طبيعة الحياة نفسها وتواليها نفسها مرة تلو 
الأخرىء أي أننا تُولد بجسم هشء ونستمتع بشيءٍ بسيط من واقعنا الحسيّ» ثم نموت. 
ونحنٌ تُعوّل على العلم لعلّه ممنحنا أدوات للارتة 3 تقاء إلى قصة جديدة ف عام النشوء والآن 
مكننا اختراق أجسادناء ونتيجة لذلك فإن أدمغتنا لا تحتاج إلى أن تبقى كما ورثناها؛ 
لأننا قادرون أن نعيش أنواعاً جديدة من واقعنا الحسيء وأنواعاً جديدة من الأبدان» وفي 
النهايةء فإنه قد يكون بإمكاننا جمع هذه الأشكال الفيزيائية معاً. 


واليوم فإننا بوصفنا بشرا في صدد اكتشاف الأدوات التي تمكننا من تقرير مصيرنا. 


وإننا سنكون كما تُريد! 


۲۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 





سرد المصطلحات 


٠‏ جهد الفعل: حدث قصير جداً (واحد من الألف من الثانية) يصل فيه 
الجهد عبر الخلية العصبية إلى العتبة. مما يتسبب في 
سلسلة من التفاعلات لتبادل الأيونات عبر غشاء الخلية. في 
نهاية المطافء هذا يسبب الإفراج عن الناقلات العصبية في 
طرفيات ال محور. يُعرف أيضًا باسم الشرارة. 


٠‏ متلازمة اليد الغريية: اضطراب ناتج عن علاج الصرع ا معروف باسم قطع 
الجسم الثقني» الذي يُستأصل فيه الجسم الثقني» فصل 
نصفي الدماغء والمعروف أيضًا باسم جراحة نصفي الدماغ. 
يتسبب هذا الاضطراب بحركة أحادية الجانب لليدين 
وأحيانا معقدة دون أن يشعر المريض بأن لديه سيطرة 


تامة على حركاته. 

٠‏ ال محور: إسقاط 5 تشريحي نھان لعصبون قادر على إجراء إشارات 
كهربائية من جسم الخلية. 

٠‏ المخ: جزء من الدماغ البشري يضم القشرة الدماغية الخارجية 


الكبيرة المتموجةء وقرن آمونء والعقد القاعديةء والبصلة 
الشمية. ويسهم تطوير هذه المنطقة في زيادة ا معرفة 
والسلوك للثديّات عالية المستوى. 


٠‏ المخيخ: تركيبة تشريحية صغيرة تقع أسفل القشرة الدماغية في 
مؤخرة الرأس. هذه المنطقة من الدماغ ضرورية للتحكم 
في السوائلء والتوازن» والإحساس بالمركز المكانيء وربما 
بعض الوظائف المعرفية. 

٠‏ الفرضية الحاسوبية لعمل الدماغ: إطار نظري يفيد بأن التفاعلات في الدماغ تقوم 
بتنفيذ عمليات حسابيةء وأنه لو شُغّلت هذه العمليات 
الحاسوبية بواسطة مواد تفاعلية أخرىء ستؤدي بالقدر 
نفسه إلى ظهور العقل. 





1۰ 


سرد المصطلحات 





. خريطة الوصلات العصبية: خريطة ثلاثية الأبعاد لجميع الوصلات العصبية في الدماغ. 


٠‏ الجسم الثقني: شريط من الألياف العصبية يقع في الشق الطولي بين نصفي 
الكرة المخية يساعد في عملية التواصل بين نصفي الدماغ. 


٠‏ الشجيرات: إسقاطات تشريحية نهائية من الخلايا العصبية تحمل 
إشارات كهربائية تُستثار خلال إطلاق الناقلات العصبية 
من خلايا عصبية أخرى لجسم الخلية. 


٠‏ الدويامين: ناقل عصبي في الدماغ له علاقة بالتحكم في الجهاز الحري» 
والإدمان» والمكافأة. 


٠‏ تخطيط الدماغ(۴۴6): تقنية تستخدم لقياس النشاط الكهربائي با ملليثانية في 
الدماغ عن طريق توصيل أقطاب كهربائية موصلة بفروة 
الرأس. كل قطب كهربائي يلتقط مجموعة من اللايين 
من الخلايا العصبية الكامنة وراء القطب. تُستخدم هذه 
الطريقة لالتقاط التغيرات السريعة في نشاط الدماغ في 
القشرة الدماغية. 


٠‏ التصوير بالرنين ا مغناطيسي الوظيفي (83487): هو طريقة لتصوير الأعصاب للكشف 
عن نشاط الدماغ بدقة متناهية عن طريق قياس تدفق 
الدم في الدماغ باستخدام دقة المليمتر. 


٠‏ الاستجابة الجلفانية للجلد: تقنية تقيس التغيرات في النظام العصبي اللاإرادي التي 
تحدث عندما يواجه شخص ما موقفا جديدًا أو مرهقًاء 
أو شديداً حتى لو كان أثناء حالة اللاوعي المستفيقة. 
في التطبيق العملى. توصل آلة بأطراف الأصابع وثراقب 
الخواص الكهربائية للبشرة التي تتغير مع النشاط في الغدد 
العرقية الجلدية. 


٠‏ الخلايا الدبقية: خلايا متخصصة في الدماغ تحمي الخلايا العصبية من خلال 
توفير التغذية والأكسجين لها والتخلص من النفايات» 
ودعمها بشكل عام. 


اسم 


11 


الدماغ أسطورة التكوين 





٠.‏ عصبي: 
٠‏ العصبون: 
٠.‏ الناقلات العصبية: 


٠‏ مرض باركنسون: 


٠‏ المرونة الدماغية أو اللدونة: 


٠‏ التوصيل الحسي: 


نسبة للجهاز العصبي أو الخلايا العصبية. 


خلية عصبية متخصصة موجودة في كل من الجهاز العصبي 
المركزي والمحيطي» يما في ذلك الدماغ والحبل الشوي 
والخلايا الحسيةء التي تتصل بالخلايا الأخرى باستخدام 


الإشارات الكهروكيميائية. 


مواد كيميائية تطلقها خلية عصبية نحو خلية عصبية 
مستقبلةء عادة عبر العقد العصبية. توجد هذه في الجهاز 
العصبي المركزي والمحيطي ما في ذلك الدماغ والحبل 
الشوكي والخلايا العصبية الحسية في جميع أنحاء الجسم. 
قد تطلق الخلايا العصبية أكثر من ناقل عصبي واحد. 


اضطراب مستمر يتسم بصعوبة في الحركة ورعشات 
تحدث نتيجة تدهور الخلايا المنتجة للدوبامين في بنية 
الدماغ المتوسط تسمى المادة السوداء. 


قدرة الدماغ على التكيف من خلال إنشاء وصلات عصبية 
جديدة أو تعديلها. وتظهر قدرة الدماغ على المرونة من 
خلال التعويض عن أي عجز يحصل للإنسان عند تعرضه 
لإصابة في جسمه. 


طريقة للتعويض عن عجز في إحدى الحواس يتم فيه 
إدخال المعلومات الحسية إلى المخ عبر قنوات حسية غير 
عادية. على سبيل المثالء تُحوّل المعلومات البصرية إلى 
اهتزازات على اللسانء أو تّحوّل المعلومات السمعية إلى 
أنماط اهتزاز على الجذع: مما يعيد للفرد حاسة الإبصار أو 
السمع على التوالي. 


هي إشارات حسية من البيئة الخارجية. مثل فوتونات 
(الرؤية البصرية). وموجات ضغط الهواء (السمع) أو 
جزيئات الروائح (الرائحة) تُحول (تُنقل) إلى قدرات فعلية 
بواسطة خلايا متخصصة. هذه هي الخطوة الأولى التي 





1۲ 


سرد المصطلحات 


ن 


٠‏ جراحة نصفي الدماغ: 


٠‏ الوصلات أو العقد العصبية:هي الحيز الموجود 


فيها يتم تلقي المعلومات من خارج الجسم من قبل 
الدماغ. 


تُعرف أيضًا باسم الجسم الثقني» حيث يُستأصل الجسم 
الثقني كإجراء للسيطرة على الصرع غير القابل للشفاء 
بوسائل أخرى. هذه الجراحة تزيل الاتصال بين نصفى 
الدماغ. ١‏ 


(عصبون) واحدةء وشجيرة من عصبون آخرء حيث يحدث 
فيه الاتصال بين العصبونات عن طريق إطلاق الناقلات 
العصبية. كما توجد وصلات أو عقد عصبين بين المحور 
واطمحور العصبيء وبين الشجيرة الواحدة وأختها الشجيرة 
العصبية. 


٠‏ التحفيز ال مغناطيسي عبر الجمجمة (1345): هي تقنية غير باضعة تستخدم لتحفيز 


أو منع نشاط الدماغ باستخدام سيال مغناطيسي للحث 
على تيارات كهربائية صغيرة في الأنسجة العصبية الباطنية. 
عادة ما تستخدم هذه التقنية لفهم تأثير مناطق الدماغ 
من خلال الدوائر العصبية. 


٠‏ اتفاقية يوليسس (1521م0) 28565 [01): هي اتفاقية مُلزمة وغير قابلة للفض 5 تستخدم 


٠‏ ا منطقة السطحية البطنية: 


لإلزام النفس بهدف مستقبلي محتمل يبرمه الشخص مع 
نفسه خشية من عدم قدرته على ضبط نفسه حينما تحين 
الفرصة. 

هي تركيبة تتألف من معظم الخلايا العصبية الدوبامينية 
الموجودة في الدماغ المتوسط. تلعب هذه المنطقة دوراً 
حاسماً في فكرة المكافآت. 





1۳ 


الهوامش والمراجع 


الفصل الأول: من انا؟ 
دماغ المراهقين وزيادة الوعي الذاقي 
Somerville, LH, Jones, RM, Ruberry, EJ, Dyke, JP, Glover, G & Casey, BJ‏ 


(2013) «The medial prefrontal cortex and the emergence of self-con- 
scious emotion in adolescence». Psychological Science, 24(8), 1554-62. 


ملاحظة: وجد الباحثون أيضًا زيادة في قوة الاتصال بين قشرة الفص الجبهي الإنسي ومنطقة دماغية 
أخرى تدعى النواة ا مخططية. التي تشارك مع شبكتها العصبية» في تحويل الدوافع إلى سلوكات. 
ويعتقد المؤلفون أن هذا الاتصال قد يفسر اذا تؤثر الاعتبارات الاجتماعية بقوة على السلوك في 
سن المراهقة, وبماذا هيل المراهقون إلى تعريض أنفسهم للمخاطرة في وجود الأقران. 

Bjork, JM, Knutson, B, Fong, GW, Caggiano, DM, Bennett, SM & Hommer, 
DW (2004) «Incentive-elicited brain activation in adolescents: similari- 


ties and differences from young adults». The Journal of Neuroscience, 
24(8(), 1793-182. 


Spear, LP (2000) «The adolescent brain and age-related behavioral man- 
ifestations». Neuroscience and Biobehavioral Reviews, 24(4), 417-63. 


Heatherton, TF (2011) «Neuroscience of self and self-regulation». An- 
nual Review of Psychology, 62, 363-90. 


سائقو سيارات الأجرة واختبار المعرفة 


Maguire, EA, Gadian, DG, Johnsrude, ,ذا‎ Good, CD, Ashburner, J, Frack- 
owiak, RS بع‎ Frith, CD (2000) «Navigationrelated structural change in the 
hippocampi of taxi drivers». Proceedings of the National Academy of 
Sciences of the United States of America, 97(8), 4398-4403. 


عدد الخلايا في الدماغ 
ملاحظة: هناك عدد متساو من الخلايا العصبية والخلايا الدبقيةء حوالي ست وستين مليار خلية من 
كل نوع في كامل الدماغ البشري. 


Azevedo, FAC, Carvalho, LRB, Grinberg, LT, Farfel, JM, Ferretti, REL, Leite, 
REP & Herculano-Houzel, S (2009) «Equal numbers of neuronal and 
nonneuronal cells make the human brain an isometrically scaled-up 
primate brain». The Journal of Comparative Neurology, 513(5), 532-41. 


تختلف تقديرات أعداد الوصلات العصبية (نظراً لاختلاف العقد العصبية اختلافاً كبيرأ)» لتصل 
إلى الكدريليون (ألف مليار) وهو تقدير منطقي ومعقولء إذا افترضنا ما يقارب مائة مليار خلية 





ع1" 


عصبية وحوالي عشر آلاف وصلة لكل منهما. بعض أنواع الخلايا العصبية لديها عدد أقل من العقد 

العصبية. وبعضها الآخر لها أكثر من ذلك (مثل خلايا بركنجي - حوالي مثتي ألف عقدة عصبية لكل 

خلية. ينظر أيضاً مجموع التقديرات في موسوعة: 

Eric Chudler'’s «Brain Facts and Figures»: Faculty. washington. edu/ 
chudler/facts, xhtmll!. 


الموسيقيون يتمتعون بذاكرة أفضل 
C & Cheung, MC (1998) «Music training improves verbal‏ لا Chan, AS, Ho,‏ 
memory. » Nature, 396(6707).‏ 


Jakobson, LS, Lewycky, ST, Kilgour, AR & Stoesz, BM (2008) «Memory for 
verbal and visual material in highly trained musicians. » Music Percep- 
tion, 26(1), 41-55. 

دماغ آينشتاين وعلامة أوميجا 
Falk, D (2009) «New information about Albert Einstein's Brain. « Fron-‏ 
tiers in Evolutionary Neuroscience, 1.‏ 


See also Bangert, M & Schlaug, G (2006) «Specialization of the special- 
ized in features of external human brain morphology. » The European 
Journal of Neuroscience, 24)6(, 1832-4. 


الذاكرة في ا مستقبل 
Schacter, DL, Addis, DR & Buckner, RL (2007) «Remembering the past to‏ 


imagine the future: the prospective brain. » Nature Reviews Neurosci- 
ence, 8(9), 657-61. 


Corkin, S (2013) Permanent Present Tense: The Unforgettable Life Of 
The Amnesic Patient. Basic Books. 

دراسة الراهبات 
Wilson, RS et al «Participation in cognitively stimulating activities and‏ 
risk of incident Alzheimer disease. » Jama 287. 6 (2002), 742-48.‏ 
Bennett, DA et al «Overview and findings from the religious orders‏ 
study. » Current Alzheimer Research 9. 6 (201 2): 628.‏ 
من خلال دراسة الخزعات الطبية. وجد الباحثون أن نصف الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل 
معرفية؛ لديهم علامات مرضية في الدماغ. وثلثهم يصل لعتبة مرض الزهايمر, وبعبارة أخرىء وجدوا 
علامات مرضية منتشرة في أدمغة الموق - ولكن هذه العلامات لا يتجاوز احتمال الإصابة بها نصف 


م اا ا يي 


10 


الدماغ أسطورة التكوين 





1٦1 


الحالات. لمعرفة المزيد عن دراسة التعاليم الدينية» ينظر: 
www. rush. edu/services-treatments/alzheimers-disease-center/reli-‏ 
gious-orders-study‏ 

المشكلات الذهنية والبدنية 
Descartes, R (2008) Meditations on First Philosophy (Michael Moriarty‏ 
translation of 1641 ed.), Oxford University Press,‏ 


الفصل الثاني: ما الواقع ؟ 


الأوهام البصرية 
Eagleman, DM (2001) «Visual illusions and neurobiology. » Nature Re-‏ 
views Neuroscience. 2(12), 920-6.‏ 


النظارات المنشورية 
Brewer, AA, Barton, B & Lin, L (2012) «Functional plasticity in human pa-‏ 
rietal visual field map clusters: adapting to‏ 


reversed visual input. » Journal of Vision, 12(9), 1398. 


لاحظ أنه بعد انتهاء التجربة وإزالة المتطوعين للنظارات. يستغرق الأمر يوماً أو يومين لكي يعودوا 
للوضع الطبيعي لان الدماغ يعيد تهيئة نفسه. 
توصيل الدماغ عن طريق التفاعل مع العام 


Held, 8 & Hein, A (1963) «Movement-produced stimulation in the de- 
velopment of visually guided behavior. » Journal of Comparative and 
Physiological Psychology, 56 (5), 872-6. 


اقتران الإشارات الزمنية 
Eagleman, DM (2008) «Human time perception and its illusions. » Cur-‏ 
rent Opinion in Neurobiology. 18(2), 131-36.‏ 


Stetson C, Cui, X, Montague, PR & Eagleman, DM (2006) «Motor-sensory 
recalibration leads to an illusory reversal of action and sensation. » Neu- 
ron. 51(5), 651-9. 


Parsons, B, Novich SD بغ‎ Eagleman DM (2013) «Motor-sensory recalibra- 
tion modulates perceived simultaneity of crossmodal events. » Fron- 
tiers in Psychology. 4:46. 


وهم القناع الفارغ 


Gregory, Richard (1970) The Intelligent Eye. London: Weidenfeld & 
Nicolson. 


G, Heard, P Goodale, MA & Gregory, RL (2006) «Dissociation‏ علدت ناما 
of perception and action unmasked by the hollow-face illusion. » Brain‏ 
Res, 1080 (1): 9-16.‏ 


يجح جح سس يس ب عي يي برع د ع د ن س 


ملاحظة هامة. عادة ما يكون مرضى الانفصام صُعفاء في رؤية وهم القناع الفارغ. 
Keane, BP, Silverst‏ 

depth inversion illusions in 
for multiple object types an 


ein, SM, Wang, Y & Papathomas, TV (2013) «Reduced 
schizophrenia are state-specific and occur 
d viewing conditions. » J Abnorm Psychol 

.122 )2(: 506-12 


الاقتران الحسي 
Cytowic, R & Eagleman, DM (2009) Wednesday is Indigo Blue: Discover-‏ 
ing the Brain of Synesthesia. Cambridge, MA: MIT Press.‏ 


Witthoft N, Winawer J, Eagleman DM (2015) «Prevalence of learned 
grapheme-color pairings in a large online sample of synesthetes. » PLoS 
ONE, 10(3), e0118996. 


Tornson, SN, Narayan, M, Allen, GI & Eagleman DM (2013) «Neural net- 
works of colored sequence synesthesia. » Journal of Neuroscience. 


33)35), 14098-106. 


Eagleman, DM, Kagan, AD, Nelson, SN, Sagaram, D & Sarma, AK (2007) 
«A standardized test battery for the study of Synesthesia. » Journal of 
Neuroscience Methods. 159, 139-45. 


التفاف الزمن 


Stetson, C, Fiesta, M & Eagleman, DM (2007) «Does time really slow 
down during a frightening event?» PloS One, 2(12), 1295. 


الفصل الثالث: من ينوك القيادة؟ 


قوة الدماغ غير الواعي 

Eagleman, DM (2011) Incognito: The Secret Lives of the Brain. Pantheon. 

اخترت مجموعة من ال مفاهيم لتضمينها في التفاف الدماغ مع بعض المختارات من كتابي: المتخفي 

(110هومءم1) وقد اشتملت هذه اواد على حكايات: مايك مایوء تشارلز ویتمان» وكين بارکس» 

وكذلك تجربة تتبع العين في ياربوس» ومشكلة العربات المتهورة, والرهن العقاريء وعقد يوليسيس. 

أثناء التخطيط لهذا المشروع, عددنا ذلك مقبولا بصورة عامة؛ لأن هذه الموضوعات تُوقشت 

بطريقة مختلفة ولأغراض محددة. 

جحوظ العينين والجاذبية 

Hess, EH (1975) «The role of pupil size in communication,» Scientific 
American, 233(5), 110-12. 

حالة التدفق 


Kotler, S (2014) The Rise of Superman: Decoding the Science of Ultimate 
Human Performance. Houghton Mifflin Harcourt. 


1۷ 


الدماغ أسطورة التكوين 





1۸ 


أثر الدماغ الباطن على اتخاذ القرارات 
Lobel, T (2014) Sensation: The New Science of Physical Intelligence. Si-‏ 
mon & Schuster.‏ 


Williams, LE & Bargh, JA (2008) «Experiencing physical warmth pro- 
motes interpersonal warmth. » Science, 322(5901(, 606-7. 


Pelham, BW, Mirenberg, MC & Jones, JT (2002) «Why Susie sells seashells 
by the seashore: implicit egotism and major life decisions,» Journal of 
Personality and Social Psychology 82, 469-87. 


الفصل الرابع: كيف نتخذ قراراتنا 


اتخاذ القرار 

Montague, R (2007) Your Brain is (Almost) Perfect: How We Make Deci- 
sions. Plume. 

التحالفات العصبية 


Crick, F & Koch, C (2003) «A framework for consciousness. » Nature Neu- 
roscience, 6(2), 119-26. 


مشكلة العربات المتهورة 


Foot, P (1967) «The problem of abortion and the doctrine of the double 
effect. » Reprinted in Virtues and Vices and Other Essays in Moral Phi- 
losophy (1978). Blackwell. 


Greene, JD, Sommerville, RB, Nystrom, LE, Darley, JM & Cohen, JD (2001) 
«An fMRI investigation of emotional engagement in moral judgment. » 
Science, 293(5537), 2105-8. 


لاحظ أن العواطف هي استجابات جسدية قابلة للقياس ناجمة عن أشياء تحدث. من ناحية أخرى» 
فإن المشاعر هي التجارب الشخصية التي تصاحب أحياناً هذه العلامات الجسدية - ما يعتقده 
الناس عادة على أنه أحاسيس السعادة والحسد والحزنء وما إلى ذلك» الدوبامين والمكافآت غير 
المتوقعة. 

Zaghloul, KA, Blanco, JA, Weidemann, CT, McGill, ,كا‎ Jaggi, JL, Baltuch, 


GH & Kahana, MJ (2009) «Human substantianigra neurons encode un- 
expected financial rewards. » Science, 323(5920), 1496-9. 


Schultz, W, Dayan, P & Montague, PR (1997) «A neural substrate of pre- 
diction and reward. » Science, 275(5306), 1593-9. 


Eagleman, DM, Person, C & Montague, PR (1998) «A computational role 
for dopamine delivery in human decisionmaking. » Journal of Cognitive 
Neuroscience, 10(5), 623-30. 


متب ج ا ا 


Rangel, A, Camerer, © & Montague, PR (2008) «A framework for study- 
ing the neurobiology of value-based decision making. » Nature Reviews 


Neuroscience, 9(7), 545-56. 
القضاة وأحكام إخلاء السبيل المقيدة‎ 
Danziger, S, Levav, ل‎ & Avnaim-Pesso, L (2011) «Extraneous factors in ju- 


dicial decisions. » Proceedings of the National Academy of Sciences of 
the United States of America, 108(1 7), 6889-92. 


العواطف في اتخاذ القرارات 
Damasio, A (2008) Descartes’ Error: Emotion, Reason and the Human‏ 
Brain. Random House.‏ 

قوة الحاضر 

Dixon, ML (2010) «Uncovering the neural basis of resisting immediate 
gratification while pursuing long-term goals. » The Journal of Neurosci- 
ence, 30(18), 6178-9. 
Kable, JW & Glimcher, PW (2007) «The neural correlates of subjective 
value during intertemporal choice. » Nature Neuroscience, 10(12), 
1625-33. 
McClure, SM, Laibson, Dl, Loewenstein, G & Cohen, JD (2004) «Separate 


neural systems value immediate and delayed monetary rewards. » Sci- 
ence, 306(5695), 503-7. 


لا تنطبق قوة الحاضر على الأمور الراهنة فحسب» بل تنطبق أيضاً على الأشياء الآنية. أمعن النظر 
في المثال التالي الذي اقترحه الفيلسوف بيتر سينغر(865هذ5 عع]6): عندما تكون على وشك تناول 
ساندويشة» وأنت تنظر من النافذة. وترى طفلاً على الرصيف» يتضور جوعاً. ودموعه تسح على 
خدوده الهزيلة. هل هكن أن تتخلى عن سندويشتك للطفلء أم أنك ستستمر في أكلها؟ يشعر الكثير 
من الناس بالسعادة لتقديم تلك الساندويشة إلى ذلك الطفل المسكين. وقي الوقت نفسهء يوجد 
الكثير من الأطفال الجوعى في أفريقياء تماماً مثل ذلك الطفل الذي رأيته في ناصية الشارع وأنت 
تأكل سندويشتك. وكل ما تحتاجه هو أن تنقر بالفأرة على كبسة لإرسال © دولارات. ما يعادل 


تكلفة الساندويتش. ومع ذلكء. ورغم كرمك الحاتمي في المشهد الأول إلا أنك من غير المحتمل 


أن ترسل أي مبلغ لأطفال أفريفيا اليوم» أو حتى في القريب العاجل. لماذا مم تقم بمساعدة أطفال 
أفريقيا؟ ذلك لأن سيناريو الطفل الأول» يضعك في مواجهة الطفل مباشرة, أما الثاني فيتطلب منك 
تخيل الموقف. 


قوة الإرادة 


Muraven, M, Tice, DM & Baumeister, RF (1998) «Self-control as a limited 
resource: regulatory depletion patterns. » Journal of Personality and So- 
cial Psychology, 74(3), 774. 


Baumeister, RF & Tierney, J (2011) Willpower: Rediscovering the Great- 
est Human Strength. Penguin. 


۹ 


الدماغ أسطورة التكوين 





فين 


السياسة والشعور بالازدراء 
Dayan, ©‏ بع Ahn, W-Y , Kishida, KT, Gu, X, Lohrenz, T, Harvey, A, Alford, JR‏ 


(2014) «Nonpolitical images evoke neural predictors of political ideol- 
ogy. » Current Biology, 24(22), 2693-9. 


إنرزيم الأوكستين 
Scheele, D, Wille, A, Kendrick, KM, Stoffel-Wagner, B, Becker, B,‏ 
Güntürkün, O & Hurlemann, R (2013) «Oxytocin enhances brain reward‏ 
system responses in men viewing the face of their female partner. » Pro-‏ 


ceedings of the National Academy of Sciences, 110(50), 20308-313. 


Zak, PJ (2012) The Moral Molecule: The Source of Love and Prosperity. 
Random House. 


القرارات والمجتمع 

Levitt, SD (2004) «Understanding why crime fell in the 19905: four fac- 

tors that explain the decline and six that do not. » Journal of Economic 
Perspectives, 163-90. 


Eagleman, DM & Isgur, S (2012). «Defining a neurocompatibility index 
for systems of law». in Law of the Future, Hague Institute for the Inter- 
nationalisation of Law. 1(2012), 161-172. 

التغذية الراجعة في الوقت الفعلي في التصوير العصبي 
Eagleman, DM (2011) Incognito: The Secret Lives of the Brain. Pantheon.‏ 


الفصل الخامس: هل أنا بحاجتك؟ 


قراءة نوايا الآخرين 


Heider, ع‎ & Simmel, M (1944) «An experimental study of apparent be- 
havior. » The American Journal of Psychology, 243-59. 


التعاطف مع الآخرين 


Singer, T, Seymour, B, O’ Doherty, J, Stephan, K, Dolan, R & Frith, C (2006) 
«Empathic neural responses are modulated by the perceived fairness of 
others. » Nature, 439(7075), 466-9. 


Singer, T, Seymour, B, O'Doherty, J, Kaube, H, Dolan, R & Frith, C (2004) 
«Empathy for pain involves the affective but not sensory components 
of pain. » Science, 303(5661), 1157-62. 


التعاطف والجماعات المختلفة 


Vaughn, DA, Eagleman, DM (2010) «Religious labels modulate ermpa- 
thetic response to another's pain. » Society for Neuroscience abstract. 


Harris, LT & Fiske, ST (2011). «Perceiving humanity. » In A. Todorov, S. 
Fiske, & D. Prentice (eds.). Social Neuroscience: Towards Understanding 
the Underpinnings of the Social Mind, Oxford Press. 


Harris, LT & Fiske, ST (2007) «Social groups that elicit disgust are differ- 
entially processed in the mPFC. » Social Cognitive Affective Neurosci- 


ence, 2, 45-51. 
الدوائر الكهربائية للدماغ المخصصة للاتصال بالأدمغة الأخرى‎ 
Plitt, M, Savjani, RR & Eagleman, DM (2015) «Are corporations people 


too? The neural correlates of moral judgments about companies and 
individuals. » Social Neuroscience, 10(2), 113-25. 


الأطفال والثقة 


Hamlin, JK, Wynn, K & Bloom, P (2007) «Social evaluation by preverbal 
infants. » Nature, 450(7169), 557-59. 

Hamlin, JK, Wynn, K, Bloom, P & Mahajan, N (2011) «How infants and 
toddlers react to antisocial others. » Proceedings of the National Acad- 
emy of Sciences, 108(50), 19931-36. 

Hamlin, JK & Wynn, K (2011) «Young infants prefer prosocial to antiso- 
cial others. » Cognitive Development. 2011, 26(1):30-39. doi:10. 1016/j. 
cogdev. 2010. 09. 001. 


Bloom, P (2013) Just Babies: The Origins of Good and Evil. Crown. 
قراءة العواطف من خلال محاكاة وجوه الآخرين‎ 


Goldman, Al & Sripada, CS (2005) «Simulationist models of face-based 
emotion recognition. » Cognition, 94(3). 


Niedenthal, PM, Mermillod, M, Maringer, M & Hess, U (2010) «The simu- 
lation of smiles (SIMS) model: embodied simulation and the meaning 
of facial expression. » The Behavioral and Brain Sciences, 33(6), 417-33; 
discussion 433-80. 


Zajonc, RB, Adelmann, PK, Murphy, ST & Niedenthal, PM (1987) «Con- 
vergence in the physical appearance of spouses. » Motivation and Emo- 
tion, 11(4), 335-46, 


فيما يتعلق بتجربة 1۷5 مع جون روبنسونء يقول الأستاذ باسكوال- ليون: «لا نعرف بالضبط 
ماذا حدث في علم الأعصاب» ولكن أعتقد أنه الآن يتيح الفرصة لنا لفهم تعديلات السلوك. ما هي 
التدخلات التي يمكن تعلّمها من [حالة جون] ويمكننا تعليمها للآخرين. 

البوتوكس يقلل من قدرة الفرد على قراءة لغة الوجه 

Neal, DT & Chartrand, TL (2011) «Embodied emotion perception ampli- 


fying and dampening facial feedback modulates emotion perception 
accuracy. » Social Psychological and Personality Science, 2(6), 673-8. 


كان التأثير ضئيلاً. لكنه معنوي: أظهرت النتائج أن مستخدمي البوتكس كانوا قادرين على تحديد 
العواطف بدقة بلغ معدلها ۷١‏ في حين بلغ معدل دقة المجموعة الضابطة لالا #, 


BaronCohen, 5, Wheelwright, S, Hill, J, Raste, Y & Plumb, | (2001) «The 
Reading the Mind in the Eyes’ test revised verslon: A study with normal 


لفرض 


الدماغ أسطورة التكوين 





adults, and adults with Asperger syndrome or high unctioning autism. 
» Journal of Child Psychology and Psychiatry, 42(2), 241-51. 


دور الأبتام في رومانيا 
Nelson, CA (2007) «A neurobiological perspective on early human dep-‏ 
rivation. » Child Development Perspectives, 1(1), 13-18.‏ 


آلام العزل الاجتماعي 
Eisenberger, NI, Lieberman, MD & Williams, KD (2003) «Does rejection‏ 
hurt? An fMRI study of social exclusion. » Science, 302(5643), 290-92,‏ 


Eisenberger, NI & Lieberman, MD (2004) «Why rejection hurts: a com- 
mon neural alarm system for physical and social pain. » Trends in Cogni- 
tive Sciences, 8(7), 294-300. 


السجن الانفرادي 

بعد مقابلاتنا التي أجريناها مع ساره شاورد للمسلسل التلفزيونيء ينظر أيضاً: 

Pesta, A (2014)'Like an Animal’: Freed U. S. Hiker Recalls 410 Days in Iran 

Prison. NBC News. 

الأمراض النفسية والقشرة الجبهية 

Koenigs, M (2012) «The role of prefrontal cortex in psychopathy. » Re- 
views in the Neurosciences, 23(3), 253-62. 

المنطقتان الدماغيتان اللتان تنشطان بشكل مختلف عند المرضى النفسيين هما منطقتان مجاورتان 

للجزء الأوسط من القشرة الجبهية: القشرة الجبهية البطنية والقشرة الحزامية الأمامية. هذه 

ا مناطق شائعة في الدراسات الخاصة باتخاذ القرارات الاجتماعية والعاطفية. ويلاحظ انخفاض 

تنظيمهما في الحالات المرضية. 

تجربة العيون الزرقاء والعيون البنية 

Transcript quoted from A Class Divided, original broadcast: March 26th 


1985. Produced and directed by William Peters. Written by William Pe- 
ters and Charlie Cobb. 


الفصل السادس: كيف سنكون في المستقبل؟ 
عدد الخلايا في جسم الإنسان 


Bianconi, E, Piovesan, A, Facchin, را‎ Beraudi, A, Casadei, R, Frabetti, F & 
Canaider, S (2013) «An estimation of the number of cells in the human 
body. » Annals of Human Biology, 40(6), 463-71. 


مرونة الدماغ 


Eagleman, DM (in press). LiveWired: How the Brain Rewires Itself on the 
Fly. Canongate. 


Eagleman, DM (March 17th 2015). David Eagleman: «Can we create new 
senses for humans?» TED conference. [Video file]. http://www. ted. com/ 


e ZL Û iùğË e 


YY 





talks/david_eagleman_can_we_create_new_senses_for_humans? 


Novich, SD & Eagleman, DM (2015) «Using space and time to encode 
vibrotactile information: toward an estimate of the skin's achievable 


throughput. » Experimental Brain Research, 1-12. 

زراعة القوقعة 
Chorost, M (2005) Rebuilt: How Becoming Part Computer Made Me‏ 
More Human. Houghton Mifflin Harcourt,‏ 


الإحلال الحسي 
Bach-y-Rita, 8 Collins, C, Saunders, F White, 8 & Scadden, L (1969) «Vi-‏ 
sion substitution by tactile image projection. » Nature, 221 (5184), 963-‏ 


4. 


Danilov, Y & Tyler, M (2005) «Brainport: an alternative input to the brain. 
» Journal of Integrative Neuroscience, 4(04), 537-50. 


خريطة الوصلات العصبية: رسم خريطة لجميع الوصلات العصبية في الدماغ 


Seung, S (2012) Connectome: How the Brain's Wiring Makes Us Who We 
Are. Houghton Mifflin Harcourt. 


Kasthuri, N et al (2015) «Saturated reconstruction of a volume of neo- 
cortex. » Cell: in press, Image credit for volume of mouse brain: Daniel R 
Berger, H Sebastian Seung & Jeff W. Lichtman. 


مشروع الدماغ البشري 

مشروع الدماغ الأزرق: ch‏ .قمع .http://bluebrain.‏ بلغ عدد الشركاء في المشروع حوالي سبعة 
وثمانين شريكاً دولياً لإدارة مشروع الدماغ البشري. 

الحاسوبية في المواد التفاعلية الآخرى 

إن بناء أجهزة حاسوبية هواد تفاعلية غريبة له تاريخ طويل؛ فقد بني جهاز كمبيوتر تناظري سابق 
يدعى Water Integrator‏ في الاتحاد السوفيتي في عام 19. هناك أمثلة على استخدام حواسيب 
مائية تعمل بالسوائل الدقيقة: ينظر: 


Katsikis, 6, Cybulski, JS بع‎ Prakash, M (2015) «Synchronous universal 
droplet logic and control. » Nature Physics. 


تجربة الغرفة الصينية 


Searle, JR (1980) «Minds, brains, and programs. » Behavioral and Brain 
Sciences, 3(03), 417-24, 


لا يتفق الجميع مع هذا التفسير للغرفة الصينية. يقترح بعض الناس أنه على الرغم من أن الشخص 
داخل الغرفة لا يفهم اللغة الصينية, إلا أن النظام ككل (الشخص مع الكتب) يفهم اللغة الصينية. 


Leibniz, GW (1989) The Monadology. Springer. 


| 


YY 


الدماغ أسطورة التكوين 





YE 


إليكم شروحات ليبنيز عن مطحنته: 
إضافة إلى ذلك يجب أن نعترف أن الإدراك وما يعتمد عليه لا مكن تفسيره بناء على أسباب 
ميكانيكية. أي من خلال الأرقام والحركات. ولنفترض أن لدينا آلة» صنعت بحيث تقوم بالتفكير 
والشعورء والإدراك. ولنفترضها كبيرة الحجم وفي الوقت نفسه تحتفظ معدلاتها نفسهاء بحيث 
تسمح للشخص أن يدخل فيهاء كما يدخل الشخص إلى المطحنة. فعندما نقوم بفحص تصميمها 
الداخلي, فإننا سنجد قطع فقط تعمل مع بعضها بعضاً وأننا لن نجد أي شيء آخر يفسر الإدراك. 
وعليه. فإنه ينبغي النظر إلى الإدراك من خلال المادة البسيطة, وليس من خلال تركيب القطع, أو 
الآلة. وعلاوة على ذلك. فإنه لا يوجد شيء (ما نسمّيه الإدراكات والتغيرات التي تطرأ عليها). ف 
(الإدراك) يمكن أن يوجد ليس في غير هذا وحده الذي تحدث داخله جميع النشاطات الداخلية 
للمادة البسيطة. 

النمل 


Hölldobler, 8 & Wilson, EO (2010) The Leafcutter Ants: Civilization by In- 
stinct. WW Norton & Company. 


الوعي 


Tononi, G (2012) Phi: A Voyage from the Brain to the Soul. Pantheon 
Books. 


Koch, C (2004) The Quest for Consciousness. New York. 


Crick, F & Koch, C (2003) «A framework for consciousness. » Nature Neu- 
roscience, 6(2), 119-26. 


بحست سس د عي ع جا عي 


مصادر الصور 


أخذت جميع الصور الواردة في هذا الكتاب من المسلسل التلفزيوني «الدماغ مع ديفيد إيجلمان» 
(The Brain with David Eagleman)‏ محطة بوبليك برودكاستنج سيرفيس ا معروفة اختصارا 
ب بي بی [س (كصلاظ kہنا8, :)١16‏ وأعيد إنتاجها بترخيص. ما لم يشار في المتن إلى خلاف ذلك. 
Credits 1. 7, 1.17, 2.4, 2. 5, 2. 12, 3.4, 3.10, 3.17, 4. 7 (Brain illustration),‏ 

4.9, 4.12, 4.13, 5. 17 (Brain illustration) © Dragonfly Media Group 


Credits 1. 14, 4. 1, 4. 5, 4. 6, 4. 7, 4. 10, 6.9, 6. 14, 6. 15, 6. 19 (garden) © 
Ciléin Kearns 
Credits 1.6, 2.8, 2. 14, 4. 14, 5.8, 5. 15, 5. 16, 6. 2, 6. 3 © David Eagleman 


Credit on the following pages are in the public domain: 1. 8, 1. 10 (Al- 
bert Einstein), 1. 18, 1. 19, 3.2, 4. 2, 5. 13, 6. 18, 6. 22, 


6.23, 6.4 

Credits 1. 2: Rhino © GlobalP; Baby © LenaSkor 

Credit 1.3 © Corel, J.L. 

Credit 1. 4 © Michael Carroll 

Credit 1. 10 (Illustration of Einstein's brain) © Dean Falk 
Credit 1.11 © Shel Hershorn/Contributor/Getty Images 
Credit 2. 1 © Akiyoshi Kitaoka 

Credit 2. 2 © Edward Adelson, 1995 

Credit 2. 3 © Sergey Nivens/Shutterstock 

Credit 2. 10 © Science Museum/Science & Society Picture Library 
Credit 2. 11 © Springer 

Credit 2. 13 © Arto Saari 

Credit 2. 15 © Steven Kotler 

Credit 3. 6: Man in EEG Cap © annedde/iStock; EEG chart © Otoomuch 
Credit 3.9 © Fedorov Oleksiy/Shutterstock 

Credit 3. 12 © focalpoint/CanStockPhoto 

Credit 3. 13 © Chris Hondros/Contributor/Getty Images 
Credit 3. 14 © Eckhard Hess 

Credit 3. 16 © Frank Lennon/Contributor/Getty Images 
Credit 4.3 © rolffımages/CanStockPhoto 

Credit 5. 1 © Fritz Heider and Marianne Simmel, 1944 
Credit 5. 4 © zurijeta/CanStockPhoto 


Yro 


الدماغ أسطورة التكوين 





Credit 5.7 © Simon Baron-Cohen et al. 

Credit 5. 9 © Shon Meckfessel 

Credit 5. 10 © Professor Kip Williams, Purdue University 

Credit 5. 11 © SW Infographics 

Credit 5. 12 © Anonymous/AP Images 

Credit 5. 17 (Homeless man) © Eric Poutier 

Credit 6. 4 © Bret Hartrman/TED 

Credit 6. 6 © cescassawin/CanStockPhoto 

Credit 6. 10 (Chunk of Brain) © Ashwin Vishwanathan/Sebastian Seung 
Credit 6. 12 © Ashwin Vishwanathan/Sebastian Seung 

Credit 6. 19 (Ants) © Gail Shumway/Contributor/Getty Images 


Credits 6. 20: Ant Bridge © Ciju Cherian; Neurons © vitstudio/Shutter- 
stock 


Credit 6. 21 © Giulio Tononi/Thomas Porostocky/Marcello Massimini. 

تم الاتصال بجميع أصحاب حقوق الطبع والنشر والحصول على تصاريح منهم لاستخدام مواد 

منشورة تعود ملكيتها لهم. يعتذر الناشر عن أي خطأ أو سهوء وسوف يكون ممتناً إذا تم إخباره 
بأي تصويبات يمكن إدراجها في النسخ أو الطبعات المستقبلية من هذا الكتاب. 


إصدارات أخرى للمؤلف 
- الكل: أربعون حكاية من الحياة الآخرة 
- التخفي: الحياة السرية للدماغ 


- أهمية نظام الشبكات: ست طرق سهلة لتفادي أفول الحضارات 


- الأربعاء: صبغة النيلة الزرقاء مع Richard Cytowic‏ 


۲۹ 


عن المترجم 


ولد الدكتور خليل شحادة القطاونة في مدينة الكرك, الأردن عام 1974 
وحصل على درجة الدكتوراة في مناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية 
من جامعة عمّان العربية للدراسات العليا عام ١٠٠۲ء‏ ويعمل مدرساً فى 
جامعة الطفيلة التقنية منذ عام ٠٠0‏ كما عمل خلال هذه الفترة في 
عدة جامعات عايلية منها: جامعة بردج ووتر الحكومية في ماساتوشستس 
بأميركا وجامعة عمّان العربية وجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل 
في الدمّام, السعودية. 

وتو خلال هذه الفترة العديد من الهام الإدارية العليا منها مساعداً 
لرئيس الجامعةء وعميداً لكلية العلوم التربويةء ومديراً لرئاسة الجامعة, 
ومديراً لأمانة سر العديد من المجالس الإدارية والتعليمية في جامعة 
الطفيلة التقنية. 

وساهم في تأسيس ورئاسة تحرير مجلة «الحارث الأسدي» وهي مجلة 
ثقافية جامعيّة, ومجلة «دراسات السنة التحضيرية» في جامعة الدمّام 
وهي دورية علمية محكمة. 


نشر (۱۷) بحثاً ودراسة علمية باللغتين العربية والإنجليزية في دوريات 
علمية دولية محكّمة: وله العديد من الأعمال المترجمة منها: «المدخل 
المفهومي في تصميم المناهج والتدريس» للؤلفته لين إريكسون (۲۰۱۲)» 
و«تخوم الجزيرة العربية: قصة بريطانيا في رسم حدودها في الصحراء»» 
مؤلفه جون ويلكنسونء١199,‏ (مخطوط). و«وفاة النظرية التربوية» 
لمؤلفه ديفيد جيلين» ۲۰۰۳ وهو مقال علمي» و«مئة عام من تصميم 
المناهج» لؤلفته كلتينج جبسون» ٠١١7‏ وهو مقال علمي» وغيرها 
الكثير. 


نضا 


2 


ديفيد إيجلمان 


ترجمة: 
د. خليل شحادة القطاونة 


هذا الكتاب هو الترجمة العربية ل The Brain: The Story of"‏ 
"۲u‏ (الدلیل الورقی للمسلسل الوتائقی التلفزیونی "8۲21۸ م٣‏ 
"with David Eagleman‏ الذي بثته قناة 585 الأميركية وقناة 88€ 
البريطانية) الذي يهدف إلى إنتاج معرفة طازجة عن الدماغ؛ "الصندوق 
الأسود" الذي نحمله فوق الكتفين. والذي يلعب دوراً كبيراً في تشكيل 
حياتنا بالدرجة نفسها التي يتأثر بها تكوينه بالبيئات الاجتماعية 
والمادية التي نعيش فيها. ٠‏ 

بأسلوب ميسّر للقارئ -العادي والمتخصص على حد سواء- يتناول الكتاب 
مواضيع مهمّة حيّرت العلماء عبر التاريخ: ويجيب عن أسئلة كبيرة على 
غرارا كيف نتکل هوا وذكرياتنة: وكبراتتنا؟ وما علاط الملدة 
العصبية في إدراك الواقع من حولنا؟ وكيف تقوم بتحويله من مجرد طاقة 
ومادة إلى خبرات بألوان ومذاقات وأحاسيس مختلفة؟ وكيف تتولّى 
الشبكات العصبية إدارة حياقتا؟ وكيدف تتنلفس فى ها بيئها لأتخان 
القرازات المتعلقة بحياتنا تماما كما تتنلفس الأحزاب فى السيطرة على 
الحياة السياسية داخل البرلمانات الديمقراطية في العالم؟ 

تعتمد الإجابات التى يَقَدَمَهَا الكتاب لفذه الطزوخات :على دراسات 
وتجارب علمية استفادت من تقنيات التصوير الطبقي والرنين 
المغناطيسي وتقنيات أخرى خاصة في المختبر الضخم الذي يديره 
المؤلف في نيويورك. 

كما يجيب الكتاب عن أسئلة حرجة نتعرّض لها يوميا ولا نجد لها إجابة. 
مثل: كيف يحدث الحب بين الأفراد؟ وكيف يحدث الصراع بين الناس؟ 
ولماذا تتظور الصراعات إلى حوادث إبادة جماعية كما حصل للمسلمين 
في البوسنة على سبيل المثال؟ 

وللقارئ الشغوف بالمستقبل ومالاته. نصيبٌ كبير في هذا الكتاب. حيث 
0 وإمكانية تجاوزه 
لعجزه الجسدي إلى آفاق أبعد تخالط الخيال من خلال دمج التكنولوجيا 
ببيولوجيا الجسم - وما النظّارة الطبيّة والقوقعة السمعية إلا محاولتان 
بسيطتان ستتبعهما محاولات أكثر جرأة وطموحاً قد تقودنا إلى حياة 
أطول؛ وأكثر إمتاعا ووعيا ورفاهية وسعادة! 


ناشرون وموزعون 


PUBLISHERS & DISTRIBUTORS 
عمان - شارع الملكة رانيا‎ 


عمارة البيجاوي طابق 3 
نق ال 7162720 9 
alaan.publish@gmail.com‏